أجرى حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر الذي يرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تغييرات في مكتبه السياسي شملت إقالة 15 عضوا من الأعضاء الـ19 المكونين له، ما جلب له الأنظار حول هذه الخطوة التي تباينت الآراء بشأنها في من يراها إعادة ترتيب عادية لبيت لحزب الأغلبية البرلمانية، ومن يعتقد أنها احتواء لازمة داخلية كادت تعصف باستقرار الحزب قبل أقل من عام على موعد الانتخابات الرئاسية.
وجاء تغيير أعضاء المكتب السياسي التي أعلنها الأمين العام للحزب جمال ولد عباس مفاجئا للمراقبين والصحافة وحتى لقياديين داخل التشكيلة السياسية ذاتها، بالنظر إلى عدد الذين تم التضحية بهم والأسماء التي عوضتهم.
دفع جديد
لكن الأمر بالنسبة لولد عباس يتعلق بإعطاء نفس جديد للحركية التي يعرفها الحزب في إطار استعداده لخوض الاستحقاقات السياسية المقبلة. وقال ولد عباس خلال مراسم التنصيب الرسمي للمكتب السياسي الجديد إن “القيادة العليا للحزب قررت تغيير 15 عضوا من المكتب السياسي المتكون من 19 عضوا والإبقاء على 4 أعضاء سابقين، وذلك بهدف إعطاء دفع جديد للحركية التي يعرفها الحزب واستعداده لخوض الاستحقاقات السياسية المقبلة وفي مقدمتها الانتخابات الرئاسية لعام 2019، التي تعد موعدا سياسيا مفصليا بالنسبة لمستقبل الجزائر والحزب معا”. وأبقت مقصلة التغيير التي جاءت من “القيادة العليا” – حسب ولد عباس- في إشارة إلى الرئيس بوتفليقة على أربعة أسماء هم أحمد بومهدي، وسعيد بدعيدة، وليلى الطيب، ومحمود قمامة.
قيادة الحزب أرادت من خلال هذا التغيير “جمع الشمل” وتطبيق شعار المؤتمر العاشر للحزب الذي كان عنوانه “تجديد وتشبيب”
وضمت قائمة المنضمين الجدد إلى المكتب السياسي مصطفى كريم رحايل وزير ومدير ديوان الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال، ووزير الصحة السابق عبد المالك بوضياف، ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب سعيد لخضاري، ووزيرة التضامن وقضايا المرأة غنية الداليا، ورئيس لجنة الصحة بالبرلمان محمد بوعبد الله، ونصير لطرش محافظ ولاية باتنة (شرق البلاد)، والبرلماني بوعلام بوسماحة، وآدم قبي محافظ ونائب سابق، والبرلمانية سعيدة بوناب، ومحمد ناجم، ومحمد ملياني، ومحمد ليامين بوداود، ومحمد بودالية، وأحمد خرشي، إضافة إلى الصحفي بالتلفزيون الحكومي فؤاد سبوتة.
وحسب جمال ولد عباس، فإن “أسلوب عمل التركيبة الجديدة للمكتب سيتغير”، حيث سيكون كل عضو “مسؤولا عن ولايتين أو ثلاث ولايات ويتم تقييم عمله كل أسبوع”. وسيقوم ولد عباس السبت المقبل في أول اجتماع للمكتب السياسي الجديد يعقد بولاية تيزي وزو بمنطقة القبائل شرق العاصمة الجزائر بتوزيع المهام بين أعضاء هذا المكتب.
ولفت الأمين العام للحزب الحاكم إلى أن 90 بالمائة من أعضاء المكتب الجديد “جامعيون ويمثلون كل جهات الوطن”. وأضاف أن التركيبة البشرية الجديدة “تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع الجزائري”، في رد مسبق على من قد يتهمونه بالمفاضلة بين المناضلين في تعيين أعضاء أعلى هيئة في الحزب.
إخماد فتنة
قال ولد عباس إن قيادة الحزب أرادت من خلال هذا التغيير “جمع الشمل” وتطبيق شعار المؤتمر العاشر للحزب الذي كان عنوانه “تجديد وتشبيب”. وحسب ولد عباس، فإن “كل الأمور داخل الحزب على أحسن ما يرام ومناضلو القاعدة هم المتحكمون في الوضع”. وتوجه بشكره للأعضاء السابقين الذين مستهم مقصلة التغيير”على ما قدموه من جهد وما أبدوه من إخلاص ووفاء للحزب”، على حد قوله.
وبرأي مراقبين فإن هذه الخطوة جاءت لإخماد الفتنة التي ما فتئت تزداد توسعا داخل جبهة التحرير الوطنين والمنادية برأس الأمين العام الذي يعتقد بعض المناضلين أنه فشل في مهمته منذ تسلمها في أوت 2016 من سابقه عمار سعيداني الذي لا يزال الأوفياء له إلى اليوم يطالبون بعودته والضغط على ولد عباس لتقويم سياسة الحزب.
ويواجه ولد عباس انتقادا أيضا من جماعة الأمين العام الأسبق عبد العزيز بلخادم الذين بدؤوا التحرك لعودة هذا الأخير، مستندين في تحركهم على ما حققه الحزب من مقاعد في عهد بلخادم خاصة على مستوى البرلمان، لكنه فقد أكثر من 50 منها في التشريعيات الماضية التي جرت في 3 مايو أيار 2017.
لم يعلن بوتفليقة حتى اليوم موقفه من الانتخابات الرئاسية رغم ترشيحه لذلك، ترشيح تطالبه المعارضة بعدم قبوله حسب آخر رسالة موجهة له من قبل 14 شخصية وطنية ومدنية ترى في مكوثه على سدة الحكم لخمس سنوات إضافية عبء على البلاد
ومنيت جبهة التحرير الوطني في عهد ولد عباس بتراجع تمثيلها على مستوى البرلمان والمجالس المحلية رغم محافظة الحزب على صدارته، لكن الفارق بينه وبين غريمه التجمع الوطني الديمقراطي تقلص مقارنة بانتخابات 2012.
ويُتهم ولد عباس بانتهاجه خطابا شعبويا سطحيا ساهم في نفور الناخبين، كون هذا الخطاب لا يرقى إلى مستوى حزب يمثل الأغلبية في البلاد، ما جعله في مرات عدة محل سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبسبب المعارضة داخل الحزب المنادية بعقد دورة اللجنة المركزية، أجل ولد عباس هذه الأخيرة في أكثر من مرة وهي التي كانت مقررة قبل رمضان الجاري، غير أن ما حملته تشكيلة المكتب السياسي الجديد تجعل المناوئين له يعيدون التفكير في تحركاتهم خشية أن تطالهم مقصلة التغيير.
مديرية انتخابية
يتضح من تكليف أعضاء المكتب السياسي الجديد بالإشراف على الولايات أن المهمة الأولى التي سيعكفون عليها هي إدارة الحملة الانتخابية لمرشح الحزب الحاكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة المزمع إجراؤها في إبريل نيسان 2019، والتي ينتظر أن يخوضها الرئيس بوتفليقة ممثلا لحزبه للفوز بعهدة خامسة، بعد أن أعلن ولد عباس ترشيحه قبل شهرين.
ولم يعلن بوتفليقة حتى اليوم موقفه من الانتخابات الرئاسية رغم ترشيحه لذلك، ترشيح تطالبه المعارضة بعدم قبوله حسب آخر رسالة موجهة له من قبل 14 شخصية وطنية ومدنية ترى في مكوثه على سدة الحكم لخمس سنوات إضافية عبء على البلاد التي تعيش ظروفا صعبة بسبب الأوضاع غير المستقرة التي تعيشها بعض الدول المجاورة.
ويحاول ولد عباس الذي يتشبث بترشيح بوتفليقة الوقوف ضد أي جناح قد يخرج من داخل حزبه يعارض هذا الخيار، فقد قال في وقت سابق إنه لن يسمح بأن تعيش جبهة التحرير الوطني ما عاشته في 2004 حينما انقسمت إلى جناحين الأول يساند بوتفليقة، والآخر وقف إلى جانب علي بن فليس الذي خسر الرهان وقتها وفي 2014 أمام الرئيس المترشح.
ورغم أن بن فليس قد غادر الحزب وشكل حزبه الجديد طلائع الحريات، إلا أن مراقبين يؤكدون أن الرجل لا يزال يحتفظ بمناضلين داخل صفوف البيت العتيد حتى ولو تم تهميشهم وكسر شوكتهم بعدما صاروا مجرد مناضلين عاديين وهم الذين كانوا من القياديين البارزين.
الأكيد أن ولد عباس بهذه الخطوة قد ضمن بقاه على رأس أمانة الحزب الحاكم على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة
وبإخماد نار الفتنة التي كان قد يحدثها مناوئوه، سيتفرغ ولد عباس للبدء في الحملة الانتخابية المسبقة للرئيس بوتفليقة حتى ولو لم يفصل الأخير في الموضوع بعد. وقال ولد عباس خلال تنصيب الأعضاء الجدد إن الاستقرار الذي تنعم به الجزائر تَكرّس بفعل الإنجازات الكبيرة التي عرفتها منذ سنة 1999 تاريخ أول عهدة لبوتفليقة .
وعدد ولد عباس من هذه الانجازات سياسة الوئام المدني، والمصالحة الوطنية وبعض الإنجازات التنموية الأخرى، التي يعمل الحزب على جردها عبر لجنة قال إنها ” توصلت إلى تدوين 2000 صفحة تتعلق بإنجازات بوتفليقة بعد تلقّيها التقارير من مختلف الجهات المحلية”. وحسب ولد عباس، فإن جرد هذه الإنجازات هدفه “تحصين البلاد بالوقاية وإبعادها عن السير نحو مصير مجهول قد يضر باستقرارها”.
والأكيد أن ولد عباس بهذه الخطوة قد ضمن بقاه على رأس أمانة الحزب الحاكم على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، لأن الجناح الداعم لبوتفليقة يساعده إدارة هذا المنصب من شخص غير مؤهل لأن يكون منافسا للرئيس في حال ما أراد الترشح، ويرى أن تغييره يعد خطأ كبيرا قد يفتح المجال لمن لهم طموحات في رئاسة الجمهورية مثل الأمين العام الأسبق عبد العزيز بلخادم.