ترجمة وتحرير: نون بوست
تحت ضغط من ولي عهد أبو ظبي، تخوض الإمارات العربية المتحدة دبلوماسية الموانئ والبوارج الحربية. ومن اليمن وصولا إلى القرن الإفريقي، تبحث هذه الدولة عن توسيع هيمنتها حتى المحيط الهندي.
يصر رئيس الوزراء اليمني، أحمد بن دغر، على تذكير المواطنين اليمنيين بأنهم لا يزالون تحت حكم سلطة مركزية: فرغم أن اليمن حاليا تشرف عليه حكومة ضعيفة بشكل مفضوح، ومثيرة للشفقة في بعض الأحيان، إلا أن بن دغر رغم ذلك يرفض الاستسلام للأمر الواقع. وفي الخريف الماضي، بقي هذا الرجل المعروف بانضباطه وصوته الرقيق، محبوسا لمدة أسابيع عديدة داخل القصر الرئاسي في عدن، التي اتخذت كعاصمة مؤقتة للبلاد منذ 2015.
وقد مثلت تلك الأزمة دليلا حقيقيا على شجاعة هذا الرجل، خاصة وأن أغلب الوزراء لا تطأ أقدامهم نهائيا هذه المدينة الساحلية التي تشهد توترا كبيرا، ويفضلون العيش في كنف الأمان والراحة، في منفاهم الهادئ في المملكة العربية السعودية أو إحدى الدول الأخرى الصديقة في المنطقة.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي، اندلعت مواجهات بين الحرس الرئاسي والحركة الانفصالية في جنوب اليمن، المدعومة من مليشيات سلفية وتطالب باستقالة أحمد بن دغر وحكومته. وقد فرضت هذه القوات سيطرتها على جزء كبير من مدينة عدن، حتى مشارف القصر الرئاسي، بمباركة من العراب الإقليمي لهذه التحركات، وهو الإمارات العربية المتحدة. ولم يتمكن رئيس الوزراء من مغادرة القصر في النهاية إلا بوساطة سعودية.
جنود يمنيون موالون للحكومة، بعد حصولهم على عربات مدرعة مرسلة من الإمارات العربية المتحدة، في مدينة تعز جنوبي غرب البلاد، في يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
التواجد على جزيرة سقطرى اليمنية
في 28 نيسان/أبريل الماضي، عاد أحمد بن دغر مرة أخرى ليتصدر واجهة الأحداث، إذ أنه من أجل تذكير المواطنين اليمنيين في سقطرى بوجود دولة مركزية، توجه نحو هذا الأرخبيل المعزول، الذي يعتبر من الجواهر الطبيعية النفيسة، لما يمتاز به من نظام بيئي فريد من نوعه في العالم، وموقع هام في مدخل خليج عدن.
وقد تم تركيز لوحة تذكارية في بلدة الحلف هنالك، والإعلان عن إطلاق مجموعة من المشاريع التنموية. وكرد فعل على ذلك، قامت القوات المسلحة الإماراتية، التي تسيطر على قاعدة عسكرية يمنية في سقطرى، بإرسال أربع طائرات شحن جوي عملاقة، من طراز سي 17 الأمريكية، لتحط على مهبط الطائرات الوحيد الموجود في الأرخبيل، وقد جاءت هذه الناقلات محملة بعربات مدرعة، منها اثنتين على الأقل من طراز بي أم بي 3 القتالية، إضافة إلى حوالي 100 جندي.
وفي مواجهة هذا الاستعراض للقوى، أظهر بن دغر إصرارا كبيرا، حيث أكد أنه لن يغادر الأرخبيل حتى تخفض الإمارات من وجودها العسكري فيه. وقد كانت حينها القوات الإماراتية تسيطر على المطار والميناء، ما يعني أن رئيس الوزراء كان فعليا تحت رحمتها، ولذلك اضطر في النهاية للعودة للرياض في 14 أيار/مايو.
تبدو المملكة السعودية، التي تدخلت في اليمن بناء على قرار من الأمم المتحدة، وتدعم الحكومة الموجودة في المنفى، كأنها ألقت بنفسها في ظلمة المجهول
ويتهم بن دغر الإمارات باحتلال بلاده، من خلال شن حرب فيها منذ آذار/مارس 2015، في إطار تحالف عربي تقوده المملكة السعودية ضد المتمردين الحوثيين. وتعكف الإمارات حاليا على تحويل سقطرى إلى حاملة طائرات عملاقة، حيث تقوم بتركيز تجهيزاتها العسكرية، وتخزين المواد الأساسية التي يحتاجها جنودها، وتقوم طائرات الشحن الجوي سي 17برحلات مكوكية ذهابا وعودة نحو جنوب اليمن وهي محملة بالمعدات. كما تقوم قواتها الخاصة بتدريبات جنب إلى جنب مع وحدة عسكرية محلية في سقطرى، يتلقى جنودها رواتبهم من أبو ظبي.
أما سكان سقطرى، الذين تخلت عنهم الحكومة المركزية، ولكنهم لحد الآن بقوا على هامش الحرب الدائرة، فإنهم ينظرون بعين الارتياح إلى الاستثمارات الإماراتية التي ستطور البنية التحتية المحلية، إضافة إلى فرص العمل والرعاية الصحية التي وفرتها لهم أبو ظبي منذ ثلاث سنوات.
إلا أنهم في نفس الوقت باتوا متخوفين بعد استعراض القوة الذي نفذته الإمارات في أيار/مايو الماضي، إذ خرجت حينها مظاهرات ترفع العلم اليمني وتندد بالتدخل الخارجي. وقد استجوب الأمر نشر المملكة السعودية لقواتها هي أيضا، تحت ذريعة الرغبة في تنظيم دورة تدريبة للجيش اليمني في الجزيرة، رغم أن الأمر في الواقع هو خطوة تهدف لتهدئة سكان سقطرى.
الإمارات، تحاول الإسراع لتنفيذ أهدافها، وهي تعرف بالضبط ما الذي تريده، حيث أنها لا تركز أنظارها على المعارك الدائرة في صنعاء، بل تنظر صوب البحر.
وتبدو المملكة السعودية، التي تدخلت في اليمن بناء على قرار من الأمم المتحدة، وتدعم الحكومة الموجودة في المنفى، كأنها ألقت بنفسها في ظلمة المجهول. إذ أنها تواصل قصف المناطق الجبلية المرتفعة في الشمال والعاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها المتمردون، ولكنها لم تفلح في تحقيق نتيجة حاسمة.
وتأمل الرياض أن المتمردين سينتهي بهم الأمر للانهيار تحت الضغط العسكري المتواصل، ويقبلون التفاوض معها بناء على شروطها. أما بالنسبة للإمارات، فإنها تحاول الإسراع لتنفيذ أهدافها، وهي تعرف بالضبط ما الذي تريده، حيث أنها لا تركز أنظارها على المعارك الدائرة في صنعاء، بل تنظر صوب البحر.
الملك السعودي سلمان عبد العزيز آل سعود (على اليسار)، مع حاكم أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، في مدينة جدة السعودية، في 2 حزيران/يونيو 2017.
ويبدو أن الإمارات، أو “إسبرطة الشرق الأوسط”، لديها رؤية واستراتيجية محددة لتحقيق أهدافها. إذ أن هذه الدولة الاتحادية المكونة من إمارات صغيرة يعيش فيها أقل من مليون مواطن، وحققت استقلالها منذ 1971، وتتزعهما منذ ذلك الوقت إمارة أبو ظبي، تريد أن تكون القوة العسكرية الرئيسية في شبه الجزيرة العربية.
وقد قام الرجل القوي في هذا الاتحاد، وهو حاكم أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، البالغ من العمر 57 عاما، والذي حصل على تدريبه كطيار مقاتل، ببناء أسطول جوي وقوات خاصة من الطراز الأول. وهو يحلم من هنا فصاعدا بتحقيق القوة البحرية. ويخوض محمد بن زايد دبلوماسية الموانئ والبوارج الحربية، من اليمن وحتى منطقة القرن الإفريقي، حيث يسعى لتوسعة دائرة نفوذه حتى المحيط الهندي والمالديف والسيشل وجزر القمر.
هذه الدولة التي تمتد على مساحة محدودة من الصحراء الرملية، تشعر بالضيق في مواجهة العملاق الإيراني، الذي تنظر إليه الإمارات على أنه يمثل تهديدا وجوديا على الضفة الأخرى من الخليج العربي. ولهذا الغرض، فإن أبو ظبي تسعى لكسب عمق استراتيجي وتوسيع نفوذها، حيث يقول محلل أجنبي متابع للتطورات السياسية في الشرق الأوسط: “إن محمد بن زايد فهم أنه يمكنه تحقيق الأمن خارج الخليج، وهو يسعى لاستباق الصراع مع إيران، التي يمكن أن تغلق مضيق هرمز، ولذلك فإنه يسعى لضمان طريق للوصول للمحيط”.
هذه الحسابات الجغراسياسية تفسر الاهتمام المفرط لأبو ظبي بإمارة الفجيرة، إذ أنها الوحيدة في اتحاد الإمارات السبع، التي تمتلك شريطا ساحليا طويلا يطل على خليج عمان.
بالنسبة لطهران، فإن الحوثيين هم مجرد حلفاء جلبتهم الظروف
ويقول مصطفى العاني، المحلل في مركز دراسات الخليج في أبو ظبي: “انظروا إلى الخريطة! إن إيران بصدد بناء إمبراطورية في شمال الشرق الأوسط، من طهران وامتدادا نحو البحر المتوسط. إن الإيرانيين يسيطرون فعليا على العراق وسوريا، ولبنان التي تخضع لهيمنتهم. واليوم تسعى طهران للنزول إلى الجنوب والوصول إلينا. ولهذا نحن نريد التصدي لهذا الحصار الاستراتيجي قبل أن يطبق علينا”.
ويشار إلى أنه في شبه الجزيرة العربية، التي تسكنها غالبية من المسلمين السنة، تخشى الإمارات من النفوذ الذي تمارسه إيران الشيعية من خلال دعم الحوثيين في اليمن، باعتبار أنهم هم بدورهم ينتمون إلى أحد المذاهب الشيعية.
وبالنسبة لطهران، فإن الحوثيين هم مجرد حلفاء جلبتهم الظروف، باعتبار قدرتهم على إزعاج الممالك الخليجية دون تكاليف تذكر. ولهذا فإن الخليجيين لا يريدون المخاطرة بفسح المجال لطهران لتحقيق أهدافها وأخذ الأسبقية عليهم، حيث يقول مصطفى العاني: “على المدى الطويل، تتمثل مشكلتنا في الحفاظ على مضيق هرمز في الخليج العربي، ومضيق باب المندب الذي يغلق البحر الأحمر بين اليمن وإفريقيا. هذا الرهان الاستراتيجي تتجاوز أهميته الحرب في اليمن والمتمردين الحوثيين، وتبدو الإمارات مستعدة لدفع الثمن أجل كسبه، إذ أن باب المندب يمثل خطا أحمر، وهي لن تسمح لإيران بأي حال من الأحوال بالسيطرة عليه.”
في هذين المضيقين، الذين يعتبران اثنين من أهم الممرات البحرية في العالم، حيث يتحكمان في حركة الملاحة نحو البحر الأبيض المتوسط وقناة السويس، تسعى الإمارات لتقديم نفسها على أنها حامية للناقلات النفطية. إذ أن الحوثيين كانوا قد استهدفوا بعض البواخر التابعة للتحالف العربي والسفن التجارية في عدة مناسبات منذ 2015، وذلك لإثبات قدرتهم على إزعاج خصومهم. وفي الثالث من نيسان/أبريل، ألحق هؤلاء أضرارا خفيفة بناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر، غداة قصف جوي عنيف شنه التحالف العربي على مدينة الحديدة التي تضم أكبر ميناء في اليمن.
منذ بداية الحرب في اليمن، عملت الإمارات على تعزيز حضورها في السواحل الإفريقية المجاورة، التي تفرض فيها هيمنة منذ وقت طويل
وتلعب أبو ظبي دورا قياديا في الحملة العسكرية الجارية ضد هذا الميناء، الذي أصبح الممر الأساسي الذي يربط الحوثيين بالعالم الخارجي، ويعتبر مراقبون أن هذه المواجهة تحولت إلى حمام دم حقيقي. كما أن الأسطول البحري الإماراتي يساهم في الحصار الجزئي الذي يفرضه التحالف العربي على مواقع المتمردين، حيث يقول المحلل الأجنبي الذي لا يخفي إعجابه بالتقدم السريع للبحرية الإماراتية: “إن أطقم البحرية الإماراتية قادرة على البقاء حتى 90 يوما على متن مجموعة سفن “البينونة”، وهي كورفيتات صغيرة مكتظة وغير مريحة تابعة للإمارات، تتواجد قرب سواحل اليمن. وفي المقابل، فإن السعوديين مضطرون للعودة للميناء كل مرة بعد قضاء يومين فقط في البحر”.
قاعدة عسكرية على سواحل أريتريا
منذ بداية الحرب في اليمن، عملت الإمارات على تعزيز حضورها في السواحل الإفريقية المجاورة، التي تفرض فيها هيمنة منذ وقت طويل. ففي مدينة عصب الواقعة في أقصى جنوب أريتريا، تمكنت الإمارات من السيطرة على ميناء صغير، كانت إيران تطمع في الظفر به خلال فترات سابقة. وقامت أبو ظبي بتعصير مهبط طائرات قديم شيده الإيطاليون، وتخلى عنه الجيش السوفييتي مع نهاية الحرب الباردة.
وقد أظهرت صور فوتوغرافية جوية قام موقع “جينز 360” المتخصص بتحليلها، وجود أعمال إنشاءات أرضية لاستقبال طائرات ميراج 2000 الفرنسية الصنع، وأسطول من طائرات الهليكوبتر والناقلات الجوية للمدرعات الإماراتية… كما أودعت أبو ظبي في هذا المهبط أيضا طائرات نقل صغيرة، تستخدم من أجل مهاجمة مواقع الحوثيين. كما أن جزء من قوات التحالف، الذي يخوض أهم العمليات القتالية على الميدان، يحصل على التدريبات في مدينة عصب. كما تم الكشف على مشاريع إنشائية مينائية قرب المطار، يبدو أنه تم الانتهاء منها في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، وهي تهدف لاستقبال السفن، والزوارق السريعة والدوريات البحرية.
قام المخططون الاستراتيجيون في أبو ظبي بدراسة كل الخرائط السوفييتية القديمة في المنطقة، وشرعوا في الاستثمار في الموانئ المتروكة منذ الحرب الباردة
كما تنوي شركة موانئ دبي العالمية، التي تعتبر الذراع الاقتصادي للدبلوماسية البحرية الإماراتية، تطوير البنى التحتية في مدينة عصب. وبعيدا عن الساحل، لا تعدو الجهة الخلفية من أريتريا أن تكون صحراء ممتدة ووعرة، تربطها طريق في حالة سيئة بالعاصمة أسمرة الموجودة على بعد 500كيلومتر من الشمال.
ويخشى الجار الأثيوبي، الذي انفصلت عنه أريتريا في سنة 1991 في خضم حرب أخوية دموية لم تضع أوزارها بشكل نهائي حتى الآن، من أن استغلال الإمارات لميناء عصب سوف يسمح للنظام الدكتاتوري للرئيس إسياس أفورقي بالاستمرار. إذ أن الاتفاق المبرم بين البلدين، والذي نفت أريتريا أنه سيستمر لأربعين عاما، يترافق بحسب خبراء في الأمم المتحدة مع “نقل مرافق عسكرية نحو أريتريا وتقديم الدعم العسكري لها”، في خرق واضح لحظر الأسلحة المفروض على هذا البلد منذ 2009، بسبب النظام القمعي الذي يحكمها.
وقد قام المخططون الاستراتيجيون في أبو ظبي بدراسة كل الخرائط السوفييتية القديمة في المنطقة، وشرعوا في الاستثمار في الموانئ المتروكة منذ الحرب الباردة. إذ أنهم يميلون للتوجه نحو ما يعرف بالمناطق الرمادية، على غرار جنوب اليمن، بونت لاند (أرض البنط) وأرض الصومال، التي تمثل كيانات تشبه الدول ولكن لم تحصل على الاعتراف الدولي، حيث تقدم لها الإمارات الدعم المالي والحماية في مقابل السماح لها بالتمركز العسكري والتجاري.
ومن خلال هذه الإمبراطورية التي يتم تشييدها الآن، تسعى الإمارات لتحقيق استراتيجية مزدوجة، حيث أن شركة موانئ دبي توسع من شبكة النقاط البحرية التي تسيطر عليها، بالتنسيق المخابراتي مع الجيش، وبذلك فإن الجنرالات ورجال الأعمال الإماراتيين يتحركون جنبا إلى جنب في هذه الموانئ.
تمكن الإماراتيون في صيف 2017 من الحصول على عقد استغلال ميناء براوة الواقع في منطقة شبيلي السفلى، إضافة إلى إقليم بونت لاند (أرض البنط) الانفصالي، وميناء بوصاصو، التي تعد من كبرى المدن الصومالية.
أما في الصومال، التي تعصف بها الحرب الأهلية منذ 1991، فإن العاصمة مقديشو وميناءها التجاري بقيا تحت سيطرة تركيا وقطر، القوتان اللتان تتسم علاقتهما بأبو ظبي بالتوتر، على خلفية دعمهما للإسلام السياسي. ومن أجل فرض وجودها في هذه المنطقة، تقوم الإمارات بتمويل المعارضة الصومالية، وتحاول التمركز في المناطق البعيدة عن العاصمة.
وبهذه الطريقة، تمكن الإماراتيون في صيف 2017 من الحصول على عقد استغلال ميناء براوة الواقع في منطقة شبيلي السفلى، إضافة إلى إقليم بونت لاند (أرض البنط) الانفصالي، وميناء بوصاصو، التي تعد من كبرى المدن الصومالية.
مراكز إدارة العمليات الرقمية في أدنوك (أهم شركة نفطية وطنية إماراتية) في العاصمة أبو ظبي في أيار/مايو 2018.
عمليات خطيرة في أرض الصومال
وقبل سنة واحدة، كانت شركة موانئ دبي العالمية قد حققت أكبر نجاح لها، حين عقدت اتفاق مع ميناء بربرة التجاري في إقليم أرض الصومال الانفصالي، الذي أعلن استقلاله عن الصومال في 1991. وقد نجحت هذه المجموعة الإماراتية في الحصول على هذا العقد، رغم المنافسة مع شركة بولوري الفرنسية العملاقة للنقل البحري.
وقد تمت مضاعفة هذا العقد في شباط/فبراير 2017، من خلال توسيع حقوق الاستغلال الإماراتية لتشمل قاعدة عسكرية مجاورة. وحول هذه المسألة، يعلق الباحث الفرنسي جيرار برينيي، المتخصص في شؤون القرن الإفريقي بالقول: “إن آلة الدعاية الإماراتية أوهمت المسؤولين المحليين في أرض الصومال بأنها ستقدم لهم الاعتراف الدولي باستقلالهم، وهي عملية تحيل وتنطوي على خطورة كبيرة: إذ أن أثيوبيا المجاورة تشعر بالقلق، ولم تستبعد خيار التدخل العسكري في بربرة”.
أما رئيس أرض الصومال، وهو موسى بيهي عابدي، المقاتل السابق في حركة الانفصال، فإنه يعرف أنه مدين لأثيوبيا، التي دعمت معركته من أجل الاستقلال، ولا تزال تمثل أهم حليف له. وفي هذا الصدد، يشير رونو مارشال، الباحث في مركز سيري للدراسات السياسية، إلى أنه “في المرحلة الحالية، التي تقاس فيها القيمة الجغراسياسية للدول بقدرتها على السيطرة على الممرات البحرية، فإن أثيوبيا التي لا تطل بشكل مباشر على البحر تجد نفسها في موقف ضعيف”.
ولذلك فإن الرئيس عابدي يعول على الإماراتيين من أجل كسر العزلة الدولية وتطوير ميناء بربرة الذي يعاني من ضعف الإمكانيات، والذي يبقى النشاط التجاري الوحيد الموجود فيه هو تصدير الماشية نحو دول الخليج.
خلال الشهر الموالي، نيسان/أبريل، أنهت القوات المسلحة الصومالية برنامج تدريب قواتها على يد الإماراتيين في مقديشو
ومن أجل كسب رضا أثيوبيا، قامت شركة موانئ دبي العالمية بفتح الباب أمام الشراكة في استغلال هذا الميناء التجاري في آذار/مارس 2018، وهو ما أثار غضب الحكومة الصومالية، التي اتجهت نحو منظمة الأمم المتحدة للتنديد بالسيطرة العسكرية على ميناء بربرة، باعتبارها خرقا للقانون الدولي.
وخلال الشهر الموالي، نيسان/أبريل، أنهت القوات المسلحة الصومالية برنامج تدريب قواتها على يد الإماراتيين في مقديشو. وفي نفس الوقت، داهم جنود صوماليون مطار العاصمة وقاموا بمصادرة حوالي 10 مليون دولار نقدا، كانت على متن طائرة مدنية إماراتية صغيرة. وكرد فعل على هذه الخطوة، عمدت أبو ظبي إلى غلق مستشفى الشيخ زايد الذي كانت تديره في العاصمة.
وقد خلص خبراء الأمم المتحدة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، إلى أن الإماراتيين كانوا بصدد إعادة تهيئة القاعدة العسكرية في بربرة، بعد 9 أشهر من توقيع عقد الاستغلال. وهي أشغال سعى رئيس أرض الصومال لتعطيلها، خوفا من ردة فعل عنيفة من مقديشو. إذ أن العاصمة الصومالية بإمكانها القبول بتطوير الميناء التجاري، إلا أن إقامة القاعدة العسكرية تبدو بالنسبة لها تهديدا لا يمكن السكوت عنه.
وفي الوقت الحالي على الأقل، يبدو أن متشددي حركة الشباب الصومالية هم الذين يحققون أكبر استفادة من هذه الحسابات المتضاربة.
هدف بكين لتحويل جيبوتي إلى محطة ضمن “طريق الحرير الجديد” الذي تسعى لإحيائه، لتكون نقطة دخولها الرئيسية نحو القارة الإفريقية.
الفشل في جيبوتي
وربما لم تكن الإمارات لتدخل أبدا لهذا المستنقع الصومالي، لو لم تكن قد اضطرت لمغادرة جيبوتي صاغرة وبقوة السلاح. إذ أن شركة موانئ دبي كانت تطور منذ سنة 2006، ميناء دوراليه التجاري على بعد 250 كيلومتر غربي بربرة، الذي يمثل العصب الاقتصادي الأهم لأثيوبيا المجاورة. وكان الإماراتيون يعقدون آمالا كبيرة على هذا المشروع، ويخططون لبناء جسر بين جيبوتي واليمن، يمتد على مسافة 29 كيلومتر فوق البحر الأحمر.
وفي سنة 2015، تفاقم التوتر بين الجانبين، حيث طالبت جيبوتي بدفع مبلغ 1 مليون دولار يوميا من أجل فتح قاعدة للبحوث وعمليات الإنقاذ، طلبتها الإمارات في إطار حربها الدائرة في اليمن. والأسوأ من ذلك هو أن شركة موانئ دبي العالمية اكتشفت أن جيبوتي باعت أجزاء من ميناء دوراليه إلى الصين، التي شرعت في إنجاز أشغال بنى تحتية ضخمة في محيط الميناء.
وتهدف بكين لتحويل جيبوتي إلى محطة ضمن “طريق الحرير الجديد” الذي تسعى لإحيائه، لتكون نقطة دخولها الرئيسية نحو القارة الإفريقية.
وفي هذا الصدد، يشير الملاحظ الأجنبي إلى أن “الاستثمار الإماراتي الضخم في جيبوتي فقد قيمته الأساسية، حيث شعر محمد بن زايد بأنه تعرض لعملية تحيل وشعر بغضب كبير”.
وقد أدت صفعة وجهها ضابط من جيبوتي إلى السفير الإماراتي، إلى مزيد تأزيم الوضع بين الجانبين. وقد انتهى الأمر إلى نجاح الصين في فتح أول قاعدة عسكرية لها في المنطقة، على الأراضي الجيبوتية، لتنضم بذلك إلى مجموعة القواعد العسكرية الفرنسية، الأمريكية، الإيطالية، اليابانية والسودانية الموجودة هناك.
تسعى الإمارات للحفاظ على دورها الاستراتيجي في التجارة العالمية من خلال ميناء جبل علي، الذي يمثل واحدا من أكثر عشرة موانئ نشاطا في العالم، ويقع على الطريق نحو أوروبا وإفريقيا وآسيا.
وقد اعتمدت شركة موانئ دبي في نشاطها في دوراليه على وسيط من جيبوتي، وهو عبد الرحمان بوره، الذي كان لوقت طويل مقربا من الرئيس إسماعيل عمر غيلة. وأمام هذه الخيبة، انتقل عبد الرحمان بوره لدعم المعارضة المحلية انطلاقا من دبي. وفي شباط/فبراير 2018، انتهى الأمر بجيبوتي إلى إنهاء عقدها مع شركة موانئ دبي، ومن المنتظر أن يتم النظر في هذا الملف أمام هيئة تحكيم دولية في لندن.
أما على الصعيد العسكري، فإن أبو ظبي تسعى لبناء إمبراطوريتها البحرية من أجل صد التهديد الإيراني. إذ أن معاركها التجارية، تدور في فضاء أكثر رحابة بكثير، حيث تسعى الإمارات للحفاظ على دورها الاستراتيجي في التجارة العالمية من خلال ميناء جبل علي، الذي يمثل واحدا من أكثر عشرة موانئ نشاطا في العالم، ويقع على الطريق نحو أوروبا وإفريقيا وآسيا.
ومن أجل لعب دور في الصف الأول في مشروع طريق الحرير الصيني، تخوض الإمارات مواجهة مع الموانئ التي يتم تطويرها في إيران، باكستان وعمان. ولكن قدرات الإمارات تبقى ضعيفة مقارنة بالعملاق الصيني، الذي نجح في إخراجها من جيبوتي، والذي نجح فعليا في فرض نفسه في الصومال، على ميناء هوبيو الموجود في الجنوب، بنسق بطيء ودون إحداث مشاكل