قبل أكثر من عقدين من الزمن، اكتسب “بيتر بروغر” طالب الدكتوراه في علم النفس العصبي في مستشفى جامعة زيورخ في سويسرا، سمعةً كبيرة لاهتمامه بالظواهر النفسية الغريبة، لا سيما بعد اهتمامه بقصةِ الشاب الذي قتل نفسه بعدما وجد نفسه وجهًا لوجه مع شبح شبيهه الذي كان جالسًا على السرير أمامه.
لنفهم القصة أكثر لا بدّ من الخوص في التفاصيل. فقد كان ذلك الشاب يعتمد لمدة طويلة على مضاداتا الاكتئاب، لكنه توقف عن تناوله لازدياد حالته سوءًا. وفي صباح أحد الأيام وبينما كان يستعدَ للنهوض من سريره والذهاب للعمل، شعر بالدوار فوقف ثمّ استدار ليرى نفسه لا يزال مستلقيًا في السرير. وسرعان ما ترسخ الخوف والارتباك وبدأ يسأل نفسه عن ما رآه قبل أن يرميَ نفسه من نافذته ويموت.
ظاهرة دوبليجنجر هي التقاء الفرد بنسخةٍ مطابقة أو مشابهة له تمامًا دون أي يعني كيف حدث ذلك أو ما أصل تلك النسخة، هل هي مجرد هلوسة وأوهام أم أنها شبحٌ عابر
لاحقًا، نشر بروغر سلسلة من سجّلات الحالات التي تشير إلى أن هذه الظاهرة تنشأ لأن جزءًا من دماغنا يحمل في الواقع إمكانات تجعلنا نعتقد أن هناك نسخةً أخرى من أنفسنا، وهي سلسلة فريدة من حالات اضطراب نادر بات يُعرف باسم “متلازمة دوبليجنجر”، الكلمة الألمانية التي تعني “الشخص المزدوج”
ويعود أصل الاسم إلى العديد من الأساطير القديمة التي حملت في طيّاتها ما يُعرف بظاهرة “الشبيه” أو “Doppelgänger” كما وردت للمرة الأولى في اللغة الألمانية ثمّ أُخذت للإنجليزية بمصطلح “Doppelgaenger“، وتعني التقاء الفرد بنسخةٍ مطابقة أو مشابهة له تمامًا دون أي يعني كيف حدث ذلك أو ما أصل تلك النسخة، هل هي مجرد هلوسة وأوهام أم أنها شبحٌ عابر.
يرجع تاريخ هذه الظاهرة إلى قرونٍ عديدة، فالكثير من المراجع التاريخية التابعة لعدة حضاراتٍ وشعوبٍ مختلفة، تطرّقت بشكلٍ أو بآخر لوجود هذه الظاهرة. ففي أغلب الثقافات والحكايات، كانت رؤية الشبيه تعتبر نذيرًا بالشؤم، فرؤيته تدلّ على أنّ الشخص في خطر أو معرّض للإصابة بالمرض، أو قد تكون علامةً على اقتراب موته. بعض الثقافات تعتبره التوأم الشرير للشخص، والعديد من الثقافات الأخرى تنظر إليه بوصفه نوعًا من اللعنات أو السحر.
ووفقًا للأساطير الفرعونية، فقد تجسَّد الشبيه في “كا”، أي الروح المزدوجة، وهي الروح التي تملك نفس ذكريات ومشاعر صاحبها بتشابهٍ تامٍ يخلو من أي فروقات، وقد ذُكر في إحدى تلك الأساطير أنّ الكا (الشبيه) الخاص بالأميرة الإغريقية هيلين هو مَن أضلّ الطراودي باريس، وهو من ساعد على إيقاف حرب الطراودة.
أما في الأساطير الإسكندنافية، فقد تجسَّد الشبيه في ما يدعى باسم “فادوغجر” أو “Vardøger“، وهو شبح شخصٍ ما يكون مشابهًا له في المظهر والصوت والرائحة ويأتي بالتصرفات نفسها. وغالبًا ما يُرى ذلك الشبح وهو يقوم بفعل معيَّن أمام الناس ثمّ يأتي بعده الشخص الحقيقي ويفعل مثلما فعل ذلك الشبح تمامًا.
يشترك الذي يعانون من هذه المتلازمة بالعديد من التجارب الغريبة، لكنّ الإحساس الأولي هو هلوسة مرئية لرؤية أنفسهم أمامهم
وفي الروايات الواقعية، فالغريب بالأمر أنها تراوحت بين رؤية أشخاصٍ حقيقيّين من جهة وبين رؤية ما يمكن وصفه بالشبح من جهةٍ أخرى. فيروى عن عن الأديب الشهير يوهان فولفغانغ أنه وبينما كان يمشي على أحد الأرصفة، إذ رأى شخصًا غامضًا يتَّجه نحوه يرتدي ملابس مختلفة لكنه يشبهه تمام الشبه، فما كان منه إلا أنّ يصف الحادثة بأنّ ذلك الرجل بكلِّ وضوحٍ كان نفسه.
ووفقًا لهذه الظاهرة، فذلك الشخصُ ليس شخصًا يشبهك وحسب، كأنْ تتواجد بعض الملامح القليلة المتشابهة التي قد يختلف على تواجدها الآخرون، وإنما يكون شخصًا وكأنه نسخة طبق الأصل منك، بشكل الوجه وطريقة المشي والتحدث والضحك، حتى أنّ عائلتك أو أصدقائك قد يلتبس عليهم الأمر في حال رأوا الآخر دونك، لظنّوه أنتَ دون أيّ شكٍّ أو تساؤل.
تنشأ المتلازمة نتيجة تعطّلٍ في جزء الدماغ المسؤول عن إخبارنا بأنّ جسدنا هو جسدنا وأي احتماليةٍ لرؤيته خارج نفسك قد تكون نتيجة الهلوسة أو أحد الأعراض الجانبية
لنعد إلى علم الأعصاب؛ أي إلى الظاهرة بكونها اضطرابًا عقليًا أو نفسيًا، فيشترك الذي يعانون من هذه المتلازمة بالعديد من التجارب الغريبة، لكنّ الإحساس الأولي هو هلوسة مرئية لرؤية أنفسهم أمامهم. الأمر الذي يكون أكثر عمقًا من مجرد رؤية صورة الذات، كما هو الحال في المرآة أو التخيّل، فهناك أيضًا شعور قوي مصاحب أن الشخص يرى نفسه في جسدٍ آخر. وتنشأ نتيجة تعطّلٍ في جزء الدماغ المسؤول عن إخبارنا بأنّ جسدنا هو جسدنا وأي احتماليةٍ لرؤيته خارج نفسك قد تكون نتيجة الهلوسة أو أحد الأعراض الجانبية، أو حتى في حال رؤية الشبيه حقًا فيجب على الدماغ التمييز بين اختلاف الجسدين والنفسين، لا اعتبارهما واحدًا.
وبالنظر إلى ارتباط الهلوسات والوهم مع الحرمان الاجتماعي، فقد يكون الدافع النفسي لتطوّر هذه المتلازمة هو تخفيف المعاناة بسبب الشعور بالوحدة. إذ يجادل الدكتور بروغر بأنّ الحرمان الاجتماعي والحسي بالإضافة إلى الإجهاد الحاد يلعب دورًا في نشأة هذه التجارب عند بعض الأفراد.
وعلى الرغم من وجود بعض التفسيرات في علم الأعصاب والدماغ، وتدخلات علم النفس الطبيّ، إلا أنّ هذه الظاهرة ما تزال تخضع للتصنيف باعتبارها خارقة للطبيعة ولا تخضع لقوانين الكون، لا سيّما في حال كانت غير مرتبطة بخللٍ دماغيّ أو اضطرابٍ نفسيّ، كما في الحادثة التي حصلت مع يوهان فولفغانغ على سبيل المثال.