ساعات قليلة تترقبها أوروبا في انتظار ما تقرره الولايات المتحدة بشأن ما إذا كانت ستعفي بلدان الاتحاد الأوروبي بشكل دائم من التعريفات الجمركية على الصلب التي تبلغ 25% ومنتجات الألومنيوم التي تتجاوز الـ10% أم ستفرض عليها تعريفات أخرى، إذ من المتوقع أن يقرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا الأمر بحلول يوم غد الجمعة.
صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت مساء الأربعاء 30 من مايو/أيار 2016، أن ترامب يعتزم المضي قدمًا في تهديده بفرض تعريفات استيراد على الصلب والألومنيوم الأوروبي، فيما نقلت عن مصادر مطلعة احتمالية إعفاء الاتحاد الأوروبي مؤقتًا من فرض رسوم جديدة اليوم الخميس، فيما ذهب آخرون إلى مواصلة إدارة الرئيس الأمريكي توسعة الهوة مع حلفائها القدماء، خاصة أن المحادثات التي جرت هذا الأسبوع بين مفوضة الاتحاد الأوروبي للتجارة سيسيليا مالمستروم، ووزير التجارة الأمريكي ويلبر روس، لم تحرز أي تقدم.
وكان ترامب قد أعلن في مارس/آذار الماضي التعريفات الجديدة بعد أن قال إن صناعات الصلب والألومنيوم في بلاده “أهلكتها عقود من التجارة غير العادلة والسياسة السيئة مع دول من جميع أنحاء العالم”، ورغم أن هذا الإجراء كان يستهدف الصين فإنه أضر بحلفاء الولايات المتحدة في القارة العجوز كذلك.
الخلاف بشأن الصلب والألومنيوم يمثل أحد جبهات مواجهات ترامب التجارية التي ضربت شركاءه وخصومة معًا، فسعيه نحو ترجمة التهديدات التي أطلقها إبان حملته الانتخابية إلى قرارات عملية، ألقت بظلالها القاتمة على مستقبل علاقات بلاده مع بعض القوى الدولية على رأسها أوروبا، هذا بخلاف ما نجم عن السياسيات من إرباك عواصم العالم وأسواقها المالية.
البيانات والتصريحات “المقلقة” من الإدارة الأمريكية واحدة من عدة تهديدات خارجية للاتحاد الأوروبي وتهدد مستقبل الاتحاد
أوروبا تهدد بالرد
تلويح ترامب بفرض تعريفات على الصلب والألومنيوم المستورد من أوروبا قوبل باستنكار شديد من الاتحاد الأوروبي الذي تعهد بالرد بالمثل على إجراءات الولايات المتحدة وذلك بفرض رسوم على بضائع أمريكية مثل دراجات هارلي دايفيدسون وسراويل الجينز والويسكي.
نائب رئيس المفوضية الأوروبية جيركي كاتاينن، في الـ8 من مارس/آذار الماضي، قال إن الاتحاد الأوروبي يأمل في الحصول على استثناء من رسوم الاستيراد الأمريكية المزمع فرضها، لافتًا إلى أن المنظمة تحاول إقناع الولايات المتحدة بعدم فرض رسوم، كونها “فكرة سيئة” حسب وصفه.
وأضاف “لا حاجة بنا إلى العودة للثلاثينيات”، مؤكدًا أنه يكفي العودة إلى العقد الأول من الألفية الحاليّة عندما فرضت السلطات الأمريكية رسومًا على واردات الصلب من أوروبا، ما أدى لفقد الآلاف في أمريكا لوظائفهم، بما فهم حينها بأنه رسالة تهديد واضحة للرئيس الأمريكي قبل البت في قراره رسميًا والمقرر غدًا الجمعة.
بيير موسكوفيتشي مفوض الشؤون المالية للاتحاد الأوروبي، علق على ما لوح به الرئيس الأمريكي قائلاً “إذا طبق دونالد ترامب هذه الإجراءات فلدينا ترسانة كاملة تحت تصرفنا للرد”، مشيرًا إلى أن الإجراءات المضادة قد تشمل فرض رسوم أوروبية على واردات البرتقال والتبغ الأمريكية، مضيفًا أن بعض المنتجات التي قد تكون هدفًا لرسوم الاتحاد الأوروبي ينتج معظمها في مناطق خاضعة لسيطرة الجمهوريين في الولايات المتحدة، وتابع لتليفزيون بي. إف. إم: “نريد أن يفهم الكونغرس أن هذا سيعود بالخسارة على الجميع”.
توجه أمريكي بفرض رسوم استيرد على الصلب والألومنيوم الأوروبي
بجانب أوروبا، كانت الصين هي الأخرى حاضرة وبقوة في هذا التهديد، حيث حذرتا ترامب من ردهما إذا نشبت حرب تجارية مع الولايات المتحدة، وقال مسؤول من الاتحاد إن الرد قد يستهدف أيضًا السلع القادمة من مناطق نفوذ الحزب الجمهوري الذي ينتمي ترامب له.
وزير الخارجية الصيني وانغ يي، استنكر ما نقلته بعض المصادر عن نية أمريكية لفرض رسوم استيرد على بعض السلع، قائلا إنه لا يوجد ما يفرض تنافس الصين والولايات المتحدة وإن التاريخ يظهر أن الحروب التجارية ليست السبيل الصحيح لحل المشكلات، داعيًا الإدارة الأمريكية إلى إعادة النظر في سياساتها الاقتصادية على وجه الخصوص.
ورغم تقليل البعض من تأثير التهديد الأوروبي بفرض تعريفات بالمقابل، بزعم أنه من الصعوبة أن ينفذوا هذه التهديدات كون السوق الأمريكي أكبر سوق لمنتجات أوروبا وكندا، آخرون ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، خشية أن تنتقل عدوى الحرب من تجارية إلى سياسية، وهو ما ينعكس سلبًا على مستقبل العلاقات بين الجانبين.
مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية بات على المحك بصورة كبيرة، في ظل استمرار السياسة الصدامية لترامب التي دفعت بعض الأحزاب السياسية داخل أوروبا إلى المطالبة بإعادة تقييم العلاقات مع واشنطن
ماذا عن مستقبل العلاقات؟
“البيانات والتصريحات المقلقة من الإدارة الأمريكية الجديدة واحدة من عدة تهديدات خارجية للاتحاد الأوروبي وتهدد مستقبل الاتحاد..” بهذه الكلمات استهل رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، رسالته إلى قادة الاتحاد الأوروبي، بعد شهر واحد فقط من تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة رسميًا، ردًا على ما أسماه حينها بالتدخل غير المقبول في شؤون الدول الأوروبية الداخلية.
رسالة توسك لزعماء الدول الـ27 أعضاء الاتحاد الأوروبي، آنذاك، أتت في إطار القلق من مواقف الرئيس الجديد التي كشفت تصريحاته عن جزء كبير منها، حيث تعكس شعورًا متناميًا في كثير من المجتمعات الأوروبية بالحاجة إلى الرد على تحركات ترامب السياسية
القلق الأوروبي الحاليّ من ترامب ليس وليد اللحظة، إذ ساهمت سياساته في توسعة الهوة بين بلاده وحلفائها طيلة الـ17 شهرًا التي تقلد فيها منصب الرئيس، بدءًا بتدخله في شؤون أوروبا الداخلية، داعمًا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عبر الاستفتاء الذي وقع في 23 من يونيو العام قبل الماضي، وتصريحاته بخصوص إمكانية تطبيق نموذج “بريكست” في دول أوروبية أخرى، ليشعل غضب قادة أوروبا.
مفوض الشؤون المالية للاتحاد الأوروبي، علق على ما لوح به الرئيس الأمريكي قائلاً: “إذا طبق دونالد ترامب هذه الإجراءات فلدينا ترسانة كاملة تحت تصرفنا للرد”
كذلك رفضه لاتفاقية باريس للمناخ، حيث أثارت تصريحاته وقتها غضب الأوروبيين ممن اعتبروا هذه الخطوة تهديدًا وزعزعة لاستقرار الاقتصاديات العالمية وليست الأوروبية وحدها، بخلاف موقفه من اللاجئين والهجرة بصفة عامة، وحظره للاجئي 7 دول عربية وإسلامية من دخول أمريكا، والتلويح ببناء جدار فاصل على الحدود مع المكسيك، وإعادة النظر في اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، الذي يضمّ أيضًا الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
ثم تأتي توجهاته حيال الشرق الأوسط لتزيد نار التوتر بينه وبين أوروبا اشتعالاً، خاصة فيما يتعلق بالملف السوري ونقل سفارة بلاده للقدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الاحتلال، مختتمًا تلك التحركات بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015، وهو ما أثار حفيظة زعماء أوروبا وروسيا والصين الذين رأوا أن تلك السياسة ربما تثير القلاقل والاضطرابات في مختلف دول الشرق الأوسط، بما يهدد مصالحهم في هذه المنطقة.
الاتحاد الأوروبي يحذر من إقرار ترامب رسوم جمركية على منتجات أعضائه
الهجوم على سياسات الرئيس الأمريكي لم تأت فقط من حلفاء بلاده في الخارج، ولم تنحصر على زعماء الجيران والقوى المختلفة، بل جاءت من داخل البيت الأبيض نفسه، على لسان وزير الخارجية الأمريكي المقال مؤخرًا جون كيري الذي ندًد بـ”التصريحات غير اللائقة” التي أدلى بها رئيس بلاده تجاه الاتحاد الأوروبي، واصفًا إياها بـ”التدخل المباشر” في الشؤون الداخلية لبعض دول أوروبا، محذرًا من تبعات هذا التدخل، حيث قال: “أعتقد بصراحة تامة أنه كان من غير اللائق لرئيس منتخب للولايات المتحدة أن يتدخل في شؤون دول أخرى بهذه الطريقة المباشرة”,
مستقبل العلاقات الأمريكية الأوروبية بات على المحك بصورة كبيرة، في ظل استمرار السياسة الصدامية لترامب التي دفعت بعض الأحزاب السياسية داخل أوروبا إلى المطالبة بإعادة تقييم العلاقات مع واشنطن، وهو ما قد يهدد السياسة الخارجية الأمريكية ويفقدها الكثير من حلفائها.
رغم ما تحمله الساعات القادمة من تخوف لدى البعض جراء القرار أحادى الجانب من الرئيس الأمريكي، الذي سيؤثر على حرية التجارة العالمية بصورة كبيرة، غير أن القلق الأكبر ينصب على تجاوز هذا التأثير إلى ما أشبه بـ”الحرب الباردة” بين أوروبا وأمريكا تتجاوز الاقتصاد إلى عالم السياسة وهي ورقة الضغط التي ربما تدفع ترامب إلى التفكير مليًا قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة.