بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة إستراتيجيتها الخاصة بالأمن القومي نهاية العام المنصرم، زاد الحديث عن احتمال اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات صارمة ضد إيران، نتيجة وصف الإستراتيجية للأخيرة “بالدولة المارقة” التي تدعم الإرهاب حول العالم.
12 شرطًا أعلنهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، من أجل إرسال رسالة لإيران والدول الأوروبية ـ المشاركة في الاتفاق ـ مفادها “نحن لا نريد مواجهة كاملة بل نريد توافق ممكن يرعى مصالحنا”
وبعد مرور أقل من 6 شهور على إعلان الإستراتيجية، تحاول الولايات المتحدة فعلًا تطبيق إستراتيجية جديدة ضد إيران عنوانها “تقليم الأظافر بالعصا الغليظة”، والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما ملامح الإستراتيجية الأمريكية الجديدة ضد إيران؟
12 شرطًا أعلنهم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، من أجل إرسال رسالة لإيران والدول الأوروبية ـ المشاركة في الاتفاق ـ مفادها “نحن لا نريد مواجهة كاملة بل نريد توافق ممكن يرعى مصالحنا”.
جاءت شروط بومبيو على النحو التالي:
ـ الإفصاح عن كل الأبعاد العسكرية لنظامها النووي والسماح لوكالة الطاقة الذرية بتفتيشه بشكل مستمر.
ـ التوقف عن تخصيب اليورانيوم بالكامل وإغلاق مفاعل الماء الثقيل.
ـ السماح لوكالة الطاقة الذرية بالوصول الكامل إلى كل المحطات النووية العسكرية وغير العسكرية.
ـ حد إيران من انتشار الصواريخ الباليستية وإطلاق الصواريخ التي يمكن أن تحمل رؤوسًا نووية.
ـ إطلاق سراح المواطنين الأمريكيين وكل مواطني الدول الحليفة.
ـ إيقاف دعم إيران لحزب الله وحماس وحركة الجهاد.
ـ احترام الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح المليشيات الشيعية.
ـ إيقاف دعم الميليشيات الحوثية في اليمن.
ـ سحب كل القوات التي تخضع لأوامر إيران من سوريا.
ـ إيقاف دعم طالبان.
ـ إيقاف دعم فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
ـ إيقاف إيران لكل سلوك يمكن أن يهدد حلفاء الأمم المتحدة.
بالتمعن في بنية الشروط وسرعة طرحها بعد إعلان الانسحاب من الاتفاق، يظهر أن سيناريو التصعيد النسبي أو الجزئي هو الأكثر رجوحًا مقارنة بسيناريو التصعيد المُطلق، كما أن العوامل المحيطة، كرفض الدول الأوروبية التصعيد ضد إيران، وعدم موافقة بعض الدول الجارة ـ كتركيا مثلًا ـ المشاركة في العقوبات الأمريكية الملوح بها، والبنية العسكرية والسياسية المتينة للنظام الإيراني، وغيرها من العوامل الأخرى التي تحول دون اتجاه الولايات المتحدة صوب استهداف النظام الإيراني استهدافًا مُطلقًا.
ربما وصف الإستراتيجية الأمريكية الجديدة حيال إيران بإستراتيجية “العصا الغليظة” هو التوصيف الأفضل لها، وتعني إستراتيجية “العصا الغليظة” التي أظهرها للسطح الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفيلت تقليم أظافر المنافس في المناطق المفيدة بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، وفيما تم في البداية تطبيق هذه الإستراتيجية من خلال الاستهداف النسبي في المناطق المفيدة، اُتجه بعد الحرب العالمية الثانية وبالتزامن مع انطلاق الحرب الباردة نحو تطبيقها باتباع إستراتيجية الاحتواء والتطويق، أي احتواء وتطويق قوة الدولة المستهدفة ونفوذها والدول التي تدعمها، والتقارب إلى الدول التي يمكن أن تتعاون ضدها.
وقد شهدنا الاستهداف النسبي أو الجزئي من خلال الاستهداف الإسرائيلي لقواعد إيران في سوريا، أما الاحتواء والتطويق فقد نشهده من خلال إجبار إيران على الانسحاب من بعض المناطق، ورفع مستوى التعاون مع الدول المنافسة أو المحيطة بإيران كدول الخليج و”إسرائيل” وأذربيجان وغيرها.
الرسائل الدبلوماسية التي أرادت الإدارة الأمريكية إيصالها إلى إيران والدول المشاركة في الاتفاق، نُلاحظ أن مطالب بومبيو ركّزت على إصلاح “الثغرات” الموجودة في الاتفاق وفقًا لتقييم الإدارة الأمريكية
ولعل الإلمام الواسع لبومبيو في قضايا الاستخبارات والأمن المعلوماتي الذي يوفر له إلمامًا واسعًا بالقضايا الفاعلة على الساحة الدولية، يفتح المجال أمام الولايات المتحدة لإضافة أساليب استخباراتية أوسع في تطبيق إستراتيجيتها ضد إيران، كدعم قوى المعارضة الرافضة للوجود الإيراني ورفع مستوى دعم التحرك الإسرائيلي ـ الخليجي المشترك، وتوسيع نطاق الدعاية السياسية السوداء ضد إيران وغيرها.
وبالوصول إلى الرسائل الدبلوماسية التي أرادت الإدارة الأمريكية إيصالها إلى إيران والدول المشاركة في الاتفاق، نُلاحظ أن مطالب بومبيو ركّزت على إصلاح “الثغرات” الموجودة في الاتفاق وفقًا لتقييم الإدارة الأمريكية، وقد ظهر هذا التركيز من خلال المطالبة بالإفصاح عن كامل الأبعاد العسكرية لنظامها النووي والتوقف عن تخصيب اليورانيوم وإغلاق مفاعل الماء الثقيل والسماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالوصول إلى كل المحطات النووية العسكرية وغير العسكرية والحد من انتشار الصواريخ الباليستية وغيرها.
ويبدو أن هذا الجزء من المطالب يتسم بالواقعية كونه يسعى لغلق “ثغرات الاتفاق” كالمادة المتعلقة بإسقاط بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية اعتبارًا من عام 2025، والسماح لإيران بتخصيب اليورانيوم بمعدل 5%، والتركيز على عمل وكالة التفتيش داخل الأراضي الإيرانية دون التطرق إلى إمكانية تخصيب اليورانيوم خارج أراضيها وغيرها، وبالتركيز على هذه الثغرات يبدو أن الإداراة الأمريكية أرادت إرسال رسالة إلى إيران والدول المشاركة في الاتفاق، مفادها “نحن نريد البقاء على الاتفاق، ولكن وفقًا لشروط ترعى مصالحنا”.
لعل الركن الأساسي للخلاف الروسي ـ الإيراني هو التنافس الجيو-اقتصادي، حيث تسعى روسيا للاستفراد أو الاستحكام بمصادر الطاقة المُوردة للاتحاد الأوروبي
وما يزيد من واقعية بعض هذه المطالب، هو الدافع الروسي القوي في العمل على تقليم أظافر إيران في سوريا على نحو يضمن لها – أي لروسيا – الكلمة الأكبر والمصالح الأوسع في سوريا، وتُرجعنا هذه المعادلة إلى الحرب العالمية الأولى، حيث وعدت بريطانيا حلفائها، وعلى رأسهم إيطاليا، بتقاسم النفوذ والغنائم بعد انتهاء الحرب، إلا أنها وبعد انتهاء الحرب نكثت وعدها معهم، ومعادلة التعاون الروسي ـ الإيراني في سوريا يبدو أنها في ذات المقام، إذ تركت روسيا إيران تتغلغل في سوريا، واليوم تريد منها الانسحاب، وترغب في تحجيم وجودها.
ولعل الركن الأساسي للخلاف الروسي ـ الإيراني هو التنافس الجيو-اقتصادي، حيث تسعى روسيا للاستفراد أو الاستحكام بمصادر الطاقة المُوردة للاتحاد الأوروبي، كي تصبح قادرة على مساومته في عدد من القضايا، وتتخوف روسيا من أن تعرض إيران، صاحبة ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي حول العالم، بديلًا للطاقة الروسية المُتجهة صوب الاتحاد الأوروبي.
أيضًا مدى واقعية “بعض المواد” يقف على مدى الإرادة السياسية التي تظهرها الإدارة الأمريكية في متابعة هذا الملف خلال عملية التفاوض مع دول الاتفاق.
في الختام، يبدو أن المطالب الأمريكية المتعلقة ببنية الاتفاق واقعية، يمكن من خلال التعاون الأمريكي مع دول الاتفاق تحولها بنسبة كبيرة لواقع، أما المواد المُتعلقة بإيقاف إيران دعمها للحركات الوطنية أو الجهادية والانسحاب الكامل من المنطقة فهذا يخرج عن نطاق الواقعية، إذ يمكن لإيران تجاوزها بسبل استخباراتية عدة.