ترجمة وتحرير: نون بوست
كان الأسبوع الماضي مهما بالنسبة لمختلف الفاعلين في عالم التكنولوجيا؛ فيوم الثلاثاء الموافق لتاريخ 22 أيار/ مايو، مَثُل الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، أمام البرلمان الأوروبي بعد مضي شهر من خضوعه لجلسة استماع أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، إلا أن ذلك لم يؤثر على علاقة الشركة الكاليفورنية بالسلطات.
يوم الجمعة 25 أيار/ مايو، دخلت اللائحة العامة لحماية البيانات الشخصية حيز التنفيذ في مركز المؤتمرات “بورت دو فرساي”، مقر الصالون التكنولوجي “فيفاتيك”. وفي هذا السياق، أجرى الموقع حوارا مع الخبير في المسائل المتعلقة بالمجال الرقمي الفرنسي، جيل بابيني، الذي تطرق إلى هذه الأحداث التي تمثل نقطة تحول في العصر الرقمي.
في أعقاب التحديات العديدة التي واجهها فيسبوك في الآونة الأخيرة (استخدام البيانات الخاصة، التضليل) هدد أعضاء البرلمان الأوروبي بحل فيسبوك. فهل تعتقد أن فكرة البرلمان الأوروبي تمثل الحل الأنسب؟
سيتسبب حل شركة فيسبوك في إثارة عدائية شريكنا الأمريكي، لاسيما أن هذا المقترح يأتي في سياق حرب تجارية غير معلنة. ولكن، القرار الأكثر نجاعة يتمثل في فرض مزيد من القيود على فيسبوك لمحاربة ظاهرة الإدمان والمضايقة والأخبار المضللة. كم أن مسألة الولوج إلى البيانات الخاصة يمكن أن تكون غير قابلة للتفاوض لأنها تشكل حجر أساس مكافحة الاحتكار في عصر البيانات.
يمكن أن يتخيل المستخدم وجود واجهة برمجة تطبيقات إلزامية، التي تعد بمثابة بوابة صغيرة ينشئها فيسبوك ليلج إلى البيانات ويقوم بتجميعها
لكن، حتى إذا فرض النظام الأوروبي لحماية البيانات العامة مبدأ قابلية الولوج للبيانات الخاصة، فهو مع ذلك لم يحدد بعد شروطها. لكن العائق الحقيقي أمام دخول طرف ثالث إلى أسواق البيانات الضخمة يرتبط إلى حد كبير بشروط الولوج إلى هذه البيانات التي هي الآن في حوزة فيسبوك. وإلى جانب الميزة المالية التي يتمتع بها فيسبوك، فإن عملاق وادي السيليكون يستفيد أيضًا من البيانات الفلكية، مما يضمن تفوق منتجاته على ما ينتجه منافسوه المباشرون. وفي الوقت الحاضر، تشمل المنافسة أيضا عالم البيانات.
في هذا الإطار، يمكن أن يتخيل المستخدم وجود واجهة برمجة تطبيقات إلزامية، التي تعد بمثابة بوابة صغيرة ينشئها فيسبوك ليلج إلى البيانات ويقوم بتجميعها، ما من شأنه أن يجعل بيانات المستخدمين على فيسبوك متاحة وقابلة للتجديد. ويتيح موقع “إيماج.نيت”، وهو موقع يقدم آلاف الصور لمطوري أدوات التعلم الآلي، للشركات الناشئة فرصة الاستفادة من “بحيرة” البيانات لتحسين خوارزمياتها.
من هذا المنطلق، يمكن أن نعتبر أن تنظيم البيانات يتم عبر واجهات برمجة التطبيقات، أو عبر القدرة على قياس الوقت الحقيقي الذي تستغرقه عملية انتشار الأخبار الزائفة. ولضمان عدم حدوث تسرب للبيانات في سياق غير طبيعي، يمكن الاعتماد على طرف ثالث سيجد نفسه في مواجهة السلطات العامة وفيسبوك. قد يبدو ذلك أشبه بالخيال العلمي، لكن شرعية الحكومات في المستقبل ستكون مستمدة من مدى قدرتها على تطبيق اللوائح الخوارزمية خارج نطاق القانون.
كيف يمكن لفيسبوك أن يستوعب النظام الأوروبي لحماية البيانات العامة؟ وكيف يمكن للنظام الأوروبي لحماية البيانات العامة أن يحد من التأثيرات المحتملة (على غرار التدخل وما إلى ذلك) التي تسبب فيها فيسبوك؟
من المثير للاهتمام أن مارك زوكربيرغ أعلن أنه سيطبق المعايير التي وضعها النظام الأوروبي لحماية البيانات العامة للمستخدمين في جميع أنحاء العالم
ربما يكون فيسبوك متوافقا بالفعل مع النظام الأوروبي لحماية البيانات العامة، لذلك لابد أن نأخذ بعين الاعتبار أن زيادة مارك زوكربيرغ لأوروبا ومثوله أمام البرلمان الأوروبي جاءت في وقت مدروس. ولكن، مستقبل فيسبوك واستمراريته مرتبط بمسألة تعزيز الشفافية مع مستخدميه. ويتمثل هدف فيسبوك في أن يكون رائدا في مجال إدارة البيانات الشخصية الفردية، ويصبح المنصة الأساسية لإدارة هذه البيانات، بما في ذلك منصات الطرف الثالث. ويبدو أن بعض الوسائل مثل “فيسبوك كونيكت” أضحت ملائمة بشكل خاص لتحقيق هذه الإستراتيجية.
من المثير للاهتمام أن مارك زوكربيرغ أعلن أنه سيطبق المعايير التي وضعها النظام الأوروبي لحماية البيانات العامة للمستخدمين في جميع أنحاء العالم. ويحمل هذا البيان في طياته قدرا من النفاق، حيث لا يستفيد المستخدمون خارج أوروبا من الإطار القانوني المرتبط بالنظام الأوروبي لحماية البيانات العامة. ويتيح هذا النظام اتخاذ إجراءات قانونية ضد الشركات وتسليط عقوبات عليها تصل إلى قرابة أربعة بالمائة من الأرباح. ولكن إذا كانت هذه البيانات تعود للمستخدمين خارج أوروبا، فلن يكون لديهم أي وسيلة للمطالبة بمعاقبة الجنات في حال انتهاك بياناتهم.
في ظاهره، يحيل هذا الالتزام إلى رغبة فيسبوك في التأكيد على تبني المزيد من الشفافية تجاه مستخدميه. ولا يمكن أن يحافظ عملاق التواصل الاجتماعي على هيمنته، إلا إذا كان مستخدموه يثقون في الخدمات التي يقدمها. وتجدر الإشارة إلى أن الفضائح الأخيرة أضرت كثيرا بالشركة. وفي الأثناء، لا يمكن على الفور تبين حجم هذه الأضرار على مستوى الأداء المالي، حيث سجل فيسبوك نتائج جيدة خلال نيسان/ أبريل مع زيادة في معدل الأرباح بنسبة 49 بالمائة مقارنة بسنة 2017. في المقابل انخفض عدد مستخدمي فيسبوك يوميا في الولايات المتحدة في نهاية سنة 2017. ويراهن فيسبوك على عدم وقوع هذا التراجع خارج الولايات المتحدة.
يركز تريستان هاريس، الموظف السابق لدى غوغل، على العمل على إيجاد حل لمشاكل الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد كان في زيارة لباريس خلال يومي 22 و23 أيار/ مايو. يعتبر الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي أحد أسباب التظليل الإلكتروني على شبكة الإنترنت، فهل وقع أخذ ذلك بعين الاعتبار؟
تعتبر الأخبار الزائفة مشكلة عالمية مقلقة، لأنها يمكن أن تزعزع التمشي السليم للديمقراطيات
يعتبر نموذج الأعمال الخاص بفيسبوك من بين الجوانب التي يمكن توجيه انتقادات بشأنها للشركة الأمريكية، حيث يعتمد هذا النموذج بشكل كبير على عامل الإدمان الذي غالبا ما يقع توصيفه من خلال استخدام مصطلح “الالتزام”، فضلا عن سرعة تداول المعلومات، الأمر الذي يتيح ظهور محتويات تنطوي في بعض الأحيان على منشورات تنم على مشاعر الكراهية والرفض. ويتم عادة الاستهانة إلى حد كبير بالمخاطر المتعلقة بالصحة العامة لا سيما في أوروبا. وفي الأثناء، لا يتردد العديد من المراقبين في المجال الطبي في مقارنة التأثير المحتمل لفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى بالإدمان الذي يسببه التدخين.
نتيجة لذلك، يصبح الأطفال والشباب محدودي الحركة والنشاط، في حين يصبحون أكثر قابلية للإصابة بالقلق والاكتئاب. وفي حال افترضنا أن هذا الإدمان سيكون له انعكاس كبير على المجتمع، يمكنه أن يؤثر بقوة على أمل الحياة المتوقع للسكان بشكل عام. ويتجاهل السياسيون هذه المسألة، الأمر الذي ينطبق بشكل كبير على مواقفهم تجاه قضية التدخين منذ العقود الماضية. في الأثناء، يجب اتخاذ تدابير على غرار وضع نظام تحذير للاستخدام المفرط لهذه المواقع.
بالنسبة لأوروبا، يوجد فرصة سانحة من أجل تبني سياسة قوية في هذا المجال. ولا بد من طرح مسألة مفهوم القوانين التي تنطبق على المنصات التي تشجع على هذا السلوك الإدماني، في إطار نقاش ديمقراطي. بالنسبة للشباب، الذي بات يواجه مخاطر ذهنية ونفسية كبيرة، أرحب بقرار وزير التربية الوطنية بحظر استخدام الهواتف المحمولة في المدارس الإعدادية. و يبدو لي هذا القرار خطوة فعلية في سبيل مكافحة الإدمان على منصات التواصل الاجتماعي. وفي ظل عجزنا عن دمج مسألة الاستخدامات المختلفة للهواتف الذكية في صلب البروتوكولات التربوية الجديدة، يظل هذا الحل الأمر الوحيد الذي يمكن القيام به، خاصة وأن المشاكل المتعلقة بقصور الانتباه المزمن في نمو مطرد.
تتعلق آخر الانتقادات الكبرى برهان الأخبار الزائفة، حيث يوجد قانون قيد المناقشة حاليا في خصوص هذه الأخبار. وتعتبر الأخبار الزائفة مشكلة عالمية مقلقة، لأنها يمكن أن تزعزع التمشي السليم للديمقراطيات. ودون الخوض في تفاصيل هذه الرهانات، يبدو لي أن الأمر سيتطلب أكثر من قانون واحد من أجل تحقيق النتائج المرجوة.
المصدر: معهد مونتانيو