منذ أن تحرر من الأسر ضمن محرري صفقة شاليط في العام 2011، لم يضيّع يحيى السنوار الكثير من وقته في إنجاز ترتيباته الحياتية، بل مضى إلى ترتيب مساهماته القيادية في المستوى القيادي لحركة حماس، ليترشح لعضوية مكتبها السياسي في العام 2012، ويتولى بدايةً ملف الأمن المركزي في الحركة، وهو الجهاز الذي ساهم في وضع لبناته الأولى في سنوات شبابه من خلال تأسيس ذراع حماس الأمنية في الانتفاضة الأولى “مجد”، ما أرسى قواعد حضوره قبل تغييبه في معتقلات الأسر لأكثر من 23 عامًا قضاها في تطوير مداركه وقدراته السياسية وبلورة توجهاته.
هذا إضافةً إلى دراسة الاحتلال عن كثب ومتابعة تفاصيل التفاصيل في الشأن العبري، مع خوض معارك المواجهة مع إدارة مصلحة السجون دفاعًا عن حقوق الأسرى، وشراكة رفاقه الأسرى في المبادرات السياسية التي كانت أبرزها وثيقة الأسرى للوفاق الوطني.
حمل السنوار معه رؤيته المجددة لطبيعة النضال الوطني الفلسطيني واستخلاصات تقييم لتجربة الحركة الوطنية، وتجربة حركة حماس على نحو التحديد، وعمل على عكس هذه الاستخلاصات على طبيعة عمل الحركة ونشاط مؤسساتها القيادية والتنظيمية، من خلال مهامه المتعددة في مكتب الحركة السياسي.
الجرأة والفعل المفاجئ
كانت أولى ملامح التغيير المرتبطة بحضور يحيى السنوار في المكتب السياسي لحركة حماس، الاختلاف الكبير في طريقة تعاطي حماس مع اغتيال القيادي في كتائب القسام وعضو المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة أحمد الجعبري، في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012.
إذ غيّرت كتائب القسام من استراتيجيتها القتالية، واختارت ألا تتدرج في الردّ، بل بادرت إلى قصف تل أبيب لأول مرة في تاريخها باستخدام صاروخ محلي الصنع من طراز M75، وهو ما شكّل صدمة لدوائر صنع القرار لدى الاحتلال الذين صُدموا بسرعة قرار القصف الذي نُفّذ بعد ساعات معدودة من عملية الاغتيال، وهو قرار كانت بصمات السنوار الملتحق حديثًا بالمكتب السياسي واضحة فيه.
شكّل كل من مباغتة العدو والتصرف بعكس توقعاته محورًا رئيسيًا من محاور الاستراتيجية التي عمل السنوار على تثبيتها، وهو ما عكسه إثر توليه مسؤولية الدائرة العسكرية لحركة حماس في المكتب السياسي، على شكل وطبيعة تكتيكات كتائب القسام إبّان المواجهة التي انطلقت في 8 يوليو/ تموز 2014 بين المقاومة في قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي.
وتلك المواجهة هي التي بدأت بمبادرة من المقاومة في قطاع غزة بعد حسمها، لتقدير نوايا الاحتلال شنّ عدوان على القطاع، وسعيًا إلى إسناد الضفة الغربية التي تعرضت لحملة اعتقالات واسعة إثر عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة في الخليل بتوجيه من أسرى محررين من حماس في قطاع غزة.
وبالتالي فضّل السنوار ألا يمنح الاحتلال فرصة توجيه الضربة الأولى، بل بادر إلى تفعيل سلاح الأنفاق في عملية التسلُّل إلى موقع صوفا العسكري شرق رفح، تلت ذلك سلسلة عمليات مشابهة على طول الشريط الفاصل بين قطاع غزة ومستوطنات الغلاف، كان مشهدها الأبرز تمكُّن مقاتلي القسام من توثيق لحظة دوسهم على رأس جندي إسرائيلي في موقع ناحل عوز العسكري.
أظهر سلوك المقاومة في قطاع غزة في مواجهة العام 2014 تغيرًا جوهريًا في تكتيكات المواجهة وإدارة النيران، بما يخالف النمط المعتاد في سلوك المقاومة ويربك تقديرات الاحتلال وقدرته على استشراف الخطوات القادمة للحركة، وهو ما استمر فيه السنوار ضمن خطوات محسوبة ومدروسة في مواجهة تطورات المنطقة.
بات النمط الجديد جزءًا أساسيًا من مدرسة تطورت في سلوك كتائب القسام وصولًا إلى الهجوم النوعي في مايو/ أيار 2021، ما اصطلح على تسميته بـ”سيف القدس” حينما قصفت المقاومة القدس برشقة صاروخية بشكل متزامن مع مسيرة الأعلام، التي تمثل أحد أبرز التعبيرات عن سياسة تهويد القدس، وهو ما خالف كل تقديرات وتوقعات أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية.
فيما تكلّلت خطوات الجرأة والمباغتة ومعاكسة تقديرات الاحتلال واستشرافه لسلوك حركة حماس وجناحها العسكري بعملية السابع من أكتوبر، وانطلاق “طوفان الأقصى” الذي بات يغير وجه المنطقة والعالم ويعيد صياغة المشهدَين الوطني والإقليمي، بما يعيد للقضية الفلسطينية زخمها ومركزيتها.
التراكمية في تهشيم صورة “الجيش الذي لا يُقهر”
خلصت سنوات من دراسة يحيى السنوار ورفاقه في الأسر لسلوك الاحتلال الإسرائيلي وتركيبته، إلى أهمية كسر الحاجز النفسي الذي يعدّ جيش الاحتلال “جيشًا لا يقهر”، وهو حاجز يتطلب الكسر على جانبَين: في جانب المقاومة وتعزيز ثقتها بقدرتها على إلحاق هزائم واضحة بجيش الاحتلال؛ وجانب الاحتلال الذي يجب أن يصل إلى اقتناع بكون عصر الحسم العسكري قد ولّى إلى غير رجعة.
وعليه، اتّسمت خطابات السنوار بسقف مرتفع جدًّا في الوعيد والانتقام، والتي وصلت إلى حدّ التحدي العلني لجيش الاحتلال وجيش مخابراته، بل السخرية من جيشه وحكومته وقدرتهما على تحقيق أهدافهما، وهو ما ربطه حتى بسلوكه العلني والمشهد الأبرز عندما قرر العودة من مكان عمله في مدينة غزة إلى منزله في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة مشيًا على الأقدام أمام كاميرات الإعلام، متحديًا الاحتلال تنفيذ التهديدات باغتياله.
في الإطار ذاته، حرصت كتائب القسام على تظهير صور ومقاطع الفيديو التي تظهر مقاتليها وهم يدوسون على رأس جنود الاحتلال في ناحال عوز، والسلوك التصاعدي لقدرة المقاومة على فرض قواعد الاشتباك، خاصةً جولات المواجهة في العام 2018 التي كانت أبرزها جولة نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، إثر كشف القوة الخاصة “سيريت متكال” في خان يونس وملاحقتها وقتل قائدها، والانخراط في موجة تصعيد كانت سمتها الوجبات الصاروخية المكثفة على مدن الاحتلال المحاذية لقطاع غزة بشكل متتالٍ.
يحيى السنوار زعيمًا لحماس بالإجماع.. 12 سببًا يثبت أنها هجمة مرتدة
خرج السنوار في خطابه الشهير حاملًا مسدس قائد الوحدة الخاصة، مؤكدًا رسالة القائد العام لكتائب القسام، محمد الضيف، له في خلال التصعيد، والتي تلخّصت في جملة “لو زادوا لزدنا”، في إشارة إلى قدرة كتائب القسام على استمرار توجيه الضربات الصاروخية المكثفة للمدن المحتلة، والتي أحدثت دمارًا كبيرًا في المستوطنات المستهدفة في تكتيك حديث للمقاومة في إدارة وتوجيه الوجبات الصاروخية المركزة.
اُستكمل مشروع تهشيم الصورة النمطية لجيش الاحتلال وقدرات الردع الإسرائيلي في الضربة الصاروخية التي استهدفت القدس، من خلال استباقها بإنذار من الضيف يحدد فيها ساعة الصفر مسبقًا، ثم الإيفاء بهذا التهديد، تلت ذلك الإعلانات المتكررة التي تعلن فيها القسام حظر التجول في تل أبيب والسماح بساعات للحركة الإنسانية، وتحديد موعد لوسائل الإعلام لتغطية الرشقات الصاروخية، في تعبيرات مكثفة عن حجم السيطرة العملياتية للقسام على مجريات المعركة التي حركت كل ساحات الفعل الفلسطيني.
وهذه الخطوات التراكمية هي التي أهّلت لتوجيه الضربة القاصمة لكل أسطورة الردع الصهيونية وتقنيات الإنذار المبكر وقدرات الجيش الذي لا يُقهر، في هجوم السابع من أكتوبر 2023.
مغادرة السلوك السياسي النمطي لقادة حماس
شكلت قرارات يحيى السنوار وتصريحاته دائمًا عوامل مفاجئة، ليس في ميدان المواجهة مع الاحتلال فحسب وتكتيكات المواجهة والاشتباك، بل عكست نفسها أيضًا على قرارها في الشأن السياسي الفلسطيني، إذ فاجأ السنوار الجميع بقراره حلّ لجنة متابعة العمل الحكومي في قطاع غزة، التي رفضتها وهاجمتها السلطة الفلسطينية في رام الله ورئيسها محمود عباس.
ولم يتوانَ عن الترحيب بأفق الوحدة الوطنية واستقبال رئيس وزراء السلطة الفلسطينية رامي الحمدلله في قطاع غزة، والإعلان عن أنه سيتولى السهر مباشرةً على سلامة وراحة عباس في حال قرر المجيء إلى قطاع غزة، ضمن مساعي تحقيق الوحدة الوطنية إبّان اتفاق الشاطئ في العام 2017، في مواقف غير معهودة للقيادة الحمساوية، خصوصًا في قطاع غزة.
في مواجهة صفقة القرن، صمّم السنوار على أن تقدّم غزة مساهمتها بوضوح، وتلقف فكرة مسيرات العودة بذكاء لتكون التعبير الشعبي الأبرز في مواجهة مخطط ترامب والإدارة الأمريكية لتصفية القضية الفلسطينية، إذ حشد مع القوى الوطنية والإسلامية والمبادرات الشعبية والجماهيرية في قطاع غزة عشرات الآلاف على حدود القطاع رافعين شعار العودة وكسر الحصار، في فعاليات سلمية استمرت على مدار عامَين على حدود القطاع.
فور تولي السنوار رئاسة حركة حماس في قطاع غزة بالعام 2017 خلفًا للقائد إسماعيل هنية، اتخذ مجموعة من الإجراءات التي لمسها سكان القطاع، شملت إجراءات تقشفية في العديد من مؤسسات حركة حماس والقطاعات الحكومية التي تسيطر عليها حركة حماس، وإعادة ترتيب الأولويات في ضوء الحصار الخانق الذي عانت منه الحركة، إذ أولى الأولوية الأولى لتعزيز البنية التحتية للمقاومة وتطوير قدراتها وتوسيع استعداداتها للتعامل مع سيناريوهات مفصلية.
عكس السنوار تجربة العمل الوطني في السجون بانفتاحه على القوى الوطنية والإسلامية في قطاع غزة، واستكمل سياسة الانفتاح الوطني التي دشّنها الرئيس السابق للحركة في قطاع غزة، الشهيد إسماعيل هنية، مع تطوير ديناميكات تواصل فعّال وخطوط تنسيق وطني مفتوحة، وسط استحداث صيغ تنسيق ثنائية وثلاثية وخماسية مع الفصائل الأكثر فاعلية في المشهد الفلسطيني، ما ساهم في تقليص العديد من الفجوات التي سرعان ما انعكست على العديد من الملفات، كان أبرزها ملف الحريات في قطاع غزة والعديد من إخلالات المؤسسات الحكومية والتدخلات الأمنية في المجتمع المدني.
أولى السنوار أهمية قصوى لتطوير عمل الغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، وقد ساهم إسهامًا مباشرًا في تذليل العديد من العقبات للحفاظ على عمل الغرفة وتثبيت فعلها، وخلال فترة قيادته للحركة في قطاع غزة خاضت المقاومة عدة جولات قتال ضد الاحتلال موحّدة باسم الغرفة المشتركة، كانت من ضمنها جولة “حد السيف” التي تلت كشف تسلُّل القوة الخاصة “سيريت متكال” جنوبي قطاع غزة، وهو الحدث الذي عدّه رئيس أركان جيش الاحتلال السابق، غادي أيزنكوت، الفشل الأبرز في تاريخه العسكري.
حرص السنوار على تنفيذ لقاءات دورية مع الشرائح المختلفة في قطاع غزة من شباب ونقابات ومجتمع مدني وكتّاب رأي، قدّم في خلالها رؤيته للمشهد الوطني وفلسفته للمواجهة مع الاحتلال، وكسر الحاجز معهم وتقديم توجهاته إليهم، كما وجّه مجموعة من الرسائل شملت المقاطع الشهرية لتهديده بفعل مقاوم صارخ وصادم للجميع ردًّا على استمرار الاعتداءات على المسجد الأقصى والمرابطات فيه، والتصعيد بحقّ الأسرى.
إعادة ترتيب أولويات التحالفات الإقليمية
في الإقليم، تبنى السنوار توجّهًا لإعادة ترتيب العلاقة مع إيران ورأب الصدع الذي مسَّ العلاقة الثنائية معها، معتبرًا أن أولوية تطوير الفعل المقاوم واستثمار الدعم الإيراني يقعان في المرتبة الأولى على أية تناقضات ثانوية يمكن تجاوزها في مرحلة التحرر الوطني، وقد عبّر عن هذا الموقف علانية في العديد من المواضع.
في الوقت ذاته، لم يتردد السنوار في تقديم العديد من التنازلات رغبةً في ترتيب علاقة قطاع غزة مع النظام المصري، من منطلق الاقتناع بأن العلاقة الإيجابية مع القاهرة ستفتح الأفق لترتيبات عديدة مرتبطة بتخفيف الحصار عن القطاع، وضمان فتح دائم لمعبر رفح ووجود تسهيلات على سفر أهالي القطاع، إضافة إلى تعزيز حركة التجارة بين قطاع غزة ومصر.
ومن جانب آخر، تحظى قيادة الحركة بهامش للحركة الخارجية وترتيب العلاقات الإقليمية ومؤسسات الحركة، إذ استضافت القاهرة اجتماعًا نادرًا للمكتب السياسي لحركة حماس بكامل عضويته لأول مرة منذ سنوات.
رحلة في عقل يحيى السنوار.. ماذا تخبرنا مؤلفاته في سجون الاحتلال؟
فيما رحّب السنوار بالدور القطري الوسيط في العديد من ملفات القطاع، بما فيها ملفات المنحة القطرية والكهرباء ورواتب الموظفين، وأعطى مساحة واسعة للسفير القطري محمد العمادي للتحرك في ملفات قطاع غزة العالقة، وحتى في التهدئة والاشتباك، خصوصًا في فترة مسيرات العودة.
كما تبنّى السنوار سياسة الانفتاح على القيادي الفتحاوي السابق محمد دحلان وتياره، واستثمار دوره في تعزيز العلاقة مع المصريين، وإفساح المجال لدور إماراتي إغاثي في قطاع غزة يخفّف من عبء الأزمات الإنسانية في القطاع.
الخطوات التكتيكية لبناء المشهد الاستراتيجي
حينما تجمع أجزاء المشهد من مسيرة يحيى السنوار في قطاع غزة، يتضح جليًّا أنه اتخذ مجموعة كبيرة من الخطوات على مختلف الأصعدة تحضيرًا وتجهيزًا للخطوة الكبيرة بتدشين “طوفان الأقصى”، وافتتاحه بعملية السابع من أكتوبر التي لا تقتصر مفاعيلها على الأثر العسكري المباشر للعملية، بل إنها خطوة هادفة إلى إعادة صياغة المشهدَين الوطني والإقليمي، وإعادة تصويب العديد من معادلات المنطقة.
لم يتوانَ السنوار عن استثمار كل أجزاء الصورة في إطار التحضير للخطوة الكبرى، بل أعاد هيكلة كتائب القسام، وعزز من تعاونها مع الأجنحة العسكرية الأخرى ضمن الغرفة المشتركة التي أجرت مجموعة من المناورات العسكرية، التي حاكى آخرها سيناريو عملية السابع من أكتوبر بالتفاصيل في إطار التحضير للحظة الحاسمة.
فيما نجح عبر مسيرات العودة في كسر هيبة السياج الفاصل وتعزيز استباحة الجماهير الفلسطينية للمناطق العازلة، التي تؤمّنها كل أجهزة الاستشعار والإنذار المبكر وأنظمة المراقبة لجيش الاحتلال التي تعرضت لأضرار مباشرة بفعل استمرار التحركات الجماهيرية على الحدود، فيما شكّل سيناريو الهجوم الشعبي على السياج الفاصل في يوم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بتاريخ 14 مايو/ أيار 2018، النموذج الشعبي الأولي لشكل الهجوم الكبير على السياج الفاصل للقطاع.
فيما شكّلت سنوات الاستثمار وتعزيز الحاضنة الشعبية وترتيب العلاقة بين حركة حماس وحاضنتها الشعبية، التي شكّل من أجلها لجنة مختصة تتبع مباشرة لمكتبه، تأهيلًا لهذه الحاضنة للتعامل مع متطلبات المواجهة الكبرى التي يخطط للانخراط فيه.
سخر يحيى السنوار من العالم أجمع، ومن الاستخبارات الإسرائيلية على نحو الخصوص، حينما استخدم الحديث العلني عن سيناريو المواجهة القادم في خداع الاحتلال، إذ أعلن بوضوح في كلمته في مهرجان إحياء ذكرى انطلاقة حماس الـ 35، الذي حمل عنوان “آتون بطوفان هادر”، أن استخبارات القسام قد أخبرته أن العام 2023 لا يمكن أن يمرّ دون حرب كبرى، بسبب سياسات حكومة الاحتلال العنصرية الساعية إلى تصفية القضية الفلسطينية وتهويد المسجد الأقصى.
وسخر من أجهزة استخبارات العالم مجددًا حينما نفّذت الغرفة المشتركة مناورة علنية بتغطية إعلامية من كل وسائل الإعلام لسيناريو يحاكي عملية السابع من أكتوبر قبل أسابيع من موعد العملية، وسخر أيضًا من الأجهزة ذاتها حينما بدأت الآليات في تعبيد الطرق قرب الجدار الفاصل، وانتشرت مجموعات من الشبان ونفّذت مجموعة من عمليات التخريب لهذا السياج، وكلها كانت إشارات واضحة إلى ما هو قادم، والذي لم تتمكن عنجهية الاحتلال التي أدركها السنوار تمامًا من أن تدرك مصداقيته وتأثيره.
صحيح أن سياسات يحيى السنوار لم تشكّل دائمًا محط ترحيب وطني أو حتى حمساوي داخلي، إذ لم تخلُ العديد من المعالجات والتوجهات من انتقادات متعددة، حيث لم يكن اندفاعه نحو المصالحة مع النظام السوري أو حتى الانفتاح الكبير على إيران موضع ترحيب لدى العديد من دوائر القيادة في الحركة، خصوصًا القيادة التقليدية المرتبطة ارتباطًا جذريًا مع الإخوان المسلمين، وتتبنى أولوية المصير المشترك لأجنحة الجماعة.
فيما لم يكن تعامله مع ملف مسيرات العودة موضع إجماع وطني كبير، وسط انقسام في الشارع الفلسطيني ما بين مؤيد ومعارض لاستمرار المسيرات وسط حجم الإجرام الإسرائيلي في التعامل مع المتظاهرين، كما لم تحبّذ القوى قبول حركة حماس لصيغ التهدئة القطرية التي جلبتها وساطة السفير القطري العمادي إلى قطاع غزة، وسادَ الخلافُ العلاقةَ مع حركة الجهاد الإسلامي حول قواعد الاشتباك المفترضة ودواعي الاشتباك والمحددات المفترضة، التي تستوجب من المقاومة الرد عسكريًا من قطاع غزة وفقها.
إلا أنه بات من الواضح للجميع أن يحيى السنوار تحرك على مدار سنوات من منطلق الإعداد الاستراتيجي للخطوة الأكبر، وأنه تجاوز في إطارها العديد من المحددات التقليدية سعيًا إلى تهيئة البيئة اللازمة، لإنجاح الضربة الأكبر والأكثر نوعية وتدشين المرحلة الجديدة من مراحل النضال الوطني الفلسطيني.