قرار البرلمان العراقي الأخير وما يحمل في طياته من مخاطر

40261157-dea5-40f3-ae36-d1ba67d9452d

بعد ثلاث محاولات فاشلة متتالية قام بها البرلمان العراقي برئاسة سليم الجبوري لعقد جلسة له بنصاب قانوني، نجح أخيرًا بعقدها في المحاولة الرابعة، واتخذ قرارًا جريئًا وخطيرًا يتعلق بموضوع الانتخابات النيابية التي جرت مؤخرًا، ربما يعتبر أخطر قرار اتخذه البرلمان طيلة فترة الانتخابية منذ 2014 ولحد الآن؛ نظرًا لما سيجلبه من ردود فعل وإحداث تغيرات ستُدخل العراق في دوامة سياسية أو ربما عسكرية كبيرة لا يمكنه الانعتاق منها أو تجنبها بسهولة، إلا إذا كان هناك تدخل دولي أو أممي يفرض خطط حل بديلة لما أدخل السياسيون العراقيون أنفسهم به.

إن خطورة ما أقدم عليه مجلس النواب العراقي، كون قراره يتعلق بصورة مباشرة بما يشغل السياسيين العراقيين حاليًّا الذي سيرسم مستقبل العراق لعشرات السنين القادمة، ويعتبره كثير من السياسيين العراقيين، قضية مصير ووجود لهم لا يمكنهم التساهل فيه.

بعد ظهور نتائج الانتخابات النيابية العراقية التي أجريت قبل أيام، وما جلبته من مفاجآت غير متوقعة، بدأ تبادل تهم التزوير وارتكاب الخروقات بين الكتل السياسية، وتفاقم الآمر إلى أن وصل لمرحلة إصدار قرار من البرلمان يتعلق بهذا الشأن، ويأتي القرار البرلماني حاملًا في طياته احتمالية إلغاء نتائج تلك الانتخابات.

يجري هذا بعد أن انتشت الكتل السياسية الفائزة بنشوة الانتصار، وبدأت أحلام السلطة الوردية تداعب خيالها، وبدأت تتلقى التهاني من الرؤساء والأمراء لفوزهم بأغلبية الأصوات، وبالمقابل تم إقصاء شخصيات سياسية كان لها الرغبة والطموح بمواصلة تصدرهم للعملية السياسية في العراق، وهم يعلمون أكثر من غيرهم كيف تم إقصاؤهم وكيف تم رفع آخرين على حسابهم في هذه العملية الانتخابية التي شابها العديد من الخروقات وعمليات التزوير.

عوامل القوة في القرار البرلماني هو ما أكده الخبير القانوني أحمد ‏العبادي، الذي قال: “بإمكان البرلمان العراقي إصدار قرار ‏بإلغاء نتائج الانتخابات وفق ‏المادة 102 من الدستور”

دعا القرار الذي اتخذه البرلمان العراقي، الجهات المعنية، لاتخاذ الوسائل التي تضمن إعادة الثقة بالعملية الانتخابية، من خلال إلغاء انتخابات الخارج التي ثبت فيها عمليات التزوير وإلغاء التصويت المشروط في كل ‏المحافظات عدا نينوى (والحركة السكانية في صلاح الدين والأنبار)، والقيام بالعد والفرز اليدوي لما لا يقل عن 10% من صناديق الاقتراع، وفي حال ثبوت تباين بنسبة 25% من الصناديق التي تم فرزها وعدها يدويًا، يتم إعادة العد والفرز ‏اليدوي لجميع المحافظات، كما ويتم إعادة العد والفرز اليدوي للمحطات التي تم فيها استبدال (SD RAM ) في كركوك ‏وكذلك المحطات التي أُلغيت نتائجها بالمناطق المتنازع عليها.

إن عوامل القوة في القرار البرلماني هو ما أكده الخبير القانوني أحمد ‏العبادي الذي قال: “بإمكان البرلمان العراقي إصدار قرار ‏بإلغاء نتائج الانتخابات وفق ‏المادة 102 من الدستور،‏ فالمفوضية العليا المستقلة ‏للانتخابات ترتبط بموجب ‏المادة 102 من الدستور بالبرلمان، وبالتالي فإن البرلمان يملك ‏الولاية العليا عليها ومن ثم ‏السلطة لإقالتها في حال ثبوت فشلها،‏ ويكون للبرلمان الحق في إلغاء كل النتائج التي تترتب ‏على عمل المفوضية في ‏حال لم يكن عملها سليمًا من الناحية القانونية.‏

الأمر الذي جعل المعارضين لقرار البرلمان يبحثون عن شيء يطعنون بهذا القرار، فهم الآن يشككون في حصول النصاب القانوني لجلسة البرلمان، حيث قال ‏نائب عن كتلة الأحرار الصدرية، إن العدد الحقيقي للحاضرين لجلسة مجلس النواب ‏الاستثنائية أقل من 140 نائبا، لافتًا إلى أنه ليس هناك برلمان ‏بالعالم خاسر يلغي انتخابات، فهذا ضد الديمقراطية.

لكن النائب فائق الشيخ علي رئيس تحالف ‏تمدن، رد على ذلك في تغريدة قائلًا: “الدور التشريعي لمجلس النواب، ينتهي في 1 من يوليو/تموز 2018، وبالتالي لا ‏يوجد مجلس نواب تصريف أعمال، لكنه أردف قائلًا إن إلغاء نتائج الانتخابات (كليًا أو جزئيًا) من ‏اختصاص القضاء، وليس مجلس النواب.‏

يأتي إصرار الكتل الفائزة بالانتخابات الأخيرة وموظفي المفوضية الانتخابية، على رفض القرار البرلماني، كونهم يعلمون أن قرار البرلمان لديه قوة تشريعية كبيرة يستمدها من كونه السلطة التشريعية الأكبر بالبلاد

وهذا يعني أن القرار يحمل بين طياته مخاطر إلغاء كامل العملية الانتخابية، لأن الإجراء الذي يشير إليه قرار البرلمان العراقي سوف يفضح كل عمليات التزوير التي حدثت، مما يجعل تمرير العملية الانتخابية بمثل هذه الملابسات صعب جدًا، وسيكون من اللازم إعادة إجرائها مرة أخرى، مع مراعاة تجنب كل العوامل التي أدت إلى عمليات التزوير، كما سيتم تأجيل الانتخابات المحلية المزمع إقامتها نهاية هذه السنة لأن الوقت المتبقي لها لا يكفي للإعداد لها. ‏

ويفترض بعد ذلك محاسبة من اقترف تلك الجرائم والعمل على اختيار فريق عمل جديد للمفوضية، من هذا يأتي إصرار الكتل الفائزة بالانتخابات الأخيرة وموظفي المفوضية الانتخابية، على رفض القرار البرلماني، كونهم يعلمون أن قرار البرلمان لديه قوة تشريعية كبيرة يستمدها من كونه السلطة التشريعية الأكبر بالبلاد ومرجعية مؤسسة المفوضية ‏المستقلة للانتخابات إداريًا هي البرلمان ‏العراقي.

لكن ماذا يعني كل هذا سياسيًا على أرض الواقع؟ إن هذا يعني إلغاء العمل بمخرجات الانتخابات الأخيرة وتتحول الحكومة الحاليّة إلى حكومة طوارئ، أو حكومة تصريف أعمال، وتتمدد ولاية حيدر العبادي للقدر الذي تستكمل به المفوضية الجديدة وبكادرها الجديد الذي حتمًا سيتغير عقب فضيحة الانتخابات، إجراءاتها وتحضيراتها لعملية انتخابية جديدة.

مما سيحسن وضع العبادي الانتخابي ويجعل حظوظه بالانتخابات المقبلة أوفر من الآن، وسيكون العبادي وكتلته الانتخابية من أكثر الرابحين سياسيًا من إلغاء الانتخابات الحاليّة، من هذا فإن العبادي لم يبد أي رد فعل سلبي تجاه قرار البرلمان العراقي الأخير.

على مستوى الأحزاب والكتل السياسية الشيعية، فإن المنافع من إلغاء الانتخابات الحاليّة لا يعود بنفع كبير عليها، سوى في موضوع تصفية الحسابات فيما بينها

كما سيأتي قرار البرلمان إذا ما تم تنفيذه، ببارقة أمل لإنصاف بعض الكتل السياسية التي تعرضت لسرقة أصواتها، مثل الكتل السياسية السنيَّة التي من المرجح أن تتآلف هذه المرة جميعها في تكتل سياسي واحد، وبمساعدة من المبعوث الأممي يان كوبيتش والولايات المتحدة الأمريكية التي تريد أن تُحجم نفوذ إيران من خلال إعادة التوازن للعملية السياسية، بدلًا مما هي الآن منحازة بشكل كبير للنفوذ الإيراني.

كما ستستفيد بعض الكتل السياسية الكردية التي تعاني من هيمنة الحزبين الكرديين الرئيسيين في كردستان، مثل حزب التغير والحزب البديل وغيرها من الأحزاب الصغيرة.

أما على مستوى الأحزاب والكتل السياسية الشيعية، فإن المنافع من إلغاء الانتخابات الحاليّة لا يعود بنفع كبير عليها، سوى في موضوع تصفية الحسابات فيما بينها، حيث إن كتلة نوري المالكي سوف تنتقم من كتلة الصدريين وكتلة العبادي بسبب التقدم الملفت للنظر لها في الانتخابات الأخيرة وتأخر ائتلاف المالكي بشكل واضح فيها، والعداء بين الحشد الشعبي والصدريين يمكن أن يترجم إلى صدام مسلح بينهما.

إن المتضررين من إلغاء الانتخابات الحاليّة، سيكونون الذين حصلوا على أعلى المراتب فيها، كرديًا سوف يتأثر حزب البارزاني وكذلك حزب الطالباني اللذان تدور حولهما شبهات تزوير واسعة النطاق قاما بها في كركوك والسليمانية ومناطق أخرى.

أما شيعيًا فأكبر الخاسرين ستكون الكتل السياسية المنبثقة من الحشد الشعبي الذي جاء ثانيًا في الانتخابات، وقام بعمليات تزوير واسعة النطاق في المناطق السنية المحررة من داعش وبقوة السلاح، أما الخاسر الأكبر فهم الصدريون الذين سيحاولون بكل قوة منع إلغاء نتائج الانتخابات الحاليّة.

السيناريو المرجح لرد فعل الكتل الفائزة أن تفرض رؤيتها والتصرف حسب مخرجات الانتخابات الحاليّة وبالقوة إذا استدعى الأمر ذلك

لكن هل يرضى الفائزون من هذه الانتخابات بالإجراءات التي يقوم بها الخاسرون، لا ‏سيما أن الفائزين والخاسرين يحملان السلاح، وهم على استعداد للاحتكام إليه إذا اقتضى ‏الأمر ذلك، وهذا ما حذر منه كثير من السياسيسن لا سيما الفائزين منهم، حتى حملت عباراتهم التحذيرية، تهديدًا في طياته، حينما يقولون إن إلغاء نتائج الانتخابات سيدخل البلد في حرب أهلية، وهم ‏بذلك يحاولون ردع الطرف الخاسر من القيام بشيء ضد العملية ‏الانتخابية.‏

إن السيناريو المرجح لرد فعل الكتل الفائزة أن تفرض رؤيتها والتصرف حسب مخرجات الانتخابات الحاليّة وبالقوة إذا استدعى الأمر ذلك، مما يجعل مناطق الخلل الأمني تنتقل من المناطق السنيَّة كما كانت سابقًا، إلى المناطق الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية التي تتمركز فيها تلك الكتل لتصفية حساباتها هناك.

وبسبب علمنا أن جميع الكتل السياسية الشيعية لديها مليشيات مسلحة ومخزون هائل من الأسلحة والرجال المسلحين، فالمتوقع أن يكون بأسهم بينهم شديدًا في صراعهم على السلطة، ومن المرجح بشدة أن تتدخل إيران لدعم أنصارها في المناطق الجنوبية وستكون عاملًا مؤثرًا في الصراع الذي سيندلع هناك.

أما المناطق السنيَّة فمن غير المرجح أن يندلع صراع حقيقي بين الكتل الفائزة والخاسرة، لأن فوز الفائز منها هو فوز نسبي لا يرتقي إلى اندلاع صراع من أجله، وهي أضعف من أن تقود صراع فيما بينها، كما أن الدور الأمريكي والأممي هناك سيكون عامل تهدئة وعامل توحيد لتلك الكتل السياسية.

نفس الحال في كردستان التي تعاني حاليًّا انقسامًا حادًا بين أحزابها، فالكتل السياسية الصغيرة ستستفيد فائدة ملحوظة من كل تغير تجاه نزاهة الانتخابات، وربما نلاحظ مستقبلًا ظهور أطراف سياسية فاعلة إلى جوار الحزبيين الكرديين الرئيسيين المهيمنين هناك.  

من أهم الوسائل المتوقع أن تتخذها إيران هو الخطة القديمة الجديدة في توحيد الصف الشيعي من خلال إطلاق العنان للمنظمات الإرهابية مثل داعش وأخواتها ضد المكون الشيعي لتفتك به 

لكن هل من حلول استباقية يتبعها النظام الإيراني لإنقاذ السيطرة الشيعية على العملية السياسية في العراق والحيلولة دون اندلاع حرب شيعية – شيعية ربما ستقوض تلك السيطرة؟ بالتأكيد النظام الإيراني لديه حلول كثيرة للحيلولة دون انزلاق الأزمة الحاليّة إلى حرب بينية بين الأطراف الشيعية.

لكن الذي يحول دون حريته في تنفيذ الحلول التي يريدها، كونه ليس اللاعب الدولي الوحيد في العراق، فهناك اللاعب الأمريكي الذي يتربص بتقويض النفوذ الإيراني في العراق أو على الأقل الحد منه، وبالتالي فمن أهم الوسائل المتوقع أن تتخذها إيران الخطة القديمة الجديدة في توحيد الصف الشيعي من خلال إطلاق العنان للمنظمات الإرهابية مثل داعش وأخواتها ضد المكون الشيعي لتفتك به بالتفجيرات والعمليات الإرهابية التي غالبًا ما تؤدي إلى التفاف الشيعة خلف قياداتهم الطائفية وتأجيل معاركهم البينية لوقت آخر.

كما أنها لن تدخر جهدًا في دعم مواليها للتفوق عسكريًا في السيطرة على المناطق الجنوبية، لكن هذا الأمر لن ينجح في المناطق السنية والمناطق الكردية حيث سيتم تحجيم النفوذ الإيراني بشكل كبير إذا ما وصل الصراع الشيعي – الشيعي إلى هذا المستوى من التطور، وهذا سيؤثر على العلاقة بين الكتل السياسية السنية والكردية التي ستشهد تقاربًا كبيرًا سيتم خلالها حل كل المشاكل العالقة بينهما وبرعاية أمريكية، ولا نستبعد إذا ما سارت الأمور على هذا المنوال، أن يتم استبدال العملية السياسية الحاليّة من القيادة الشيعية الكردية لها منذ 2003، إلى قيادة سنيَّة كردية هذه المرة.