تجذب تركيا سنويًا أعدادًا متزايدة من السياح من الدول العربية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن عدد السياح العرب ارتفع من 2.1 مليون عام 2011 إلى 3.7 مليون عام 2015، وتؤكد ذلك الأرقام الأخيرة من القنصل التركي الذي أثبت نموًا هائلاً في السياحة القادمة من الدول الخليجية في النصف الأول من عام 2017 بنحو 360 ألف مسافر، وهي زيادة بنسبة 26% مقارنة مع عام 2016.
وعدا عن السياسة التركية المتصالحة مع الوجود العربي على أراضيها، هناك مجموعة من العوامل التي نجحت العقول التجارية في استغلالها لجذب المستهلك العربي لمدنها وثقافتها وتاريخها ومنتجاتها، خاصة أنها إحدى الدول التي تجمع بين الحداثة المعقولة والأصالة المبهرة.
التسويق للمنتجات الحلال من المأكولات إلى المنتجعات
تقدم تركيا حلولًا فريدة للمسلمين من مختلف البلدان، فتوفر لهؤلاء القادمين من الدول العربية المأكولات والمنتجات والمنتجعات الحلال، فبرز اسمها في هذا القطاع سريع النمو ونجحت في الترويج لنفسها وبالتزامها بالمبادئ الإسلامية التي تخص الذبح الحلال والعطلات الصيفية المحافظة التي يترتب عليها منتجعات ومرافق وشواطئ للرجال منفصلة عن النساء، إضافة إلى المشروبات الخالية من الكحول والمأكولات التي لا تدخل لحم الخنزير في مكوناتها.
وفي جهة أخرى، تمتنع بعض الأماكن عن بيع جميع المنتجات المحرمة في الديانة الإسلامية التي يرفض الزوار المسلمين دخولها، وعلى هذا الأساس أيضًا، قد توفر بعض الفنادق والجهات السياحية خدمة توفير شيف خاص بالسياح العرب لطهي الطعام على الطريقة التي يفضلونها.
كشف تقرير نُشِر قبل ثلاث أعوام من الغرفة التجارية والصناعية بدبي أن 40% من الإنفاق العالمي على السياحة الحلال كان من دول الشرق الأوسط؛ أولها المملكة العربية السعودية
حيث كشف تقرير نُشِر قبل ثلاث أعوام من الغرفة التجارية والصناعية بدبي أن 40% من الإنفاق العالمي على السياحة الحلال كان من دول الشرق الأوسط؛ أولها المملكة العربية السعودية وتليها إيران والإمارات العربية المتحدة وقطر والكويت.
كيف يستغل الأتراك لغتهم الأم للتواصل مع العرب؟
من السهل جدًا ملاحظة تشابه اللغة التركية بالعربية، وذلك بحكم التاريخ المشترك بين الطرفين، حيث يصل عدد الكلمات التركية إلى 111 ألف و27 كلمة، منها 14 ألف كلمة أجنبية؛ تحتل اللغة العربية نحو 6 آلاف و467 كلمة منها، وهذا العدد الكبير من الكلمات وفر مساحة لا بأس بها من التواصل بين الأتراك والعرب.
وبهذا استغل الأتراك هذا العامل واقتربوا من المستهلك العربي بكلمات عديدة، أشهرها: لذيذ وحلال ومشهور، وهذا بالإضافة إلى محاولة البلديات في بعض المدن نشر لافتات وإعلانات باللغة العربية مثل مدينة طرابزون، وبالجانب إلى أصحاب الأعمال الذي يفضلون توظيف سوريين أو أتراك أنطاكيا لإتقانهم الغة العربية وقدرتهم على التواصل مع الزبائن العرب، لذلك تلصق الكثير من المتاجر التجارية ورقة تقول فيها “يوجد لدينا متحدث عربي”.
ثقافة الطعام المتشابهة
بسبب العلاقات التركية العربية القديمة التي امتدت لمئات السنين، تأثر كلا الطرفين بثقافة الآخر، ورغم اختلاف بعض التفاصيل، فإن هناك تشابهات كبيرة تجمعهما، وخاصة فيما يتعلق بثقافة المطبخ وعادات الأكل.
على هذا الأساس، تمكن الأتراك في الوقت الحاليّ من جذب العرب لأطباقهم المتنوعة المتميزة بطابعها العثماني التركي، فبسهولة يمكن الاندمادج مع المطبخ التركي الغني باللحوم والألبان والمخبوزات والمقبلات والحلويات، وتطول القائمة عند ذكر المأكولات المتشابهة مثل البامية والحمص والكبة واللحوم المشوية والشاورما وغيرها الكثير من المأكولات التي تعد واحدة من أهم عوامل جذب الزبون العربي.
تشابه عادات الأكل أيضًا، مثل الإكثار من استخدام البهارات وأكل اللحوم وتفضيلها على المأكولات النباتية، وهذا أمر تشتهر بها تركيا تبعًا لاستهلاكها السنوي المرتفع والمتزايد عامًا بعد عام
جدير بالذكر، تشابه عادات الأكل أيضًا، مثل الإكثار من استخدام البهارات وأكل اللحوم وتفضيلها على المأكولات النباتية، وهذا أمر تشتهر بها تركيا تبعًا لاستهلاكها السنوي المرتفع والمتزايد عامًا بعد عام، فوفقًا لرئيس رابطة الصناعة والإنتاج التركية أحمد يوسجين، فإن “تركيا تستهلك في السنة الواحدة نحو مليون و200 ألف طن من اللحوم، منها 300 ألف طن مستورد”، مضيفًا “ارتفعت وارداتها بنسبة 25% لتقارب 300 ألف طن، أي أن متوسط نصيب الفرد التركي الواحد نحو 13 كيلوغرامًا من اللحوم، مقارنةً مع دول الاتحاد الأوروبي التي تستهلك في المتوسط من 34 إلى 35 كيلوغرامًا”.
وبناءً على هذه البيانات، يمكن استنتاج مدى اعتماد المطبخ التركي على اللحوم ومنتجاتها، وأهمية دورها في جذب المستهلك العربي الذي يميل إلى نفس العادات والمكونات في الطعام.
وبشكل خاص، يشتهر الأتراك بمهارة العرض، إذ يجمعوا بين الخدمة الجيدة وفن إغراء الزبون، فعادةً ما تقدم مأكولاتهم داخل المطاعم بأسلوبٍ ممتع ومثير، فيجلب النادل الطعام وهو محفوف بالنيران المشتعلة أو مغطى بشكل كامل داخل كومة ملح أو حتى تقديم أسياخ مشاوي تركية يصل طولها إلى متر، وهي أمور عادةً ما تثير إعجاب الزبون وتشبع رغباته، ولا شك أن منصات السوشيال ميديا ساعدت على زيادة شهرة هذه الأكلات والمطاعم التركية.
الإعجاب بطبيعة حياة السلاطين العثمانين
مع انهيار الدولة العثمانية، لم يغب طابع الحياة التي استولى على تفاصيل حياتها في الدولة التركية الحديثة، فما زال الشعب التركي يتفنن في إظهار أبرز عاداتهم وصفاتهم ومميزاتهم بأشكال مختلفة، سواء من خلال ملابسهم الغنية بالتفاصيل والألوان المبهجة، أم عبر الأدوات النحاسية والفضية التي كانوا يستخدمونها في حياتهم اليومية، إضافة إلى الزينة والتصماميم الداخلية التي اتسمت بالفخامة والتفرد.
القصص التاريخية عن حياة هؤلاء السلاطين، أثارت فضول وإعجاب العديد من الأشخاص الذين يجدون لذة في خوض هذه التجربة القصيرة في أثناء زيارتهم لتركيا
على سبيل المثال، تحرص المطاعم التركية على إضفاء الطابع العثماني على ديكورها الداخلي فتعتمد على تزيين أماكنها باللون الأحمر القاتم وتعليق صور السلاطين وقصورهم، وتدمج بعض من مقولاتهم أو أغنياتهم الشهيرة بعروضهم، وقد يرتدي العاملون في المكان أزياء السلاطين في الدولة العثمانية فتفتن السياح بهذه الصورة الحية للتاريخ العثماني.
فلا شك أن القصص التاريخية عن حياة هؤلاء السلاطين، أثارت فضول وإعجاب العديد من الأشخاص الذين يجدون لذة في خوض هذه التجربة القصيرة في أثناء زيارتهم لتركيا؛ ما جعلها وجهة الملايين دون منازع.