قديمًا في القرن الـ20 لم تتوان الاستخبارات الأمريكية عن فعل أكثر التصرفات غير الأخلاقية تجاه البشر، وهو ما عُرف بمشروع “إم كي ألترا” الاسم الرمزي للبرنامج غير القانوني للتجارب على البشر التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA الذي كان يهدف إلى تطوير العقاقير من خلال حقن البشر بكل ما يمكن أن تتخيله من أمراض، أو استغلالهم في تجارب نفسية لتطوير آليات التعذيب في السجون والمعتقلات.
أدار المشروع شعبة الاستخبارات العلمية التابعة لوكالة المخابرات المركزية بالتنسيق مع شعبة العمليات الخاصة من الكتيبة الكيميائية في الجيش الأمريكي التي كان هدفها الأساسي استخراج عقاقير للسيطرة على العقل من خلال تجارب غير أخلاقية دون الحصول على موافقة الأشخاص المعرضين للتجارب، الذين كان جزء كبير منهم من الأطفال والأفارقة السود وذوي الاحتياجات الخاصة والسجناء من الأعراق المختلفة والفقراء.
شملت تلك التجارب تعرض الناس للأسلحة الكيميائية والبيولوجية (بما في ذلك عدوى البشر بالأمراض القاتلة والمُنهكة) والتجارب الإشعاعية على البشر وحقنهم بكيماويات سامة ومشعة وتجارب جراحية والاستجواب وتجارب التعذيب وأخرى تتضمن موادًا مسببة للهلوسة، وذلك من أجل تمويل العديد من التجارب من حكومة الولايات المتحدة وخاصة الجيش الأمريكي والاستخبارات المركزية، أو شركات الأدوية الأمريكية الخاصة المشاركة مع الأنشطة العسكرية أو التي تعمل لأجل نشاط تجاري بحت.
لم يُلق الضوء على تلك التجارب غير الأخلاقية سوى بتقديم الولايات المتحدة في الألفية الحديثة اعتذارات لضحايا تجارب وكالة الاستخبارات المركزية، كان آخرها اعتذار الولايات المتحدة عن مشروع “غواتيمالا” الذي تعاونت فيه كل من الحكومة الأمريكية وحكومة غواتيمالا بتطبيق تجارب غير أخلاقية على السجناء في غواتيمالا من أجل “دراسة” تتضمن نقل مرض الزهري للسجناء الغواتيماليين والسجناء المرضى العقليين من أجل اختبار بعض العقاقير عليهم لاختبار فعاليتها في الحد من انتشار المرض.
تاريخ أسود استمر لـ40 عامًا
الصورة من المشروع الذي أجرى فيه مجموعة من الأطباء الأمريكيين دراسة من قسم الطب في جامعة “شيكاغو” بالتعاون مع الجيش الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية على 400 سجين في مؤسسة “Stateville Penitentiary” العقابية من أجل إصابة السجناء بمرض الملاريا
على الرغم من شهرته بالطبيب المؤسس لعلم “طب النساء والولادة” فإن ماريون سميس حصل على هذا اللقب المشهور في عالم الطب من خلال إجراء عمليات جراحية على النساء الأفارقة من العبيد، حيث وصل به الأمر إلى إجراء أكثر من 30 عملية جراحية على امرأة واحدة فقط من بينهم دون تخدير، وعرض الدواء المسكن للآلام بعد انتهاء العملية لإجبارها على الإذعان له، ما أدى إلى وفاتها بنهاية المطاف في أثناء إجراء إحدى العمليات.
شملت تلك التجارب تعرض الناس للأسلحة الكيميائية والبيولوجية (بما في ذلك عدوى البشر بالأمراض القاتلة والمُنهكة) والتجارب الإشعاعية على البشر وحقنهم بكيماويات سامة ومشعة
يذكر اسم ماريون سميس في كثير من الكتب الطبية، وتُطبق العديد من تعاليمه الخاصة بأساليب فحص النساء، إلا أنه أتى بذلك العلم الأكاديمي الذي ورثه لأجيال بعده نتيجة سنوات من استعباد النساء الأفارقة وتطبيقها عليهم دون تخدير وحرصه على جعلهن مدمنات للمورفين بعد إتمام العمليات ليضمن إذعانهن وحاجتهن إليه بشكل يضمن له استمرار العمليات تلك بشكل غير آدمي إلا أنه يكفي لدخول اسمه التاريخ في عالم الطب.
طاقم الطبيب ليو ستانلي الذي اشتهر بعمليات جراحية غير قانونية للمساجين
لم يكن سميس الوحيد الذي اشتهر في عالم الطب على الرغم من بشاعة المسار الذي اختاره لنفسه في عمله المهني بموافقة السلطات الأمريكية المعنية التي مالت لاستغلال العبيد في التجارب الطبية كذلك، فقد انضم إليه الطبيب الأمريكي ليو ستانلي الذي جعل السجن، كما فعل غيره من الأطباء الأمريكيين، حقل تجارب لاختبار الأمراض والأدوية والعقاقير، فاتخذ من سجن “سان كوينتين” في الولايات المتحدة حقلاً لإجراء تجارب غير أخلاقية على مئات السجناء لتحسين النسل وإجراء عمليات التعقيم القسري عليهم دون تخدير، لاعتقاده – غير الأخلاقي – أن من شأن تلك التجارب تحسين النسل والنشاط الجنسي لدى كبار السن.
اعتقد ستانلي أن تجاربه على السجناء ستحد من الجريمة التي اعتقد أن لها أسبابًا بيولوجية
يُذكر في تجربة ستانلي أنه كان مُنحرفًا أخلاقيًا وأراد استغلال السجناء كفئران تجارب، حيث تلاعب بأجسادهم كما حلا له، فنزع أعضاء من سجناء وزرعها في آخرين مثل الخصيتين، أو نزع بعض الأعضاء الجنسية من الحيوانات كالماعز والخنازير البرية وزرعها في أجساد السجناء أحياءً دون مخدر.
صورة من المشاركين في تجربة تاسكيجي
لقد كانت الحكومة الأمريكية على دراية بذلك كله، حيث أجرت جامعة تاسكيجي University Tuskegee بالشراكة مع قطاع الصحة في ولاية ألاباما في الفترة بين عام 1932 وعام 1972 تجربة طبية على الأمريكيين من أصل إفريقي لمعرفة آثار عدم معالجة مرض الزهري دون الحصول على موافقة أو إذن من المرضى في سبيل الغطاء الذي استخدمته الإدارة الأمريكية طويلًا وهو دراسات لتطوير العقاقير والحد من انتشار الأمراض.
كان الغرض من إجراء التجربة التأكد من فعالية البنسلين في علاج مرض الزهري، بعد أن تم التلاعب بالأشخاص المعرضين للتجربة بأنه سيتم معالجتهم من الأنيميا وفقر الدم الناتجة عن ظروف السجن، مقابل أن يحصلوا على فرص أفضل من بقية السجناء غير المشاركين في التجربة، مثل وجبات طعام أكثر وفرصة للحصول على زيارات من الأقارب أو الرعاية الطبية المجانية طوال فترة الحبس.
الصورة من صحيفة النيويورك تايمز تشير إلى خبر تجربة الجامعة الأمريكية التي لم تعالج مرض الزهري لمدة 40 عامًا بشكل واعٍ
خضع أغلبية المشاركين في التجربة للظروف نفسها، سواء كانوا مرضى بمرض الزهري أم لا، وخلال 40 عامًا كاملة لم يتلق أي منهم علاج البنسلين بعد أن خضعوا لسنوات طويلة من التضليل الطبي، حيث توفي أغلب المشاركين بسبب عدم تلقيهم العلاج المناسب خلال السنوات الطويلة تلك دون معاقبة الحكومة الأمريكية التي موّلت التضليل الطبي للسجناء.
قرر الكونغرس الأمريكي عام 1973 عقد جلسة استماع بخصوص التجربة في جامعة تاسكيجي، كانت نتيجتها مبلغ تسوية للناجين من ضحايا التجربة قُدر بـ10 ملايين دولار، وبدأ صدور تعليمات توجيهية تحمي البشر من برامج البحث الطبي في الولايات المتحدة، خصوصًا بعد انعدام الثقة من الأفارقة الأمريكان ومنظمة الصحة الأمريكية في الولايات المتحدة بسبب التجارب السابقة.
لقد كان هناك تجارب كثيرة لاستغلال الحكومة الأمريكية للأفارقة أو النساء أو الأطفال استمرت لعقود طويلة وصولًا للألفية الحديثة، تضمنت تجارب بيولوجية مثل تجارب اليورانيوم وتجارب تتضمن مواد مشعة وأخرى كيميائية لكثير من الغازات السامة وتجريب أمصال لاستغلالها في تطوير عملية التعذيب في السجون والمعتقلات بالإضافة إلى إجبار المرضى قسريًا على التطوع في تجارب مجهولة الغرض بالنسبة لهم لتجريب أدوية عليهم قبل طرحها في السوق للتربح منها تجاريًا على حساب المئات من الضحايا.