لم تكن دعوة الزيارة التي أعلنها وزير الخارجية التركي أمس دعوة عادية مثل سابقاتها، حيث أعلن مولود جاويش أوغلو أن المستشارة الألمانية وجهت دعوة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لزيارة ألمانيا بعد الانتخابات المقرر عقدها في 24 من يونيو/حزيران القادم أي بعد أقل من شهر.
وقد جاء إعلان جاويش أوغلو خلال مشاركته في الذكرى الـ25 لإحراق 5 تركيات بشكل متعمد عام 1993 في مدينة زولينغن في ألمانيا من عنصريين ألمان.
وعدا عن الدعوة، زارت المستشارة الألمانية، التركية مولودة غينش التي فقدت عائلتها في الحادث المذكور الذي أسفر عن إحراق بيتهم عام 1993 وقالت لها: “كل الكلمات والأعذار لا يمكن أن تعوض معاناتكم”.
وقد جاء إعلان الدعوة بعد انتقاد الرئيس التركي لألمانيا لسماحها لحزب العمال الكردستاني بتنظيم مظاهرة في مدينة كولونيا، وقال أردوغان إن أوروبا باستثناء بعض الدول تعاني من غياب العقل وألمانيا تقول ما لا تفعل وتفتح أبوابها للتنظيمات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني وتنظيم فتح الله غولن، مضيفًا “الهدف وراء ذلك هو التضييق على تركيا”.
ازداد الاستقطاب بين تركيا وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية، حيث اتهم أردوغان ألمانيا بالنازية
ومع هذا الانتقاد أشار أردوغان إلى أن بعض الدول قامت في فترة من الفترات بإجراءات جيدة ضد هذه التنظيمات، لكن مع اقتراب موعد الانتخابات عادوا إلى اختلاق الحجج من قبيل طلب حجز الصالات وأماكن التجمع لمنظمات المجتمع المدني التركي قبل 3 أشهر من وقت تنظيم الفعالية، وقد تساءل أردوغان عن منطقية هذا الطلب وهل يتم طلب هذه المدة عندما يُمنح الإذن لفعاليات حزب العمال الكردستاني.
ومن المعلوم أن العلاقات توترت مع ألمانيا قبيل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في أبريل/نيسان 2017 عندما منعت السلطات الألمانية وزيرين تركيين هما وزير العدال آنذاك بكر بوزداغ ووزير الاقتصاد نهاد زيبكجي من المشاركة في فعاليات ضمن حملة التنظير للتعديلات والنظام الرئاسي للجالية التركية في ألمانيا، وقد تبعت ألمانيا دول أخرى مثل النمسا وهولندا التي اعتبرت فعاليات حزب العدالة فعاليات غير مرغوب فيها.
وقد ازداد الاستقطاب بين تركيا وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية، حيث اتهم أردوغان ألمانيا بالنازية من خلال قوله “يا ألمانيا لا علاقة لك بالديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد، وتصرفاتكم هذه لا تختلف عن ممارسات النازية”، مضيفًا “عندما أشاء أذهب إلى ألمانيا، وفي حال حاول أحدهم منعي حينها سأقيم الدنيا ولن أقعدها”.
وفي سبتمبر 2017 وفي مناظرة قبل الانتخابات الألمانية أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أنها تريد الدخول في نقاش عن وقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكدة أنها لا تؤمن بإمكانية حصول هذا الانضمام، مضيفة “أنا لا أرى أن الانضمام قادم، ولم أومن يومًا بأنه يمكن أن يحدث والمسألة تكمن في معرفة من “سيغلق الباب” أولاً، تركيا أم الاتحاد الأوروبي”، كما كان هناك تهديد ألماني بطلب قطع مساعدات الاتحاد الأوروبي لتركيا.
لعل الدعوة تشير إلى أن ألمانيا تحاول الاستفادة من مرحلة ما بعد الانتخابات في ظل توقع فوز الرئيس أردوغان وهي تدعوه منذ الآن لتكون أول زيارة له بعد انتخابه إلى ألمانيا
ولكن بعد الانتخابات في ألمانيا بدا أن العلاقات تعود إلى مسار الدفء وظهر ذلك من خلال عدة مؤشرات منها الزيارات الشخصية بين وزيري الخارجية في بيوتهم الخاصة، كما أحالت تركيا عطاءات بقيمة مليار دولار على اتحاد شركات ألمانية لتنفيذ مشاريع في مجال طاقة الرياح في تركيا.
أسباب الدعوة
رغم عدم انتهاء بعض عوامل التوتر بين البلدين، هناك أسباب ربما تكون دافعة بشكل أكبر لألمانيا لهذه الدعوة، وفي هذا السياق لعلنا نشير إلى العلاقات متزايدة الدفء بين بريطانيا التي ستخرج من الاتحاد الأوروبي وتركيا خلال العامين الماضيين، فهناك تنافس أيضًا على المصالح بين دول أوروبا أنفسها للاستفادة من تركيا، وتعد ألمانيا من الدول التي ترى نفسها في مرتبة متقدمة في هذا المجال.
أما النقطة الثانية فلعل الدعوة تشير إلى أن ألمانيا تحاول الاستفادة من مرحلة ما بعد الانتخابات في ظل توقع فوز الرئيس أردوغان وهي تدعوه منذ الآن لتكون أول زيارة له بعد انتخابه إلى ألمانيا وربما قرأت ألمانيا أيضًا بإمعان البرنامج الانتخابي للرئيس أردوغان الذي أكد فيه أكثر من مرة على تحسين العلاقة والتعاون مع الاتحاد الأوروبي.
ولعل النقطة الثالثة أنه ربما تشكلت قناعة أن أردوغان يستفيد من الانتقاد والتوتر مع أوروبا خلال العمليات الانتخابية أكثر مما يخسر وباتت عمليات التحريض للتأثير على الناخبين مراهنة فاشلة.