يعلم جيدًا المقربون من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أن المرحلة التي سيعيشونها بعد غياب “أبو مازن” عن الساحة السياسية واقترابه كثيرًا من موعد إعلان استقالته بسبب تردي وضعه الصحي، ستكون خطيرة ومشحونة وستدخلهم في أزمات وخلافات داخلية قد تحتاج سنوات للخروج منها.
ما يُقلق العاصمة السياسية “رام الله” الآن ليس البحث عن خليفة الرئيس عباس ومن سيحمل راية حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية خلفه رغم صعوبة هذا الملف وحساسيته، بل إن صراع الورثة المسلح بات ناقوس الخطر الأكبر الذي يهدد الوضع الفلسطيني بأكمله بتغذيه من “إسرائيل” وقوى خارجية.
الحالة الصحية للرئيس الثمانيني باتت تتصدر عناوين الأخبار، لكن خلف هذه الأخبار وفي الكواليس تدور حرب حقيقية بخصوص الخلافة، في ظل وجود الكثير من القيادات الفتحاوية المتنافسة والطامعة في كرسي المقاطعة، وهو ما يشير إلى أن الوضع الفلسطيني في حال غياب عباس سيدخل مرحلة صعبة ولن نجد تلك السلاسة التي انتقلت فيها الرئاسة من الراحل ياسر عرفات إلى أبو مازن.
تفاصيل المخطط
الرئيس عباس يعلم أن المرحلة التي ستلي غيابه ستكون “خرابًا ودمارًا” في حال لم يتدخل ويضع النقاط على الحروف، خاصة بعد وصوله معلومات بأن هناك تحركات تجري وراء ظهره لإحياء خلايا نائمة تسعى لإفساد الساحة الداخلية وتدميرها وإعلاء لغة الصراع المسلح والاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين.
أكدت المصادر الفتحاوية، بدء الاستعدادات لصراع وراثة عباس، حيث يتنافس عددٌ من قيادات حركة فتح على رئاسة السلطة الفلسطينية
وتحدثت مصادر مقربة من الرئيس عباس، أن دخول الأخير (عباس) للمشفى أكثر من مرة فتح المجال أمام معركة التسلح للمرحلة المقبلة، وذلك خوفًا من اندلاع مواجهات مسلّحة بين عناصر الحركة في الضفة يقف على رأسها شخصيات تريد خلافة أبو مازن.
وأكدت المصادر الفتحاوية، بدء الاستعدادات لصراع وراثة عباس، حيث يتنافس عددٌ من قيادات حركة فتح على رئاسة السلطة الفلسطينية، فيما بدأت عناصر من حركة فتح فعليًا بشراء أسلحة من تجار الأسلحة في الضفة الغربية والداخل الفلسطيني عام 48، وذلك تحسبًا للمرحلة القادمة.
وكشفت أن الأسلحة تُنقل إلى مخيمات وقرى الضفة في هذه المرحلة، والقيادي المفصول محمد دحلان يعمل خلف الكواليس لتسليح مناصريه في مخيمات الضفة المحتلة، مشيرةً إلى أن قيادات من حركة فتح تطالب الرئيس عباس بتعيين نائب له أو إعطاء توصية للجنة المركزية لمنظمة التحرير باختيار وريثه، وقد يكون هنالك صراع دموي لوراثة رئاسة السلطة في حال لم يتم التوافق على الرئيس القادم.
ووفقًا للتحليلات القائمة للوضع الفلسطيني الراهن، فإن الأسير مروان البرغوثي أصبح خارج صراع الرئاسة، وذلك نظرًا لعدم تقاربه مع الرئيس عباس، وأيضًا استبعاد الإفراج عنه بالوقت الحاليّ من سجون الاحتلال، ويبدو أن ناصر القدوة أصبح خارج الصراع حاليًّا خاصة مع استبعاده من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واستقالته من اللجنة المركزية لحركة فتح.
ذكر بنحاس عنبري المستشرق الإسرائيلي أن الحديث عن خلافة عباس من شأنه أن يزيد التوتر والضغط داخل قيادة حركة فتح، زاعمًا أنها تعيش حالة من البلبلة
صراع الوراثة
وخلصت تلك التحليلات أن اللجنة المركزية لحركة فتح أحبطت محاولة الرئيس لتعيين رئيس الوزراء الحاليّ رامي الحمدالله كرئيس مؤقت إلى أن تُجرى انتخابات رئاسية، زاعمًا أن من يقود الحملة المضادة لتعيين الحمدالله هو عضو اللجنة التنفيذية بحركة فتح عزام الأحمد، وبذلك يكون هنالك مرشحان بارزان لخلافة أبو مازن وهما محمود العالول وجبريل الرجوب، في حين يزداد الدعم مؤخرًا للعالول على خلفية فقد ثقة الرئيس عباس بجبريل رجوب.
الصحافة الإسرائيلية توسعت في الحديث عن مستقبل السلطة الفلسطينية في اليوم التالي للغياب المتوقع لرئيسها محمود عباس، في ظل ما يشاع عن مرضه وتدهور صحته.
فقد ذكر بنحاس عنبري المستشرق الإسرائيلي أن الحديث عن خلافة عباس من شأنه أن يزيد التوتر والضغط داخل قيادة حركة فتح، زاعمًا أنها تعيش حالة من البلبلة، لأنه من غير الواضح لها حقيقة أن عباس سيتنحى فعلاً أم لا، ومع ذلك فإن قادة المجموعات المسلحة التابعة لفتح في مختلف مناطق الضفة الغربية بدأوا بالتسلح والتنظيم.
وأضاف في مقاله بصحيفة “معاريف” العبرية، أن الأجواء السائدة داخل بعض أوساط قادة حركة فتح تشير إلى ضرورة أن يكون وريث عباس من مواليد الضفة الغربية، وليس قادمًا من الخارج، ولعل ما يزيد حالة الاستقطاب داخل قيادة الحركة عدم وجود منظومة سياسية إدارية متفق عليه تنظم مسألة الوراثة، ما يزيد حدة الاحتقان داخل الحركة، ويدفع قادتها في الضفة لأخذ زمام المبادرة بأيديهم، كل في منطقته.
وأشار إلى أنه في حين يقوم جبريل الرجوب بتحشيد مدينة الخليل جنوب الضفة خلفه، فإن محمود العالول يقوم في نابلس شمال الضفة بالعمل ذاته، في حين أن مدينة جنين لم يعد لها صلة بالقيادة المقيمة في رام الله، وتتمتع حركة فتح هناك بحالة من الحكم الذاتي.
يبقى هناك محمد دحلان الذي ينضم لقائمة المتنافسين لخلافة عباس، ومعه المسلحون بمخيمات اللاجئين في الضفة
ورغم أن اللواء ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة يعتبر من الأسماء المرشحة لخلافة عباس في ظل ما يحظى به من دعم دولي، كونه يقود عملية التنسيق الأمني مع “إسرائيل”، فإن الفلسطينيين ينظرون إليه كعميل لـ”إسرائيل”، ولكن في حال لم تستطع موازين القوى التنظيمية داخل الحركة حسم الخلافة لأي منها، فقد يقدم فرج على إحداث الفراغ من خلال انقلاب داخلي.
يبقى هناك محمد دحلان الذي ينضم لقائمة المتنافسين لخلافة عباس، ومعه المسلحون بمخيمات اللاجئين في الضفة، حيث أنفق الكثير من الأموال فيها، وخاض مؤيدوه معارك دامية مع رجال الأمن الفلسطيني، انتهت دون حسمها لصالح أي من الطرفين.