استجابت الجماهير الأردنية الغاضبة والرافضة لسياسات الحكومة الاقتصادية، للإضراب الذي دعت إليه النقابات المهنية احتجاجا على قانون ضريبة الدخل المعدل. جاء ذلك بعد أن فشل لقاء جمع رئيس الحكومة هاني الملقي بالنقباء وممثلي القطاعات الاقتصادية، عرض فيه الملقي مبررات الحكومة تشريع القانون، فيما أصرت الفاعليات النقابية والاقتصادية على المضي في الإضراب.
نفذ الآلاف من المهندسين وعمال المصانع والأطباء والممرضين والصحفيين والصيادلة والمعلمون وموظفوا الشركات الخاصة والآلاف من أصحاب المحلات وغيرهم الإضراب في جميع محافظات المملكة، وحضر كثير منهم وقفة احتجاجية كبيرة ومشهودة أمام مجمع النقابات المهنية وسط العاصمة عمان، مطالبين الحكومة بسحب القانون من مجلس النواب وفتح حوار وطني قبل فوات الأوان.
في الوقت نفسه، أعلن المحتجون عن عزمهم تنفيذ وقفة احتجاجية ثانية، للمطالبة بإسقاط الحكومة في حال عدم استجابتها لمطلب النقابات والفعاليات الشعبية، بسحب مشروع قانون ضريبة الدخل وتعديل نظام الخدمة المدنية.
لقي الإضراب تضامنا شعبيا واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي، في حين تم إطلاق حملة تحت عنوان “معناش”، قامت بتوزيع دعوات الإضراب المطبوعة في الشوارع، في الوقت الذي تصدر فيه وسم #إضراب_الأردن، الأكثر تفاعلًا في المملكة على منصات التواصل الاجتماعي.
#صور: إضراب مشروع جمرك عمان الجديد في الماضونة اليوم صباحاً ..#إضراب_الأردن pic.twitter.com/zRlYIETcPO
— خالد فسفوس (@khalid_fasfous) May 30, 2018
ونشر الناشطون صورا لمتاجر مشاركة في الإضراب، أقفلت أبوابها وعلقت لافتات كتب عليها “أنا مشارك في الإضراب” كما رفع مواطنون لافتات كتب عليها “أضرب اليوم لأعيش غدا، لا لمشروع قانون الضريبة الجديد”، كما نشروا لقطات للمضربين عن العمل وللوقفات التي نظمتها النقابات في شوارع الأردن.
وكتب أحد النشطاء قائلا إن “نسبة المشاركة في إضراب الأردن مع ساعات الصباح الباكر، تفوق نسب المشاركة في الانتخابات النيابية، فالشعب اليوم يلقي خطابه البرلماني، لا حاجة لنا بمجلس نواب أصم نائم تحت قبة البرلمان.”
لأول مرة توسع الإضراب ضد قانون الضريبة ليشمل معظم القطاع الخاص وجزءًا مهماً من القطاع الحكومي
ورغم التحذيرات الحكومية بتنفيذ أحكام نظام الخدمة المدنية، التي تمنع موظفي القطاع العام من تنفيذ الإضرابات خلال ساعات العمل الرسمي، إلا أن العديد من الموظفين انضموا للإضراب تنفيذا لمطالب نقاباتهم.
حيث انتشر عبر وسائل الإعلام، تعميم من أحد المؤسسات الحكوية يطالب الموظفين بعدم المشاركة في الإضراب، ويتوعد الموظفين المشاركين بإعادة النظر في منحهم المكافآت والحوافز، كما باءت محاولة الحكومة بثني النقابات عن الإضراب بالفشل، بعد أن أصر مجلس النقباء خلال لقاء رئيس الحكومة الدكتور هاني الملقي على سحب القانون من مجلس النواب.
https://twitter.com/izaatreh/status/1001725164168597508
بينما لوحت الحكومة باتخاذ إجراءات قانونية بحق المضربين عن العمل من منتسبي النقابات في القطاع العام، إذ اعتبر رئيس ديوان التشريع والرأي نوفان العجارمة، أن “إضراب موظفي القطاع العام محظور ويخالف القانون”.
وقال خلال منشور له على صفحته الخاصة في “فيسبوك”، إن “الإضراب يعتبر بحكم الغياب عن العمل، بالتالي يعامل الموظف العام المضرب معاملة الغائب، بالإضافة للمسؤولية التأديبية فإن الموظف لا يستحق أجرا عن غيابه، وهذا ما انتهى إليه الديوان الخاص بتفسير القوانين الذي أفتى بموجب قراره رقم 6 لسنة 2014”.
الإضراب حرب استنزاف.. فإلى متى تصمد الحكومة؟
وفي نظرة اقتصادية حول الإضراب ضد قانون الضريبة، ولمعرفة ماذا يعني الإضراب العام عن العمل، وللاطلاع على آثاره السلبية على عجلة الاقتصاد، حمل الخبير الاقتصادي الدكتور خالد الزبيدي، الحكومة الخسارة الاقتصادية والآثار السلبية الناتجة عن الشروع في الإضراب.
وقال الزبيدي لـ”أردن الإخبارية” إن “تنفيذ الأردنيين للإضراب يعني توقف الأنشطة الاقتصادية وإغلاق المحال التجارية والمؤسسات والشركات، بالتالي خسارة اقتصادية بعشرات الملايين فوق الخسارة الموجودة أصلا، المتمثلة بالركود وتراجع القدرة الشرائية للمستهلكين”.
خبراء: يجب على الحكومة إيقاف النزف والخسارة الاقتصادية جراء الإضرابات التي فيما يبدو سيترفع عددها مستقبلا بسبب تعنّتها
ورأى الزبيدي أن “30/5 هو البداية وليس النهاية في فتح الملف الاقتصادي المتردي، وذلك لأن الأعداد التي شاركت في الإضراب كانت كبيرة، الأمر الذي يؤشر إلى أن الاحتقان بدأ يظهر على السطح، وهذا مؤشر ورسالة خطيرة يجب على العقلاء في النظام أن يلتقطوها ويتدارسوها قبل فوات الآوان”.
وأكد الخبير الاقتصادي على أنها البداية، لأن هناك دعوات متزامنة لمقاطعة مادة البنزين، فضلا عن إعلان النقابات والفعاليات الاقتصادية والحزبية عن وقفة احتجاجية ثانية الأسبوع المقبل، وهذا يعني أن الشعب فتح الملف ولن يغلقه أحد غير الشعب”.
وفي الأسباب التي أوصلت الشعب إلى هذه المرحلة، أشار الزبيدي إلى أن “السبب في ذلك هو إما أن الحكومة في أبراج عاجية لا تنظر إلى أحوال مواطنيها وأوضاعهم الاقتصادية، أو أن هناك معرفة واطلاع بكل التفاصيل، لكن العناد الحكومي هو العائق أمام النظر بعين الحكمة على الأوضاع والأحوال المعيشية للمواطنين”.
عايش: الخسائر التي سيمنى بها الأفراد والأسر والفاعليات التجارية والصناعية ستكون أضعافًا مضاعفة عن الإضراب لو طبّق القانون
وحول السبيل للخروج من هذه الأزمة التي تمثلت بالإضراب الذي شل كثير من مظاهر الحياة في المملكة، توقع الزبيدي تدخلا ملكيا وشيكا، قائلا إنه “كما العادة في اللحظات الفاصلة، يتدخل الملك من خلال صلاحياته الدستورية لعمل على إعادة الأمور إلى نصابها كما يريدها الشعب”.
أما الخبير الاقتصادي الدكتور حسام عايش، فقد اعتبر أنه “مهما كانت الكلفة الاقتصادية التي ترتبت على تنفيذ الإضراب كبيرة، إلا أن ذلك يهون أمام الخسائر التي سيمنى بها الأفراد والأسر والفاعليات التجارية والصناعية وغيرها، التي ستكون أضعافا مضاعفة في حال تم إقرار قانون الضريبة المعدل”.
وقال عايش لـ”أردن الإخبارية” إن “على الحكومة أخذ العبرة من المشهد الشعبي، والاستجابة لتطلعات ومطالبات مواطنيها الرافضة لسياساتها الاقتصادية، وإيقاف النزف والخسارة الاقتصادية جراء الإضرابات التي فيما يبدو سيترفع عددها مستقبلا، فالقانون الذي تسعى لفرضه لا يوجد مثيل له في العالم أجمع، حيث يتميز بالدكتاتورية والترهيب عبر العقوبات والغرامات الواردة في نصوصه”.
ورأى الخبير الاقتصادي أن “الحكومة بإصرارها على موقفها من القانون، فإنها بذلك تتهم الأردنيين بالتهرب الضريبي، وهذا غير منطقي ولا واقعي، فالأردنيين يدفعون عشرات الضرائب والرسوم في معاملاتهم وشرائهم وبيعهم”.
لو استمرت الإضرابات ستكون الحكومة وبسبب تعنتها وعنادها قد أدخلت المملكة في حرب استنزاف اقتصادي ستأكل الأخضر واليابس، وستحرق معها مئات الملايين من الدنانير وربما أكثر
وفي حال تراجعت الحكومة عن القانون وقامت بسحبه من مجلس النواب، هل من الممكن الالتفاف على الشعب من خلال قانون جباية جديد، عبر رفع نسبة ضريبة المبيعات مثلا، لم يستبعد عايش ذلك عن الحكومة، قائلا إن “الخبث الحكومي لا يتورع عن فعل أي شئ مقابل تمويل فسادها ومنتفعيها ومحاسيبها، فالوعود الحكومية بالإصلاح الاقتصادي ووقف عجز الميزانية والديون غير حقيقية وغير صادقة، فما زالت الديون تتزايد وعجز الميزانية في ارتفاع”.
هذا ويتساءل خبراء ومراقبون عن المدى الذي ستصمد حكومة الملقي إليه إذا ما استمرت الإضرابات، حيث أنها لم تزال في بدايتها وحتى الآن هي جزئية، وحجم الخسائر وإن كان لا يستاهن به فهو بالملايين، لكن ماذا لو تحول الوضع إلى إضرابات كلية تشل البلد واقتصاده، أو استمرت لأيام متتابعة أو متتالية، حينها ستكون الحكومة وبسبب تعنتها وعنادها قد أدخلت المملكة في حرب استنزاف اقتصادي ستأكل الأخضر واليابس، وستحرق معها مئات الملايين من الدنانير وربما أكثر، فهل تريد حكومة الملقي ذلك؟ وما هو دور السلطة الملكية حينها؟
المصدر: أردن الإخبارية