ترجمة حفصة جودة
كان نداء الصلاة يصدح بين جنبات المركز الإسلامي في هامتراميك يتخلله تناول عصير الليمون والتمر، كانت الساعة 8:53 عند غروب الشمس وكان هناك نحو 100 رجل وطفل يمني أمريكي يجلسون على السجاد ويشكرون الله في أثناء الإفطار، يقول عارف هوسكيك – قائد ديني بوسني جاء للصلاة هنا -: “الأمر يشبه اكتساب حياة جديدة، فنحن نختبر أنفسنا بالخضوع لله”.
على بعد 100 متر في الطريق يقع أحد مطاعم هذه المدينة، وكان التنبيه قد انطلق من هاتف تاريا بيغوم حيث كان تطبيق “Muslim Pro” يخبرها هي وصديقاتها البنغاليات الأمريكيات أن الوقت قد حان لتناول طعام الإفطار، تقول أمينة – 21 عامًا -: “كان اليوم الأول صعبًا لكن الأمور تصبح أسهل عندما تمر أيام شهر رمضان”.
في واحدة من أسرع المدن الأمريكية تطورًا – التي تعد أول مدينة في البلاد تختار مجلس مدينة ذا أغلبية مسلمة – كانت المواطنون على اختلافهم يلاحظون أجواء رمضان، لكن رمضان هذا العام في هامتراميك يجلب الشعور بالنبذ وأيضًا الاتصال العميق مع المجتمع حيث يسود جو من الإسلاموفوبيا التي ظهرت بشدة مع وصول ترامب للرئاسة.
تقول شاهريا إسلام – 21 عامًا -: “منذ فوز ترامب أصبحنا أكثر حذرًا لكن مجتمعنا الإسلامي أصبح متقاربًا، فنحن نهتم ببعضنا البعض لأننا نعلم أننا مستهدفون”.
تشرب أمينة الشاي في مطعم ريماس بعد أن تناولت الإفطار مع صديقاتها عقب غروب الشمس
كانت هامتراميك في أحد الأيام مركزًا للمهاجرين البولنديين الذين جاءوا إليها عام 1914 للعمل في مصنع “Dodge” ومع إغلاق المصنع أبوابه عام 1980 نزح الكثير من الأوروبيين الشرقيين الذين كانوا يشكلون نحو 75% من سكان المدينة، والآن يشكل المهاجرون اليمنيون والبنغلاديش غالبية السكان.
هذا التحول السريع يظهر في واجهات المحال بالمدينة، حيث تجد متجرًا لبيع المنتجات الحلال وفي مقابله مطعم بولندي، وهذا المقهى الذي يعرض الفن المحلي يقع على بعد عدة أبواب من محل الملابس البنغالي الذي يبيع الحرير المزخرف وأغطية الرأس المشرقة.
في أحد المقاهي بين أرفف الكتب والمجلات كان سعد المسماري يبدأ يومه بتوزيع بطاقات عمله ويشرح رؤيته عن المدينة لأي شخص يرغب في الاستماع، وصل سعد – 31 عامًا – إلى الولايات المتحدة من اليمن عام 2009 ولم يكن يتحدث أي كلمة إنجليزية، والآن أصبح عضوًا في مجلس المدينة منذ عام 2015، أثارت تلك الأخبار غضب المحافظين وقالوا إن هامتراميك أصبحت خاضعة للشريعة الإسلامية.
يقول المسماري الذي قاد حملة لتوفير تمويل أفضل للمدارس العامة وتعزيز التنوع: “أنا مجرد شخص اجتماعي أحب السياسة ومساعدة الناس من خلال المناصب المنتخبة، لكن ردود الفعل محزنة للغاية”.
عارف هوسكيك أمام المركز الإسلامي بمدينة هامتراميك
يعمل هذا الأب الطموح – لديه 3 أطفال – في صناعة الآيس كريم للوفاء باحتياجات أسرته، بينما يقوم بحملاته الانتخابية الآن وهو صائم، يقول سعد: “الأمر شاق للغاية، حيث أطرق أبواب الناس كل يوم فيتحدثون معي وهم يأكلون ويشربون بينما أنا صائم ومتعب، لكن ينبغي أن ابتسم للناس وأتصرف كأنني أفضل شخص على الإطلاق أمام الناخبين حتى لو لم أكن قد تناولت أي طعام منذ 15 ساعة”.
كانت مقاومة التمييز العنصري لإدارة ترامب ضد المسلمين شديدة للغاية في مجتمع هامتراميك الليبرالي، فقد خرج الآلاف إلى الشوارع بعد إعلان ترامب حظر السفر الذي استهدف مواطني 6 دول إسلامية، وفي أبريل بعد أن صدر حكم المحكمة العليا بشأن الحظر أغلق أكثر من 100 محل تجاري أبوابه احتجاجًا على ذلك، لكن هذا الحظر الذي تضمن اليمن كان له تأثير مباشر على الكثير هنا.
عانى معاذ الموجري – 32 عامًا ومدرس علوم ورياضيات في إحدى المدارس المحلية المتوسطة – كثيرًا من أجل شقيقته التي تعيش في محافظة إب التي تقع تحت أيدي المتمردين غرب اليمن مع زوجها وأطفالها، فقد أصبح طلب التأشيرة الخاص بها في طي النسيان بعد أن صدر قرار ترامب، ويخشى عليها معاذ يوميًا أن تتعرض للقتل في اليمن، يعمل معاذ في عمل آخر بعد المدرسة لكي يتمكن من إرسال 500 دولار شهريًا لأخته مما يعني أنه يتمكن بالكاد من سداد فواتيره الخاصة.
يقول الموجري إنه اتخذ قرارًا بعدم الذهاب إلى المسجد في رمضان، هذا القرار يمثل تفكير الكثير من المسلمين في عصر ترامب بسبب المناخ المحيط، ويضيف: “لا أشعر بالأمان هناك، أشعر دائمًا أن أمرًا ما سيحدث، فنحن لا يمكننا الالتفات إلى أي مكان في أثناء الصلاة فماذا لو جاء أحدهم ببندقية وأطلق علينا النار مثلما حدث في كندا”.
معاذ الموجري مواطن أمريكى يمني ومعلم في مدينة هامتراميك
يشهد شهر رمضان زيادة ملحوظة في حملات التوعية بمركز خدمة الأسرة الإسلامية وهو منظمة غير ربحية تساعد الأسر المسلمة الفقيرة في هامتراميك – معظمهم لاجئين – وذلك بتوزيع التبرعات الغذائية ومنتجات الرعاية، ويعيش نحو 49.7% من سكان المدينة في الفقر وفقًا لبيانات التعداد السكاني الأمريكية وهو رقم يتجاوز المعدل الوطني بـ4 أضعاف.
تقول سومي أكتير – مديرة الإدارة، 33 عامًا -: “في هذا الوقت من العام يصبح الناس أكثر سخاءً ونتلقى الكثير من التبرعات عما يصلنا خلال العام”، هذه المهمة تجعل سومي مشغولة للغاية ولا تتمكن من الذهاب إلى المسجد بعد العمل حيث تسرع إلى منزلها لتطبخ الطعام لطفليها قبل موعد الإفطار.
رغم الدراسة التي أجرتها جامعة هارفرد حديثًا وتقول إن الدول ذات الأغلبية المسلمة وتصوم لساعات طويلة خاصة في الصيف تعاني من تأثير سلبي طفيف في الاقتصاد، إلا أن الولايات المتحدة التي يعتبر المسلمون بها أقلية صغيرة لن يتأثر اقتصادها بشكل سلبي إطلاقًا.
وفي جنوب هامتراميك الآن يستضيف الأستاذ فريق مدينة ديترويت لكرة القدم الذي يلعب في الدور الممتاز وقد بدأ الموسم للتو ويضم النادي العديد من المشجعين من مختلف المجموعات العرقية في المدينة.
صلاح حدوة ومرتضى عبيد في ملعب مدينة ديترويت
يعد صلاح حدوة – 28 عامًا – من المشجعين المخلصين للنادي وفي المباريات يطلق قنابل الدخان من المدرجات وفي بعض الأوقات يعمل في بيع الطعام في أثناء المباريات حيث يبيع الكباب مع رجل الأعمال المحلي مرتضى عبيد.
في رمضان العام الماضي كان الفريق يلعب 7 مباريات على أرضه لذا كان الاثنان يصلان إلى الملعب في الخامسة صباحًا وينصبان الكشك ثم ينامان في المدرجات قبل انطلاق المبارة للحفاظ على طاقتهما، أما هذا العام فهما سعيدان لأن هناك 3 مباريات فقط للفريق في رمضان وجميعها في وقت متأخر من اليوم.
يقول حدوة: “فريق ديترويت جزء من هامتراميك وهامتراميك جزء مني، هذ المكان هو وطني وهذه مدينتي”، كان علم الولات المتحدة في الملعب منكسًا للنصف بسب حادثة إطلاق النار في مدرسة بتكساس، وفي الملعب كان فريق محلي لإحدى المدارس الثانوية يمارس تدريبات كرة القدم، ويضيف حدوة: “التغيير دائمًا ما يكون صعبًا على الناس، لكن لم يحدث أي تغيير كبير في شهر رمضان ولن نسمح لأي شيء بأن يؤثر على صيامنا خاصة التصريحات السلبية لترامب”.
المصدر: الغارديان