شهدت ليلة الثلاثاء 6 أغسطس/آب الجاري، في محافظة دير الزور، هجومًا واسعًا نفذته “قوات العشائر” ضد نقاط قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في ريف دير الزور الشرقي، حيث انطلق المهاجمون من مناطق سيطرة قوات نظام الأسد في ضفة “نهر الفرات” اليسرى، وعبروا النهر وباغتوا قوات قسد هناك، لتدور اشتباكات عنيفة بين الطرفين استمرت حتى صبيحة يوم الأربعاء، لتنتهي بانسحاب مسلحي العشائر الذين يقودهم هاشم المسعود السطام، متزعم ميليشيا “أسود العكيدات” الموالية للنظام.
الهجوم شمل مناطق واسعة من الريف الشرقي لدير الزور (مناطق الجزيرة التي تسيطر عليها قسد)، وتركز في بلدات: الصبّحة، وذيبان، والرغيب، والحوايج، والطيانة، وأبو حمام، وغرانيج، والباغوز، وتمكن مسلحو العشائر القادمون من مناطق سيطرة النظام من قطع الطريق العام في بلدة ذيبان، والسيطرة على ثكنة لقسد في محطة مياة البلدة، كما أحرقوا 6 نقاط لقسد في عموم الريف الشرقي.
أدت المعارك إلى مقتل 6 عناصر من قوات قسد، وإصابة 9 آخرين، كما قُتل 4 مدنيين برصاص الاشتباكات و أُصيب 3 آخرين، بينما فقد مقاتلو العشائر 4 عناصر قتلوا برصاص “قسد” وباستهداف طيران “التحالف الدولي”، كما حصل قصف متبادل بين الطرفين بقذائف الهاون، وتعرضت عدة بلدات على جانبي “نهر الفرات” للقصف على غرار بلدات البوليل، والطيبة، وبقرص، ومدينة الميادين، وهذه مناطق خاضعة لسيطرة النظام، بينما تعرضت قريتي الرغيب والصبحة لقصف من قوات النظام، كما وثقت عمليات نزوح لمدنيين من سكان المناطق التي حصلت فيها الاشتباكات كمناطق: ذيبان، والحوايج، وبقرص.
وعلى مايبدو فإن الهجوم كان مخططًا له أن يكون واسعًا، والغاية منه السيطرة على مناطق في الجزيرة عبر هجومين اثنين: الأول قادم من مناطق سيطرة النظام، ويردفه هجوم ثانٍ من قلب مناطق سيطرة قسد عبر خلايا نائمة موالية لمسلحي العشائر والغاية هي السيطرة على بلدة “ذيبان” معقل مشيخة قبيلة “العكيدات” الزُبيدية.
لكن الخطة لم تسر كما كان مزمعًا لها، بسبب التعزيزات الضخمة التي جلبتها قسد للمنطقة، كما كان تدخل طيران التحالف الدولي حاسمًا حيث استهدف عدة سفن في “نهر الفرات” كانت تقل مقاتلين من العشائر قادمين من مناطق النظام، وهي المرة الأولى على الإطلاق التي يتدخل بها “التحالف الدولي” ضد المسلحين القادمين من مناطق سيطرة النظام في غرب الفرات أو ما تُعرف اصطلاحًا عند السكان المحليين بمناطق “الشامية”، وهي المناطق التي يسيطر عليها اليوم النظام وميليشيا الحرس الثوري الإيراني والروس من محافظة دير الزور.
في السابق كان “التحالف” يقف على الحياد شكليًا منذ بداية شرارة الأزمة بين أهالي دير الزور وقسد، فيما يعرف بمعارك أغسطس/آب التي أعقبت اعتقال قسد لأحمد الخبيل “أبو خولة” القائد السابق لمجلس دير الزور العسكري التابع لقسد (DMC).
المناوشات بين قسد ومجموعات قوات النظام بين ضفتي الفرات تواصلت خلال أيام الأربعاء والخميس والجمعة، وكانت صبيحة يوم الجمعة دامية في دير الزور، حيث قُتل 11 مدنيًا غالبيتهم من الأطفال والنساء، وأُصيب 6 آخرين بمجزرة نتيجه قصف مدفعي مصدره مناطق سيطرة النظام، حيث طال القصف بلدتي “الدحلة” وبلدة جديد بكارة الخاضعتين لسيطرة قسد، وفي الجانب الآخر قُتلت سيدة وطفلة وأُصِيب 9 مدنيين آخرين نتيجة قصف لقسد استهدف بلدة “البوليل” شرقي دير الزور، والخاضعة لسيطرة النظام، القصف أدى لعمليات نزوح جماعية للمدنيين من الجانبين.
نهاية حقبة الخبيل وظهور الشيخ إبراهيم الهفل
ظهر اسم “مقاتلي القبائل والعشائر” لأول مرة على لسان الشيخ “إبراهيم الهفل” بُعيد إعلانه النفير وبناء خيمة الحرب في شهر سبتمبر/أيلول 2023 للتصدي لقسد التي شنت حملة كبيرة في دير الزور حينها لاجتثاث مجلس دير الزور العسكري التابع لقسد (DMC)، وذلك بعد نجاحها في اعتقال قائد المجلس أحمد الخبيل “أبو خولة” بعد استدراجه للحسكة مع مرافقته.
كان الخبيل يسير لتشكيل جسم عسكري خاص به في دير الزور، ودخل مع قسد في عدة مناوشات سابقة وصلت لمعارك، مما جعله يشكل خطرًا كبيرًا على نفوذها في دير الزور، حيث كانت المحافظة بالقسم الخاضع لسيطرة قسد تمضي بمنأى عن سطوة قسد الحديدية في الرقة والحسكة ومنبج، وبنفس الوقت كان لدى الخبيل سجل حافل بالتجاوزات ضد أهالي دير الزور كذلك وصاحب تاريخ أسود، ودخل بمشاحنات مع مشيخة قبيلة “العكيدات” المتمثلة بآل الهفل، وصلت للقطيعة بين الطرفين.
ينحدر الخبيل من نفس القبيلة “العكيدات” ونصب نفسه شيخًا لفخذ عشيرة البكير أحد فروع قبيلة “العكيدات”، وسعى كذلك لما هو أبعد من منصب الشيخ، حيث لمح في آخر أيامه بالسلطة لمنصب شيخ القبائل الزبيدية في العالم العربي، وهو منصب محصور في قبيلة السمرمد بالعراق، لكن اعتقاله على يد قسد أنهى كل هذا السجال.
بعد اعتقاله في الحسكة أواخر شهر أغسطس/آب 2023، بدأت قسد حملة عسكرية في دير الزور اسمتها “تعزيز الأمن”، بهدف اعتقال وتحيّيد قيادات مجلس دير الزور العسكري DMC التابعين للخبيل والذين كان غالبيتهم من عشيرة البكير، وهنا فتحت قسد على نفسها وعلى المنطقة بابًا لم يُغلق لليوم، حيث طغت العقلية الهمجية والأسلوب القمعي على ممارساتها، مكدسةً المزيد من المظالم التي تضاف لجبل من الانتهاكات بحق السكان، طبقتها منذ مجيئها للمنطقة عام 2017. كل هذا الإرث كدس حقدًا على قسد من سكان دير الزور، وبقيت تلك المظالم كالجمر تحت الرماد، وحولت المنطقة إلى قنبلة موقوتة.
انفجرت الأمور فعليًا في بداية سبتمبر/أيلول، عندما اعتقلت قسد عدة نسوة من قبيلة “العكيدات” هن زوجات لقياديين في مجلس دير الزور العسكري، ثم حاصرت قسد قرية العِزبة الصغيرة شمال شرق دير الزور، وأهانت نساء هناك، ثم ارتكبت مجزرة في قرية ضُمان بناحية البصيرة، وقصفت عدة بلدات بدير الزور بالطيران المُسير، ما أدى إلى مقتل أعداد من المدنيين، من بينهم أطفال ونساء.
هناك خرج شيخ العكيدات، إبراهيم الهفل، ليُعلن دخول القبيلة بالمقاومة ضد قسد، بعدما كانت محصورة في عشيرة البكير وقتها، وليعلن الهفل تأسيس قوات “القبائل والعشائر” والتي ستكون مهمتها حماية سكان دير الزور من إجرام قسد، واجتمع حوله المئات من أبناء القبيلة ومن خارجها حتى.
مقاومة مُحقة وخذلان غير مسارها
بإعلان الشيخ إبراهيم الهفل المقاومة ضد قسد، هبت جموع أبناء قبيلة “العكيدات” لمهاجمة مواقع ميليشيا قسد في عموم مناطق انتشار القبيلة، وخلال فترة زمنية قصيرة وبأقل من أسبوع تم طرد مسلحي قسد من غالبية الريف الشرقي، عدا بعض التجمعات العسكرية الصغيرة على غرار مدينة البصيرة، وبعض النقاط في ناحية “الصوّر” بالريف الشمالي لدير الزور، بينما وقفت قبيلة “البقارة” والتي تتموضع في الريف الغربي لدير الزور، بموقف أقرب منه لقسد.
ولم يشارك أبناؤها بأي عمل عسكري مساند لأبناء العكيدات، عدا بعض الهجمات الصغيرة التي تركزت في قرى: الجنيّنة، والحصان، ومحيميدة، لكن بالمجمل يمكن القول إن البقارة وقفوا في الجانب الآخر، بينما وقف “التحالف الدولي” هو الآخر على الحياد وطلب من الطرفين تهدئة الأمور.
وأمام تقدم مسلحي قبيلة “العكيدات” الكبير، جلبت قسد المئات من مقاتليها، وأدخلت السلاح الثقيل للمعركة مع الطيران المسير، وفي معركة غير متكافئة مع انعدام خطوط الإمداد لمقاتلي الشيخ إبراهيم الهفل، تمكنت “قسد” من السيطرة على بلدة “ذيبان” معقل الهفل، واستعادة غالبية المناطق التي خسرتها في حرب الأيام العشر تلك من سبتمبر/أيلول، مما حذا بالهفل للتواري عن العيون، لينتهي به الأمر في الضفة الأخرى لنهر الفرات مع أعداد من المقاتلين الذين ساندوه.
ورغم انحياز الهفل نحو مناطق سيطرة النظام، لم تتوقف الهجمات التي يشنها مقاتلوه ضد قسد في دير الزور “مناطق الجزيرة”، بل ساند الرجل مقاتلين من قبيلة “العكيدات” من أبناء المناطق التي يسيطر عليها النظام في القسم الآخر من دير الزور، وباتوا ينفذون عمليات عبور ضد مواقع “قسد”، الأمر الذي حول “نهر الفرات” لحد ناري بين دولتين ومكان خطير، وجعلت “قسد” الاقتراب من النهر قاتلًا، حيث نشرت قناصين ونقاطًا عسكرية كثيرة من حدود الرقة وصولًا للباغوز على الحدود مع العراق، بالإضافة إلى بنائها عشرات الأبراج الخرسانية قرب ضفاف نهر الفرات، لمراقبة تحركات المسلحين القادمين من الضفة الأخرى.
كل هذا بكفة، وفي كفةٍ أخرى تحولت حياة السكان في دير الزور بمناطق سيطرة “قسد” إلى جحيم، حيث فاقت ممارسات قسد كل الحدود، فعمدت إلى إغلاق عدد ضخم من المدارس وحولتها لمقرات عسكرية، ما تسبب بإيقاف العملية التعليمية في المنطقة، وحرمان أكثر من 30 ألف طالب من التعليم المتدهور أساسًا تحت حكمها.
كما تم توثيق استيلاء قسد على أكثر من 50 مدرسة في ريف دير الزور منذ بدء السجال بينها وبين قوات العشائر، عدة شبكات لحقوق الإنسان وثقت بالأسماء 46 مدرسة استولت عليها “قسد” خلال فترة قصيرة، مع توثيق عشرات حالات الاعتقال بحق مدنيين من بينهم أطفال، بتهمة معارضة قسد، كما انتشرت المظاهر المسلحة في الشوارع وساد غالبية الأيام حظر التجول الذي تفرضه قسد.
طريق الحل مسدود
في خضم المناوشات المسلحة في دير الزور بين قسد ومسلحي “قوات العشائر” التابعين للشيخ إبراهيم الهفل، طفت على السطح عدة محاولات لتهدئة الأوضاع ومنح أبناء دير الزور مطالبهم، لكنها قوبلت بالرفض من قسد ولم يبدِ “التحالف الدولي” أي ترحيب بهذه المبادرات التي كانت أبرزها مساعي الشيخ مصعب الهفل وهو شيخ قبيلة “العكيدات” وشقيق إبراهيم الذي يقيم في قطر، حيث عُقدت عدة اجتماعات في قطر بين الشيخ مصعب الهفل، وممثلين عن التحالف الدولي، على إثرها قرر الشيخ مصعب التوجه لسوريا، نحو دير الزور لمقابلة قيادة التحالف في قاعدة حقل “العمر” النفطي.
لكن مع وصول مصعب لمعبر سيمالكا الحدودي بين إقليم كردستان العراق وسوريا في 13 نوفمبر/تشرين الثاني، منعته “قسد” من دخول الجزيرة السورية، وبحسب تسجيل صوتي انتشر لاحقًا للشيخ إبراهيم الهفل شقيق مصعب، فقد قال إن قسد طلبت من مصعب اللقاء بمظلوم عبدي زعيم قسد، وعندما رفض مصعب طلباته، منعوه من دخول سوريا بذريعة أن الوضع الأمني غير مستقر، ما يشرح رغبة قسد في حكم المنطقة بيد من حديد على غرار بقية مناطق سيطرتها في الرقة والحسكة وريف حلب، وما زالت العقلية الشمولية لنهج قسد هي الطاغية.
التحول الكبير
رغم تواصل هجمات مقاتلي الشيخ إبراهيم الهفل التي تستهدف قسد في دير الزور وتنطلق من الجزيرة، يلاحظ أنها بدأت تأخذ منحى الانحسار منذ شهر مايو/أيار الماضي، بالمقابل أخذت الهجمات التي ينفذها مسلحو العشائر القادمون من مناطق سيطرة النظام بالزيادة، والذين ينضوون كذلك تحت راية الشيخ الهفل.
غالبية هؤلاء المقاتلين هم من أبناء مناطق الجزيرة وهربوا من ملاحقة قسد لهم نحو مناطق سيطرة النظام، طغت العشوائية والفوضوية على عمليات وتحركات مقاتلي الهفل وتسببوا بالعديد من المشكلات في البلدات الخاضعة لسيطرة النظام، وطغى نوع من الحساسية بينهم وبين السكان المحليين الذين كانوا يمنعونهم من استخدام مناطقهم لمهاجمة قسد خشية من رد الأخيرة، التي تقوم بقصف عشوائي لكل منطقة ينطلق منها مقاتلو العشائر، ما تسبب في سقوط العشرات من الضحايا المدنيين بسبب قصف قسد.
مع اصطفاف إبراهيم الهفل بشكل علني مع النظام، فضل قسم كبير من مقاتليه ترك القتال معه والعودة إلى الجزيرة حيث سلم بعضهم نفسه لقسد التي أصدرت عفوًا عنهم، فيما تابع آخرون طريقهم نحو تركيا ولبنان.
هنا تدخلت قيادة النظام ممثلة بالنقيب أحمد عبد الكريم المحيميد، الذي يشغل مسؤول غرفة العمليات في مكتب العشائر التابع للنظام، رفقة العميد جهاد الزعل رئيس فرع المخابرات الجوية السابق، وقدما دعمًا مُنظمًا لمجموعات الهفل، ومنح عناصره بطاقات عسكرية مع تصريح (عدم تعرض) لتسهيل تحركاتهم في دير الزور.
كل هذه المساعي موجهة من قيادة النظام بدمشق، ومع توالي هجمات مجموعات الهفل ضد قسد وكثافة عمليات العبور نحو الجزيرة، زادت قسد من قصفها لمناطق النظام المأهولة، ما أحدث غضبًا لدى السكان، ودفع بعض المسلحين المحليين المنضويين لميليشيا “الدفاع الوطني” التابعة للنظام من أبناء المنطقة لاعتراض مسلحي الشيخ إبراهيم الهفل ومنعهم من العبور من مناطقهم، هنا تدخل الروس مع حسام لوقا وفرضوا أمرًا بالتهدئة بين الهفل وقسد، وطلبوا منه عدم التصعيد.
وبالفعل شهدت المنطقة منذ يوم 22 مايو/أيار الماضي وصولًا إلى منتصف يونيو/حزيران هدوءًا شاملًا على جانبي نهر الفرات، ومع اصطفاف إبراهيم الهفل بشكل علني مع النظام، فضل قسم كبير من مقاتليه ترك القتال معه والعودة إلى الجزيرة حيث سلم بعضهم نفسه لقسد التي أصدرت عفوًا عنهم، فيما تابع آخرون طريقهم نحو تركيا ولبنان بطرق التهريب.
تراجع دور الهفل وظهور السطام فتى إيران المدلل
خلال الفترة التي تلت شهر مارس/آذار 2024 لم يكن مسلحو الشيخ إبراهيم الهفل وحدهم من ينفذون عمليات العبور نحو الجزيرة لاستهداف “قسد”، بل كانت هناك عدة أطراف أخرى موالية للنظام تفعل ذلك، وعلى رأسها مجموعة الكربلائي التابعة للحرس الجمهوري، ومسلحو ميليشيا “الدفاع الوطني” ومسلحو “هاشم المسعود السطام” متزعم ميليشيا “أسود العكيدات” الموالية للنظام، والأخير يعتبر حرفيًا الشخصية الأولى التي كانت تطمح في تشكيل قوة تهاجم قسد في الجزيرة.
كان أبو بسام “هاشم السطام” من الشخصيات التي بقيت على ولائها للنظام طوال السنوات الماضية، ينحدر من بلدة ذيبان شرقي دير الزور، وهو من أبناء قبيلة “العكيدات”، انحاز الرجل منذ اليوم الأول للثورة لصف النظام وبقي في الجيش، ولم يغير انتماءه رغم كل ما فعله النظام بمسقط رأسه، وبأبناء جلدته وقبيلته، كانت ثورة العشائر في الجزيرة ضد قسد هي أفضل خدمة للسطام من أجل العودة للواجهة من جديد، وتفعيل الميليشيا التي يتزعمها “لواء أسود العكيدات”، وبالفعل بدأ الرجل التواصل مع أقاربه في بلدة “ذيبان” وفي مناطق الريف الشرقي لدير الزور من أجل جلبهم إلى مناطق سيطرة النظام، لتجنيدهم للعمل ضد قسد.
هذا الفعل أودى به الصدام مع الشيخ إبراهيم الهفل والذي كان يمثل هو الآخر ندًا له في قيادة الحراك العشائري المدعوم من النظام، ورغم مساعي قيادة النظام لتوحيد صفوف الفريقين عبر النقيب أحمد المحيميد والشيخ نواف البشير شيخ قبيلة “البقارة” الموالي للنظام، وصلت المباحثات إلى طريق مسدود، ليسير كل منهما في طريق منفصل عن الآخر بحرب قسد.
ومؤخرًا وبسبب التنظيم الكبير التي تحظى به قوات السطام، والرواتب الممتازة التي تتلقاها عناصره، انفض العشرات عن الشيخ إبراهيم الهفل وانضموا إلى غريمه السطام، وهنا يلعب المال الإيراني دوره، فالرجل يمثل فعليًا مع الشيخ نواف البشير ذراعًا لميليشيا الحرس الثوري الإيراني في دير الزور، ويحظى السطام بدعم كبير من الحرس الثوري، وتحديدًا تربطه علاقات ممتازة بحاج أمير عباس قائد القطاع الشمالي في الميليشيا في دير الزور.
حتى منتصف شهر مايو/أيار المنصرم بلغ عدد قوات السطام المنضوين في لواء أسود العكيدات والذي تغيره اسمه لـ”قوات العشائر لتحرير الجزيرة والفرات” ما يقارب الـ800 عنصر، مقسمين إلى أربعة فصائل مسلحة، كل فصيل يتكون من عدة مجموعات صغيرة، والدعم الذي يتلقونه إيراني بحت.
وبالعودة للشيخ إبراهيم الهفل، وبعد انفضاض أغلب مقاتليه عنه لصالح السطام طُلب من الرجل دعم هذا الحراك المسلح إعلاميًا فقط، ولم يتبق لديه إلا 48 مقاتلًا يشكلون حماية شخصية له خلال تجواله من دمشق إلى مدينة دير الزور، والرجل يقيم في دمشق منذ حوالي 4 أشهر تقريبًا.
وخلال الهجوم الأخير الذي شنه مسلحو العشائر ضد قسد، يوم الثلاثاء الماضي، تصدر اسم الشيخ إبراهيم الهفل عناوين الأخبار على أنه قائد الهجوم، لكن في الحقيقة كل ما حصل كان بإشراف هاشم المسعود، الذي عبر بنفسه لبلدته ذيبان وتجول فيها لبعض الوقت، ثم عاد لمناطق سيطرة النظام في الميادين، وللتنويه الرجل يقيم في مدينة دير الزور في حي الجورة، ويتولى ابنه بسام مسؤولية قيادة مجموعة من قوات العشائر بشكل شخصي.
الحديث عن دور الشيخ إبراهيم الهفل الكبير اليوم عبارة عن مبالغات، الرجل تحول فعليًا لواجهه فقط شأنه شأن اسم قبيلة “العكيدات”، وتم استثماره من قيادة النظام واستثمار مكانته في توجيه خلايا النظام للسيطرة على الجزيرة بدعم إيراني، ويُخيل للمتابعين كذلك أن أبناء قبيلة “العكيدات” موالون للنظام وهذا خطأ كبير، ووصف ظالم لقبيلة ضحت بالآلاف من أبنائها على مذبح الثورة السورية.
الجلي اليوم والواضح للعيان أن أهالي مناطق دير الزور (الجزيرة التي تسيطر عليها قسد) يعيشون بين مطرقة النظام وسندان قسد، ووقعوا بين قوتين كلتاهما أسوأ من الأخرى، والسجال الحالي سيتواصل لشهور قادمة وستتواصل هجمات مسلحي العشائر المدفوعين من قوات النظام، لكنها ستكون هامشية في ظل تواجد “التحالف الدولي” الذي تقوده الولايات المتحدة والذي أوصل خلال الهجوم الأخير رسالة مفادها أننا هنا، وقد يُصعد التحالف أكثر في قادم الأيام ضد مسلحي النظام العابرين للفرات.
هذا التحول الكبير في مجرى الأحداث بدير الزور يشرح النكسة الكبيرة والخيبة المميتة لأهالي المحافظة الذين خرجوا رفضًا لظلم وجرائم قسد، ثم قادتهم الظروف ليجدوا أنفسهم بين نارين: النظام الذي ثاروا عليه منذ 13 عامًا وميليشيا تسلطية مثل قسد لا تختلف عن النظام كثيرًا، خيبة جديدة تضاف إلى خيبات الشعب السوري الذي ما زال يناضل لأجل حريته، وعلى ما يبدو فإن أي حراك عسكري اليوم في شرق البلاد لن يُكتب له النجاح ولن يكون بمنأى عن الغوص في مستنقع القوتين المهيمنتين على الأرض، قوات الأسد وقسد.
كما عكست أحداث دير الزور الأخيرة كمية التشرذم الضخم ضمن القبيلة الواحدة والبيت الواحد، وبرهنت أن الحكم على عشيرة ما أو قبيلة ما بالكلية على أنها موالية أو معارضة هو حكم سطحي ينم عن جهل، والأكيد أن ثمة عمليات هجومية قادمة سينفذها النظام والإيرانيون في قادم الأيام نحو الجزيرة، وكل هذا يأتي ضمن السباق الزمني لتثبيت الأقدام قبيل موعد الانتخابات الأمريكية.