ترجمة وتحرير: نون بوست
على الرغم من قضائك حوالي ثلث حياتك نائما، وهو ما يتضمن رؤية عدد كبير من الأحلام، إلا أنك تعجز عن تذكرها في أغلب الأوقات. وحتى في الأيام التي تكون فيها محظوظا، حيث تستيقظ وذكرى الحلم لا تزال تحوم في عقلك، إلا أن هناك فرصة كبيرة لأن تختفي هذه الذكرى خلال دقيقة واحدة وتشق طريقها عائدة إلى أرض الأحلام. وعموما، ستقودك مثل هذه الحالة من نسيان التجارب الحديثة بسرعة إلى عيادة الطبيب، إلا أن النسيان يعتبر أمرا طبيعيا عندما يتعلق بالأحلام، فما هو سبب وراء ذلك؟
في هذا الصدد، قال عالم الأعصاب في جامعة موناش بمدينة ملبورن الأسترالية، توماس أندريلون: “نحن نميل إلى نسيان الأحلام على الفور. ومن المرجح أن الأشخاص الذين نادرا ما يتحدثون عن أحلامهم هم في الواقع ينسونها بكل بساطة”. وسيكون من الصعب التصديق أنك رأيت حلما إذا لم تتذكر أي شيء حوله، لكن الدراسات تظهر باستمرار أنه حتى الأشخاص الذين لم يتذكروا حلما واحدا منذ عقود، أو طيلة حياتهم، سيتمكنون من تذكرها في حال استيقظوا في اللحظة المناسبة. وفي الوقت الذي يظل فيه السبب الكامن وراء هذه الظاهرة مجهولا، إلا أن العلماء نجحوا في إلقاء نظرة معمقة على عمليات التذكر أثناء النوم، مما أدى إلى ظهور العديد من الأفكار التي قد تفسر نسياننا الغريب لأحلامنا.
أنت مستيقظ، لكن ماذا عن منطقة الحُصيْن في دماغك؟
وفقا لدراسة نشرتها مجلة “نيرون” العلمية خلال سنة 2011، لا تغط جميع المناطق في الدماغ في النوم، في الوقت ذاته، عندما نخلد إلى الفراش. ووجد الباحثون أن آخر المناطق التي تنام هي الحُصين، وهي بنية منحنية تقع داخل كل نصف من الدماغ. ويلعب الحُصين دورا حاسما في نقل المعلومات من الذاكرة قصيرة المدى إلى الذاكرة طويلة المدى.
أوضح عالم الأعصاب أنه خلال بعض مراحل النوم، تظهر عدة بيانات أن الحُصين يرسل المعلومات إلى القشرة المخية، لكنه لا يتلقى أي بيانات في المقابل
في هذا السياق، أفاد أندريلون أنه “إذا كان الحُصين هو آخر جزء يخلد للنوم، فمن المرجح أنه آخر من يستيقظ. لذلك، يمكن أن تكون لديك هذه النافذة، حين تستيقظ مرفقا بحلم في ذاكرتك قصيرة المدى، لكن دماغك غير قادر على الاحتفاظ بهذه الذكرى نظرا لأن الحصين لم يستيقظ بصفة تامة”. وفي الوقت الذي يقدم فيه أندريلون تفسيرا لسرعة زوال ذكريات الأحلام، لا يعني ذلك بالضرورة أن الحُصين كان مستيقظا طوال الليل. في الحقيقة، قد تكون هذه المنطقة نشطة للغاية أثناء النوم، ويبدو أنها تضطلع بتخزين الذكريات الموجودة والحفاظ عليها لترسيخها بدلا من الاستماع إلى التجارب الجديدة الواردة عن الأحلام.
علاوة على ذلك، أوضح عالم الأعصاب أنه خلال بعض مراحل النوم، تظهر عدة بيانات أن الحُصين يرسل المعلومات إلى القشرة المخية، لكنه لا يتلقى أي بيانات في المقابل. وبناء على ذلك، سيسمح هذا الاتصال أحادي الاتجاه بإرسال الذكريات من الحُصين إلى القشرة المخية لكي يتم تخزينها على المدى الطويل. في المقابل، لن يقوم الحُصين بتخزين أي معلومات جديدة.
عند الاستيقاظ، قد يحتاج الدماغ إلى دقيقتين على الأقل لتفعيل قدرات معالجة الأحلام. ووفقا لدراسة نشرت في سنة 2017 على صفحات مجلة “آفاق علم الأعصاب البشري”، راقب الباحثون في فرنسا أنماط نوم 18 شخصا قالوا بأنهم يتذكرون أحلامهم كل يوم تقريبا، بالإضافة إلى 18 آخرين أفادوا أنهم بالكاد قادرون على تذكرها. وقد خلص الفريق إلى أنه بالمقارنة مع الفئة الثانية، استيقظ الأشخاص الذين يتذكرون أحلامهم بشكل أكبر أثناء الليل، ودامت فترات الاستيقاظ بمعدل دقيقتين لدى المنتمين للفئة الأولى من متذّكري الأحلام، في حين لم تتجاوز هذه الفترة الدقيقة الواحدة لدى الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في تذكر أحلامهم.
وفقا لما ورد في دراسة نشرتها مجلة “علوم الدماغ والسلوكيات”، لا زال هناك الكثير من العمل الذي ينتظر العلماء كي يتمكنوا من فك رموز هذا اللغز
حساء كيميائي عصبي
يرتبط ضعف قدراتنا في تخزين الذكريات الجديدة أثناء النوم بعدة تغييرات على مستوييْن اثنيْن من الناقلات العصبية، وهما الأستيل كولين والنورإبينفرين، اللتان تلعبان دورا هاما في حفظ الذكريات. وعندما نغط في نوم عميق، ينخفض معدل هاتين المادتين الكيميائيتين بصفة آلية. ولاحقا، يحدث شيء غريب خلال مرحلة “حركة العين السريعة”، التي تحدث خلالها أغلب الأحلام الحيوية. ففي هذه المرحلة، يعود الأستيل كولين إلى مستواه الطبيعي خلال مرحلة الاستيقاظ، فيما يظل مستوى النورإبينفرين منخفضا.
وفقا لما ورد في دراسة نشرتها مجلة “علوم الدماغ والسلوكيات”، لا زال هناك الكثير من العمل الذي ينتظر العلماء كي يتمكنوا من فك رموز هذا اللغز. مع ذلك، يشير البعض منهم إلى أن هذا المزيج المعين من الناقلات العصبية قد يكون السبب وراء نسيان أحلامنا. وعموما، يتسبب ارتفاع مستوى الأستيل كولين في إثارة القشرة المخية وجعلها في حالة شبيهة باليقظة، بينما يقلل مستوى النورإبينفرين المنخفض من قدرتنا على تذكر مغامراتنا العقلية خلال هذه الفترة.
أحيانا تكون أحلامك غير قابلة للتذكر
تساؤل الباحث الراحل والمختص في مجال الأحلام، إرنست هيرمان، الذي كان أستاذ الطب النفسي في “جامعة تفتس مدرسة الطب”، في مجلة “العلوم الأمريكية”: “هل بإمكانك تذكر ما الذي كنت تفكر فيه هذا الصباح عندما كنت بصدد تنظيف أسنانك؟ إن عقولنا هائمة على الدوام، لكننا نتجاهل معظم هذه الأفكار ونعتبرها معلومات غير أساسية”.
يقترح الأستاذ المساعد في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد، روبرت ستيكغولد، القيام بعدة حيل في حال كنت عازما على تحسين قدرتك على تذكر أحلامك، كشرب الماء قبل النوم، نظرا لكونه سيدفعك للاستيقاظ ليلا للذهاب إلى الحمام
كما أضاف العالم الراحل أنه من المرجح أن تكون الأحلام، وخاصة المملة منها، شبيهة بالأفكار التي تجوب عقولنا خلال أحلام اليقظة، والتي يعتبرها الدماغ عديمة الجدوى وغير جديرة بالتذكر. من جهته، يرى أندريلون أن الأحلام الأكثر حيوية وعاطفية وتماسكاً يتم تذكرها على نحو أفضل، حيث يرجح سبب ذلك إلى كونها تسبب المزيد من الصحوة، فضلا عن كون طريقة سردها المنظمة تسهل تخزينها.
علاوة على ذلك، يقترح الأستاذ المساعد في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة هارفارد، روبرت ستيكغولد، القيام بعدة حيل في حال كنت عازما على تحسين قدرتك على تذكر أحلامك، كشرب الماء قبل النوم، نظرا لكونه سيدفعك للاستيقاظ ليلا للذهاب إلى الحمام. وقد أشار ستيكغولد في حوار له مع صحيفة نيويورك تايمز إن “الاستيقاظ في منتصف الليل غالبا ما يكون مصحوبا بتذكر حلم ما”.
في هذا السياق، وبمجرد استلقائك على فراشك، يمكنك العمل على تذكير نفسك مرارا وتكرار بأنك تريد تذكّر أحلامك، حيث تفيد بعض الدراسات بأن هذا الإجراء سيزيد من فرصك في تذكر هذه الأحلام، وهو ما يمكن تحقيقه أيضا من خلال امتلاك مذكرة تسجل عليها أحلامك. وفور استيقاظك، تشبث بذاكرة الأحلام الهشة وأبق عينيك مغلقتين، واحرص على عدم تحريك بؤبؤ العين، ثم اعمل على إعادة ذكرى الحلم، وذلك حتى يسترجع الحُصين الذاكرة ويخزنها على نحو جيد.
المصدر: لايف ساينس