تعتبر مدينة الموصل من المدن التاريخية القديمة التي دخلها الإسلام في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومع بداية دخول الإسلام لها بنيت فيها المساجد والجوامع، وعلى طول التاريخ هذه المساجد لم تسلم من آثار الحروب أو الإهمال، وإلى يومنا هذا تسببت الحرب الأخيرة (حرب تحرير الموصل من داعش)، بأضرار لمساجد كثيرة وكان على رأس هذه المساجد، المساجد الـ3 التاريخية القديمة، هذه الحرب التي لم يسلم منها الإنسان ولا البنيان، فكل شيء كان عُرضة للإبادة والهدم.
1. جامع المصفي
يعتبر الجامع الأموي أو ما يعرف بجامع مصفي الذهب أو الجامع العتيق أول جامع بُني في مدينة الموصل في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبناه عتبة بن فرقد السلمي عام17هـ/638م، وبنى إلى جنبه دار الإمارة ثم وسعه عرفجة بن هرثمة البارقي.
وفي عام167هـ/784م أمر الخليفة المهدي عامله موسى بن مصعب بن عمير أن يضيف إلى الجامع الأسواق التي كانت تحيط به، فهدمها مصعب مع المطابخ وأضافها إلى الجامع ووسعه.
وفي عهد الأتابكيين اهتموا به كما اهتموا بكل مرافق المدينة وتجديدها، فجددوا عمارته عام 543هـ/1149م على يد سيف الدين غازي الأول بن عماد الدين زنكي وكانوا يسمونهُ الجامع العتيق تمييزًا له عن الجامع الجديد – الجامع النوري – واهتم الأتابكيون بتزيينه وزخرفته.
والجامع في الوقت الحاضر صغير تقام به صلاة الجمعة، واتُخذ قسم كبير من فنائه مقابر عامة وتسمى مقبرة الصحراء وكانت تسمى مقبرة الجامع العتيق.
في عام 1334هـ جددت عمارة الجامع مديرية الأوقاف العامة، وأعادت بناء بعض الأحجار المكتوبة والأبواب الرخامية التي كان قد بناها ووضعها الحاج محمد مصفي الذهب
ومرت على الجامع حُقب متعددة ومختلفة وحلت به ويلات ونكبات بعد غزو المغول وسقوط الخلافة العباسية وتُرك لمدة من الزمن، وفي زمن الدولة العثمانية أصبح بعيدًا عن العمران.
وفي عام 1225هـ هُدم الجامع وجدد بناؤه بواسطة الحاج محمد مصفي الذهب وصار يعرف بجامع المصفي، ولم يزل يعرف بهذا الاسم إلى يومنا هذا.
وفي عام 1334هـ جددت عمارة الجامع مديرية الأوقاف العامة، وأعادت بناء بعض الأحجار المكتوبة والأبواب الرخامية التي كان قد بناها ووضعها الحاج محمد مصفي الذهب، ولم يزل الجامع يعاد ترميمه وبنيانه وهو بحالة جيدة، وتقام فيه صلاة الجمعة والصلوات الـ5 المكتوبة، ولكنه أصغر مساحة مما كان عليه في عهد الدولة العباسية.
لكنه لم يسلم من التدمير في حرب تحرير الموصل من تنظيم داعش، وبعد أن تآكل بفعل السنين وأصبح صغيرًا، اليوم أضحى أطلالًا ورُكامًا من الحجارة ليلتحق ببقية جوامع ومساجد الموصل التي هدمت.
بقايا منارة الجامع الباقية في أحد البيوت القريبة من الجامع (صورة أرشيفية)
2. جامع النوري الكبير
يعد جامع النوري الكبير من أقدم جوامع الموصل وله مكانة وأهمية تاريخية ومجتمعية في المدينة، ويعرف بأسماء متعددة منها: الجامع النوري والجامع الكبير وجامع النوري الكبير، وهو من مساجد العراق التاريخية، ويقع في الساحل الأيمن (الغربي) للموصل، وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير.
بناه نور الدين زنكي في القرن الـ6 الهجري أي أن عمره يناهز الـ9 قرون، يُعتبر ثاني جامع يُبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، أعيد إعماره عدة مرات كانت آخرها عام 1363هـ/1944م.
لم يبقَ الجامع قائمًا يشهد الصلوات والجُمع ولم يحفل رمضان هذا العام ولا الذي قبله بمأدبة إفطار في باحته الكبيرة، بل أصبح أطلالًا من الركام
يشتهر بمنارته المحدَّبة نحو الشرق، وهي الجزء الوحيد المتبقي في مكانه من البناء الأصلي، عادة ما تقرن كلمة الحدباء مع الموصل، وتعد المنارة أحد أبرز الآثار التاريخية في المدينة، تتهدد المئذنة بسبب إهمالها بالانهيار، وكانت هناك عدة محاولات لإصلاحها من وزارة السياحة والآثار العراقية، إلا أن هذه المحاولات لم تكن بالمستوى المطلوب.
لم يبقَ الجامع قائمًا يشهد الصلوات والجُمع ولم يحفل رمضان هذا العام ولا الذي قبله بمأدبة إفطار في باحته الكبيرة، بل أصبح الجامع أطلالًا من الركام بعضها فوق بعض يحكي قصة مأساة أو يحق لك أن تقول مآسي الموصل القديمة.
ولم تعدْ المئذنة الحدباء المحدبة قائمة على أصولها، بل هوت كما هوت قبلها مدينة الموصل في حرب أكلت الأخضر واليابس، فقد تعرض محيط المسجد للقصف عدة مرات في معركة الموصل (2016 – 2017)، ودُمر مسجد النوري ومنارته الحدباء في 21 من يونيو 2017، حيث اتهم تنظيم الدولة الإسلامية عبر وكالة أعماق الإخبارية طيران التحالف الدولى بقصف وتدمير المسجد والمنارة بينما نفى التحالف ذلك، وقالت الحكومة العراقية إن التنظيم فجره.
صورة جامع النوري الكبير (صورة أرشيفية)
3. جامع الخضر
يعد جامع الخضر ثالث أقدم جامع بني في الموصل بعد الجامع الأموي والجامع النوري، بُني على ضفاف نهر دجلة، ويقع وسط مدينة الموصل (شارع الكورنيش) جنوبي الموصل، يبعد عن باب الطوب زهاء 500 متر.
سمي بالجامع المجاهدي باسم بانيه مجاهد الدين قيماز وكان يعرف بهذا الاسم إلى القرن الـ9 للهجرة (القرن الـ14 الميلادي).
وكان يعرف أيضًا بجامع الربض لأنه يقع في الربض الأسفل من المدينة، وأهل الربض هم أهل الموصل الساكنين خارج أسوار المدينة، حيث كانوا بأمس الحاجة إلى بناء جامع لهم بعد أن اكتظ الناس في جامعي الموصل (الأموي والنوري) للصلاة فيهما بصلاة الجمعة، فبني خارج السور وهو ثالث جامع بني لصلاة الجمعة في المدينة قديمًا.
وفي القرون المتأخرة صار يعرف بـ”جامع الخضر” لاعتقاد العامة من أهل الموصل أن للخضر مقامًا به، وسمي أيضًا بالجامع الأحمر لأن مصلاه كان مصبوغًا باللون الأحمر، والاسمان الأخيران هما الغالبان عليه هذه الأيام.
على الرغم من تحذيرات إمام الجامع من انهياره، لكنه هذه المرة لم ينهر بسبب الإهمال ولكن هُدِم بفعل فاعل
وفي العهود المتأخرة بعد سقوط الموصل بيد التتار والمغول صار المسجد في محل ناءٍ عن العمارة وترك الناس الصلاة فيه وأُهمل أمره، فتداعى بنيانه وطمست الكثير من معالمه، وسقط قسم من البناء في نهر دجلة، وكانت تُرى أنقاضه تظهر في مجرى النهر عندما تأخذ مياه النهر بالنقصان في فصل الصيف.
وفي عام 1139هـ اهتم بأمر الجامع والي الموصل علي باشا، فرمم قسمًا من المصلى، ثم قامت مديرية الأوقاف بترميمه وصيانته في نهاية القرن العشرين.
وعلى الرغم من تحذيرات إمام الجامع من انهياره، لكنه هذه المرة لم ينهر بسبب الإهمال ولكن هُدِم بفعل فاعل وبحجج جاهزة، فقد أقدم تنظيم داعش بعد احتلاله للموصل على تفجيره وأحاله إلى رُكام، وأصبح الجامع الذي كان منطلقًا لمحاربة الصليبيين في بلاد الشام أنقاضًا متراكمة.
صورة جامع الخضر (صورة أرشيفية)
لم تستثنِ الحرب شيئًا إلا وأتت عليه وتركت أثرًا لا ينسى، فأثرها واضح في الإنسان، فتغيرت أحوال الإنسان الذي فقد أبناءه أمام عينيه، ولم تكتفِ الحرب بذلك بل أتت على منازلهم، ولكن الأصعب من كل هذا أن تأتي الحرب على التاريخ والتراث فتحيله ترابًا، هذا التاريخ الذي وقف الآباء والأجداد يومًا للدفاع والذود عنه، رحلت هذه المساجد وغابت الفعاليات الرمضانية منها، وغابت عنها دروس القرآن وحلقات العلم الشرعي، ويبقى الأمل أن تنظر لها الحكومة بعين الرحمة فتعيد إعمارها من جديد.