يبدو أن سياسة حركة الجهاد الإسلامي تختلف عن سياسة حركة حماس في التصعيد الحاصل الآن في غزة، فالجهاد أقل خسارة في دخول أي حرب، وحسابتها السياسية أقل تعقيدًا من حسابات حماس. أما تبني الفصيلان عملية إطلاق الصواريخ في بيان مشترك بينهما على المستوطنات المحاذية لقطاع غزة يتخذ شكلًا من التصعيد المتعقل من ناحية حماس وغير المنتظم من ناحية الجهاد، فكلا الفصيلين مطالبين بالرد على الاستنزاف البشري والقتل الحاصل باتجاه المدنيين من الاحتلال الإسرائيلي أولًا ثم باتجاه عناصرهما الذين استشهدوا بالقصف الإسرائيلي خلال الفترة الأخيرة.
الصورة التي عرضتها كل من كتائب القسام وسرايا القدس لتبني قصف المستوطنات
وفق القناة العبرية الثانية فإن حركتي الجهاد الإسلامي وحماس أطلقتا 80 قذيفة وصاروخًا باتجاه المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، في حين بلغ عدد الصواريخ والقذائف التي أطلقت منذ حرب 2014 حتى قبل التصعيد الأخير 82، ما يعني أنه التصعيد الأول الأكثر حدة منذ انتهاء حرب 2014.
وفق مقال سابق لنون بوست رصدنا فيه انزياح القرار السياسي من غزة باتجاه مصر، فإن المصريين سارعوا للاتصال بقيادة الجهاد الإسلامي وحماس لوقف التصعيد، وهو ما أكده خليل الحية عضو المكتب السياسي لحماس، حيث قال إن الحركة تلقت اتصالات من جهات عدة لوقف التصعيد، وقد تم التوصل لتوافق بالعودة إلى تفاهمات وقف إطلاق النار في قطاع غزة والتزام فصائل المقاومة بما التزم الاحتلال به.
يعلق الخبير في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر لنون بوست قائلًا: “لا الفصائل ولا الاحتلال الإسرائيلي معنيان بالتصعيد، لكن الفصائل باتت أكثر حرجًا أمام جماهيرها وهي ترى الشهداء يوميًا في غزة، والقصف مستمر دون رد”.
حالة المفاجأة في رد المقاومة خصوصًا الجهاد الإسلامي وتبني حماس بشكل رسمي القصف، استدعى اجتماعًا طارئًا للكابينت الإسرائيلي والدوائر السياسية والأمنية المهمة
وأضاف أبو عامر “رد المقاومة كان من المفترض أن يحصل منذ زمن، لأن مواصلة الاحتلال في استنزاف قدرات المقاومة بشريًا واستخباريًا ولوجستيًا ما كان له أن يستمر دون رد تحت هاجس عدم التسبب باندلاع الحرب الواسعة”.
الرسالة فهمت خطأ
حالة المفاجأة في رد المقاومة خصوصًا الجهاد الإسلامي وتبني حماس بشكل رسمي القصف استدعى اجتماعًا طارئًا للكابينت الإسرائيلي والدوائر السياسية والأمنية المهمة، لتباحث رسالة حماس أن الاستنزاف البشري للمدنيين في غزة غير مقبول، وهو ما تم على أرض الواقع، حيث علم مراسل نون بوست أن حماس أبلغت الاحتلال الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة “إذا لم تكن خسائر بشرية في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي لتهدأ الأمور، صبرنا طويلًا ولكن الرسالة فهمت بشكل خطأ، اليوم وصلت الرسالة لليبرمان”.
ويبدو أن تخوف الاحتلال الإسرائيلي من أن تكون الجهاد الإسلامي مدفوعة من إيران للتصعيد في غزة لعرقلة اتفاق نزع قواعدها العسكرية من الجنوب السوري تضاءل لوجود حماس في المشهد وتبنيها أيضًا التصعيد بالاشتراك مع الجهاد.
وكان وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان قد هدد فصائل المقاومة في غزة بالعودة لسياسة الاغتيالات، ليرد عليه القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل قائلاً: “تصريحات الاحتلال بالعودة للاغتيالات لا تخيفنا”.
المعادلة البسيطة التي خرج بها التصعيد الأخير أن الجميع يريد نزع مكاسب سياسية بعيدًا عن السلاح، ووقف الحراك السلمي في البحر وعلى الحدود الشرقية لغزة كمطلب للاحتلال، وعدم التعرض للمدنيين أو قصف مواقع عسكرية تابعة للفصائل في غزة كمطلب للمقاومة
ويعلم الاحتلال أماكن وجود قادة حماس بشكل واضح للجميع في غزة، وقد كان قائد القسام في جنوب قطاع غزة على الحدود في مسيرات العودة لكن قناصة الاحتلال الإسرائيلي امتنعت عن قتله، لأن العودة لسيناريو 2012 من اغتيال الجعبري يعلم الاحتلال أنه خط أحمر لا يستدعي التفكير كثيرًا في أي شكل من الحسابات لدى حماس للدخول في حرب وإعلان قصف تل أبيب.
شلل تام في محيط غزة.. فمن يمنع الصواريخ؟
أوقف الاحتلال الإسرائيلي خط القطار المتجه للجنوب، وخطوط السكك الحديدية في عسقلان، كذلك عطّل جميع المدارس، وألغى جميع الرحلات المدرسية في المستوطنات المحيطة بغلاف غزة، وفتح الملاجئ، ودعا المستوطنين إلى عدم التجمع في أماكن محددة خوفًا من أن تطالهم صواريخ المقاومة، في حين لم تتوقف صافرات الإنذار عن العمل طيلة يوم التصعيد وليلته في جميع مستوطنات الغلاف، هذه الحالة تعتبر الأولى منذ انتهاء حرب 2014.
صور المناطق التي تعرضت لقصف المقاومة وهي المستوطنات المحاذية لقطاع غزة
رسالة جديدة أرسلتها فصائل المقاومة للاحتلال الإسرائيلي وإن كانت مرتبطة بزمن وهدف “الرد بالرد والدم بالدم”، إلا أنها تحمل بعدًا سياسيا أن “ضعوا السلاح جانبًا وتعالوا نتفاوض على حل أزمات القطاع سياسيًا بعيدًا عن الدم”.
قد تعتبر هذه سابقة جديدة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، حيث يصف الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه في المجتمع الدولي غزة أنها لا تقبل أي حل سياسي ولا تقبل أي مفاوضات سياسية للاستقرار.
لكن المعادلة البسيطة التي خرج بها التصعيد الأخير أن الجميع يريد نزع مكاسب سياسية بعيدًا عن السلاح، ووقف الحراك السلمي في البحر وعلى الحدود الشرقية لغزة كمطلب للاحتلال، وعدم التعرض للمدنيين أو قصف مواقع عسكرية تابعة للفصائل في غزة كمطلب للمقاومة، والبدء في مفاوضات سياسية قد تكون مصر أو قطر بعد زيارة السفير القطري محمد العمادي الأخيرة لغزة تلعب دور الوسيط الجديد.
قد يبدو المشهد مرتبطًا أكثر في الميدان الجيوعسكري في حين التزم الاحتلال بعدم التعرض لأي من الفصائل بالقصف، قد تلتزم الجهاد الإسلامي التي لا تفكر كثيرًا في الرد وتوسيع دائرته، وتبدو صواريخها أكثر حدة في التصعيد الأخير وأكثر توافقًا مع حماس، حين علم الطرفان أن الاحتلال لا يريد أن يعيد احتلال غزة، فقد تخلص منها لتأكل نفسها، ولكن الفصيلان لا يريدان لغزة أن تبقى كما هي عليه دون أي حراك سياسي، في حالة انسداد الأفق الموجودة.. فهل تتوقف الصواريخ لتفتح الباب أمام الحل السياسي بعيدًا عن شرط نزع السلاح؟