عرفت حملة المقاطعة الواسعة التي انطلقت على موقع فيسبوك دون أن يتبناها أحد منذ 20 من أبريل/نيسان الماضي، تصاعدًا كبيرًا، حيث حققت نتائج وصفها المغاربة بالمهمة، في الوقت الذي حذرت فيه قيادات حزبية في الائتلاف الحكومي من مؤامرة خارجية تستهدف الحكومة التي يقودها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي سعد الدين العثماني.
3 شركات كبرى
هذه الحملة التي جرى تنظيمها سرًا تستهدف ثلاث شركات كبرى تمثل رموزًا لاقتصاد ليبرالي تهمين عليه تكتلات كبيرة مرتبطة بنخب اقتصادية وسياسية حاكمة أو بشركات أجنبية كبرى، تحكم سيطرتها على البلاد، وفقًا لعديد من المتابعين للشأن المغربي.
على رأس هذه الشركات، شركة “إفريقيا غاز”، وهي جزء من المجموعة المغربية “أكوا” الناشطة في عدة مجالات منها الغاز والوقود والزيوت والعقار التي تقترب حصتها في السوق من 50%، ويترأس المجموعة الملياردير المغربي عزيز أخنوش وهو وزير الفلاحة والصيد البحري في الحكومة المغربية، (يشغل المنصب منذ عام 2007)، وهو كذلك رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار.
أظهر مسح أجرته صحيفة ليكونوميست المغربية أن 42% يدعمون المقاطعة
فضلاً عن شركة مياه “سيدي علي”، باعتبارها واحدة من أهم شركات صناعة المياه المعدنية في المغرب التي تتوفر منتجاتها بأسعار مبالغ فيها، وتكون مرتفعة أكثر في المحطات الطرقية، وتعود هذه الماركة إلى شركة “أولماس للمياه المعدنية” التي تترأسها مريم بنصالح، وهي الرئيسة السابقة للاتحاد العام لمقاولات المغرب.
أما ثالث هذه الشركات، فهي “حليب سونطرال” التابعة لشركة “دانون سونطرال”، وهي جزء من المجموعة الفرنسية “جيرفي دانون”، ويعد حليب هذه الشركة من الأكثر انتشارًا في المغرب، حيث تتجاوز حصتها في السوق المحلية 60%.
نتائج مهمة
مع ارتفاع وتيرتها، أجبرت هذه الحملة شركة الحليب (سونطرال دانون) على تقليص عملياتها، بعد أن تكبدت خسائر قياسية، حيث لم تنجح محاولات الشركة إقناع المواطنين بالتراجع عن قرار الامتناع عن شراء منتجاتها، رغم الحملة “المزدوجة” التي أطلقتها بمناسبة شهر رمضان المبارك.
وأكدت التنسيقية الجهوية لمنتجي الحليب واللحوم الحمراء والمنتجات الفلاحية (تضم 23 جمعية وتعاونية فلاحية)، أن شركة (سونطرال دانون) شرعت الإثنين 28 من مايو/أيار الحالي، في تقليص حاجاتها من الحليب الذي تشتريه من الفلاحين، إلى 500 طن من الحليب يوميًا، بعدما كانت تشتري مليون لتر يوميًا على الصعيد الوطني.
من نتائج الحملة أيضًا أنها أفرزت تحقيقًا برلمانيًا في أسعار الوقود خلص إلى أنه منذ إنهاء دعم الوقود في 2015 وهي الخطوة التي أشاد بها صندوق النقد الدولي زادت أرباح الموزعين، وأعلنت توتال المغرب، ثالث أكبر موزع للوقود في البلاد، ارتفاع الأرباح إلى 879 مليون درهم في 2016 من 289 مليون درهم في السنة السابقة.
وقال البرلماني عن حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) عبد الله بوانو الذي يترأس اللجنة البرلمانية الاستطلاعية عن المحروقات: “هناك شركات للمحروقات بالمغرب تضاعفت أرباحها ما بين 300% و996% منذ تحرير الأسعار عام 2015″.
“إفريقيا غاز” لعزيز أخنوش أبرز الشركات المقاطعة
وأكد بوانو، في التقرير البرلماني، أن هناك 11 شركة تستورد البترول بالمغرب و4 شركات تستحوذ على 70% من السوق، وإذا جمعنا هوامش ربح هذه الشركات سنجد أننا أمام عشرات مليارات الدراهم من الأرباح، وهناك شركات تضاعف ربحها منذ التحرير إلى 996%، وأضاف أن هامش ربح هذه الشركات وصل إلى 17 مليار درهم (نحو 1.7 مليار دولار) منذ 2015.
إدريس الأزمي رئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي المشارك في الائتلاف الحكومي قال في هذا الشأن أيضًا: “جميع الموزعين يبيعون بنفس الأسعار للمستهلكين في شتى مناطق المغرب”، ويقول “هذا مضر بالمنافسة”، مضيفًا أن هناك حاجة إلى هيئة تنظيمية نشطة لحماية المنافسة.
وقال عبد العالي بنعمور رئيس مجلس المنافسة إن الهيئة معطلة لأن السلطات لم تعين مجلس إدارة جديدًا بعد انتهاء مدة المجلس السابق في 2015، ملقيًا باللوم على جماعات ضغط لم يسمها، وأضاف قائلاً “في غياب مجلس نشط للمنافسة، تحرك المواطنون عن طريق المقاطعة”.
وأظهر مسح أجرته صحيفة ليكونوميست المغربية أن 42% يدعمون المقاطعة، ومن بين مؤيدي الحملة استهدف 95% منهم الحليب و78% المياه المعدنية و52% محطات بنزين أفريقيا، وقال وزير الطاقة عزيز رباح إن الحكومة قد تفرض سقفًا لأسعار الوقود.
أخنوش أبرز الخاسرين
فضلاً عن التأثير الاقتصادي، يبدو لهذه الحملة تأثير سياسي قوي أيضًا خاصة على حزبي العدالة والتنمية (القوة البرلمانية الأولى في البلاد)، والتجمع الوطني للأحرار الذي يعتبر القوة الرابعة في البرلمان، حيث يمتلك 37 مقعدًا بالبرلمان من أصل 395.
وأعادت هذه الحملة مسألة تزاوج المال والسياسة إلى الواجهة، خاصة أنها تستهدف إحدى شركات رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار أخنوش الذي استطاع فرض شروطه في تكوين الحكومة الحاليّة، وبات يوصف بالرجل القوي داخلها، لذلك، يرى عدد من المحللين أن استهداف “أفريقيا” يرتبط بالموقع السياسي لمالكها.
ويبدو تأثير هذه الحملة قويًا على المشروع السياسي للأمين العام لحزب التجمع عزيز أخنوش الذي اختفى عن المشهد منذ بداية الحملة، وهو الذي كان يتصدر المنابر الإعلامية، خاصة أنه كان مفتاح تشكيل حكومة سعد الدين العثماني والرقم الصعب في مفاوضات تشكيلها.
عقب هذه الحملة أصبح أخنوش في مواجهة فئات شعبية واسعة منها الطبقة الوسطى التي تمثل عماد المجتمع المغربي
وأدت هذه الحملة إلى هبوط أسهم أخنوش السياسية التي كانت تسير بإيقاع سريع للغاية، فقد كان هذا الحزب يسعى لافتكاك زمام الأمور من العدالة والتنمية وقيادة الحكومة في الانتخابات التشريعية القادمة المبرمجة سنة 2021، مستغلاً نفوذ أخنوش وقوته المالية.
وعقب هذه الحملة أصبح أخنوش في مواجهة فئات شعبية واسعة منها الطبقة الوسطى التي تمثل عماد المجتمع المغربي وركيزته، خاصة أنه وضع على رأس اللائحة ممن استهدفتهم حملة المقاطعة الشعبية بسبب الجمع بين “المال والسياسة”.
أولى التداعيات السياسية تجلت من خلال دعوة رشيد ساسي القيادي بـ”التجمع الوطني للأحرار”، أخنوش إلى تقديم استقالته، وقال ساسي، في تدوينة له على صفحته بموقع “فيسبوك”: “على أخنوش أن يتخذ القرار المناسب والشجاع والعقلاني، من أجل الدفاع أولاً عن مصلحة البلاد، وعن مصلحة الحزب، علمًا أنه في الدول الديمقراطية، القرار الصائب في هذه الأحوال، هو في أغلب الأحوال، الاستقالة إلى غاية (حتى) توضيح الأمور والمسؤولية ورجوع الثقة”.
مؤامرة خارجية
حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحاكم، هو الآخر أحد أبرز الخاسرين سياسيًا من هذه المقاطعة، حيث تثبت حملة المقاطعة وفقًا لعدد من الخبراء، فشل الحزب في الإنصات لهموم الفئات الشعبية الضعيفة وعدم قدرتها في التحكم في الأسعار رغم تأكيد عديد من التقارير الرقابية وجود حالات تلاعب في أسعار العديد من المواد على رأسها الوقود.
وتظهر تداعيات هذه الحملة من خلال التخبط الذي ميز الظهور الإعلامي لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وتدرج موقف الأمين العام للعدالة والتنمية من حملة المقاطعة في شهر واحد، من التجاهل في مسيرات فاتح أيار/مايو (عيد العمال)، والدفاع عن الشركات من خلال الحديث عن مصير عمال الشركات التي تستهدفها المقاطعة، ثم التلويح بالقضاء عبر التهديد بمتابعة مروجي الأخبار الزائفة التي بنيت عليها الحملة، ثم الدعوة إلى التسامح والاستماع إلى المواطنين، قبل أن يعلن اليوم أن المقاطعة صرخة مجتمع.
تصر الأطراف الحاكمة في المغرب على استدعاء الخطر الخارجي للتقليل من تداعيات الحملة
أمام هذه الخسائر الاقتصادية والسياسية، التجأت قيادات الأحزاب الحاكمة في مقدمتها “التجمع” و”العدالة والتنمية” للترويج بوجود مؤامرة خارجية تستهدفهم، وتأكيد وقوف أطراف خارجية وراء هذه الحملة لاستهداف الحكومة وإسقاطها، ومنعها من إكمال مدتها القانونية التي تنتهي سنة 2021.
الترويج لهذه الأخبار يأتي من خلال اعتماد تكتيك، يقوم على نقل المعركة إلى الخارج وتضخيم الخطر الخارجي وتصوير الحكومة مستهدفة بجهات من المتآمرين غايتهم من وراء ذلك المحافظة على استقرار واستمرارية الوحدة الحكومية التي تعرف اختناق، وعدم تحول التوتر الملازم لها إلى انفجار يهدد بقاءه.
يذكر أن حملة المقاطعة تأتي بعد أن وقع أحزاب الائتلاف الحاكم على ميثاق مشترك في 20 من فبراير/شباط الماضي، بعد أن كادت الخلافات تعصف بمكونات التحالف الحكومي إثر تصريحات عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق، ضد الوزير أخنوش، حذر فيها من خطر الجمع بين المال والسلطة على استقرار البلاد.