“الأهلي فوق الجميع، أتمنى من مجلس إدارة نادينا الموقر أن يفتح لنا نحن مشجعي النادي ومحبيه حسابًا بنكيًا لرد كل المبالغ التي قدمها معالي رئيس هيئة الرياضة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة لنساهم معًا في محو الحزن والألم الذي أصابنا جميعًا جراء الأمور الأخيرة”، أثارت هذه الكلمات التي علق بها نجم الأهلي المعتزل محمد أبو تريكة على أزمة ناديه السابق مع تركي آل الشيخ حالة من الجدل داخل الشارع المصري والسعودي على حد سواء.
تدوينات 4 نشرها تريكة على حسابه الشخصي على “تويتر” مساء الأحد الماضي، أحدثت زوبعة غير مسبوقة، تجاوزت مداها الرياضي المفترض إلى آفاق سياسية أخرى، صاحبها موجة كبيرة من ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، دفعته لتصدر قائمة الأكثر تدوينًا خلال الساعات الماضية.
الأهلي المصري وإن لم يعقب على الاقتراح الذي قدمه لاعبه الأسبق، مكتفيًا بمخاطبة خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة في مصر لتشكيل لجنة من الجهة الإدارية لمراجعة كل الأموال التي تبرع بها مستشار ابن سلمان، إلا أن علامات استفهام عدة أطلت برأسها خلال اليومين الماضيين في محاولة للبحث عن إجابة، على رأسها: لماذا أحدثت تلك التدوينات كل هذا الجدل؟ وما الذي استفز الإعلام الداعم لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى هذه الدرجة؟
الأهلي فوق الجميع .اتمني من مجلس إدارة نادينا الموقر أن تفتح لنا نحن مشجعي النادي ومحبيه حسابا بنكيا لرد كل المبالغ التي قدمها معالي رئيس هيئة الرياضة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة يتبع ١
— محمد أبوتريكة (@trikaofficial) May 27, 2018
مبادرة للحل
تضمنت سلسلة التغريدات التي دونها النجم المصري السابق مبادرة لحل أزمة الأهلي، ورد الأموال التي أنفقها المسئول الرياضي السعودي على القلعة الحمراء التي اعتبرتها جماهير الفريق مِنّة لا تبرر تصريحاته المذلة للنادي ذي التاريخ العريق.
البداية حين اقترح أبو تريكة فتح حساب بنكي لتلقي التبرعات من أنصار النادي لرد الأموال التي ادعى آل الشيخ منحها لمسؤولي الأهلي التي قدرها بـ260 مليون جنيه (15.2 مليون دولار)، معلنًا تنازله عن جميع مستحقاته القديمة لدى النادي على أن توضع في هذا الحساب، كبادرة تشجيعية للآخرين.
واختتم اللاعب المصري تدويناته برسالتين، الأولى خاطب فيها تركي قائلًا “وكلمة أخيرة لمعالي الوزير نعلم أنك تحب الأهلي ولكنك أخطأت في حقه، من يحب الأهلي يعطي ويبذل كل نفيس في سبيل رفعته ولا ينتظر المقابل، هكذا تعلمنا في مدرسة الأهلي”، والثانية إلى مجلس إدارة ناديه السابق “أعلم أنكم تحبون وتعشقون الأهلي، فيكم من هم أساطير لهذا النادي وسيبقوا أساطيره، وفيكم من تربي وكبر في هذا النادي، نشعر بحزن وألم لا أعرف كيف تزيلوه من قلوبنا وصدورنا، سامحوني لا أملك سوى هذه الكلمات أكتبها على الملأ لأنني ليس بينكم، ضعوا الأهلي فوقكم”.
يبدو أن رصاصات اللاعب المصري وضعت القاهرة والرياض – معًا – في موقف حرج، فالمسؤول السعودي الممثل لبلاده حين كشف إناءه فاضحًا ما به من أسرار كانت تجمعه ورئيس النادي الأهلي محمود الخطيب، صدّر صورة مسيئة للمملكة ومسؤوليها
المبادرة كما هو واضح من خلال التدوينات الـ4 لم تخرج عن إطارها الضيق الذي يعكس غيرة لاعب على ناديه السابق الذي منحه المال والشهرة وحب الناس، وهو ما دفعه لئلا يقف صامتًا حيال ما يراه من تجاوزات بحقه، غير أن الأمر تجاوز هذا الإطار إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو ما كشفته ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي.
جدير بالذكر أن قانون الرياضة المصري الجديد رقم 71 لسنة 2017 ولائحته المالية تسمح بتلقي تبرعات وهبات مقدمة من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين داخل جمهورية مصر العربية مع اشتراط إخطار الجهة الإدارية المختصة بالتبرعات أو الهبات.
وحسب الفقرة الـ5 من المادة 92 لقانون الرياضة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 أشهر وبغرامة لا تزيد على 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من جمع تبرعات بالمخالفة للقانون.
وكلمة أخيرة لمعالي الوزير نعلم انك تحب الاهلي ولكنك أخطاءت في حقه من يحب الاهلي يعطي ويبذل كل نفيس في سبيل رفعته ولا ينتظر المقابل هكذا تعلمنا في مدرسة الاهلي يتبع٣
— محمد أبوتريكة (@trikaofficial) May 27, 2018
بين الأسطورة والعمالة
نقلت تغريدات أبو تريكة معركة التراشق بين آل الشيخ والأهلي إلى حرب جماهيرية من نوع آخر على السوشيال ميديا، حيث تصدر الرجل تريندات الأكثر تدوينًا على تويتر، ما بين داعم لمبادرته ومؤيد لها من عشاق الفانلة الحمراء ومن هاجمه بزعم “الصيد في الماء العكر”.
#تريكه_اسطوره_عربيه .. الهاشتاغ الأكثر تداولًا في مصر خلال الساعات الماضية الذي من خلاله أعلن عشاق الأهلي ومحبي الكرة المصرية دعمهم الكامل للاعب الأكثر شهرة في مصر خلال السنوات الـ10 الأخيرة، مثمنين مبادرته التي تستهدف الحفاظ على كرامة وسمعة أكثر الأندية المصرية حصادًا للبطولات والجوائز، وقد نجح هذا الهاشتاغ في تجاوز حاجز المليون تدوينة بعد ساعات قليلة من تدشينه.
https://twitter.com/qahtani76/status/1001242317720731650
طبعا انا ضد كلام تركي ال الشيخ من الالف الى الياء .. ومساند للاسطوره محمد ابو تريكه دائما وابدا #تريكه_اسطوره_عربيه #تريكه_خط_أحمر
— khaled talaat (@khaledtal3at) May 29, 2018
ثم جاء في المرتبة الثانية هاشتاغ #تريكه_خط_أحمر الذي دافع من خلاله عشاق اللاعب المصري عنه في مواجهة حملات التشويه والنقد التي تعرض لها بعد ثوان قليلة من نشره تدويناته المثيرة للجدل.
لو هتلعب ضد تريكه انت تخسر
لو نحطك جنب تريكه انت اصغر
لما تتكلم عن تريكه يبقى تحذر
اى حاجه تخص تريكه خط احمر 💜
ثم ان ابوتريكة شامخ كالقدس .. صامد كـ غزة ❤️💪 ..
فلا تحاولو العبث مع مقدساتنا#تريكة_أسطورة_عربية #تريكه_خط_أحمر
— Omnia Ayman (@OmniaAy02884529) May 29, 2018
وفي المقابل جاء هاشتاغ #أبو_تريكة_عميل_قطر الذي تفاعل معه الكثيرون أيضًا ممن اتهموا اللاعب بانحيازه لقطر وتنفيذ أجندتها في مصر، رغم أنه لم يتطرق للسياسة ولا توجهات الدول في تدويناته التي انحصرت في نطاقها الرياضي البحت.
خصوم تريكة من الإعلاميين الموالين لنظام السيسي، سواء داخل مصر أم خارجها، اعتمدوا في هجومهم على اللاعب على إقامته خارج بلاده بعد وضع اسمه على قوائم الإرهاب، فهناك من اعتبر مبادرته بأنها تأتي “تحت قرار الحكومة القطرية ولا يملك قراره” كما كتب الإعلامي السعودي وليد الفراج عبر حسابه على “تويتر”، بخلاف ما غرَّد به زميله عادل التويجري بالقول: “حينما يكون مصيرك مرتبطًا بحزب مؤدلج وتنظيم مارق، تكون مواقفك أسيرة التخبط”.
حينما يكون مصيرك مرتبط بـ
حزب مؤدلج …
وتنظيم مارق ..
تكون مواقفك أسيرة التخبط …#ابو_تريكة_عميل_قطر
— عادل التويجري (@Adelaltwaijri) May 27, 2018
الهجوم على أبو تريكة لم يقف عند حاجز التراشق الإعلامي على منصات السوشيال فقط، بعد أن وصل إلى استهدافه من تركي آل الشيخ نفسه، الذي – كعادته – أخرج ما في جعبته من اتهامات وإساءة يستهدف بها الرد على مبادرة اللاعب التي من الواضح أنها أثارت حفيظته بصورة كبيرة.
آل الشيخ في مداخلة له مع الإعلامي المصري وائل الإبراشي قال “ما زلت أحب مصر والنادي الأهلي، وهذا النادي أضاف لي الكثير، أنا في ظهر النادي الأهلي مهما حدث، وسأظل أسانده وأساعده متى جاءت إدارة تتفهم مصلحة النادي”.
وردًا على تغريدات تريكة أضاف “لقد طلب وساطتي من أجل العمل في المملكة العربية السعودية، وكذلك للعودة للنادي الأهلي، لكن يبدو أنه تمت السيطرة عليه في البلد الذي يعيش فيه”، وتابع “من ليس له خير في بلده لن يكون له خير في النادي الأهلي، أبو تريكة اختفى منذ فترة وانقطع التواصل بيننا”.
لماذا هذه الزوبعة؟
الجدل غير المبرر الذي أثارته تدوينات أبو تريكة كان التساؤل الأبرز طيلة الساعات الماضية، خاصة أن الهجوم عليه كان يتم بصورة ممنهجة تستحضر معها اللجان الإلكترونية وكتائبها التي لعبت دورًا محوريًا خلال السنوات الأخيرة في تشكيل وقيادة الرأي العام المصري.
لماذا كل هذا الهجوم على الرجل الذي سعى لتقديم مبادرة لرد المبالغ التي دفعها آل الشيخ وأهان بها – عبر تغريداته المتلاحقة – تاريخ الأهلي ومجلس إدارته؟ سؤال يطل برأسه باحثًا عن إجابة، خاصة بعد فتح الإعلام المصري منصاته للوزير السعودي للرد على أبو تريكة وهو ما استغله جيدًا لتشويه الرجل، غير أن السحر انقلب على الساحر، وهو ما كشفه تريند تويتر الذي صعد بهاشتاغ #تريكه_خط_أحمر إلى المراتب الأولى.
تضمنت سلسلة التغريدات التي دونها النجم المصري السابق مبادرة لحل أزمة الأهلي ورد الأموال التي أنفقها المسؤول الرياضي السعودي على “القلعة الحمراء” التي اعتبرتها جماهير الفريق مِنّة لا تبرر تصريحاته المذلة للنادي ذي التاريخ العريق
يبدو أن رصاصات اللاعب المصري وضعت القاهرة والرياض – معًا – في موقف حرج، فالمسؤول السعودي الممثل لبلاده حين كشف إناءه فاضحًا ما به من أسرار كانت تجمعه ورئيس النادي الأهلي محمود الخطيب، صدّر صورة مسيئة للمملكة ومسئوليها، وهو ما تكشف من خلال ردود المتابعين على تدويناته، فالرجل قوبل بوابل من السباب والشتائم لم يكن يتوقعه، أسقط معه في لحظات مخطط غزو مصر الناعم عن طريق الرياضة والفن، وهي القوى التي يعتمد عليها ابن سلمان في التأثير على صناعة القرار في البلدان العربية خلال العامين الأخيرين.
فما فعله ابن سلمان ورجاله طيلة السنوات الماضية في مصر، من دعم وتمويل ومشروعات واستثمارات وخلافه، ساهمت في زيادة شعبية السعودية نسبيًا لدى شريحة ليست بالقليلة من المصريين، ها هو يسقط بالضربة القاضية بعد ساعات قليلة من حملة التدوينات التي شنها مستشار ولي العهد ضد النادي المصري، ليعلن الرجل بعدها عدم عودته للقاهرة مرة أخرى حتى يتم تصحيح صورته كـ “شوال رز” لدى الشارع المصري.
الإعلام السعودي بدوره شعر بالإساءة التي تعرض لها وزيره في مصر، فبدأ في شن حملة دفاعًا عنه وهجومًا على أبو تريكة، وانبرى إعلاميون سعوديون لقيادة هذه الحملة، على رأسهم – كما ذكر آنفا – وليد الفراج مقدِّم برنامج “أكشن يا دوري” الذي غرد: “عزيزي الكابتن محمد أبوتريكة تركت ذكرى جميلة في مصر والعالم العربي، وأعلم أنك تحت قرار الحكومة القطرية الآن ولا تملك قرارك ولهذا أتمنى أن ترفض استخدامك من أصحاب القرار في الدوحة والابتعاد عن الخلافات السياسية بين الدول، لا تخسر كل شيء يا كابتن، لا تخسر الشعب السعودي، نصيحة”.
ورغم الهجوم الذي قوبلت به تغريدة الفراج، فإنه استتبعها بأخرى قال فيها: “بعيدًا عن الرياضة، يعتبر تركي آل الشيخ هدفًا رئيسيًا للحكومة القطرية واستخدمت ضده كل ما تستطيع من أدوات إعلامية في تركيا والدوحة وهذا كله نتيجة خطة السعودية لاستعادة دورها وتأثيرها الرياضي العربي والإقليمي والقاري والدولي، تغريدات أبوتريكة هي جزء من خطة قذرة وأدواتها أكثر قذارة”.
https://twitter.com/waleedalfarraj/status/1000799953869000704
ورغم أن تغريدات اللاعب المصري لم تحمل أي إساءة للسعودية التي خاطبها بقوله “المملكة العربية السعودية” ولا إلى شخص وزير الرياضة بها إذ خاطبه قائلًا “معالي آل الشيخ”، فإنه وبعد دقائق من تغريدات اللاعب دشن السعوديون هاشتاغان للهجوم عليه حملا عنوان #آل_الشيخ_أكبر_من_الأهلي وأبو_تريكة_عميل_قطر.
ومن ناحية أخرى وضعت تغريدات اللاعب النظام المصري في موقف حرج، خاصة أنه في ظل حملة الإساءة التي شنها آل الشيخ التي وصلت إلى حد “المعايرة” بدفع رواتب الموظفين والعاملين بالنادي الأهلي واستخدام ألفاظ لا تليق بأسماء ما كان يحلم الوزير السعودي بمجالستها يومًا ما، لم يحرك النادي ولا وزارة الرياضة المصرية ساكنًا حيالها، والتزمت الصمت الذي وصفه مغردون بـ”الفاضح” مكتفية بطلب أهلاوي لتشكيل لجنة لحصر ما أنفقه مستشار ابن سلمان.
القلق من توتر العلاقات بين مصر والسعودية كان السبب الأبرز للهجوم على تغريدات أبو تريكة، فالرجل حين يطالب بالتبرع لسداد ما أنفقه المسؤول السعودي، في الوقت الذي تلتزم فيه الحكومة المصرية بالصمت، فإن هذا يشير إلى وجود رغبة في عدم الصدام مع “الكفيل”، خشية ما قد يترتب على ذلك من تداعيات تدفع فيها القاهرة ثمن انتصارها لكرامة وسمعة أكبر أنديتها.