ترجمة وتحرير: نون بوست
إن شهر رمضان شاق بشكل خاص على سكان مدينة الحديدة في الساحل الغربي اليمني، حيث تبلغ درجات الحرارة حاليا 36 درجة مئوية. أما المتمردون الحوثيون، الذين بسطوا سيطرتهم على المدينة منذ سنة 2015، فقد اعتادوا على المكوث في المرتفعات التي عادة ما تكون أكثر برودة، لكن ذلك لا يخفف من مشقتهم.
يتصاعد التوتر في المدينة الساحلية، حيث تتمركز قوات التحالف العربي، التي تدعم حكومة اليمن المنفية، على بعد أقل من 12 ميلا من حدود الحديدة، مما يجعل الجميع موقنين بأن المعركة وشيكة الحدوث لا محالة. وباعتبارها المركز التجاري الرئيسي لليمن، الذي يتدفق عبره أكثر من 70 المائة من واردات البلاد وشحنات المساعدات الغذائية والأدوية، لطالما مثل الهجوم على هذه المدينة في سعي محموم لاستعادتها أمرا لا مفر منه.
خلال الأيام القليلة الماضية، غطت القوات اليمنية والسعودية والإماراتية مساحات شاسعة من الأراضي، وبات نشوب المعركة وشيكا على نحو أسرع مما كان متوقعا، ما أثار عدة مخاوف بشأن تزايد أعداد المدنيين المحاصرين في المدينة. وفي هذا الصدد، قال آدم بارون، وهو زميل زائر رفقة المجلس الأوروبي للعلاقات الأجنبية، إن “ما سيحدث للحديدة ستكون له عواقب وخيمة على مجريات الحرب في اليمن”.
في سياق متصل، أوضح بارون أن “الإشكال الرئيسي يتمحور حول الطريقة التي سيتم وفقها خوض هذه المعركة، حيث يعتبر الميناء بالغ الأهمية بالنسبة لليمنيين في جميع أنحاء البلاد، ومن المرجح أن تدمر مرافق المدينة. لهذا السبب، يشعر المتساكنون بالقلق من المدة التي سيقضيها الميناء خارج الخدمة والمدة التي يمكن أن تستغرقها عملية إعادة بنائه”.
حسب المعطيات المنبثقة عن برنامج الأغذية العالمي، تسبب غلق الميناء بشكل كامل في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017، في تجويع 3.2 مليون شخص إضافي في اليمن
حتى قبل اندلاع الحرب، مثل ميناء الحديدة شريان الحياة بالنسبة لليمن، واستأثر بالنسبة الأكبر من دفق الواردات في بلد يضطر إلى استيراد 90 بالمائة من المواد الغذائية. وبسبب استيلاء الحوثيين المدعومين من إيران على المدينة في وقت مبكر من الحرب التي تدور رحاها منذ ثلاث سنوات، تعرضت الحديدة لحصار قوات التحالف الذي تقوده السعودية سنة 2015. ومن جهتها، نوهت المنظمات الإنسانية بأن هذا التحالف مسؤول بشكل كبير عن تعريض ثمانية مليون مواطن يمني لخطر المجاعة.
حسب المعطيات المنبثقة عن برنامج الأغذية العالمي، تسبب غلق الميناء بشكل كامل في تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017، ردا على إطلاق الحوثيين لصاروخ باليستي أسقِط بالقرب من العاصمة السعودية الرياض، في تجويع 3.2 مليون شخص إضافي في اليمن. كما حذر مبعوث الأمم المتحدة الجديد إلى اليمن، مارتن غريفيثس، من أن الهجوم الجديد الذي يهدف لاستعادة السيطرة على ميناء الحديدة سيؤدي إلى نزوح جماعي، ما يعني إزاحة الحل السلمي عن طاولة المفاوضات دفعة واحدة.
في الواقع، يبدو أن انقسام ولاءات المتمردين بعد أن قتل الحوثيون الرئيس السابق علي عبد الله صالح، في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حفز التحالف العربي. وفي الأثناء، شكل العميد طارق محمد صالح، ابن أخ الرئيس صالح، لواء جديدا يقاتل بضراوة ضد الحوثيين الذين قتلوا عمه. ومن المتوقع أن يتراجع الحوثيون إلى الجبال المحيطة بالحديدة عندما يبدأ القتال في المدينة، لكنهم وعدوا بمقاتلة قوات التحالف بلا هوادة قبل ذلك.
حيال هذا الشأن، صرحت الباحثة في جامعة أوكسفورد، إليزابيث كيندال، أنه “من المرجح أن يكون للضغط العسكري المتزايد على الحوثيين أثر عكسي يجعلهم أقل قابلية للدخول في مفاوضات السلام المقترحة، لأنهم سيكونون في وضع أضعف”. وأضافت كيندال أن إعادة الاستيلاء على الحديدة يمكن أن تفتح الطريق لاستعادة العاصمة اليمنية صنعاء من المتمردين في نهاية المطاف، بيد أن ذلك لا يعني بالضرورة استسلام الحوثيين.
يدرك التحالف العربي، الذي تعرض للانتقادات بسبب الخسائر غير الضرورية في صفوف المدنيين، خلال عمليات القصف، وفي مناطق أخرى يسيطر عليها الحوثيون، أن المجتمع الدولي يراقب هجوم الحديدة
في شأن ذي صلة، قالت كيندال إن “معاقل الحوثيين شمالي اليمن دمرت بعد أكثر من عقد من حرب العصابات، ولديهم جميع الأسباب التي تدفعهم لتحدي المنطق العسكري ومواصلة القتال، وقد يكون توظيف المكاسب العسكرية قصير المدى”. كما حذرت العديد من منظمات الإغاثة من أن التكلفة البشرية للظفر بالمدينة التي يقطنها 600 ألف شخص قد تكون كارثية. ومن المعروف أن الحوثيين يفخخون الأراضي بشكل كثيف قبل مغادرتها.
في وقت سابق من الشهر الجاري، ذكرت شبكة الأنباء الإنسانية، “إيرين نيوز”، أن خطط منظمة الأمم المتحدة العملية لإجلاء خمسة آلاف مواطن يمني إلى مناطق أكثر أمانا قبل اندلاع القتال، متخبطة. وتعليقا على هذا الوضع، قال المتحدث باسم منظمة إنقاذ الطفولة، بهانو باتناغار، أنه “يمكن أن يتشرد 340 ألف شخص إضافي إذا تعرضت الحديدة للهجوم”. وحسب باتناغار، من المرجح أن يستمر القتال طويلا، ناهيك عن أن الاستخدام المحتمل للأسلحة المتفجرة في المناطق الحضرية المكتظة بالسكان سيكون له أثر كارثي على المدنيين.
عموما، يدرك التحالف العربي، الذي تعرض للانتقادات بسبب الخسائر غير الضرورية في صفوف المدنيين، خلال عمليات القصف، وفي مناطق أخرى يسيطر عليها الحوثيون، أن المجتمع الدولي يراقب هجوم الحديدة. وفي هذا الصدد، صرح بارون، التابع للمجلس الأوروبي للعلاقات الأجنبية، بأن ضمان حماية الحديدة يندرج ضمن قائمة اهتمامات التحالف. وأضاف بارون أن “قوات التحالف اعتادت إلقاء اللوم على الحوثيين الذين يتحكمون في منافذ المدينة، عندما يتعلق الأمر بمشاكل تدفق المساعدات، لكن إذا كانوا في موقع القيادة، ستلقى المسؤولية على عاتقهم”.
في المقابل، صرح باتناغار أن الميناء يجب أن يبقى مفتوحا مهما كلف الأمر، ذلك أن الإغلاق الكامل لميناء الحديدة من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض الإمدادات الغذائية والتجارية بشكل كارثي، في وقت يكون فيه المجتمع اليمني في أمس الحاجة إليها. وفي الحقيقة، وصلت واردات الأغذية إلى أدنى مستوى لها منذ بدء النزاع وارتفع سعر السلع الأساسية بمقدار الثلث.
في كفاحها من أجل السيطرة على هذه المدينة، ستسعى جميع الأطراف المتورطة في هذه الحرب إلى الحصول على الثناء إذا ما كللت جهودها بالنجاح، وتجنب اللوم عن أي إخفاقات
عندما يتوقف صوت الرصاص ودوي انفجار القنابل، سيندلع نوع مختلف من المعارك، خاصة في ظل الكثير من التوترات في صفوف التحالف العربي بشأن النفوذ المتنامي للإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في أجزاء من اليمن. وفي وقت سابق من هذا الشهر، أدى غضب الحكومة اليمنية إلى حدوث مواجهة دبلوماسية حول جزيرة سقطرى في بحر العرب بين الإمارات وحكومة عدن المنفية. وإذا كانت قوات طارق صالح صاحبة القرار على أرض الميدان عندما تنتهي المعركة، فتمثل مصدرا للقلق بالنسبة للرئيس اليمني المحاصر، عبد ربه منصور هادي.
في كفاحها من أجل السيطرة على هذه المدينة، ستسعى جميع الأطراف المتورطة في هذه الحرب إلى الحصول على الثناء إذا ما كللت جهودها بالنجاح، وتجنب اللوم عن أي إخفاقات. وفي هذا السياق، أفاد بارون “ستكون هذه المعركة ضارية مثل الحرب”. وتجدر الإشارة إلى أن الناشطة توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أعربت عن قلقها بشأن المعركة القادمة قائلة إن “عملية الحديدة ستترك وراءها كارثة بشرية لم يسبق لها نظير”.
في حديثها عن عملية الحديدة، أكدت توكل كرمان أن “هذه المعركة لن تساهم إلا في تعميق معاناة اليمنيين، حيث ستحرم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الحكومة الشرعية اليمنية من الدخول إلى الحديدة، على غرار ما حدث في عدن. وهذا لن يجلب السلام، بل سيؤدي إلى قدوم جماعة مسلحة جديدة لتحل محل أخرى”.
المصدر: الإندبندنت