مع انطلاق سكان قطاع غزة في مسيرات العودة الكبرى التي تبنت الطابع السلمي على الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تم التصدي للمظاهرات من قوات الاحتلال بالقوة وسقط منهم نحو 50 شهيدًا وما يزيد على 6000 جريح، لذلك لجأ الشباب الفلسطيني الثائر لاستخدام أساليب تزعج الاحتلال الإسرائيلي، ومن هذه الأساليب الطائرات الورقية، حيث تُربط هذه الطائرات بكتل حارقة تهدف إلى حرق المحاصيل الزراعية المحيطة بقطاع غزة.
حجم القطاع الزراعي في “إسرائيل”
يمثل القطاع الزراعي 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ويمثل 2.5% من إجمالي صادرات دولة الاحتلال، ولا يعني قلة حجم القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي والصادرات بأن القطاع الزراعي صغير، لكن ذلك يعود إلى زيادة البنود التي يتم احتسابها في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة كميات الصادرات من القطاعات الأخرى، وبالتالي انخفض الوزن النسبي لهذا القطاع بين القطاعات الاقتصادية، إلا أن القطاع الزراعي يبقى عصب بقاء أي دولة قائمة لأن ذلك يوفر الغذاء للكائنات الحية المختلفة.
كيف تؤثر المقاومة بالطائرات الورقية على الاقتصاد الإسرائيلي؟
ذكرت صحيفتي معاريف و”إسرائيل اليوم” في 6 من مايو 2018 أن الطائرات الورقية تسببت بإحراق 5000 دونم في غلاف غزة منها 600 من أصل 800 دونم من محاصيل الشعير، و2500 دونم من القمح، إضافة إلى حرائق كبيرة نشبت في محمية بئيري الطبيعية، مما دفع قادة الاحتلال لاستشعار الخطر واعتبار الطائرات الحارقة “إرهاب زراعي”.
قدرت الخسائر المالية الأولية من الطائرات الحارقة بملايين الشواكل
بدأ قادة الاحتلال يدرسون طرقًا للتعامل مع الطائرات الحارقة، ورغم ضعف التأثير المالي المباشر على الاقتصاد الإسرائيلي نتيجة حرق المحاصيل، فإن هذه الطائرات الورقية سببت إرباكًا لقادة الاحتلال مما دفعهم لزيارات مستمرة لمناطق غلاف غزة، ومحاولة طمأنة المزارعين ومناقشة حلول لهذه الأزمة، ويرجع انزعاج قادة الاحتلال والمستوطنين من الطائرات الورقية لعدة أسباب:
– بنيت منظومة السيادة وحماية الحدود لدولة الاحتلال على الأراضي الزراعية المحيطة بـ”إسرائيل”، ويقول أرنون سوفير في كتابه “الزراعة حجر أساس لأمن إسرائيل”: “سنحارب كل من يعتدي على القطاع الزراعي؛ لأن الزراعة هي الأمن والمزارعون هم عيون الدولة، ففي الوقت الذي يقوم به سلاح الجو بحماية الأجواء، يقوم المزارعون بحماية حدودها بطرق مباشرة وغير مباشرة، إنهم حرس الحدود؛ بل إنهم أفضل من أي وحدة استخبارات عسكرية؛ لأنهم يعرفون الأرض التي يعملون فيها أكثر من غيرهم، ولن نتمكن من تجسيد سيادتنا وحماية حدودنا دون ميليشيات من المزارعين المنتشرين على الحدود من رأس الناقورة، وفي شمال غرب حدودنا مع لبنان، ومرورًا بحدود لبنان – سوريا، ومن هناك إلى الأردن والضفة الغربية، وعلى حدود العربة، ومن نيتسانا لكرم أبو سالم، وحول مستوطنات غلاف غزة).
وهذا كان واضحًا من تعليق المسؤول عن قطاع المياه في كفار عزة أوفير وينر الذي قال: “إنه أمر محبط، بدائي، ويسبب بشكل رئيسي الكثير من الضرر، نحن في حالة تأهب دائم وننتشر في مجموعات ومناطق مختلفة وننظر إلى السماء ونحاول القفز فوق الطائرات الورقية، في بعض الأحيان ينجحون وأحيانًا لا يفعلون ذلك”.
– تبنى الزراعة في “إسرائيل” وفق موازين تقديرية بحيث تغطي المساحات المزروعة بأنواعها السوق المحلي الإسرائيلي، كذلك الحصة التصديرية، وفي حالة الحرائق فإن ذلك يسبب خسائر تستلزم التعويض المالي للمزارعين عن الخسائر من الحكومة أو الوكالات اليهودية، وقدرت الخسائر المالية الأولية من الطائرات الحارقة بعشرات الشواكل، في حين كانت تكلفة الخسائر الزراعية (في الأراضي المحتلة كافة) نتيجة الحرائق المفتعلة عام 2017 نحو 1.2 مليار شيكل.
التعويضات المالية تحتاج سنوات لإعادة تأهيل الأراضي التي تم حرقها
– يقام على حدود قطاع غزة مجموعة من الكيبوتسات الزراعية مثل ناحل عوز ونير عوز وحولوت وغيرها، وتعتمد هذه الكيبوتسات بشكل أساسي في اقتصادها على الزراعة، والآن عندما يُحرق مصدر رزقهم، فإن ذلك سيشكل مصدر إزعاج وقلق لديهم، وبسبب تكرار التهديدات الأمنية فمن المفترض أن يشكل سكان الكيبوتسات جبهة ضاغطة على الحكومة الإسرائيلية لإيجاد حلول مع قطاع غزة لتخفيف الحصار وبالتالي يقل التهديد المستمر أمامهم.
– محدودية تأثير التعويضات: فالتعويضات المالية تحتاج سنوات لإعادة تأهيل الأراضي التي أُحرقت، وهنا يستذكر الإسرائيليون الحريق الذي نشب في محمية كيبوتس بئيري عام 2010، وتم التعويض من الصندوق القومي اليهودي وكذلك من مساهمة الإسرائيليين، واستمر العمل وإعادة التأهيل والتجديد لسنوات، وأُحرقت مساحة واسعة من هذه الأحراش مرة أخرى بفعل الطائرات الورقية.
أخبرنا أجدادنا الذين عايشوا النكبة عام 1948 أن المستوطنين اليهود كانوا يقصدون حرق الحقول بهدف سرقة الأرض وإرعاب السكان وتهجيرهم، ومن ضمن هذه الطرق كانوا يربطون خيطًا مشتعلًا في ذيل القطط ويرسلونها إلى مزارع الفلسطينيين، الأمر الذي تسبب حينها بحرائق كبيرة، وخلال هذه الأيام يستعد المستوطنون في كيبوتسات غلاف غزة لإحياء ذكرى تأسيس دولة الاحتلال، وبذلك يكون من أفعالكم سلط عليكم.