لم تكن الشيخة حسينة البالغة من العمر 76 عامًا، تتصور أن مظاهرات طلابية بسيطة في جامعة دكا ضد سياسة الحصص التي خصصت نسبة كبيرة من الوظائف المدنية لأقارب وأحفاد الذين قاتلوا في حرب الاستقلال عن باكستان عام 1971، قد تتطور إلى انتفاضة شعبية عارمة وأكبر الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في تاريخها.
لقد أغمضت أطول رئيسة وزراء مدةً في بنغلاديش عينَيها عن المظالم السياسية والاقتصادية، وإلى آخر لحظة اعتقدت أن قبضتها لا يمكن كسرها، وكانت مقتنعة بأن الاحتجاجات يقودها بلطجية وإرهابيون، ثم صبّت الزيت على النار حين وصفت المتظاهرين بالخونة، وفي النهاية أثبتت المرأة الحديدية أنها في غاية الضعف، وسقطت بشكل مذلّ في مشهد مشابه لانتفاضة عام 2022 في سريلانكا التي أطاحت بالرئيس غوتابايا راجاباكسا.
وفي تحول دراماتيكي للأحداث، سادت حالة من الفرحة العارمة في شوارع بنغلاديش عقب تنحّي “المرأة الحديدية” وفرارها من البلاد إلى الهند في 5 أغسطس/ آب، بعد 5 أسابيع من موجة الاحتجاجات واقتحام المتظاهرين مقرّ إقامتها وتمزيق صور وتماثيل والدها مجيب الرحمن مؤسِّس بنغلاديش الحديثة، ما وضع نهاية لسيطرة حسينة على السياسة في البلاد والتي دامت 15 عامًا.
متظاهرون يهاجمون تمثال والد الشيخة حسينة
بنغلاديش.. الجغرافيا والناس
تعدّ بنغلاديش قوة متوسطة في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، وهي رابع أكبر دولة من حيث عدد المسلمين في العالم، وثامن أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، والذي يبلغ حسب إحصاء عام 2024 نحو 170 مليون نسمة.
بنغلاديش هي دولة نهرية تتمتع باثنَين من أكبر أنهار العالم، نهر الغانج وبراهمابوترا، وتقع البلد في موقع حسّاس في جنوب آسيا وعلى طول خليج البنغال، أما مساحتها فتناهز 148 ألفًا و460 كيلومترًا، وتشغل الغابات والتلال نحو 30% من أراضيها، كما تشترك في الحدود مع دولتَين، يحدّها من الغرب والشمال والشرق حدود برية بطول 4 آلاف و142 كيلومترًا مع الهند، وتشترك في حدود صغيرة بريّة ومائية مع ميانمار في الجنوب الشرقي بطول 271 كيلومترًا، وهاتان الدولتان شديدتا التماسّ والتشابك مع بنغلاديش.
استقرت بنغلاديش بحدودها الحالية في سياق الصراع بين الهند وباكستان، فبعد تقسيم الهند عام 1947 انقسمت البلاد (باكستان) بين جزء غربي عاصمته كراتشي، وجزء شرقي بنغالي عاصمته دكا، وتفصل بينهما الهند، ثم أصبحت المنطقة ذات الأغلبية المسلمة التي كانت تُعرف سابقًا باسم باكستان الشرقية مستقلة عن باكستان الغربية (باكستان الآن)، بعد حرب خاضتها الأولى بدعم وتدخُّل من الهند عام 1971، ومن هنا وُلدت بنغلادش.
ومنذ إعلان استقلالها في عام 1971، شهدت بنغلاديش العديد من التحولات، ظلت تحت الحكم العسكري بدءًا من الانقلاب الدموي عام 1975 حتى عام 1991. ورغم أن بعض السياسيين وصلوا إلى رئاسة الوزراء خلال الانتخابات، إلا أنهم ظلوا عاجزين أمام الجيش.
وفي فترة 1975-2011 واجهت بنغلاديش 29 انقلابًا عسكريًا، وبينما لا يتمتع الجيش البنغلاديشي بنفس قوة نظيره الباكستاني، إلا أن الأحداث الأخيرة قد تعيده بقوة إلى المشهد السياسي مجددًا.
أما المجتمع في بنغلاديش فمتجانس عرقيًا وثقافيًا بشكل كبير، حيث يشكّل البنغاليون 99% من السكان، واللغة الرسمية والسائدة في البلاد هي البنغالية، يتحدث بها أكثر من 99% من السكان كلغة أمّ، والغالبية العظمى من البنغاليين مسلمون سنّة يتبعون المذهب الحنفي ويشكّلون 91% من السكان، في حين يتبع الهندوسية 8% من السكان، ونسب قليلة من المسيحية وديانات أخرى.
عندما وُلدت بنغلاديش قبل أكثر من 50 سنة، كانت ثاني أفقر دولة بالعالم وتعاني من مجاعة قاسية، وخلال السنوات الخمسين التالية حققت واحدة من أعظم القفزات على مؤشر التنمية بين الدول الآسيوية، فقد شهدت بنغلاديش على مدى العقود الماضية نموًّا اقتصاديًا مذهلًا لفت انتباه العالم، وصارت ثاني أكبر اقتصاد في جنوب آسيا بعد الهند، وتضاعف دخل الفرد 3 مرات في العقد الماضي.
لكن هذه السنوات الطويلة اتّسمت أيضًا بجوّ من الخوف وقمع الحريات وسحق وسجن المعارضين، بجانب تزايد التفاوت الاقتصادي بين الطبقات، فلم يشعر المواطن العادي بالارتفاع في الناتج المحلي الإجمالي، وأثّرت البطالة والتضخم بشدة على سبل عيش الناس العاديين.
ويعتبر الكثيرون أن النمو الاقتصادي في الفترة الأخيرة ساعد في الغالب أولئك المقربين من النخبة الحاكمة، فقد أنشأت حسينة تحالفًا من رجال الأعمال ومجموعة صغيرة من كبار العسكريين في الجيش وقوات الشرطة، وحسب أوداي تشاندرا، الأستاذ في جامعة جورج تاون بقطر، “فإن فوائد النمو كانت مقتصرة على نخبة صغيرة في النظام أو قريبة منه”.
ورغم أن بنغلاديش تتمتع بموقع جيوسياسي فريد، وتكتنز الكثير من الثروات الطبيعية والمعدنية، والتي قد تغيّر من واقع البلد ومستقبله، إلا أنها تواجه العديد من التحديات، خاصة الفساد وعدم الاستقرار السياسي.
فراغ السلطة: ماذا بعد فرار الشيخة حسيبة؟
مع هدوء غبار الخروج الدرامي للشيخة حسينة، تجد بنغلاديش نفسها مرة أخرى عند مفترق طرق، ففي حين يحتفل أغلبية الشعب بنجاح الثورة باعتبارها “التحرير الثاني”، يظل آخرون حذرين ويتذكرون أصداء الأحذية العسكرية المألوفة في أروقة السلطة في دكا.
لقد انقلب المشهد السياسي في بنغلاديش رأسًا على عقب، خاصة أن سقوط حسينة لم يكن متوقعًا، وفي خضمّ الفراغ السياسي الذي خلفته الأخيرة، أمر الجيش بإطلاق سراح رئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء والمحتجين الطلاب، وأعلن قائد الجيش، الجنرال واكر الزمان، حل البرلمان وتشكيل حكومة مؤقتة تحت قيادته، وليس من الواضح كم من الوقت قد تستغرقه هذه العملية، لكن البعض يرجّح أنها قد تستغرق سنوات.
المروحية التي أقلت رئيسة الوزراء البنغلاديشية إلى الهند.
في الوقت الحالي، تتجه كل الأنظار نحو الجيش الذي يحظى باحترام ويتمتع بنفوذ كبير على السياسة في البلاد، ومن المتوقع أن يعمل الجيش خلف الكواليس، لكن الثوار لا يريدون الجيش أن يكون حاضرًا في تشكيل حكومة جديدة، ويشعر الناس بالقلق إزاء هذا الاحتمال رغم توضيحات الجيش ووعوده.
كثيرون لا يستبعدون احتمال وقوع بنغلاديش مرة أخرى تحت الحكم العسكري، نظرًا إلى السوابق التاريخية. فتاريخ الجيش ليس جيدًا إلى هذا الحدّ، وهناك مزاعم بأن الجيش شارك في الفظائع الأخيرة ضد الثوار. وفي هذه الأوقات الصعبة، دعت مجموعة من كبار ومتوسطي الرتب المتقاعدين من الجيش، سحب القوات المسلحة من الشوارع وإعادتها إلى الثكنات.
في الواقع، لا يعدّ الجيش خيارًا مفضّلًا خاصة بين شباب الجامعات، لذا اقترح الشباب على الجيش أن يتولى محمد يونس قيادة الحكومة القادمة، وهو رجل أعمال وخبير اقتصادي يحظي باحترام هائل ويتمتع بسمعة طيبة، فاز بجائزة نوبل للسلام عام 2006، ويُنسب إليه الفضل في انتشال الملايين من براثن الفقر في بنغلاديش.
وقد تحدث يونس يوم الثلاثاء الماضي إلى “فرانس 24” عن الانتفاضة الشعبية، وأشاد بالاحتجاجات التي قادها الطلاب، وعبّر عن آماله في مستقبل أكثر ديمقراطية للبلاد، ووافق على العودة إلى بنغلاديش لتلبية دعوة طلاب الجامعات، وقال إنه يتمنى أن يسلّم الجيش البلاد لحكومة مدنية ويعود إلى ثكناته، وأن يتم إجراء انتخابات في غضون بضعة أشهر.
وفي اجتماع قادة الجيش مع زعماء المجموعات الطلابية أمس الأربعاء، اتُّخذ القرار سريعًا بتشكيل حكومة مؤقتة برئاسة محمد يونس البالغ من العمر 84 عامًا، بناءً على مطالب الطلاب الذين قادوا الانتفاضة، وبالتالي يمكن القول إن السياسة في بنغلاديش دخلت فصلًا جديدًا خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث رضخ الجيش لمطالب هؤلاء الشباب الذين استطاعوا فرض مرشحهم.
وأمس الأربعاء، قال قائد الجيش، الجنرال واكر الزمان، والذي كان محاطًا بجنرالات البحرية والقوات الجوية، إن الحكومة المؤقتة برئاسة يونس ستؤدي اليمين الدستورية مساء الخميس، وأضاف أن المسؤولين عن العنف في الاحتجاجات سيقدَّمون للعدالة. ومع ذلك، لم يتضح بعد الدور الذي سيلعبه الجيش في الإدارة الجديدة.
الهند: أسوأ سيناريو
حقق مودي نجاحًا كبيرًا في تعزيز علاقات بلاده مع دول الخليج و”إسرائيل” ودول في أفريقيا وجنوب القوقاز، أما بالنسبة إلى جوار الهند المباشر، فقد شهدت السنوات الثلاث الماضية تحولات جذرية لجيران الهند، بدءًا من عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021، والاحتجاجات الحاشدة في سريلانكا التي أدّت إلى فرار حليف الهند غوتابايا راجاباكسا من البلاد في يوليو/ تموز 2022.
ثم طرد الرئيس الجديد لجزر المالديف القوات الهندية قبل أشهر قليلة من أجل تعزيز علاقاته مع الصين، وكذلك الاضطرابات الأخيرة في ميانمار تشكّل مشكلة للهند، ومع سقوط الشيخة حسينة في بنغلاديش فقدت الهند أهم حلفائها وتآكلت قوتها الاستراتيجية في الجوار.
تتمتع الهند بعلاقة خاصة مع بنغلاديش، وقد قدمت لها دعمًا كبيرًا منذ ولادتها، ويشترك البلدان في حدود طويلة تمتد أكثر من 4 آلاف كيلومتر، ويحافظان على شراكة استراتيجية واقتصادية، والحقيقة أن العلاقة بينهما لم تشهد توترات إلا بسبب سياسات تقاسم المياه في نهرَي الغانج وتيستا، والهجرة والتهريب وقتل الهند للمدنيين البنغال على الحدود.
وخلال فترة ولايتها التي استمرت 15 عامًا، دعمت الهند حسينة بقوة، ويصف المحللون العقد الماضي بأنه “العصر الذهبي للعلاقات الهندية البنغالية”، ففي ظل هذه العلاقات القوية نمت التجارة بين البلدين من 2 مليار دولار عام 2007 إلى 14 مليار دولار عام 2022.
في الواقع، كانت حسينة أقرب شريك جيوسياسي للهند من الاقتصاد إلى مكافحة الإرهاب، وأبدت استعدادها للعمل مع الهند بطرق لم يفعلها سوى عدد قليل من القادة البنغال، والأهم أنها احترمت دائمًا الخطوط الحمراء الثلاثة للهند، والتي انتهكتها حكومات الحزب الوطني البنغلاديشي والجماعة الإسلامية السابقة في عدة مناسبات، وتشمل حماية الأقلية الهندوسية، وقمع القوى الإسلامية المعادية للهند، وقبول الحساسيات والمخاوف الأمنية الهندية عند التعامل مع دول مثل باكستان والصين.
وجدير بالذكر أن حسينة عندما تولت السلطة للمرة الثانية عام 2009، شنّت حملة صارمة ومستمرة على الحركة الإسلامية والجماعات المناهضة للهند، وأوقفت كل الأنشطة المعادية للهند في بنغلاديش، وصنّفت رسميًا الجماعة الإسلامية وجناحها الطلابي كمنظمات إرهابية، لذا كان أحد أهم الأسباب التي جعلت الهند تفضّل حسينة هو نهجها الدموي تجاه الحركة الإسلامية.
وقبل شهر واحد فقط من سقوط حسينة، كانت الهند وبنغلاديش تعملان على تكثيف العلاقات الدفاعية والاقتصادية، ووقّعت بنغلاديش على صفقة كبرى مع الهند لبناء سفن دفاعية وتعزيز التعاون البحري.
وحسب الباحث في مركز ويلسون، مايكل كوغلمان، فإن استقالة حسينة وهروبها كان أسوأ سيناريو للهند، لأن الأخيرة تنظر إلى أي بديل للسيدة حسينة وحزبها باعتباره تهديدًا لمصالحها.
وفي حين لم تعلق الهند بشكل رسمي حتى الآن على استقالة حسينة، فقد عبّرت عن قلقلها ونشرت قوات إضافية على طول حدودها مع بنغلاديش، كما عقد رئيس الوزراء مودي اجتماعًا يوم الاثنين الماضي لمناقشة المخاوف الأمنية بعد هروب حسينة، وقال وزير الخارجية الهندي، إس جايشانكار، إنه قلق للغاية إزاء التطورات الجارية في بنغلاديش.
في الواقع، تمثل الأحداث الأخيرة في بنغلاديش صدمة وانتكاسة استراتيجية لنيودلهي، والمسؤولون الهنود مذهولون من سرعة وحجم الأحداث في بنغلاديش، ولذا تواصلت الهند مع الجيش في بنغلاديش لإيصال مخاوفها وأخذ مصالحها في الاعتبار. كما ظهرت تقارير هندية كثيرة مستندة إلى مصادر هندية أمنية، تزعم أن الصين والمخابرات الباكستانية jقفان وراء الاحتجاجات الطلابية.
في الحقيقة، الهند أصبحت عالقة، ولا يوجد دور مؤثر يمكن أن تلعبه في الأشهر المقبلة، لكن هذا لا يعني أنها لن تجد وسيلة للعمل مع النظام الجديد، لكن الأمور ستكون صعبة نظرًا إلى غياب الثقة. ومن الممكن القول إن الهند ستكون المصدر الأكبر للتوتر المحتمل الذي سيواجه الإدارة الجديدة في بنغلاديش. وفضلًا عن استضافتها للمرأة الحديدية الهاربة، تواجه الهند الآن جمهورًا بنغاليًا كارهًا لسياستها.
باكستان: ضبط العلاقات
استمرت بنغلاديش ما بعد الاستقلال في اتّباع خط الهند، وفي الوقت نفسه إقامة قدر من التواصل مع باكستان، لكن ظلت العلاقات بين البلدَين متوترة، خاصة خلال حكم رابطة عوامي بزعامة حسينة.
فقد أدى قرب حسينة من الهند وسجن وإعدام زعماء المعارضة البنغلاديشية، ومنهم شخصيات بارزة في الجماعة الإسلامية، إلى تدهور العلاقات ووصولها إلى أدنى مستوياتها. وبالنظر إلى الضغينة التي كانت لدى عائلتها تجاه الطبقة الحاكمة في باكستان، فقد أصرّت حسينة على أن تقدم باكستان اعتذارًا عن فظائع عام 1971، ولا تزال حرب 1971 ذات أهمية بالنسبة إلى السياسة البنغالية، وتشكّل محورًا لهوية بنغلاديش وسياساتها تجاه باكستان.
وعندما هربت الشيخة حسينة يوم الاثنين الماضي من البلاد لإنقاذ حياتها، احتفلت حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الباكستانية بسقوط الحكومة المؤيدة لنيودلهي، ومع تغيير الحكومة في بنغلاديش قد تكون هناك فرص جديدة لباكستان لتحسين علاقتها ببنغلاديش وتغيير المعادلة.
باكستان لديها بالفعل الكثير من الحماس بشأن نجاح الانتفاضة الأخيرة في بنغلاديش، وخلف الكواليس يناقش صنّاع القرار العواقب المحتملة، والآمال والفرص لإعادة ضبط العلاقات، وهو ما قد يشكّل فرصة لإنهاء العداء، أو على الأقل تخفيف التوتر الموجود كما يعتقد معظم الخبراء.
ترى باكستان أن الحكومة القادمة لن تكون معادية لها كما كان الحال أثناء حكومة رابطة عوامي، ومن المفارقات أن إسلام آباد التزمت الصمت بشأن التطورات الأخيرة في بنغلاديش، ويعتقد كثيرون أن موقف باكستان بعدم الردّ على الاضطرابات كان متعمّدًا وأخذ في الاعتبار الحساسية التي ينطوي عليها الرد السريع، لكن هذا لا يعني أن باكستان لا تتابع التطورات التي سيكون لها تداعيات على المنطقة.
وبعد يومَين من فرار رئيسة الوزراء، ردّت باكستان أخيرًا بشكل رسمي على الوضع في بنغلاديش يوم الأربعاء أمس، وصرّحت بأنها تقف داعمة ومتضامنة مع شعب بنغلاديش بعد رحيل حسينة من البلاد، وقالت وزارة الخارجية الباكستانية: “نحن واثقون من أن روح شعب بنغلاديش الصامدة ووحدته ستقودانه نحو مستقبل متناغم”.
وفي الواقع، كثيرون من البنغلاديشيين يرغبون في منع بلدهم من أن يصبح “دمية في يد الهند”، ويعارضون سياسة مودي الهندوسية، والتي تسبّبت في نمو المشاعر المعادية للهند بشكل كبير على مرّ السنوات الأخيرة.
وتشتهر الجماعة الإسلامية ببنغلاديش وكذلك الحزب الوطني بموقفهما المؤيد لباكستان، وقد اتّبعا خطًّا معاديًا للهند منذ عقود، كما أطلقت العديد من الأحزاب مؤخرًا حملة “الهند خارجًا” لدعوة البنغاليين إلى مقاطعة البضائع الهندية، ويتهم أنصار المقاطعة الهند بالتدخل بلا هوادة في الشؤون الداخلية لبنغلاديش.
الحمد لله وتهنئة للشعب بتحرير البلاد والعباد من قبضة الحكومة الدكتاتورية
دعوة للحفاظ على الأمن والنظام في البلاد
– الدكتور شفيق الرحمن
وشكر الله عز وجل أمير الجماعة الإسلامية البنغلاديشية الدكتور شفيق الرحمن على تحرير البلاد والعباد من يد الدكتاتور مقابل دماء مئات الشهداء،… pic.twitter.com/w2ueS3i3YP
— Bangladesh Jamaat-e-Islami (@BJI_Official) August 5, 2024
ومؤخرًا، تزايدت مخاوف الهند بشأن احتمالية صعود القوى الإسلامية المناهضة لها في بنغلاديش، خاصة هؤلاء الإسلاميين الذين قمعتهم حسينة أثناء وجودها في السلطة وكانت أكبر عقبة في طريقهم، ومن المفترض أن يكونوا جزءًا من الحكومة القادمة، وقد يمثل هذا احتمالًا صعبًا للهند التي قد تجد دولة أخرى على حدودها أقرب إلى باكستان والصين.
الصين: كسر القالب
تعتمد الأهمية الاستراتيجية لبنغلاديش على قربها من الصين وحدودها مع بورما، وتحافظ بنغلاديش على علاقة دافئة مع الصين، وتشتري منها معظم أسلحتها، كما أن الصين أكبر شريك تجاري لدكا، وثالث أكبر دائن لبنغلاديش بعد اليابان وروسيا.
لقد كانت الصين نشطة بشكل متزايد في بنغلاديش في إطار مبادرة “الحزام والطريق” التي أقرضت بنغلاديش ما يقرب من 3 مليارات دولار، وخلال زيارة حسينة لبكين قبل أقل من شهر من فرارها من البلاد، رفع الجانبان علاقتهما إلى مستوى “شراكة استراتيجية شاملة”.
لكن رغم الاستثمارات الصينية الضخمة في بنغلاديش، بما في ذلك بناء جسر بادما وغيره من مشاريع البنية التحتية الكبرى، فقد كانت حسينة حسّاسة بشدة لمصالح الهند، ورفضت بناء ميناء بحري في جزيرة سوناديا كان من المقرر أن تبنيه شركة صينية، لأن مشاريع الموانئ الصينية في المحيط الهندي تشكّل مصدر قلق دائم لنيودلهي.
وفي الآونة الأخيرة، أزعجت حسينة الصين بقرارها قبول عرض الهند لتمويل مشروع إدارة مياه نهر تيستا الذي عرضت بكين مليار دولار لتمويله، ويعتقد المحللون أن هذا أحد الأسباب التي دفعت الصين إلى رفض تقديم قرض بقيمة 5 مليارات دولار طلبته حسينة خلال زيارتها الأخيرة لبكين.
وحتى القائد العسكري واكر الزمان، الذي تولى السلطة في البلاد، مؤيد بشدّة للهند، ولذا فإن بكين ليست راضية تمامًا عن قيادة حسينة التي فضلت الهند عليها، وتشعر بأنها تخسر أمام الهند في المنافسة على النفوذ في بنغلاديش.
لذا تميل الصين إلى قيادة جديدة تعزز مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وتفضل بكين الحزب الوطني البنغلاديشي، وقد كانت الصين بالفعل حليفًا وثيقًا للحزب الوطني البنغلاديشي على مرّ السنين. وحسب لين مينوانغ، نائب مدير مركز دراسات جنوب آسيا بجامعة فودان في شنغهاي، فالحزب الوطني البنغلاديشي كان أكثر ودّية للصين من الهند.
وقد علقت بكين على استقالة الشيخة حسينة في بيان قصير نُشر على موقع الوزارة على الإنترنت مساء الثلاثاء الماضي، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: “نأمل أن تستعيد البلاد استقرارها قريبًا”.
ومن المؤكد أن تضمّ الحكومة القادمة ممثلين عن الحزب الوطني البنغلاديشي والجماعة الإسلامية، فضلًا عن منظمات أخرى لا تروق لنيودلهي، وهذا من شأنه أن يحسّن من موقف بكين في المنافسة الجيوسياسية مع الهند، ويجعل بنغلاديش تنحرف عن الهند وتتجه نحو الصين. وفي هذا السيناريو، ستفقد الهند هيمنتها الاستراتيجية على خليج البنغال التي اكتسبتها بفضل صداقتها الوثيقة مع حكومة حسينة.