شهدت مدينة الرقة السورية مظاهرات شعبية منذ عدة أيام في أواخر شهر مايو/أيار المنصرم، ضد ميليشيا الوحدات التي تتمثل بقوات سوريا الديمقراطية التي سيطرت على المدينة بعد طردها لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وكان السبب الرئيسي للاحتجاجات القوانين والقرارات التي تنتهجها المليشيا بحق المدنيين القابعين في المدينة.
ونتجت هذه الاحتجاجات عن اشتباكات جرت بين فصائل منضوية تحت قوات سوريا الديمقراطية وهي متمثلة من سكان المدينة تحت مسمى ثوار الرقة التي أرادت أن تتتسلم زمام الأمور في المدينة بعيدًا عن سياسة مليشيا سوريا الديمقراطية التي تفرض قوانين عدة في المدينة.
فيما اعتقلت الوحدات أمس الإثنين القائد العسكري في لواء ثوار الرقة “أبو عمارة” بعد أن أطلقت عناصر للوحدات الرصاص على سيارته على حاجز قرية المهرة قرب بلدة عين عيسى شمالي الرقة، ولا تزال تشهد المدينة حالة استنفار واستقدام قوات عسكرية للوحدات من مدينة الطبقة.
اشتباكات بين لواء ثوار الرقة ومليشيا الوحدات
واجهت مدينة الرقة مساء الأحد 27 من مايو/أيار المنصرم اشتباكات عنيفة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة حسب مصادر ميدانية من المدينة، على خلفية قيام دورية تابعة للأسايش التي تتبع للإدارة الذاتية، بمداهمة منزل أحد قيادي لواء ثوار الرقة قرب دوار الرازي لاعتقاله، مما أدى إلى موجة من الغضب بين عناصر اللواء التي تحولت لاشتباكات على الفور.
تقوم الوحدات الكردية بإقصاء المكون العربي وإبراز المكون الكردي في قيادة مجالسها العسكرية والمدنية في المدينة
وأطلقت عناصر المليشيا نارًا عشوائيًا من الرشاشات الثقيلة اتجاه منازل المدنيين في حي الرميلة، وعلى خلفية ذلك قام سكان حي الرميلة بمظاهرة شعبية طالبوا عناصر الوحدات بالخروج من المدينة، ومن جانبها الوحدات استقدمت تعزيزات إلى أطراف الحي دون أن يقتربوا من المدنيين حسب المصادر، وتوقفت الاشتباكات بعد تدخل قوات عسكرية من التحالف الدولي لفض النزاع الحاصل.
وبعيدًا عن تلك الأحداث التي جرت مؤخرًا، بلّغت عناصر لواء ثوار الرقة الأهالي بإقامة احتجاجات شعبية نصرة له، بعد مقتل عنصرين من اللواء على يد المكون الكردي من ميليشيا الوحدات، كما جرت عدة مباحثات سابقة منذ أكثر من شهر بين الوحدات وعناصر اللواء بشأن تسليم قيادة مدينة الرقة للواء الرقة الذي يحاول تسلم قيادتها، كونه المكون العربي الوحيد من أحياء الرقة.
وتقوم الوحدات الكردية بإقصاء المكون العربي وإبراز المكون الكردي في قيادة مجالسها العسكرية والمدنية في المدينة وتهميش المكون العربي الذي يتمثل بلواء ثوار الرقة، وهو الأبرز كون المدينة أغلبها من المكون العربي.
وتشكل لواء ثوار الرقة من أبناء المدينة الذين حاول تنظيم الدولة الإسلامية طردهم خارج المدينة، ثم توجهوا نحو الأرياف خارج سيطرة التنظيم هربًا منه ومن الاعتقال، وعند تشكيل قوات سوريا الديمقراطية تشكل لواء ثوار الرقة لينضوي تحت صفوف الوحدات لطرد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من المدينة.
استمرت الاحتجاجات في المدينة لعدة أيام حيث خرج متظاهرون يوم السبت 2 من يونيو/حزيران الحاليّ، وتجمعوا عند دوار الساعة ونادوا بخروج الوحدات من المدينة
توسع الاحتجاجات في مدينة الرقة
تزامنًا مع الاشتباكات التي جرت بين فصائل الوحدات الكردية في مدينة الرقة، خرجت عدة احتجاجات شعبية ضد مليشيا الوحدات في المدينة وطالبت بخروجها من المدينة، كما كتب المحتجون عبارات على جدران الأبنية السكنية مناوئة لسياسة الميليشيا التي تنتهجها بالمدينة.
واستمرت الاحتجاجات في المدينة لعدة أيام حيث خرج متظاهرون يوم السبت 2 من يونيو/حزيران الحاليّ، وتجمعوا عند دوار الساعة ونادوا بخروج الوحدات من المدينة كما طالبوا بإعادة أبنائهم الذين ساقتهم إلى التجنيد الإجباري.
كما توسعت الاحتجاجات لتشمل حي المشلب وحي الرميلة وحي الساقية، من جانبها الوحدات ردت على المتظاهرين بالرصاص الحي، فيما قام حراك من نوع آخر حسب موقع “الرقة تذبح بصمت” وهو توزيع منشورات والكتابة على الجدران بعبارات مناهضة للوحدات، وعلى خلفية ذلك جلبت الوحدات تعزيزات إلى المدينة وتمركزت في سوق الغنم المجاور لحي الرميلة في مدينة الرقة.
وأقدمت الوحدات على شن حملة اعتقالات بحق شبان من سكان الرقة لسحبهم وزجهم بالخدمة الإلزامية، وذلك على خلفية المظاهرات التي شهدتها المدينة خلال الأيام الماضية، فيما شهدت عدة مناطق أخرى احتجاجات شعبية جراء انتهاكات قسد في كل من ريف دير الزور وريف الحسكة الواقعين تحت سيطرة الوحدات الكردية.
كما هو الحال في المخيمات التي يعيش فيها آلاف السكان المدنيين من ريف الرقة والحسكة ودير الزور باتت كقنبلة في أي وقت تنفجر ضد الوحدات
انتهاكات الوحدات بحق مدنيي الرقة
تستمر الوحدات الكردية في الرقة بتضييق الخناق على المدنيين، حيث أقدمت بلدية الشعب في المدينة التابعة لسوريا الديمقراطية على هدم عدة محال تجارية شمال سكة القطار وشمالي مركز مدينة الرقة، متمسكة بأنه لا وجود لرخصة بناء.
وسبق أن فرضت الوحدات حظر التجوال في المدينة، وأصدرت أمس الإثنين قرارًا يمهل أصحاب المنازل الذين هجروا من مدينة الرقة مسبقًا، وجاء في القرار مصادرة المنازل في المدينة بعد 3 أيام إذا لم يأت أصحاب المنازل، وأعلن القرار عقب تشكيل “لجنة أملاك الغائبين” التابعة للإدارة الذاتية، حيث قامت الجولة الأولى في مدينة الطبقة غربي الرقة، كما أنذرت المستأجرين بإخلاء المنازل خلال أيام إذا لم يحضر صاحب المنزل الحقيقي.
الاحتجاجات الأخيرة هل تنذر بمرحلة جديدة في الرقة؟
في الحديث عن هذا الجانب يمكننا أخذ إمكانات الشارع وماذا يفعله إزاء سياسة الوحدات تجاههم؟ وخلال مراحل التظاهر التي كانت بدايتها من الرقة ثم إلى ريف الحسكة ودير الزور، حيث لم يبق الشارع كما هو عليه من قبل، ففي الواقع الآن هناك مناطق معدودة خرجت تندد بسياسة الوحدات وربما تتوسع على نطاق كبير يشل قدرة الميليشيا على السيطرة عليه.
ولم ينته ريف دير الزور ومحافظة الرقة من سياسة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” التي قتلت وشردت الآلاف منهم حتى تأتي الوحدات وتفرض سياستها الخاصة، هنا يبدو الأمر معقدًا بالضبط كما أن أرياف الحسكة التي تعاني بالفعل من سياسة الوحدات منذ سنوات آن الآوان لها أن تتحرك للغضب ضد سياسة الأخيرة.
وكما هو الحال في المخيمات التي يعيش فيها آلاف السكان المدنيين من ريف الرقة والحسكة ودير الزور باتت كقنبلة في أي وقت تنفجر ضد الوحدات، وتحولت هذه المخيمات إلى سجن ينفى فيه من لا ترغب بهم الوحدات التي تمنعهم من العودة إلى ديارهم في المناطق التي طرد داعش منها.
ويمكننا القول إن الوحدات تواجه المدنيين الذين يمكنهم أن يفعلوا أي شيء للعودة إلى ديارهم، مما يجعل تخوفها يزداد من تنامي المكون العربي الذي ينتمي إلى المناطق التي تسيطر عليها بعد طردها للتنظيم، فيما يجعل الأمور تسير عكس رغبتها، وهذا ما شهدناه خلال استقدام الوحدات تعزيزات من عدة مناطق إلى الرقة للسيطرة على الموقف قبل أن يتضخم حجمه أكثر، فهل ستسيطر الوحدات على الوقف؟ أم أن الأمور لم تعد تحت سيطرتها؟ والبدء بمرحلة جديدة.