ترجمة وتحرير: نون بوست
في بعض الأوقات، تشعر بأنك تحبذ الحلويات، في حين أنك قد تنجذب في أوقات أخرى بشكل أكبر إلى الأطعمة المالحة، وبمجرد أن تتذكر الكروكيت التي تعدها جدتك لك، حتى تتأثر بشكل كبير. وعبر تحليل هذه المشاعر، يمكن الإجابة عن سؤال جوهري؛ ألا وهو: من الذي يقرر ويحدد ما الذي تضعه في طبقك كل يوم؟.. في حقيقة الأمر، ليس لشهيتك أو قدرتك الشرائية دخل في ذلك. ودون وعي منك، تتحكم مشاعرك في قراراتك الشرائية، حيث تملأ طبقك بالأطعمة الغنية بالهيدرات والبروتينات، والتجارب أيضا.
“لا يكمن نجاح منتجات شركة شيتوس في مذاقها، وإنما في الحيلة التي تعتمدها عبر صبغ أصابعنا وجعلنا نلعقها”
يعد مذاق المنتجات أضعف عامل يؤثر على مشترياتنا واختياراتنا في الأكل. وقد أكدت هذه الحقيقة شركة “فريتو لاي” الأمريكية خلال سنة 2011، عندما قاد ممثلو هذه الشركة دراسة حول التسويق العصبي بهدف اكتشاف سر نجاح شيتوس الجبن. وتوصلت هذه المجموعة إلى أن السر لا يكمن في مزيج المواد المضافة إلى شيتوس الجبن، بل في المواد التي تتسبب في صبغ الأصابع باللون البرتقالي. وبعد أن يتم صبغ أصابعنا بواسطة هذا المنتوج، عادة ما نبادر بلعقه. وتحفز تجربة تذوق الطعام هذه أدمغتنا على الشعور بالاستمتاع. في الأثناء، تولي عمليات التسويق اهتماما بهذا الجانب، وغيره من الجوانب الأخرى التي تؤثر على المنطقة الرمادية في الدماغ وما تنتجه من إجابات تنتهي بشراء أنواع معينة من المنتجات.
يلجأ التسويق العصبي إلى الوسائل المعتمدة من قبل علم الأعصاب للتعرف على هذه المعلومات القيمة.
التسويق العصبي
في حقيقة الأمر، نحن نأكل من خلال العينين، والأذنين، والأنف، والذاكرة، وأيضا الخيال. وغالبا ما نتناول الطعام من أجل المتعة. في الأثناء، يربط اللاوعي كل قضمة من الطعام بالاشمئزاز، أو اللامبالاة، أو فن الطهي. تعمل الوجبات التي تجعلنا سعداء على تنشيط “دائرة المكافأة” في الدماغ، والأمر سيان بالنسبة للمدمنين على المخدرات، حيث يتولد التأثير ذاته في أدمغتهم عند رؤية المنتوج المرغوب فيه. وتعد مادة الدوبامين، المسؤولة عن تنشيط هذه الأحاسيس، حيث يلعب هذا الناقل العصبي دورا بالغ الأهمية في تحديد اختيارات المأكولات والمشروبات.
في هذا الصدد، أوضحت ماريا لوبيز، المديرة التنفيذية في شركة بيتباين، وهي شركة مختصة في علم الأعصاب، أن “مادة الدوبامين مرتبطة بأنظمة المكافأة والمتعة في الدماغ، كما أنها المسؤولة عن الشعور بالرضا والإشباع. وفي كل مرة نتعرض لبعض الحالات التي تولد لدينا شعورا بالرضا والإشباع، يفرز دماغنا هذه المادة، ليبحث عن تكرار الحالة ذاتها في المستقبل”.
يعد هذا “التكرار في المستقبل” عاملا أساسيا في مبدأ التسويق العصبي، وحجر الأساس في الفلسفة التي يعتمدها جميع منتجي المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم، الذين يعملون على إرسائها على نطاق واسع. وفي الوقت الراهن، يملك مصنعو المواد الغذائية سلاحا جديدا لتحقيق أهدافهم. ويتمثل هذا السلاح في التسويق العصبي، الذي يستعمل الوسائل والمعارف ذاتها المعتمدة من قبل علم الأعصاب والمستخدمة في مجال الطب، من أجل التمكن في نهاية المطاف من تحليل السوق.
يتمثل هدف التسويق العصبي في قياس ردود الفعل غير الواعية للمستهلكين (عواطفهم، ومستويات اهتمامهم، ودرجة حفظ ذاكرتهم للمعلومات…). تبعا لذلك، يلجأ التسويق العصبي إلى الوسائل المعتمدة من قبل علم الأعصاب للتعرف على هذه المعلومات القيمة. ومن بين هذه الوسائل، نذكر الأقطاب الكهربائية (التي تقيس الإشارات الكهربائية للدماغ)، والمقياس الجلفاني (الذي يقيس الاستجابة الجلفانية للجلد)، والتخطيط الكهربائي للقلب (الذي يحدد النشاط الكهربائي للقلب)، أو جهاز تعقب العين (الذي يحلل حركة بؤبؤ العين).
لكن، ما الذي اكتشفه خبراء التسويق العصبي حول أدمغتنا وعلاقتها بالطعام؟ في حقيقة الأمر، توصل الخبراء إلى العديد من الحقائق، في حين عمد المختصون في هذا المجال إلى استغلال الخلايا العصبية المرآتية لتحقيق مصالحهم وبلوغ الربح المنشود.
لماذا تصدر الشوكولاتة صوتا عند تناولها في الإعلانات التلفزيونية؟
تم اكتشاف هذه الظاهرة بمحض الصدفة خلال القيام بإحدى التجارب في هذا المجال. وفي ذلك الوقت، تم قيادة بحث يضم مجموعة من الأوليات لقياس نشاط الدماغ. وبعد أن تناول أحد الباحثين الفول السوداني بمحض الصدفة أمام هذه الكائنات الأولية، أنتج دماغ أحدها حركة غريبة، وتحديدا في المنطقة الحسية للدماغ. وبهذا الشكل، تمكن العلماء من اكتشاف المركز الذي يجب تحفيزه من أجل التمكن من بيع أكبر قدر من المنتجات وبشكل أفضل. وقد أثبت الباحثون أنه لم يتم تنشيط هذه المنطقة فقط عندما شاهد الكائن الأولي الفول السوداني أو تتناوله، بل أيضا عندما سمع صوت إزالة القشرة الخارجية… هل فهمت لماذا يتم إصدار أصوات عند تناول الشوكولاتة أو غيرها من المنتجات في الومضات الإشهارية؟
الموسيقى الكلاسيكية تجعلنا نفكر في الرفاهية والأشياء الثمينة خاصة إذا تم تشغيلها في المطاعم، شأنها شأن أدوات المائدة الفاخرة التي تجعلنا على استعداد لدفع مبالغ إضافية.
“لا دخل لقدرتك الشرائية أو شهيتك في اختيار الطعام… لأن المشاعر هي التي تتحكم في قرارات الشراء الخاصة بك دون وعي منك”
تمكن الخلايا العصبية المرآتية في الدماغ الإنسان من الشعور بما يحدث لشخص آخر. وبفضل هذه الخلايا، نبكي عند مشاهدة فيلم حزين ونفرح عند فوز فريقنا المفضل خلال نهائي دوري أبطال أوروبا، على الرغم من أننا لا نشارك فعلا في هذه الأحداث. ويفسر ذلك بأن دماغنا يعترف بأن هذه الحالات واقعية ويجعلنا نشارك أبطال هذه الأحداث مشاعرهم، بما في ذلك الاحساس بالتعب الذي يشعر به اللاعب على أرضية الملعب… انطلاقا من هذه الاستنتاجات، أصبح من الواضح أن هذه الآليات العصبية قابلة للتوظيف من قبل الصناعة الغذائية. ويتم ذلك عن طريق اختيار اللحظة المثالية لعرض نوع معين من المنتجات أمام المستهلك، أي حين يكون على استعداد لتناول هذا الطعام.
في هذا السياق، صرح الأخصائي في التسويق العصبي، باكو أريباس، قائلا: “إثر إجراء بحث، لاحظنا أنه عندما ينتاب المستهلك شعور بالتعب خلال مشاهدة مباراة كرة قدم، يشعر دماغه، دون وعي منه، بأنه في حاجة إلى استهلاك الكربوهيدرات. وبمجرد أن تعرض عليه طعاما غنيا بالكربوهيدرات، سيكون أكثر تقبلا له لكن دون أن يتفطن لذلك”.
عند الذهاب إلى مطعم، وقبل أن تملأ الأطباق طاولتك، تبدأ عملية تنشيط الحواس: البصر، والسمع، واللمس، وعلى وجه الخصوص، الشم. وتتحكم جميع هذه الحواس في حاسة الذوق الخاصة بنا عند تناول أحد الأطباق. من جهتها، أوردت الخبيرة في علوم التسويق، إيلينا مارتين، أنه “غالبا ما لا يرغب المستهلك عند توجهه إلى المطعم في تناول الطعام، بل يرغب على وجه الخصوص في أن يعيش تجربة فريدة. ونظرا لأن المحيط يؤثر فينا، تتمكن المطاعم من التلاعب بالعديد من الخصائص وتوظيفها لصالحها، شأنها شأن أي محل آخر”.
أضافت الخبيرة أن “الشركة التي تعمل بها تعتمد على خاصية تسمى سوسيوغراف، التي تتلخص في استعمال سوار يسجل الأحاسيس الكهربائية للجلد وتجميع هذه المعلومات بشكل موحد، مما يتيح القيام بدراسة على عدة أشخاص في وقت واحد. ويعني ذلك أنه بإمكان الشركة دراسة التجارب وتحليل جميع المحفزات التي يتلقاها المستهلكون، انطلاقا من المكان ووصولا إلى الأطباق، سواء كان ذلك بشكل فردي أو جماعي”.
إمكانية تناول حلويات تزداد أكثر كلما جلس المستهلك بعيدا عن نافذة المدخل. كما أن المناظر الطبيعية الجميلة لها أهمية فائقة.
بشكل عام، كشفت مثل هذه التحاليل التي تستعمل هذه التقنية عن أن:
– الموسيقى الكلاسيكية تجعلنا نفكر في الرفاهية والأشياء الثمينة خاصة إذا تم تشغيلها في المطاعم، شأنها شأن أدوات المائدة الفاخرة التي تجعلنا على استعداد لدفع مبالغ إضافية.
– قراءة قائمة الطعام على شكل Z (أي نقرأ حتى النهاية ونعيد القراءة بشكل عكسي)، مما يجعلنا نقرأ الجزء الأمامي من القائمة مرتين. وبالتالي، تصبح فاتورة الطعام أعلى تكلفة في نهاية المطاف. وكلما كانت هناك وجبات أكثر تتكةن من اللحم أو السمك، ازداد الطلب على الأطباق الغنية بالبروتينات.
– المستهلكون يكرهون الأرقام التي تنتهي برقم سبعة. لكن جامعة بورنموث أكدت أن المستهلك يحبذ القوائم التي تحتوي على سبع وجبات من كل صنف، بما في ذلك الحلويات.
– إمكانية تناول حلويات تزداد أكثر كلما جلس المستهلك بعيدا عن نافذة المدخل. كما أن المناظر الطبيعية الجميلة لها أهمية فائقة.
هناك أسباب تجعل صورة الهامبرغر المثالية راسخة في ذاكرتنا ومتجددة بشكل دائم، على الرغم من أن عقلنا الواعي على دراية بأن هذه الوجبة التي تقدم لنا في المطاعم لن تكون محفزة للشهية مثل التي توجد في الصورة. ويتمثل هدف هذه الصورة في جعل لعابنا يسيل عند مشاهدة منتوج محفز للشهية، وعند اتخاذ قرار شراء أحد المنتجات الغذائية. وبالنسبة للدماغ، تعد هذه الصورة بالغة الأهمية أكثر من أي شيء آخر، حتى مقارنة بنصائح مكتوبة من قبل منظمة الصحة العالمية حول استهلاك اللحوم الحمراء.
من جانب آخر، يختلف هذا التصور من شخص إلى آخر، وهو ما أكدته مجموعة من الباحثين بقيادة الدكتور جون بيفر، وهو عضو وحدة علوم الإدراك والدماغ بمجلس البحوث الطبية الأمريكية. وبعد مسح استجابة الدماغ لمجموعة من المتطوعين، تم التحقق من أن مراكز مكافأة الدماغ لدى بعض الأشخاص حساسة بشكل خاص للإعلانات الغذائية وكيفية تغليف المنتجات. تبعا لذلك، تم التوصل إلى أن هذا التحفيز المرتبط بدرجة كبرى بصور الطعام هو عامل أساسي يعزز زيادة الوزن.
إذا تعلق الأمر بدور الكلمات في عملية التسويق العصبي، فلن تتفوق أي كلمات مكتوبة أمام خطاب النادل. في هذا الصدد، أكدت إيلينا مارتين أن “الأشخاص لا يتفاعلون عند استهلاك أحد المشروبات بالطريقة ذاتها عندما يقوم النادل بالحديث عن خصائص هذا المشروب الفريدة من نوعها. ومن الممكن أيضا أن يتفاعل المستهلك بشكل أكبر تحت تأثير هذا الخطاب، وأن يستمتع بشكل أفضل بهذا المشروب.
وعند استعمال تقنيات التسويق العصبي من أجل تحليل أي جزء من الخطاب من شأنه أن يعزز تجربة المشتري، فسيتبين أن استعمال الكلمات لتحفيز المستهلك على عين المكان من أهم العوامل لزيادة حجم المبيعات”. وعلى الرغم من أن المحاولة لا تعني تحقيق الهدف، إلا أنه لا يجب التردد في اتباع هذه الخطوة، لأنه لن يوبخك أي شخص لأنك تحاول تلبية رغبات دماغه.
المصدر: الكونفدنسيال الإسبانية