في مطلع العام الحاليّ، أعلن التحالف الدولي تشكيل الولايات المتحدة قوة سورية جديدة قوامها 30 ألف جندي تتقدمهم وحدات حماية الشعب الكردية لتكون حرسًا لحدود سوريا الشمالية، إلا أن الراية التي تدعمها واشنطن أثارت حفيظة أنقرة التي تعتبر الوحدات الكردية التي تشكل العصب الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية امتدادًا لحزب العمال الكردستاني “PKK” المصنف في قائمة الإرهاب لدى تركيا.
كان من المفترض أن يتمركز هؤلاء المقاتلون على الشريط الحدودي مع تركيا، لكن الولايات المتحدة توقفت عن الحديث في هذا المشروع، وترافق ذلك مع انخفاض الدعم المقدم من التحالف الدولي لقوات سوريا الديمقراطية، لكن يبدو أن هناك من يسعى لإحياء المشروع في صيغة جديدة.
أجندة سعودية – إماراتية جديدة لتأسيس وحدات عربية
تحركات جديدة هذه المرة من بوابة دول خليجية لم تخف يومًا دعمها لأكراد شمال سوريا نكاية في تركيا، فقد أكدت مصادر محلية للجزيرة أن وفدًا مشتركًا يضم عسكريين من السعودية والإمارات والأردن التقى بقادة ما تعرف بقوات سوريا الديمقراطية خلال زيارتهم إلى قاعدة عسكرية تابعة للتحالف الدولي في منطقة “خراب عشق” بريف عين العرب كوباني شمالي سوريا.
يبدو أنه كان اجتماعًا ميدانيًا إجرائيًا بامتياز، فلو كان مجرد لقاء تشاوري لما احتاج الأمر زيارة استمرت 24 ساعة لوفد ضم شخصيات عسكرية التقت على أرض ضمت قاعدة عسكرية بقياديين من قوات سوريا الديمقراطية وقياديين ميدانيين في قوات التحالف الدولي.
واستنادًا إلى وكالة الأناضول التركية فإن اللقاء المذكور كان مع مسؤولين في حزبيْ الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني اللذين تعدهما تركيا تنظيمين إرهابيين، ونقلت عن مصادر محلية أن السعودية أرسلت مساعدات في أبريل/نيسان الماضي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا.
وقالت الوكالة نفسها إن الزيارة تهدف لتأسيس وحدات عربية في المنطقة بتمويل سعودي، على أن تكون نواتها فصيل الصناديد (أحد الفصائل المنضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية التي تأسست عام 2013 من بعض أبناء عشيرة “شمر” وتوجد غالبيتها في مناطق ريف الحسكة)، لتشكَّل الوحدات إحدى القوى العسكرية في “قوات حرس حدود”، في ريف الحسكة، على أن تنتشر على الحدود السورية العراقية.
سبق أن تسربت أنباء عن بدء مليشيات “وحدات الحماية الكردية” بتلقي طلبات الانتساب لمليشيا جديدة تحت اسم “قوات حرس الحدود” في سوريا، تعمل على تأسيسها بتمويل من السعودية
وسبق أن تسربت أنباء عن بدء مليشيات “وحدات الحماية الكردية” بتلقي طلبات الانتساب لمليشيا جديدة تحت اسم “قوات حرس الحدود” في سوريا، تعمل على تأسيسها بتمويل من السعودية، وبالتعاون مع مليشيا “قوات الصناديد” التي يتزعمها حميد الدهام الجربا، أحد أقرباء رئيس الائتلاف السوري السابق أحمد الجربا.
ونقلت صحيفة “الوطن” السورية عن مدير شبكة “الخابور” المحلية المعارضة إبراهيم حبش، أن مقرات “الصناديد” والوحدات الكردية في مدينة اليعربية، التابعة إداريًا لمحافظة الحسكة، والواقعة بالقرب من الحدود السورية العراقية، افتتحت باب الانتساب لقوات حرس الحدود الجديدة، بعقد مدته عامين، وبراتب شهري مقداره 200 دولار أمريكي، منوهًا بإقبال الشبان على التطوع في القوات الجديدة، في ظل الظروف المعيشية السيئة التي يعيشها السكان هناك.
شيطنة الأكراد ليكونوا حجر عثرة في طريق تركيا
السعي الإماراتي السعودي الجديد من أجل تشكيل قوة حدودية من العشائر العربية شمال شرقي سوريا يأتي – استنادًا إلى محللين – من أجل توفير غطاء جديد لوحدات حماية الشعب الكردي في المنطقة خصوصًا بعد إعلان واشنطن نيتها الانسحاب من سوريا وفشل الوساطة الفرنسية بين تركيا ووحدات حماية الشعب الكردية.
وتحمل زيارة العسكريين الإماراتيين والسعوديين إلى مناطق وحدات حماية الشعب الكردية دلالات كثيرة؛ أبرزها سعي الرياض وأبو ظبي لمضايقة أنقرة من خلال سيطرتهما على ورقة الأكراد بحيث يمكن الضغط بها على تركيا.
لكن طبيعة الموقف الجديد للسعودية والإمارات من الثورة السورية، يثير التساؤل، فقد توجهتا معًا إلى دعم أطراف لا تقاتل النظام السوري المدعوم من إيران العدو الأول والأخطر بالنسبة لهما، وهنا يفسر الكاتب التركي إبراهيم قراغول ذلك بأن دعم المليشيات الكردية في مناطق شمالي سوريا هو “مخطط غربي لدعم التنظيمات الإرهابية، ولا علاقة له بمواجهة نفوذ إيران، وقد يؤدي لحرب عربية – تركية”.
ويرى مراقبون أن نجاح العمليات العسكرية التركية (درع الفرات وغصن الزيتون) في تأمين حدودها وطرد المليشيات الكردية التي تتلقى دعمها المالي واللوجيستي من أمريكا، أحرج حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، خصوصًا السعودية والإمارات، الذين يرون أن نجاح أي اختراق أو نفوذ تركي جديد في المنطقة يكون على حساب مصالح محور واشنطن -الرياض – أبو ظبي.
يرى مراقبون أن محور واشنطن وحلفتيها أبو ظبي والرياض يسعى من خلال تقديم الدعم للمليشيات الكردية شمالي سوريا، وإبقاء القوات الأجنبية، إلى سد الأبواب أمام العملية العسكرية التي تعتزم تركيا إطلاقها قريبًا ضد المليشيات الكردية
وبالعودة إلى ما يجري بين السعودية وتركيا، يمكننا التكهن بأن السعودية تعمل على شيطنة الأكراد لكي يكونوا حجر عثرة في وجه مخططات أردوغان، وفي نفس الوقت يكسبون رضا الأمريكي، فالاقتراب من ملف الأكراد ودعمهم خط أحمر لتركيا، فكيف إذا ما كان الأمر هو تشكيل وحدات عربية في المناطق الكردية؟
مدير مركز الدراسات الإسلامية بمعهد التنمية الابتكارية، كيريل سيمينوف يفسر دوافع الدعم المفاجئ للأكراد، بقوله: “بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة “داعش”، قد تتكفل أطراف أخرى بدعم الأكراد عسكريًا خارج إطار التحالف، ويمكنها مواصلة السير على النهج ذاته، من خلال دعم القوات الكردية بسوريا، خاصة في ظل اختلاف وجهات النظر بين السعودية والإمارت وتركيا إزاء العلاقة مع قطر.
ويرى مراقبون أن محور واشنطن وحلفتيها أبو ظبي والرياض يسعى من خلال تقديم الدعم للمليشيات الكردية شمالي سوريا، وإبقاء القوات الأجنبية، إلى سد الأبواب أمام العملية العسكرية التي تعتزم تركيا إطلاقها قريبًا ضد المليشيات الكردية و”داعش” في منطقة منبج التي تُمثل دفعة قوية بالنسبة لأنقرة في إنهاء صراع القوات التركية مع حزب العمال الكردستاني وأجنحته قرب الحدود العراقية والسورية.
الهجوم على تركيا يتواصل في صمت
يأتي الدعم السعودي في وقت ترفض فيه تركيا أي تدخل دولي لدعم قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، وتعده دعمًا لمنظمة إرهابية، وخطأ كبيرًا كما هو الحال مع الأمريكيين والفرنسيين الذين قدموا مساعدات لتلك القوات في منبج، وترى أنقرة أن تلك الوحدات هي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمردًا داميًا على الأراضي التركية منذ عام 1984.
ورغم التحذيرات التركية المتكررة، تواصل السعودية والإمارات العبث مع تركيا بشأن موضوع الأكراد، فقد سبق لها أن أرسلت الوزير السعودي لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى مدينة الرقة التي يسيطر عليها الحزب، والتقى مسؤولين أمريكيين فيها، فغضبت حينها تركيا واعتبرته استفزازًا لها.
بدأت بعد ذلك العلاقات تتوتر رويدًا رويدًا، ولا سيما حين زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجزائر، اعتبرتها السعودية استفزازًا لها، تبعها تصريحات من محمد بن سلمان أشبه بالحرب الكلامية، إذ صرّح ابن سلمان للصحفيين خلال زيارته الأخيرة لمصر بأنه: “يوجد ثالوث من الشر، يضم تركيا وإيران والجماعات الإرهابية”.
وفي وقت سابق، ترددت أنباء عن أن الرياض وأبو ظبي تدعمان الأكراد في سوريا والعراق نكاية بتركيا، وأن السعودية والإمارات وقفتا خلف استفتاء الانفصال الذي أجراه كردستان العراق العام الماضي، ونقلت وكالة الأناضول عن مصادر محلية أن السعودية أرسلت مساعدات في أبريل/نيسان الماضي لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سوريا.
كما أكدت صحيفة “Nizavisimaya” الروسية وجود أدلة تثبت تورط السعودية والإمارات في دعم المشروع الكردي بشمال سوريا، وبحسب الصحيفة، زودت الإمارات، في وقت سابق، كردستان السورية بجملة من الأسلحة في إطار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.
هل نفدت خطط الحلفاء لمحاربة أنقرة؟
بعيًدا عن الدعم العسكري، صعَّدت الإمارات والسعودية مؤخرًا من حربهما الإعلامية والاقتصادية مع اقترب الانتخابات التركية المبكرة التي دعا إليها أردوغان، وتولت الجيوش الإلكترونية للبلدين مهمة حرب كلامية وتحريضية غير مسبوقة.
وسخرت أبو ظبي والرياض ما يُعرف بـ”الذباب الإلكتروني” عبر موقع “تويتر” لشن حملة تشويه ممنهج على السياحة في تركيا، دعت من خلالها مواطنيهما لعدم الذهاب إلى تركيا في العطلة الصيفية.
وقد خرجت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي لمقاطعة السياحة في تركيا بدعوى تردي الوضع الأمني فيها وانتشار أعمال العنف، في حين تعتبر وسائل إعلام رسمية تركية أن الحملة تدخل ضمن “المكائد الخارجية” التي تسعى لضرب اقتصاد البلاد والليرة قبيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 من يونيو/حزيران المقبل.
وصل الهجوم الإعلامي الشرس الذي تشنّه وسائل الإعلام السعودية ضد تركيا وبشكل ممنهج، إلى حد استهداف شخص الرئيس التركي الهجمات والإساءة المباشرة له
ووصل الهجوم الإعلامي الشرس الذي تشنّه وسائل الإعلام السعودية ضد تركيا وبشكل ممنهج، إلى حد استهداف شخص الرئيس التركي الهجمات والإساءة المباشرة له في إحدى أهم الصحف الورقية السعودية، ما حمل انطباعًا بوقوف جهات رسمية خلف هذه الحملة.
وقد هاجمت صحيفة “عكاظ” السعودية مؤخرًا الرئيس أردوغان في مقال يحمل عنوان “أردوغان.. أوهام السلطان”، أفردت الصحيفة صفحة كاملة، تضمّنت انتقادات حادة لسياسات الرئيس التركي، والربط بينه وبين جماعة “الإخوان المسلمين” التي تحظرها السلطات في السعودية، وتشبيه الخطر الذي يمثله على الرياض بالخطر الإيراني.