مدخل
تشهد مناطق واسعة من جنوب ووسط البلاد معارك للقضاء على حركة الشباب المجاهدين ذات الصلة بتنظيم القاعدة، بقيادة مشتركة بين القوات الوطنية الصومالية والقوات الإفريقية (الأميصوم)، بعد أن أعلنت الحكومة لأول مرة منذ مجيئها الحرب على هذه الحركة الجهادية المتشددة. وقد أعلنت القوات المشتركة حتى الآن عن السيطرة على ما يقرب من ست بلدات آخرها بلدة بور-هكبي- في باي. ولكن الشيء اللافت الذي يتكرر بطريقة غريبة هو أن القوات المشتركة عادة ما تعلن السيطرة على بلدة ما، بعد انسحاب مقاتلي الحركة، ثم تعاود الحركة الكرّة، فتنسحب منها القوات الحكومية المدعومة من قوات الأميصوم، كما تسود الفوضى في البلدات “المحررة” بحسب وصف الحكومة، وتعود عمليات النهب والقتل من جديد. ما يدفع الشعب لتأييد عودة مقاتلي الحركة، والتسليم الطوعي لهم. وهذا يعني أن القضاء على حركة الشباب بقتالهم ومطاردتهم غير ممكنة، كما أن الجيش المكون من مجموعة مليشيات أعيد تأهيلها لا يمكنه أن يحفظ أمن البلدات واستقرارها، وإن بدعم قوات الأميصوم التي لا تعرف طبائع الناس، وحاجاتهم، ولا يقدرون مخاوفهم حق قدرها.
ويلاحظ المراقب لما يتداوله الشباب الصومالي على شبكات التواصل الاجتماعي حول هذه الحرب أن قضية وجود قوات افريقية عموماً، وقوات اثيوبية خصوصاً، لم تعد مسألة مثيرة للحنق الشعبي كما كان الأمر في بداية استدعاء القوات الإثيوبية في عام 2007م، لحماية الحكومة المؤقتة من اتحاد المحاكم الشرعية. بل بات الموضوع في نظرهم ضرورة ملحة، ووقاية للصومال من الوقوع الكامل تحت حكم القاعدة. وهذا ما يدفعنا للتساؤل عن العوامل التي أدّت لظهور فكرة الاحتماء بقوات افريقية، وعن دوافع رفضها سابقاً، والترحيب بها حالياً؟
لماذا استدعيت القوات الافريقية لحماية الحكومة الصومالية الانتقالية؟
حاول المؤتمرون في امبغاتي تجنب تكرار ما حدث في مؤتمر عرتا عام 2000م، حيث أُخرج زعماء الحرب من المعادلة، واعتبر هذا لاحقاً خطأ في التّقدير، ففي الواقع زعماء الحرب كان المسيطرين على مقديشو، والحكومة المؤقتة لا تتمتع بأي قوة للدفاع عن نفسها وبسط سيطرتها على العاصمة، فما كان منهم إلا إعلان الحرب على الحكومة المؤقتة، وكرّد فعل قام عبد القاسم صلاد بتسليح زعماء قبيلته ليستمدّ منها القوة والحماية، وانهار الحلم الصومالي في عودة بلادهم إلى المسار الطبيعي. وفي امبغاتي عام 2004م، تقرر إشراك صناديد الحرب في الحكومة، وتعهدّوا بالالتزام بمفرزات المؤتمر، وقرر عبد الله يوسف الانتقال من كينيا وإدارة البلاد من الدّاخل، واستبعد العودة للعاصمة التي تديرها المليشيات المسلحة، رأى الرئيس الانتقالي أن بسط سيطرة البلاد وبناء الجيش لن تبدأ من مقديشو، التي لم يكن يتمتع فيها بأي شعبية تذكر، وتديرها مليشيات مناوئة له؛ فقرر هو ورئيس الحكومة علي غيدي الانتقال لجوهر؛ عاصمة إقليم شبيللي الأوسط، في يونيو 2005م. غير أن رئيس البرلمان وقتها شريف شيخ آدن ومائة من أعضاء البرلمان أبدوا استياءهم، فذهبوا لمقديشو وأعلنوا أن مقر البرلمان سيكون في مقديشو، ولكن الرجّلان التقيا لاحقاً في اليمن في فبراير 2006م، وأبرما اتفاقية بموجبها انتقلت الحكومة ومعها البرلمان إلى بيدوا، عاصمة باي.
كانت تلك محاولات من جانب عبد الله يوسف لخلق ظروف مواتية لاستقرار البلاد بعد سنوات من الانقسام والنزاعات المسلحة. غير أنّها لم تجد نفعاً، وظهر أن الثّقة بين المليشيات المسلحة في مقديشو وأي نظام قد تنتجه مؤتمرات المصالحة ستكون معدومة، وسيبقى باب الصراع وإسقاط الحكومات الانتقالية مفتوحاً.
بوادر التّدخل العسكري الأجنبي
في مقديشو، لم يكن أصحاب النفوذ ينظرون بعين الرّضا عن مساعي الحكومة في الاستقرار بعيداً عن العاصمة معقلهم، وحيث عملوا خلال خمسة عشر سنة على إحكام السيطرة عليها، وخاصة مع بدء عبد الله يوسف بناء جيش من بونتلاند وهيران وباي وبكول ومنطقة جوبا، ما يعني إقصاء مليشياتهم وعدم إشراكها في الجيش المزمع إعادة إنشائه.
ومن ناحية أخرى، تأسس تحالف مكافحة الإرهاب من قبل بعض زعماء الحرب والتّجار، وأخذوا يستهدفون أعضاء من القاعدة وتسليمهم لجهات أجنبية، وكرّد فعل مضاد، دعى قادة المحاكم الشرعية أو الإسلامية لمواجهتهم وأنشأوا ما عرف باتحاد المحاكم الإسلامية.
أدّت هذه المواجهة إلى طرد زعماء الحرب- ومنهم وزراء في الحكومة الانتقالية ومسئولون أمنيون- من العاصمة، بدأت قوات اتحاد المحاكم تتوسع في البلاد، ووصل الأمر إلى حدّ تهديد الحكومة المستقرة مؤقتاً في مدينة بيدوا، فقدمت الحكومة برئاسة علي جيدي مقترح الاستعانة بقوات إثيوبية للتصدي لمدّ مليشيات اتحاد المحاكم الإسلامية، وافق عليه 37 وزيرا من أصل 48 وزيراً، ومن المثير للاهتمام أن أغلب المعترضين عليه هم نفسهم زعماء الحرب ممن أشرِكوا في الحكومة، ثم صوّت البرلمان بالأغلبية ب(بنعم).
وبالفعل تدّخلت لصالح الحكومة المؤقتة، وصدّت هجوم تلك القوات المعارضة للحكومة، وطادرتها حتى أدغال كسمايو، واستقرت الحكومة لأول مرة منذ سقوط نظام سياد بري في مقديشو، واستعيد القصر الرئاسي الذي وضع أفراد من عائلة محمد فارح عيديد أيديهم عليه، ليصبح مقرّ الرئيس الانتقالي وحكومته.
قوات الأميصوم: تفويض مفتوح الأجل
أدرك شريف فور وصوله أنّ أي حكومة صومالية ستكون عرضة لتهديد قوى صومالية منافسة أو معارضة، وأنّه وحكومته لا بدّ لهم من حماية قوات أجنبية ليستمروا ويأسسوا لمرحلة تخرج البلاد من وضعها الرّاكد. فقبل بتفعيل قوات افريقية أسستها لجنة السلام والأمن التّابعة للإتحاد الافريقي، وأقرّها مجلس الأمن الدّولي للأمم المتحدة، وذلك في 19 يناير 2007، وكانت مدة التفويض ستة أشهر، استمرت تتجدد منذ ذلك الوقت.
ومن مهام هذه القوات:
- دعم الحوار والمصالحة الصومالية والعمل مع كافة الأطراف.
- توفير الحماية للحكومة الانتقالية، وأهم البنى التحتية لتمكينها من أداء وظائفها.
- المساهمة في تنفيذ برنامج استقرار الأمن القومي.
- تقديم الدعم التقني في عملية نزع السلاح وإرساء الاستقرار.
- رصد الحالة الأمنية في مواقع العمليات.
- توفير التسهيلات والخدمات الإنسانية لإعادة النازحين واللاجئين
- حماية أفراد البعثة، ومنشآتها، ومعداتها.
ويبلغ قوام هذه القوات 22,126. والأرقام التالية توضح الدول المشاركة في هذه المهّمة، وعدد ضباط كل ٍّمنها:
- أوغندا: 6,223
- بروندي: 5,432
- جيبوتي: 1000
- سيراليون: 850
- اثيوبيا:4,395
- كينيا: 3,664
الخاتمة
إن القوات الأجنبية مهما كانت، لا يمكنها العمل على توفير الأمن والاستقرار في البلاد، لأن تلك هي مهمة الصوماليين أولاً وآخراً، وأهل الصومال أدرى بتعقيدات صراعهم. ولن تنتهي مهمة قوات الاميصوم، ما لم تقم كلّ حكومة بواجباتها المرحلية المتوقعة منها، وإلا مُدد لها مرة أخرى، وجدد المجتمع الدّولي لها التمويل على حساب أجهزة الأمن الوطنية. ولا يبدو أن الحكومة الفيدرالية الصومالية تبالي باستمرار تواجد هذه القوات؛ فها هي قد استهلكت نصف عهدتها تقريباً، دون أن تتحقق سياسة الأركان الستة التي أعلنها الرئيس وفي مقدمتها الأمن، بل واستعادت حركة الشباب نشاطها في العاصمة، حتى بلغ الأمر حدّ تنفيذ عمليات تفجيرية في محيط القصر الرئاسي، وأن تهاجم مجمع للأمم المتحدة، ومجمع المحاكم، وجميعها تقع في منطقة يفترض أنّها غاية في التحصين. ولا أحد يدري أين ذهبت مهمة: حفظ الحكومة والبنى التحتية المهمة، الموكلة لقوات الاميصوم!!
ولعلّ أكبر عائق أمام تأسيس هذه الأجهزة رغم مما نسمعه من قوات أمن أنهت دورات تدريبية بين الحين والآخر، ما يزال الوضع القائم كما هو، والسبب في ذلك أن أغلب القوات التي تؤهلها المنظمات والدّول الدّاعمة للحكومة هم في الغالب أعضاء مليشيات قبلية ظلت تشارك في عمليات القتل والاغتصاب والنهب طوال فترة الحرب الأهلية، وموالون لقادتهم السابقين، ولديهم أجندات قبلية، ما يبرر الاختراقات الأمنية. وعليه نوصي الحكومة بفتح أكاديمية الشرطة وتفعيل الكلية الحربية ودعوة الطلبة للالتحاق بها، بدل من إنفاق أموال المانحين في محاولة إعادة تأهيل رجال المليشيات لبضع شهور.