انتهت منتصف شهر مايو/أيار 2018، الجولة التاسعة من مفاوضات أستانة بحضور الدول الضامنة روسيا وإيران وتركيا، مع تأكيد الأطراف المجتمعة بما فيها وفدي النظام والمعارضة، استمرار خفض التصعيد في شمالي سوريا.
وكان من اللافت للنظر في هذه الجولة غياب الأمريكان عن اجتماعات أستانة، ولعل ذلك يُفسر بإعطاء الولايات المتحدة لروسيا دور أكبر في إدارة الأمور في سوريا إلى جانب الدور التركي الذي أصبح يبرز بشكل أكبر مع تحجيم واضح للدور الإيراني في محاولة لإزاحة الإيرانيين عن المشهد السوري.
وتوافقت الدول الضامنة في نهاية الاجتماعات على وجوب الانتقال السياسي في سوريا وتوقف الأعمال العسكرية بشكل كامل، كما أكدوا استمرار محاربة الجماعات المصنفة لدى المجتمع الدولي كجماعات إرهابية مثل داعش والنصرة، مؤكدين أن الجولة التالية للمفاوضات لن تنعقد في أستانة بل في سوتشي في يوليو القادم.
وقد لاقت نتائج أستانة ترحيبًا من النظام السوري وأعرب ممثله في أستانة بشار الجعفري عن ارتياحه لنتائج الجولة الـ9 من المفاوضات، موجهًا الشكر لروسيا وإيران وكازاخستان على إنجاح هذه الجولة.
يظهر من تأمل كلام الجعفري، مدى ارتياح النظام من نتائج أستانة واتفاق خفض التصعيد
مؤكدًا أن “سوريا ستواصل مكافحة الإرهاب وتحرير كل شبر من أراضيها سواء من الإرهاب أم من كل معتد عليها”، لافتًا إلى أن الإنجاز الذي حققه الجيش بتحرير الغوطة الشرقية من الإرهاب جعل دمشق ومحيطها آمنين على حد تعبيره.
ويظهر من تأمل كلام الجعفري، مدى ارتياح النظام من نتائج أستانة واتفاق خفض التصعيد الذي استفاد منه استفادة هائلة، إذ كان اتفاقًا مطبقًا من طرف المعارضة فقط مع استمرار قوات النظام في التحرك على طول الأرض السورية، محققة تقدم على حساب المعارضة التي خسرت كل المناطق في طوق العاصمة دمشق، وكذلك ريف حمص الشمالي بأكمله لتبقى مناطق المعارضة محصورة في درعا والقنيطرة جنوبًا ومحافظتي حلب وإدلب شمالًا.
ماذا بعد أستانة؟
أكد البيان الختامي أن الاجتماعات القادمة بين الوفود المعنية بالقضية السورية سوف تكون في مدينة سوتشي الروسية، وهو ما قد يعني انتهاء سلسلة اجتماعات أستانة التي انطلقت جولتها الأولى في شهر يناير/كانون الثاني من عام 2017، إلا أن هذه الخطوة قد تلاقي معارضة من الولايات المتحدة الأمريكية التي طالما أصرت على مسار جنيف واعتمدت مقرراته كوثيقة أساسية في الحل السياسي المراد فرضه على الشعب السوري.
من هنا قد تكون اجتماعات سوتشي القادمة التي ستحضرها المعارضة هذه المرة بلا أي تمنع أو تحفظ كما هو مفترض، محطة من محطات الأعمال السياسية التي تصب في تطبيق الحل السياسي في سوريا وإلزام الأطراف المتصارعة بإنهاء أي مواجهات عسكرية بينهما، بينما ستكون الجولات الحاسمة في جنيف مجددًا تحت رعاية أمريكية مباشرة من خلال مبعوثها الدولي ستيفان ديمستورا.
يحاول النظام من خلال آلته الإعلامية التركيز على درعا كوجهة تالية لقواته، وأنه سيقوم بانتزاعها من المعارضة بالحديد والنار، بينما يتجه الروس إلى إقناع الجيش الحر هناك بالخضوع للمصالحة وتسوية الأوضاع
انتهاء الضامنين من تثبيت نقاط المراقبة في إدلب
أكملت الدول الضامنة لاتفاق خفض التصعيد تثبيتها لنقاط مراقبة لوقف إطلاق النار، وكان للأتراك النصيب الأكبر من هذه النقاط بواقع 12 نقطة تلاهم الروس بـ10 نقاط والإيرانيون بـ7 مراكز للمراقبة، ولعل هذا الواقع الميداني الجديد يُنذر بخطوة قادمة تقضي بتوقف القصف بشكل فعلي، وهدوء شامل يتبعه كما يرى مراقبون خطوات واسعة لإعادة الخدمات وتحسين الوضع الإنساني في محافظة إدلب، من خلال استنساخ تجربة درع الفرات من الجانب التركي وتطبيقها على عموم محافظة إدلب وأجزاء واسعة من ريف حلب الغربي، لا سيما بعد سيطرة الأتراك على منطقة عفرين ووصل ريف حلب الشمالي بمحافظة إدلب.
ما مصير الجنوب السوري بعد أستانة 9؟
يحاول النظام من خلال آلته الإعلامية التركيز على درعا كوجهة تالية لقواته، وأنه سينتزعها من المعارضة بالحديد والنار، بينما يتجه الروس إلى إقناع الجيش الحر هناك بالخضوع للمصالحة وتسوية الأوضاع، بضمانات من الشرطة العسكرية الروسية في سيناريو شبيه بما حصل في ريف حمص الشمالي.
إلا أن واقع درعا يُرجح فيه عدم تكرار سيناريو التهجير حسب مراقبين، إذ إن عدد سكان المنطقة المحررة هناك يصل إلى مليون نسمة وهذا يعني وجود صعوبة كبيرة في تهجير مئات الآلاف إلى الشمال السوري الذي لم يعد يستوعب المزيد من الهجرين، يُضاف إلى ذلك عزم المقاتلين من ثوار المنطقة على الدفاع عن أراضيهم واعتبار المعركة معركة مصيرية، مع وجود بنية عشائرية تساعد على تماسك الجبهة هناك أمام أي هجمة محتملة للنظام وميليشياته.
هل سينجح المجتمع الدولي بعد توقف العمليات العسكرية بفرض حل سياسي يقبل به السوريون مع فقدهم الثقة بالمعارضة الخارجية؟
هل انتهت الحرب في سوريا؟ وما مصير الثورة السورية؟
تتجه الدول الضامنة إلى إنهاء الحرب نهائيًا في سوريا، وهو ما يعني بالنتيجة إنهاء الحالة الثورية والبحث عن حل وسط بين النظام والمعارضة ينتهي بحل سياسي وتشكيل حكومة جديدة، مع ترجيح استبعاد الأسد عن السلطة، وهذا الأمر تم الدفع باتجاهه بعد أن ذاق السوريون مرارة القصف والتهجير والتضييق في العيش والرزق على مدار 8 سنوات، وتحمل قادة الفصائل قدرًا كبيرًا من المسؤولية عن هذه المأساة التي ألمت بالشعب السوري، فلم تجتمع كلمتهم وأفعالهم على تحقيق أهداف الثورة في إسقاط النظام برموزه وأركانه كافة، بل ارتبطوا بالداعمين الذي عملوا على حرف مسار الثورة والدفع باتجاه الاستسلام للجلاد بحجة حقن الدماء وإيقاف القصف.
لكن هل سينجح المجتمع الدولي بعد توقف العمليات العسكرية بفرض حل سياسي يقبل به السوريون مع فقدهم الثقة بالمعارضة الخارجية؟ وما مصير مئات الآلاف من المعتقلين وملايين من المهجرين في الداخل والخارج؟ ومن سيعوض مئات الآلاف من السوريين الذين فقدوا بيوتهم وممتلكاتهم نتيجة الحملات البربرية للنظام ومسانديه؟