لم يمر يوم على تعليق العمل بوثيقة قرطاج، حتى خرج رئيس الحكومة التونسية، مصدر الخلاف بين الموقعين على الوثيقة، في خطاب تليفزيوني موجه إلى الداخل التونسي والأطراف الخارجية ذات العلاقة بالشأن التونسي، خطاب أكد فيه يوسف الشاهد رفضه الاستقالة، وحمّل خلاله نجل الرئيس حافظ قائد السبسي وحزبه نداء تونس مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلاد.
رفض الاستقالة
رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد قال في خطابه إنه لن يهرب من تحمل مسؤولية رئاسة الحكومة في ظل الظرف الصعب الذي تعيشه البلاد، مؤكدًا أن البلاد تمر بأزمة سياسية خانقة ودعوات الإطاحة بالحكومة شوشت على مفاوضات تونس مع المؤسسات المالية العالمية التي بدأت ثقتها في تونس تهتز.
وأكد الشاهد أنه سيقوم بالتعديلات الضرورية لتحسين أداء حكومته، وسيواصل العمل على تحسين الأوضاع في البلد، مشددًا على أنه ليس متشبثًا بالكرسي وليست لديه طموحات شخصية، ولكنه يتحمل المسؤولية ولا يتهرب منها، مؤكدًا أن حكومته “ستواصل عملها رغم الأجندات الخاصة لبعض الأطراف”.
عجزت حركة نداء تونس الفائزة في انتخابات 2014 عن تحقيق آمال التونسيين وتحقيق ما انتخبت من أجله
وأضاف رئيس الحكومة التونسية، في كلمة نقلها التليفزيون الرسمي، أنه اختار عدم الحديث والتعليق على مجمل التطورات السياسية التي شهدتها البلاد، “لكن بعد تعليق العمل بوثيقة قرطاج، فأنا مجبر على التحدث إلى التونسيين بسبب الأزمة السياسية”.
ويصر حزب نداء تونس، وهو حزب رئيس الوزراء على ضرورة إقالة حكومة الشاهد كلها بدعوى إخفاقها في إنعاش الاقتصاد المنهك ووصول المؤشرات الاقتصادية إلى مستويات “كارثية”، وإيجاد ربان جديد لرئاسة الحكومة، على أن تكون شخصية ندائية تلتزم بعدم الترشح للانتخابات المقبلة في العام 2019، وتحظى بثقة حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لحزب نداء تونس.
وأضاف الشاهد في خطابه الذي جاء ردًا على القوى السياسية التي طالبت بإقالته خلال اجتماع الموقعين على ما يعرف باتفاق قرطاج بداية الأسبوع، أن الحرب على حكومته انطلقت منذ إعلان الحكومة الحرب ضد الفساد، وقال: “البعض يتوهم أنه بإسقاط الحكومة سيعود الفاسدون إلى تدمير البلاد”.
وأعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أول أمس الإثنين تعليق العمل باتفاقية قرطاج المحددة لعمل الحكومة الحاليّة نتيجة عدم اتفاق المجتمعين على النقطة 64 من الوثيقة، وهي النقطة المتعلقة بمصير رئيس الحكومة يوسف الشاهد، رغم اتفاقهم على 63 نقطة، حيث تمسك كل طرف بموقفه بشأن الشاهد الذي يترأس الحكومة منذ أغسطس/آب 2016.
نجل السبسي خطر على المشروع المجتمعي للبلاد
يوسف الشاهد، اتهم في كلمته نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي بتدمير حزب نداء تونس الحاكم الذي ينتمي إليه والوقوف وراء حملة المطالبة بإقالته، وقال الشاهد: “الأزمة التي تسبب فيها حافظ قائد السبسي في الحزب الحاكم تسربت إلى مؤسسات الدولة وأصبحت خطرًا على وجودها“.
واعتبر رئيس الحكومة التونسية، أن وجود القيادة الحاليّة على رأس حزب نداء تونس خطر على المشروع المجتمعي للبلاد، حيث قال” “حافظ قائد السبسي والمحيطون به دمروا نداء تونس الذي خسر نحو مليون صوت في الانتخابات الأخيرة، وأزمة الحزب ليست داخلية بل أثرت على مؤسسات الدولة”.
وهذا أول انتقاد مباشر من يوسف الشاهد المنتمي لنداء تونس إلى المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي الذي يتهمه خصومه بالسعي لاستغلال نفوذه العائلي للسيطرة على أجهزة الحزب والدولة، وهو ما يرفضه السبسي الابن الذي يقول إنه يمارس حقًا سياسيًا متاحًا للجميع بحكم الدستور.
فشل النداء يرجع في جزء كبير منه إلى الصراعات والانقسامات التي ميزته منذ التأسيس
ويأتي هذا الاتهام بعد أن حمّلت قيادات النداء يوسف الشاهد ومجموع الوزراء الندائيين الذين شاركوا بكثافة في الحملات الانتخابية مسؤولية هذه الهزيمة، حيث كشف القيادي في حزب نداء تونس وسام السعيدي في مداخلة على قناة التاسعة أن سبب تراجع نتائج نداء تونس بعض القرارات الحكومية غير الصائبة على غرار رفع سعر المحروقات قبل شهر من الانتخابات البلدية، وأضاف السعيدي “ليس هنالك حكومة في العالم ترفع الأسعار قبل الانتخابات وتريد الانتصار إلا في تونس”.
نداء تونس.. أصل الداء
كلام الشاهد، جاء ليؤكد ما ذهب إليهم العديد من الخبراء في وقت سابق من أن حزب نداء تونس هو أصل الداء في هذا البلد العربي، حيث يرجع محللون سبب ما آلت إليه أوضاع البلاد إلى الفشل الكبير الذي أظهرته المؤسسات الحاكمة على جميع المستويات، ذلك أن نداء تونس الذي يتزعم الائتلاف الحاكم في البلاد المسؤول المباشر عن تأزم الوضع في تونس، وهو الذي أوصل البلاد إلى الحال التي تعرفها الآن نتيجة سوء تصرفه وتوجهه إلى الصراعات السياسية عوض الاهتمام بوضع البلاد.
وعجزت حركة نداء تونس الفائزة في انتخابات 2014 عن تحقيق آمال التونسيين وتحقيق ما انتخبت من أجله، ويُردد التونسيون في معظم مناطق البلاد المطالب نفسها منذ سنوات، منادين بالتنمية والقطع مع المركزية، وبتقريب المصالح والخدمات وبالحق في التنمية والعدالة الاجتماعية والتمييز الإيجابي لصالح الفئات والجهات المهمشة.
لم يحقق نداء تونس أي من مطالب ناخبيه
فشل النداء يرجع في جزء كبير منه إلى الصراعات والانقسامات التي ميزته منذ التأسيس، فمنذ لحظة تأسيسه أو قل قبلها إلى الآن، لا تمر فترة قصيرة حتى تسمع عن أزمة داخل أروقته، أزمات متكررة أدت إلى تشظي الحزب وانقسامه إلى أجزاء بعضها مجهري وبعضها الآخر يكابد حتى يطل برأسه ويرسم لنفسه مستقبلاً في ساحة سياسية مليئة بالأحزاب الورقية التي لا يتعدى أنصارها عدد أفراد العائلة أو أقل.
وما فتئت الانقسامات والمشاكل تتسع داخل هذا الحزب رغم محاولات رأب الصدع المتكررة، خاصة أنه لا يوجد قاسم مشترك بين مكونات هذا الحزب؛ فهو بدأ هجينًا لا هوية سياسية له سوى عداء حركة النهضة الإسلامية والرغبة في الوصول إلى السلطة، فالنداء ضم في بداية تكوينه منتصف 2012 يساريين ودستوريين وتجمعيين ورجال أعمال ونقابيين ومستقلين، وما إن تحقق هدف الوصول إلى السلطة حتى انفك العقد لدقة خيطه.
يؤكد العديد من الخبراء أن نهاية النداء ستكون بنهاية السبسي سياسيًا
ويرى عديد من المراقبين أن تدارك الوضع داخل النداء يستلزم الإسراع بعقد مؤتمر الحزب التأسيسي في أقرب وقت رغم استحالته في الوقت الراهن، مع ضرورة وضع خريطة طريق واضحة المعالم وموحدة الرؤى والمواقف بين مختلف قيادات الحزب لتجنب مصير مجهول العواقب للحزب وللمشهد السياسي العام للبلاد فحن أمام أزمة يمكن أن تعصف بالحزب الحاكم في البلاد.
ويؤكد عديد من الخبراء أن اسم حزب نداء تونس ارتبط منذ تأسيسه باسم مؤسسه الباجي قائد السبسي، فالنداء هو السبسي والسبسي هو النداء، فالذين صوتوا في الانتخابات التشريعية أكتوبر 2014، صوتوا للباجي ولم يصوتوا للذين ضمتهم قائمات النداء، وهو ما تأكد خلال الانتخابات المحلية الأخيرة حيث خسر النداء قرابة المليون صوت.
غير أن العديد من الخبراء يؤكدون أن مصير حزب نداء تونس سيكون كمصير أحزاب كثيرة أخرى في تونس وفي العالم ارتبطت بشخصية مؤسسها المؤثرة في الرأي العام، وقد انتهت هذه الأحزاب بنهاية المؤسس، أي خروجه من سدة الحكم، ونهاية النداء ستكون بنهاية السبسي سياسيًا، خاصة أنه يفتقر إلى هيئات تحكيم منتخبة تبت في النزاعات الحاصلة بين أعضائه.