يعيب علينا البعض إحتفائنا بفوز أردوغان والفخر بمواقفه والتي تمثل إنتصارا له ولحزبه ولتركيا ، ويقولون اتركوا أردوغان لاهله وابحثوا لكم عن شخص ينقذكم.
ويسأل اخرون عن أقصى ما قدمه أردوغان لتركيا هو جعلها بمصاف الدول الاوربية ، فلماذا لا تحتفون بملوك اوربا وقد سبقوا أردوغان وحزبه بعشرات السنين .
أردوغان بين القيم الإنسانية والإسلامية
إستطاع أردوغان أن يقدم مشروعه ويطبقه لخدمة المجتمع التركي ونجح في ذلك ، إقتنع الأتراك بمشروعه لما رأوا من صدقه في خدمتهم وكيف تطورت بلادهم التي كانت الصومال في يوم من الأيام أحسن منها ثم تحولت الى بلد بمصاف الدول الاوربية .
إنتهج أردوغان سياسة القيم الإنسانية ، فلم يفرق بين شعبه الذي إنتخبه او إنتخب غيره ، لم يفرق بينهم على الإساس العرقي او المذهبي او حتى الديني ، قدم الخدمات لتركيا بكل من فيها ، ولم يكتفي بذلك بل سعى جاهدا لازالة كل ما يفتت البلد ويضعفه ، فتصالح مع الاكراد ومع العلوين وغيرهم ، وكل ذلك من منطلق القيم الإنسانية .
المهم في الامر ان أردوغان إستمد القيم الإنسانية من قيمه الإسلامية ، ولم يفرض في يوم من الايام بالقوة القيم الاسلامية – خاصة لعد ان تشوه هذا المصطلح للاسف-.
والمتابع لتصريحات أردوغان يجد الجانب الإنساني القيمي حاضرا في خطابه ولكنه مرتكز لخلفيته الإسلامية ، يقول مثلا في خطابه الأخير عند فوز حزبه حزب العدالة والتنمية في الإنتخابات البلدية : “لا أحب التركي لأنه تركي ولا الكردي لأنه كردي ولكن لأننا خلقنا من خالق واحد ولذلك أحب جميع البشر ولا أحب التفرقة العنصرية” .
من هذه المنطلقات والتي أهمها :
– القيم الإنسانية النابع والمستمدة من القيم الإسلامية .
– الدخول لقلوب المواطنين عن طريق الخدمات التي قدمها لهم .
مسك أردوغان سر النجاح
في حين يستورد رئيس الوزراء العراقي أحداث الماضي ليعكسها على المجتمع العراقي ويفرق بين أطياف الشعب العراقي “أحفاد يزيد والحسين” ، وفي مصر يصنف نصف الشعب على أنه إرهابي ، ويقتل بشار الاسد شعبه بكل وسائل الإجرام في العالم وبعدها يرشح نفسه للرئاسة .
الفرق بين الثرى والثريا
يبدو ان جمالية الجلوس على كرسي الحكم تستهوي الجميع ، فالكل يحرص على ان يجدد لنفسه ولاية ثانية وثالثة وعاشرة ، ويتكئ في ذلك على إنجازه الذين قدمه على مدى الاعوام السابقة .
ويمكن لنا ان نعقد مقارنة بسيطة بين العراق وتركيا ، فكلاهما (المالكي وأردوغان) حكم على الاقل دورتين انتخابيتين (٨ سنوات) ، وكلاهما بدء حملته الإنتخابية بأقوى ما يمكن لكي يتهيئ لدورة حكم اخرى ..
الاول : جيش الجيوش واستنفر المليشيات في الانبار وبغداد وحزام بغداد وديالى ، وتجاوز عدد ضحاياه الالاف بين شهيد وجريح ومهجر ومعتقل وأرملة ويتيم ومعاق ، كل ذلك ليحضى بدعم من يمثلهم ويصفوه بأنه “حسينهم” مقابل إستحضار تاريخ قبل اكثر من الف سنة ليصف به خصومه السنة بأنهم احفاد “يزيد” ، إنتهج سياسة تفريغ العراق من عقوله بالقتل او التهجير ، جعل من عاصمته بغداد اقذر مدينة في العالم …الخ
الثاني : رفع دخل المواطن التركي ثلاث اضعاف ، جعل من عاصمته اسطانبول قبلة العالم ، زارها اكثر من ٣١ مليون سائح ، إنتهج سياسة المصالحة مع جميع شرائح المجتمع وتم له ذلك ، صنع الطائرة والدبابة والقمر الصناعي ، نقل تركيا من الترتيب 111 إلى الترتيب 16 على العالم في القوة الإقتصادية ، يطمح لتفريغ 300 ألف عالم للبحث العلمي في عام 2023.
هذه المقارنة البسيطة هي ببساطة شديدة الفرق بين الثرى والثريا.
لسنا أقل شأنا من أمريكا
قبل أيام قليلة من الإنتخابات اقدم أردوغان على خطوة وصفت “بعدم الحكيمة” فقد قررت الحكومة التركية إغلاق موقع تويتر في تركيا ، ما اعتبره المراقبون السكين التي سوف تضعف أردوغان من الفوز في الانتخابات من خلال تسليط الضوء على ان هذه الاجراءات تقيد الحرية وهي مقدمة للدكتاتورية .
كل المراهنات على هذا الامر اصطدمت بواقع تجاوز به أردوغان وحزبه رضى ما يقرب نصف الشعب التركي .
ببساطة كانت فلسفة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان في غلق تويتر هي –وكما كتب عنها الصحفي هيثم الكحيلي- ان تويتر شركة أمريكية تقدم خدمات لملايين الأتراك دون الالتزام بالقانون التركي ، في المقابل يلتزم تويتر بالقانون الأمريكي بالكامل ، ولكن هنا تركيا وليست أمريكا!!
لو تمرد موقع تويتر على قانون أمريكي لتم سجن صاحبه مباشرة ، ولكنه يتمرد على القانون التركي ولا يبالي بأحكام قضائية صادرة من المحاكم التركية ، ويرفض كذلك التعاون معنا لمنع مواد تضر بأمننا وتمس من خصوصيات مواطنينا ، إذن.. كما رضخ تويتر للقانون الأمريكي فهو مطالب بالرضوخ للقانون التركي ، لسنا أقل شأنا من أمريكا .
قوة الخطاب والقرارات الشجاعة و”المجنونة” احيانا … تبرز هنا وهي احدى اهم اسرار نجاح اردوغان .
لهذا نحتفي به
أردوغان متكامل الان مع شعبه ، والشعب من اعطاءه هذا التفويض والقوة السياسية ، لكن الذي قدم اولا واعطى اولا وضحى اولا هو أردوغان ولهذا كانت النتيجة بإلتفاف الشعب حوله ، اما حكامنا للاسف فلم يقدموا لنا سوى الموت والدمار والتخلف والجهل وبعد ذلك يخرجون السنتهم الطويلة المطالبة بإعادة انتخابهم.
أردوغان انطلق من خلفية اسلامية وطبق مفاهيم الاسلام دون ان يجبر احد على الدخول فيه ، استطاع ان يقنع شعبه بالعمل وليس بالهتافات الفارغة ، وهذا ما تتطلع اليه ببساطة الشعوب العربية والمسلمة فقد ملوا من حكام يدعون الاسلام بألسنتهم ويكفرون به بقلوبهم واعمالهم .
هي تجربة إنسانية منطلقة من خلفية إسلامية ، تستحق ان يتأملها حكام العرب .. ليبقوا في مناصبهم .