مرة أخرى، تجدد حركة مجتمع السلم، أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر (حمس)، دعواتها للسلطات الحاكمة في بلادهم إلى نهج سياسة التوافق لإنقاذ البلاد من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها منذ سنوات عدة، أزمة كان لها تأثير سلبي على كل مناحي الحياة في هذا البلد العربي الذي يعتمد اقتصاده على النفط والغاز.
إنقاذ اقتصاد البلاد
هذه الدعوة جاءت عقب الدورة الاستثنائية الثانية لمجلس شورى الحركة، حيث أكدت “حمس” في بيان لها استعدادها لإرساء توافق وطني لتسيير المرحلة المقبلة، ودعت الحركة إلى التوصل لتوافق وطني لتسيير المرحلة المقبلة مع السعي لإيجاد بدائل اقتصادية، وأكدت ضرورة اغتنام فرصة تعافي أسعار المحروقات في السوق الدولية لتوظيف عائداتها في التنمية الشاملة وتحسين مستوى معيشة المواطن.
الحركة أكدت استعدادها للتوجه نحو المواطنين لإقناعهم بالقرارات الصعبة لحل الأزمة الاقتصادية
وارتفعت إيرادات البلاد نهاية السنة الماضية من تصدير الطاقة أكثر من 18%، حيث بلغت 33 مليار دولار وفقًا للبنك المركزي الجزائري، وساهم هذا الأمر في تقليص العجز التجاري للبلاد بنحو 28.9% إلى 14.33 مليار دولار، وبحسب بيانات رسمية زادت صادرات النفط والغاز الطبيعي بنسبة 25% لتبلغ 7.1 مليار دولار خلال أول شهرين من عام 2018، مقارنة بـ5.67 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي.
وتضمنت النقطة الرابعة من البيان الختامي للدورة، تأكيد ضرورة السعي الجاد لإيجاد البدائل الاقتصادية في المجالات المختلفة بدل اللجوء للحلول السهلة في فرض الضرائب والرسوم والتحذير من تبعات هذا المسلك الخاطئ الذي يثقل كاهل المواطن.
وتبحث السلطات في الجزائر عن تعزيز الإيرادات المالية للخزينة، لتعويض النقص الحاصل من هبوط أسعار النفط الخام منذ صيف سنة 2014، فيما تعد الضرائب أحد حلول زيادة الإيرادات، وعمدت السلطات في السنوات الأخيرة إلى فرض رسوم جبائية على العديد من البضائع والمستلزمات.
من جهته قال رئيس الحركة عبد الرزاق مقري إن “مجتمع السلم” مستعدة لتوفير الحماية للحكومة لمدة عهدة كاملة على الأقل، ومنحها ركائز التنمية المتمثلة في الاستقرار والوقت ومصادر التمويل والحكم الراشد، من أجل تحقيق الانتقال الاقتصادي، وذكر أن مناضلي الحركة مستعدون للتوجه نحو المواطنين لإقناعهم بالقرارات الصعبة لحل الأزمة الاقتصادية لكن مقابل وعود بتحسين الظروف خلال خمس سنوات على أقصى تقدير.
توافق سياسي
الدعوة إلى التوافق لم تمس الشأن الاقتصادي فقط، بل امتدت إلى الجانب السياسي أيضًا، حيث كشف عبد الرزاق مقري عن فتح مشاورات مع شركاء سياسيين لتحقيق مبادرة التوافق الوطني التي يرنو من خلالها إلى إنقاذ البلاد من أزماتها المتكررة.
وأبدى مقري في كلمة له بمناسبة انعقاد الدورة الثانية لمجلس الشورى الوطني المنبثق عن المؤتمر الاستثنائي السابع، استعداد الحركة للعب دور الوسيط السياسي في الوصول إلى توافق، معولاً على الدور الوسطي الذي تتمتع به، وقال: “سنباشر الاتصالات مع كل الأطراف وسندعو الجميع لنجعل الانتخابات الرئاسية فرصة للتوافق”.
قبل أيام، وجهت 14 شخصية سياسية ومدنية رسالة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تدعوه إلى عدم الترشح لولاية رئاسية خامسة
الانتخابات الرئاسية القادمة المبرمجة سنة 2019، اعتبرها الزعيم الجديد للحزب الإسلامي الرئيسي في المعارضة الجزائرية عبد الرزاق مقري، أنها الفرصة المناسبة لـ”تحقيق التوافق السياسي الذي لا بد أن يشترك فيه الجميع دون استثناء، حيث لا يمكن لأي حزب بمفرده إخراج الجزائر من المشاكل التي تمر بها في الوقت الراهن”.
وكبادرة حسن نية، دعا مقري، مناضلي الحركة الإسلامية للشروع في التحضير للانتخابات التشريعية والمحلية المزمع تنظيمها سنة 2022، حتى يبين عدم تركيز حركتهم على الانتخابات الرئاسية وكونهم غير معنيين بها، ويفهم من نهج “حركة مجتمع السلم”، التنازل عن سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، لمصلحة الانتخابات التشريعية.
وكان الحزب قد أجل أي نقاشات بخصوص الانتخابات الرئاسية إلى موعد المؤتمر، إلا أن الملف غاب تمامًا ليقتصر حديث قياديي الحزب على “التوافق”.
حتى الآن فإن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يحكم الجزائر منذ عام 1999، وظهوره صار نادرًا منذ النوبة الأفقارية التي تعرض لها في ربيع 2013 قبل انتخابه لعهدة رابعة في أبريل 2014، لم يعلن عما إذا كان سيسعى إلى فترة رئاسية خامسة، رغم أن حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم وأكبر نقابة عمالية طلبا منه الترشح مجددًا.
وقبل أيام، وجهت 14 شخصية سياسية ومدنية رسالة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تدعوه إلى عدم الترشح لولاية رئاسية خامسة العام المقبل، في مبادرة جديدة من المعارضة للوقوف ضد الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) الذي ناشد بوتفليقة قيادة البلاد لولاية جديدة، رغم وضعه الصحي الذي تقول المعارضة إنه لا يسمح له بتسيير شؤون البلاد.
“المشاركة المشروطة”
تظهر هذه المبادرة، توجهًا جديدًا لعبد الرزاق مقري الذي تسلم المشعل قبل نحو خمس سنوات، فبعد أن كان يصر على البقاء خارج الحكومة ومعارضة سياسات السلطة، يسعى الآن إلى فرض ما يعرف بـ”المشاركة المشروطة”، وهو الخط الذي يكون من خلال “التوافق السياسي” بين السلطة والمعارضة، عبر إقرار مرحلة انتقالية تكون الانتخابات الرئاسية المقررة في ربيع العام 2019 بداية لها.
سبق أن تلقت الحركة دعوة للمشاركة في الحكومة، إلا أنها رفضت ذلك
ويرى مراقبون، أن توجهات عبد الرزاق مقري، إلى فتح صفحة جديدة مع السلطة بدعوى التوافق بين جميع الأطراف، تنم عن دراسة كبيرة لواقع البلاد الذي لا يمكن له أن يتغير دون “التوافق” بين مختلف الأطراف، ويقول هؤلاء إن إقدام مقري على هذه الخطوة يشير إلى أنه فتح المجال لإمكانية التداول على تصوراته مع السلطة بشأن التوافق أو الذهاب بصفة مستقلة للانتخابات الرئاسية المنتظرة في ربيع العام القادم.
وسبق أن تلقت حركة مجتمع السلم الجزائرية الحائزة على المرتبة الثالثة في الانتخابات التشريعية الأخيرة، بحصولها على 33 مقعدًا من أصل 462 هو عدد إجمالي مقاعد البرلمان، بعد كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، دعوة للمشاركة في الحكومة، إلا أنها رفضت ذلك.
وكانت حركة مجتمع السلم قد أنهت في يونيو 2012 مشاركتها في الحكومة، بعد 17 سنة من مشاركتها في الحكومات منذ عام 1995، وفكت ارتباطها السياسي مع التحالف الرئاسي الذي كان يجمعها بحزبي السلطة: جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، احتجاجًا على ما اعتبرته تزويرًا للانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو 2012.