إيطاليا تؤسس أول حكومة شعبوية في أوروبا بعد مرحلة صعبة

italie-le-nouveau-chef-du-gouvernement-giuseppe-conte-a-prete-serment

بعد مشاورات دامت قرابة الثلاثة أشهر وإثر مخاض عسير، أبصرت الحكومة الإيطالية الجديدة النور، لتنهي بذلك أزمة سياسية هي الأسوأ في تاريخ البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، حكومة ينظر إليها بعين الخشية كونها حكومة شعبوية هي الأولى من نوعها في أوروبا.

أول حكومة معادية لمؤسسات النظام

في سابقة تحسب لإيطاليا، أدى رئيس الوزراء المكلف جوزيبي كونتي، أمس الجمعة، اليمين أمام الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ليصبح أول رئيس وزراء في أوروبا يقود حكومة مناهضة للمؤسسات في الاتحاد الأوروبي، وتحل حكومة كونتي خلفًا لحكومة باولو جينتيلوني الذي استقال في 24 من مارس/آذار الماضي، وواصل مهمة تصريف الأعمال حتى اليوم.

وكان الرئيس ماتاريلا، قد لجأ إلى تعطيل قائمة أولى للحكومة مساء الأحد، نتيجة تضمنها وزراء مناهضين لليورو، لكنه وقع مساء الخميس على قائمة معدلة بوزراء أدوا اليمين بعد الظهر أمس، على أن تعقد جلسة نيل الثقة في البرلمان مطلع الأسبوع المقبل.

هذه الحكومة الائتلافية ساهمت في إنهاء مأزق استمر لمدة 5 أيام في إيطاليا

واختار التحالف الحكومي المكون من حركتي “خمس نجوم” و”الرابطة اليمينية المتطرفة” أستاذ الحقوق والمحامي كونتي البالغ من العمر 53 عامًا، لتولي رئاسة الحكومة، وعلى إثر أدائه اليمين الدستورية، قال جوزيبي كونتي في تصريح إعلامي: “سنعمل بشكل مكثف لتحقيق أهدافنا السياسية التي وضعناها ببرنامج حكومتنا، وسنعمل بعزم على تحسين حياة جميع الإيطاليين”.

وساهم إعادة تشكيل حكومة ائتلافية من جديد بين حركة فتية مناهضة للمؤسسات وحزب يميني متطرف، في إنهاء مأزق استمر لمدة 5 أيام، ودفع روما إلى الفوضى السياسية، ففي وقت مبكر من الشهر الحاليّ، كانت الأحزاب الشعبوية في إيطاليا التي حصلت على الأغلبية في انتخابات مارس الماضي، اتفقت على تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة “كونتي”، لكن الرئيس الإيطالي اعترض على وزير الاقتصاد المرشح.

كونتي المدعوم من حزبي حركة خمسة نجوم والرابطة، هو أستاذ جامعي في مادة القانون الخاص بكليتي الحقوق بجامعتي فلورنسا ولويس غويدو كارلي الخاصة في روما، كما يعمل في المحاماة بمحكمة النقض، ليس له أي منصب منتخب، كما أنه لا يملك أي خبرة سياسية أو إدارية، وهو مقرب من “حركة النجوم الخمس”، ووُلد عام 1964 في قرية فولتورارا أبولا الصغيرة الواقعة في منطقة بوليا جنوب إيطاليا.

دي مايو وسالفيني في القائمة

هذه الحكومة ضمت في صفوفها كل من لويجي دي مايو زعيم حركة “خمس نجوم” المناهضة للمؤسسات، وماتيو سالفيني زعيم الرابطة المتطرفة، نائبين لرئيس الحكومة بعد أن كانا في مقدمة الحملة ولعبا دورًا أساسيًا في المفاوضات الطويلة، على أن يتولى الأول وزارة التنمية الاقتصادية والعمل والثاني وزارة الداخلية، وهو الذي وعد باتباع سياسة أمنية، ويتوقع أن يركز وزير الداخلية الجديد ماتيو سالفيني جهوده الوظيفية على مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وكان كل من الزعيمين يطمح لقيادة أول حكومة معادية لمؤسسات النظام في بلد من مؤسسي الاتحاد الأوروبي، لكنهما أرغما على اختيار شخص ثالث في ظل صراع ضار على السلطة بينهما ونتائج فردية غير كافية في الانتخابات التشريعية.

إلى جانب ذلك، تم تعيين جيوفاني تريا أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة تور فيرغاتا بروما المقرب من رؤية الرابطة لكنه مؤيد لبقاء البلاد في منطقة اليورو، في وزارة الاقتصاد والمالية، مكان خبير الاقتصاد باولو سافونا الذي يعتبر اليورو “سجنًا ألمانيًا”، وعُين سافونا المعروف بمعارضته لبروكسل في الحكومة الجديدة وزير للشؤون الأوروبية.

يسعى زعيما حركة “خمس نجوم” و “الرابطة” إلى الابتعاد عن الاتحاد الأوروبي

فيما تولى حقيبة وزارة الخارجية إينزو موافيرو ميلانيزي، وسبق أن شغل ميلانيزي المؤيد للاتحاد الأوروبي، منصب وزير الشؤون الأوروبية في حكومتي ماريو مونتي وإنريكو ليتا في الفترة ما بين 2011 و2014، كما عمل وزير الخارجية الجديد طيلة 20 عامًا في بروكسل.

وتتألف الحكومة الجديدة من 18 وزيرًا، بينهم خمس نساء فقط، وموزعين بشكل شبه متساو بين الحزبين، رغم أن الرابطة المتطرفة لم تحصل سوى على 17% من الأصوات في الانتخابات التشريعية في الرابع من مارس/آذار مقابل أكثر من 32% لحركة خمس نجوم.

التخلي عن التقشف ومكافحة الهجرة غير الشرعية على سلم الأولويات

هذه الحكومة ينظر إليها بعين الريبة، ذلك أنها من المنتظر أن تعمل على خفض الضرائب وتعزيز الإنفاق على الرعاية الاجتماعية والتخلي نهائيًا عن إجراءات التقشف وتعليمات بروكسل لتركز على سياسة نمو اقتصادي من أجل الحد من العجز الهائل في الدين العام الإيطالي.

ومن المنتظر أن يطبق رئيس الوزراء الإيطالي الجديد التخفيضات الضريبية التي ينص عليها برنامج رابطة الشمال التي تصل إلى 50 مليار يورو سنويًا، وكذلك 17 مليار يورو أجور للعاطلين (780 يورو في الشهر) وفق برنامج حركة الخمس نجوم، بالإضافة إلى تغييرات في إصلاح نظام التقاعد عام 2011 الذي ربما يكلف البلاد 15 مليار يورو سنويًا. 

ينظر إلى المهاجرين في إيطاليا، على أنهم السبب الرئيس وراء إطالة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد

كما ستعمل الحكومة الجديدة على إصلاح قواعد الاتحاد الأوروبي في المسائل المتعلقة بالميزانية ومكافحة الهجرة، وبحسب بعض التقارير الإعلامية، فإن إجمالي هذه الفاتورة يمكن أن تدفع إيطاليا التي تعتبر ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو إلى تجاوز عجز سنوي يبلغ 3% الذي حدده الاتحاد الأوروبي.

إلى جانب ذلك، يتوقع عديد من المراقبين أن تولي سلفيني منصب وزير الداخلية في الحكومة الجديدة، يؤدي إلى تغيرات كبيرة في خصوص قضية المهاجرين غير الشرعيين في إيطاليا، خاصة أن شريكه في الحكم لا يخفي رغبته بتعديل اتفاقية دبلن للجوء، وهو ما ستسعى روما الشعبوية إلى وضعه على طاولة قمة الاتحاد الأوروبي المبرمجة في يونيو/حزيران المقبل.

وبعد ساعات من موافقة الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريللا، على تشكيلة الحكومة، قال سالفيني إن إيطاليا سوف تتخذ نهجًا أكثر صرامة فيما يتعلق بقضية المهاجرين غير الشرعيين، وأضاف “أبواب إيطاليا ستكون مفتوحة أمام الطيبين، بينما ستعطى تذكرة ذهاب بلا عودة لأولئك الذين يأتون إلى إيطاليا لإثارة الفوضى ويعتقدون أنهم سيحظون بالاحترام، إن إرسال هؤلاء إلى أوطانهم في رأس أولوياتنا”.

رئيس الحكومة الجديد جوزيبي كونتي

ينظر إلى المهاجرين في إيطاليا، على أنهم السبب الرئيس وراء إطالة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد التي تحتل المرتبة الثالثة في اقتصاديات منطقة اليورو، والسبب المباشر لخطر وقوع هجمات إرهابية، على الرغم من أن الهجوم الوحيد الذي يمكن أن ينظر إليه على أنه مجزرة حقيقية، كان قد ارتكبه إيطالي ضد الأجانب.

واقترح سالفيني تحويل مراكز استقبال المهاجرين إلى مراكز احتجاز، واستخدام الأموال المخصصة لإيوائهم في عمليات الترحيل الجماعي، وبموجب القوانين الحاليّة، يجب على كل مهاجر غير شرعي يتم ترحيله بالطائرة أن يرافقه اثنان من الوكلاء الإيطاليين، بتكلفة تقدر بثلاثة آلاف يورو لكل مهاجر.

وخلال سنة 2017، بلغ عدد المهاجرين الذين وصلوا إلى إيطاليا بحرًا أكثر من 119 ألف شخص، مقابل 181 ألفًا في 2016، واستنادًا إلى معطيات وزارة الداخلية، فقد تم في عام 2017 ترحيل ستة آلاف و340 أجنبيًا لمخالفات تتعلق بالإقامة