أثار التصريح الأخير لرئيس النظام السوري بشار الأسد بشأن موقفه من قوات سوريا الديمقراطية وتلويحه باللجوء إلى الحرب ما لم تستجب لدعوته بتسليم مناطق سيطرتها لقوات النظام السوري، ردود فعل عدة، فالولايات المتحدة الأمريكية حذرت عبر وزارة الخارجية النظام السوري من التعرض لقواتها الموجودة شمال شرق سوريا أو القوات المتحالف معها في معاركها ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وأكدت أنها ستدافع عن قواتها بالشكل المناسب.
من جهتها ردت سوريا الديمقراطية عبر الناطق الرسمي لها كينو جبرايل بأن الحل العسكري ليس مناسبًا وسوف يؤدي إلى مزيد من الخسارة والدمار والصعوبات بالنسبة للشعب السوري.
تصريحات الأسد لا تأتي عن فراغ
تهديدات الأسد هذه ليست الأولى، فقد وصف الأسد سابقًا قوات سوريا الديمقراطية بالخائنة والعميلة للولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الصدام العسكري بين القوتين أيضًا ليس بالأمر الجديد، فخلال السنوات الماضية حدث أكثر من صدام بين الطرفين، لكنها كانت صدامات آنية وانتهت دون الدخول في صراعات مفتوحة.
الجديد في الأمر أن تهديدات بشار الأسد هذه المرة تأتي في وقت تغيرت فيه موازين القوى داخل سوريا، فالنظام السوري اليوم يسيطر على مساحات واسعة من البلاد بعد أن أحكم سيطرته على العاصمة دمشق وريفها، وحصر سيطرة المعارضة السورية في محافظة إدلب وأجزاء من ريف حماه وريف حلب الشمالي.
تصريح الأسد الأخير لم يأت عن فراغ، بل نستطيع توصيفه بأنه عمل كناطق رسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين
أيضًا تأتي اللغة التصعيدية للأسد في وقت احتدم فيه الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران المتبنية، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع الأخيرة.
يضاف إلى ذلك الطلاق الذي حصل بين قوات سوريا الديمقراطي وروسيا الاتحادية الداعم الرئيس للنظام السوري، إبان التدخل العسكري التركي في عفرين الذي انتهى بسيطرة الأخيرة بالتشارك مع قوات المعارضة السورية، حيث اتهمت حينها قوات سوريا الديمقراطية موسكو بأنها خانتها وسلمت عفرين لتركيا.
إذًا، تصريح الأسد الأخير لم يأت عن فراغ، بل نستطيع توصيفه بأنه عمل كناطق رسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونقل رسالته، وللمفارقة أنها كانت عبر قناة روسيا اليوم الروسية.
الأسد استقبله بوتين قبل أسابيع استقبال الرؤساء وهو الذي اعتدنا عليه يزور موسكو سرًا وظهر علينا في أكثر من مناسبة في صورة مهينة،
ومن جهتها فإن قوات سوريا الديمقراطية حين ترد على بشار الأسد فهي تعرف حق المعرفة أنها مسنودة من قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وترفع بشكل مضطرد العديد من قواتها وقواعدها في شمال شرق سوريا.
الصراع في سوريا ترجمة للصراع بين القوى العالمية والإقليمية
ليس خافيًا على أحد أن القوى التي تتصارع على الأرض في سوريا، تمثل بشكل أو بآخر مصالح دول إقليمية أو الدول العظمى ذات الشأن،
فالصراع المستمر بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية في سوريا ليس بالسر الخافي عن أحد، فروسيا تتحرك بمنطق المنتصر، في حين تتحرك الولايات المتحدة بمنطق العودة إلى الساحة بعد أن أصبحت بشكل أو بآخر خارج اللعبة السورية، عدا مناطق نفوذها شرق نهر الفرات في الرقة ودير الزور والحسكة.
لا تزال المفاوضات الأمريكية التركية حيال الوضع في منبج وانسحاب وحدات حماية الشعب منها مستمرة
وظهر ذلك جليًا حين قصفت طائرات التحالف الدولي لأكثر من مرة مواقع لقوات النظام السوري في ريف محافظة دير الزور التي يتقاسمها الأمريكان والروس ويشكل نهر الفرات الخط الحدودي الفاصل بين الطرفين، وكان من ضمن القتلى في تلك الهجمات جنود روس موجودين في المنطقة.
من جهة أخرى لا تزال المفاوضات الأمريكية التركية حيال الوضع في منبج وانسحاب وحدات حماية الشعب منها مستمرة، في محاولة من تركيا لترتيب الوضع في منبج حسب ما تجده مناسبًا دون الخوض في صراع غير محمود العواقب مع الولايات المتحدة الأمريكية.
سيناريوهات المعركة بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية إن حدثت!
كما أسلفت، الصدام العسكري بين قوات النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية ليس بالجديد، فقد حدثت صدامات دامية بين الطرفين في مدن قامشلي والحسكة، ولعل أبرز تلك الصدامات ما حدث عام 2016 في مركز محافظة الحسكة، وكانت المرة الأولى التي يستخدم فيها النظام السوري الطيران الحربي لاستهداف قوات سوريا الديمقراطية، وحينها دخلت الولايات المتحدة الأمريكية وفرضت حظرًا جويًا في المنطقة بهدف حماية حلفائها في وقوات سوريا الديمقراطية.
الصدامات السابقة حصلت في وقت كانت حدود سيطرة قوات سوريا الديمقراطية لم تتعد حدود محافظة الحسكة الإدارية، ويمكن أن نصفها أنها كانت ناتجة عن إشكالات تطورت في كل مرة لصدام عسكري لأيام وكانت تجد طريقها للحل.
زد على ذلك، أن النظام السوري حينها كان منشغلًا بجبهاته مع المعارضة السورية وقصفه للمدنيين السوريين وعمليات التهجير الممنهجة في مناطق مختلفة في سوريا.
إن كان النظام السوري وروسيا جادين هذه المرة في حسم السيطرة على هذه المنطقة، بعد أن كانت لهم السيطرة على ما كان تحت سيطرة المعارضة في مناطق عدة في سوريا، فلن تكون بالمعركة اليسيرة ولن تكون معركة جانبية
لكن، وفي ظل الظروف الراهنة، واعتبار النظام السوري الذي يعتبر نفسه المنتصر في الحرب السورية، وأيضًا توسع قوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور، فإن الصدام الذي يلوح في الأفق إن حصل سيكون بسيناريو جديد وسيتجاوز الصفة الإشكالية التي كانت تتسم بها الصدامات السابقة.
فالسيناريو الأكثر ترشيحًا اليوم هو الصدام المباشر في مناطق الاحتكاك بريف دير الزور، فمن وجهة النظر العسكرية قوات سوريا الديمقراطية تعتبر بعيدة نسبيًا عن مركز ثقلها في الحسكة حيث تتركز مجمل قواتها، في حين أن قواتها المنتشرة في دير الزور منهمكة في الصراع مع تنظيم داعش على الحدود السورية – العراقية، كما أن جغرافيا المنطقة والمساحات المكشوفة والواسعة أيضًا ترشحها لتكون ساحة المعركة المحتملة.
وهذا ما يبعد احتمالية وقوع السيناريو الآخر وهو أن تكون مدن الحسكة وقامشلي ساحة المعركة بحكم أنها شهدت قبل الآن صدامات متكررة بين الطرفين، فالمدينتان عدا عن كونهما مكتظتان بالسكان وقريبتان من القواعد العسكرية الأمريكية، تعتبران نقاط ثقل لقوات سوريا الديمقراطية حيث الحاضنة الشعبية والقواعد العسكرية والفارق العددي بين القوتين، فالنظام ليس له في هذه المنطقة سوى المربع الأمني في كل من الحسكة وقامشلي، وسبق أن استطاعت قوات سوريا الديمقراطية محاصرة هاتين المنطقتين وحصر النظام فيها، وحتى إن حدث السيناريو الثاني فلن يكون حاسمًا بالنسبة للنظام السوري.
خلاصة الحديث أنه إن كان النظام السوري وروسيا جادين هذه المرة في حسم السيطرة على هذه المنطقة، بعد أن كانت لهم السيطرة على ما كان تحت سيطرة المعارضة في مناطق عدة في سوريا، فلن تكون بالمعركة اليسيرة ولن تكون معركة جانبية بين قوتين رديفتين لقطبين كروسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، بل سيكون لها أحلاف كبيرة للأطراف المتصارعة.