ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد فشله في تشكيل حكومة مركزية في روما، تلقى الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، تهديدات بالقتل. في الأثناء، جاب مؤيدو حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال الشوارع لمطالبة ماتاريلا بالتنحي عن منصبه. ومن الواضح أن الديمقراطية تتعرض لتهديد جديد في هذا البلد الأوروبي.
تلقى الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، تهديدات بالقتل مساء يوم الأحد الماضي وحتى صبيحة يوم الاثنين. ومنذ ذلك الحين، تبحث قوات الأمن على شبكة الإنترنت عن أدلة حقيقية من الممكن أن تشكل تهديدا فعليا على حياة الرئيس الإيطالي. وبالفعل، فتح المدعي العام في روما تحقيقا في هذا الشأن، بعد أن انتشرت بعض عبارات التهديد على شبكة الإنترنت، على غرار “ماتاريلا يجب أن يموت” أو “الحقير ماتاريلا” أو “مت أيتها الدودة”.
في الواقع، تعكس هذه التهديدات المتطرفة مدى عمق الأزمة السياسية في إيطاليا، لأنها تمثل صرخة أصوات الناخبين الغاضبين، الذين يتألف أغلبهم من الأحزاب الشعبوية، مثل حركة النجوم الخمسة ورابطة الشمال. ولم تعد تلك الصرخة في وجه حزب سياسي حاكم أو نخبة سياسية معينة، وإنما باتت تستهدف الدولة ومؤسساتها ودستورها. وقد طالب الحزبان الشعبويان بعزل الرئيس الإيطالي بعد الفشل في تشكيل حكومة جديدة.
على مدار ثلاثة أشهر، تحديدا بعد الانتخابات الأخيرة في الرابع من آذار/ مارس، عرقل الرئيس الإيطالي عملية تشكيل الحكومة الجديدة، ويعزى ذلك إلى أن ماتاريلا يرفض أن يشغل منصب وزير المالية في هذه الحكومة
يوم الأحد الماضي، اشتعلت شرارة الغضب بين الشعب الإيطالي بسبب الفشل في تشكيل أول حكومة يمينية شعبوية في البلاد. وبداية من يوم الثلاثاء، تعالت أصوات الجماهير المستاءة من هذا الوضع أكثر فأكثر. وكان من المفترض أن يعلن رئيس وزراء الحكومة الانتقالية الحالي، كارلو كوتاريللي، البالغ من العمر 64 سنة، عن تشكيل الحكومة الجديدة يوم الأربعاء. وفي الحقيقة، لا تعبر هذه الحكومة عن الأغلبية في البرلمان، ولكنها ستدير شؤون البلاد لعدة أشهر فحسب. ومن جهتها، عبرت الصحيفة الإيطالية اليومية “الفاتو كوتيديانو” عن ذلك الفشل بعبارة “مولود ميت”.
على مدار ثلاثة أشهر، تحديدا بعد الانتخابات الأخيرة في الرابع من آذار/ مارس، عرقل الرئيس الإيطالي عملية تشكيل الحكومة الجديدة، ويعزى ذلك إلى أن ماتاريلا يرفض أن يشغل منصب وزير المالية في هذه الحكومة، المرشح المتوافق عليه من قبل الائتلاف والمعارض لعملة اليورو، باولو سافونا. ويبرر الرئيس الإيطالي رفضه بذريعة أنه يخشى من تعرض الاقتصاد لهزة عنيفة، كما يحاول الحفاظ على مدخرات الإيطاليين، وفي المقام الأول يرغب في البقاء داخل دول اليورو. وفي هذا الصدد، يستخدم ماتاريلا حقه الدستوري في رفض تشكيل الحكومة، لأنه يعتبر أعلى سلطة في البلاد وفقا للدستور.
في الوقت ذاته، رفض أهم رجلين في الائتلاف الشعبوي، ماتيو سالفيني ولويجي دي مايو، الحديث عن حل وسط في هذا الأمر، كما هو معتاد أثناء تشكيل الحكومات، مؤكدين أنهم يرغبون في الوصول لمرحلة فشل تشكيل الحكومة. ومن هذا المنطلق، طالب رئيس حركة النجوم الخمسة، لويجي دي مايو، رئيس البلاد بالتنحي عن منصبه.
أعلن المؤيدون للرئيس عن النزول في مظاهرات في غرة حزيران/ يونيو للدفاع عن شرعية الرئيس، تلبية لدعوة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الإيطالي ورابطة المحاربين غير النظاميين
على خلفية ذلك، نعت العضو في نفس الحركة، أليساندرو دي باتيستا، الرئيس الإيطالي بالكاذب، داعيا رابطة الشمال، التي تشاركهم في الائتلاف، بأن تنضم إلى حركة النجوم الخمسة في المطالبة بإقالة الرئيس، وإن أعرضوا عن ذلك فهم “جبناء”. إن ما يحدث الآن مرتبط بالنزاع الدائر بين الإيطاليين على الإنترنت حول سلطات رئيس الدولة، حيث يعتبر الرئيس في إيطاليا السلطة الأعلى في البلاد، والممثل عن كل مؤسساتها. وقد بدا ذلك النزاع جليا في بعض الوسوم على الإنترنت، الأول “أنا إلى جانب ماتاريلا” والآخر “استقل يا ماتاريلا”.
في الوقت الحالي، بدأ هذا النزاع ينتقل إلى الشوارع، فقد أعلن المؤيدون للرئيس عن النزول في مظاهرات في غرة حزيران/ يونيو للدفاع عن شرعية الرئيس، تلبية لدعوة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الإيطالي ورابطة المحاربين غير النظاميين. في المقابل، يخطط دي مايو لتنظيم احتجاجات ضد الرئيس في شوارع روما في الثاني من حزيران/ يونيو، مع العلم أن هذا التاريخ يحمل عدة دلالات بالنسبة للإيطاليين، فهو يوم عطلة وطنية احتفالا بما يسمى “بيوم الجمهورية الإيطالية”.
حيال هذا الشأن، كشف رئيس تحرير مجلة “إسبريسو” السياسية الإيطالية، التي تميل إلى اليسار الليبرالي، ماركو داميلانو، لصحيفة “فيلت” الألمانية أن “هذه الأزمة العميقة والخطيرة تمس أعلى سلطة في البلاد، ولم يحدث ذلك منذ قيام الجمهورية”. ويرى المراقبون أن هذا التطور خطير للغاية، وقد يؤدي إلى اندلاع موجة عنف في البلاد، وهجمات محتملة، ومن الممكن أن تتخلى البلاد عن مسارها الديمقراطي والحلول السياسية، واللجوء إلى العنف وخرق قواعد الديمقراطية.
حذر رئيس التحرير، ماركو داميلانو، من هذا التصعيد من خلال تغريدة نشرها قال فيها “بينما أكتب السطور الأخيرة، سمعت شخصا بجانبي يقول: يجب أن تعود الألوية الحمراء، وتفعل به ما فعلته بأخيه”، مؤكدا أنه يقصدون بذلك ماتاريلا
إلى روما، مثلما فعل موسوليني
من خلال تصريحات الديماغوجي رئيس رابطة الشمال، ماتيو سالفيني، يبدو جليا أن السياسيين الشعبويين لا يأبهون كثيرا لمصلحة البلاد، لاسيما أنه أعلن عن ضرورة الزحف باتجاه روما. وفي الحقيقة، يرتبط “الزحف باتجاه روما” في أذهان الإيطاليين باستيلاء الديكتاتور الفاشي، بينيتو موسوليني، على الحكم سنة 1922، بعد أن أعلن عن التقدم باتجاه روما.
ليلة الأحد، حذر رئيس التحرير، ماركو داميلانو، من هذا التصعيد من خلال تغريدة نشرها قال فيها “بينما أكتب السطور الأخيرة، سمعت شخصا بجانبي يقول: يجب أن تعود الألوية الحمراء، وتفعل به ما فعلته بأخيه”، مؤكدا أنه يقصدون بذلك ماتاريلا. وتابع رئيس التحرير أن الدماء تجمدت في عروقه، خاصة بعد أن تذكر مقتل شقيق الرئيس الإيطالي، بييرسانتي ماتاريلا، في جزيرة صقلية سنة 1980، بعد أن ظل يقاوم عصابة المافيا لفترة طويلة حتى أردوه قتيلا.
كما تساءل داميلانو عن إمكانية سماع هذه الكلمات التي تحرض على العنف في دول أوروبية أخرى، قائلا “ماذا سيحدث في حال قيلت هذه الكلمات عن ملك إسبانيا أو عن الرئيس الفرنسي أو عن الرئيس الألماني؟ بالطبع، لا يمكن تصور هذا مطلقا؟”. ومن جهته، دعا رئيس حركة النجوم الخمسة، لويجي دي مايو، الإيطاليين في يوم الجمهورية الإيطالية إلى إخراج علم إيطاليا، ذو الثلاثة ألوان، من النوافذ، والمشاركة في الاحتجاجات. وفي المقابل، أكد داميلانو أنه “حتى السياسية الفرنسية المعروفة، مارين لوبان، لم تطالب بمثل هذا الأمر في اليوم الوطني الفرنسي”.
، أوضح داميلانو “كيف إذن سيدفع المواطنون ما عليهم من ضرائب، بينما يقول لهم رئيس الوزراء إن الدولة غير مسموح لها بمعرفة ما في جيوبهم”. فضلا عن ذلك، لم تحظ الأحزاب السياسية في إيطاليا بتوعية سياسية كافية منذ وقت طويل
كان من الممكن التنبؤ بالأزمة الإيطالية الحالية منذ وقت طويل، حيث أن النجاح الحالي للشعبويين كان نتيجة اندفاع الأحزاب الإيطالية التقليدية إلى الهاوية منذ 25 سنة، عندما واجهوا العديد من قضايا الفساد والرشوة سنة 1992، وقد أدى ذلك إلى بروز نجم السياسي الإيطالي، سيلفيو برلسكوني، الذي عُرف عنه عدم الاكتراث بالقوانين أو مبادئ الديمقراطية.
في هذا السياق، أوضح داميلانو “كيف إذن سيدفع المواطنون ما عليهم من ضرائب، بينما يقول لهم رئيس الوزراء إن الدولة غير مسموح لها بمعرفة ما في جيوبهم”. فضلا عن ذلك، لم تحظ الأحزاب السياسية في إيطاليا بتوعية سياسية كافية منذ وقت طويل.
ها هو عمدة مدينة باليرمو، عاصمة جزيرة صقلية، ليولوكا أورلاندو، يهم بالخروج من سيارته المصفحة، في الشارع الضيق المؤدي إلى قصر كيرينالي في المدينة القديمة، روما. ففي ذلك المكان، كان المفترض أن يقدم رئيس الوزراء، كارلو كوتاريللي، أعضاء حكومته الانتقالية يوم الأربعاء، وستدير هذه الحكومة المؤقتة شؤون البلاد حتى انعقاد انتخابات جديدة في الخريف القادم.
لقد كان أورلاندو المساعد الشاب لرئيس منطقة صقلية الأسبق، وشقيق الرئيس الإيطالي الحالي، بييرستاني ماتاريلا، الذي اغتالته المافيا في ثمانينيات القرن الماضي. وعلى مدار عقود، حارب أورلاندو عصابات المافيا، ولكن أكبر مشاكله الآن تكمن في الهجرة غير الشرعية من أفريقيا، وتقديم الإعانات لآلاف المهاجرين سنويا، ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع الإيطالي.
“نحن نحتاج حاليا إلى جبهة مناهضة للفاشية”
أكد أورلاندو، وهو يقف محتميا بين حرسه الشخصي، أنه جاء إلى روما من أجل إظهار دعمه الشخصي للرئيس الإيطالي، وتساءل “هل سنصل لمرحلة مأساوية من الفوضى؟”. كما كشف عمدة باليرمو أن “رئيس رابطة الشمال، سالفيني، لديه خطة انقلابية مناهضة للأجانب، ومرتبطة ببعض الحركات الشبيهة في كل أنحاء أوروبا”. وأردف أورلاندو قائلا إن “الهجوم على شخص رئيس الجمهورية سيكون أكبر خرق للدستور في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية”، فضلا عن أنه يغذي نار الديماغوجية، “ويهدف إلى تقويض الاستقرار في إيطاليا وأوروبا بأسرها، ويمثل تهديدا صريحا للأمن القومي للبلاد”.
المصدر: فيلت