تنظر إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في طلب إماراتي خاص بتقديم مساعدة عسكرية مباشرة لتحرير ميناء الحديدة اليمني (230 كيلومترًا من العاصمة صنعاء)، في منطقة باب المندب، من قبضة الحوثيين (المدعومين إيرانيًا)، وذلك بعد فشل قوات التحالف العربي، طيلة الأيام الماضية، في حسم المعركة التي خلفت مئات القتلى من الجانبين.
يأتي الطلب الإماراتي الذي دُعم سعوديًا فيما بعد في إطار مساعي أبناء زايد من أجل إحكام السيطرة على المنطقة الجنوبية والساحل الغربي لليمن، بما يعظم نفوذهم في هذه المنطقة الحيوية من العالم، غير أن هذا الميناء على وجه التحديد الذي يعد ثاني أكبر الموانئ اليمنية والمنفذ البحري الوحيد لإمدادات ما يزيد على 29 مليون مواطن يمني، أثار قلق عدد من المسؤولين الأمريكيين خشية المفاجآت التي قد تخرج من الصندوق اليمني.
مخاوف عدة أثارها التحرك الإماراتي لدى هؤلاء المسؤولين على رأسها أن تتسبب خطوة كهذه – حال موافقة واشنطن على هذا الطلب – في آثار كارثية على الدولة المنكوبة بطبيعتها، وهو ما قد يضع أمريكا في موقف حرج دوليًا، سياسيًا وإنسانيًا، فهل من الممكن أن يتورط ترامب في المستنقع اليمني إرضاءً لأبو ظبي؟
ماذا تريد الإمارات؟
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها النقاب عن تفاصيل الطلب الإماراتي المقدم للإدارة الأمريكية للحصول على مساعداتها لاستعادة الميناء من أيدي الحوثيين، حيث أشارت إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أمر بإجراء تقييم سريع لهذا الطلب وبحث مدى إمكانية الاستجابة له من عدمه.
المساعدات التي تريدها أبو ظبي ومعها الرياض تتمثل – وفق الصحيفة – في دعم قوات التحالف العربي وتحركاته العسكرية في اليمن عن طريق القيام بعمليات مراقبة باستخدام طائرات أمريكية دون طيار، بما يسهل من مهمته الميدانية خاصة بعد الخسائر التي تكبدها طيلة الأيام الماضية.
أصوات عدة داخل الإدارة الأمريكية تسعى إلى تغليب الحل السياسي لإنهاء الأزمة اليمنية محذرة من التورط في عمل عسكري يسيء لصورة أمريكا دوليًا
المسؤولون الإماراتيون والسعوديون أكدوا للولايات المتحدة في طلبهم أنهم لن يحاولوا السيطرة على الميناء المطل على البحر الأحمر دون ضوء أخضر أمريكي، كما أنهم في الوقت ذاته ربما لا يستطيعون إنجاز مهمتهم دون الحصول على دعم مباشر من واشنطن وهذا هو فحوى الطلب المقدم.
يذكر أن معركة السيطرة على الميناء بين قوات الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف والحوثيين، أسفرت خلال الأسبوع الأخير فقط عن سقوط 110 قتلى من الجانبين، معظمهم من المدنيين.
واشنطن تدرس طلبا إماراتيًا بالمساعدة في تحرير ميناء الحديدة من الحوثيين
قلق أمريكي
حالة من القلق تسيطر على بعض المسؤولين داخل الإدارة الأمريكية حيال احتمالية خروج الأوضاع في الحديدة عن السيطرة مع استمرار المعارك القريبة منها، ما قد يجبر واشنطن على التدخل، وهو السيناريو الذي يؤرق مضاجع الكثير من الأمريكان خاصة في ظل تعدد الجبهات المفتوحة في الفترة الأخيرة بسبب سياسات ترامب.
ورغم تطمينات كل من أبو ظبي والرياض بأن التدخل سيكون في إطار محدود وعقب إتاحة الفرصة أمام التحركات الدبلوماسية الدولية، حتى يتسنى لمبعوث الأمم المتحدة الجديد مارتن غريفيث، محاولة تحريك جهوده من أجل إنهاء القتال، غير أن هناك مخاوف كبيرة من قيام القوات المدعومة من التحالف بالتحرك من تلقاء نفسها وهو ما قد ينجم عنه السيناريو الكارثي الذي تخشاه واشنطن.
الصحيفة نقلت عن مسؤول أمريكي كبير قوله: “ما زالت لدينا الكثير من مباعث القلق بشأن شن عمليةٍ في الحديدة، لسنا مرتاحين بنسبة 100% من أنَّ التحالف، في حال شَنَّ هجومًا بالفعل، سيكون قادرًا على إنجاز الأمر بصورة سليمة ويتجنَّب وقوع حادث كارثي”.
التدخل العسكري في اليمن يثير شهية ترامب بصورة كبيرة، في إطار سياسة تحجيم نفوذ إيران في المنطقة وتقليم أظافرها
انقسام في الرؤى
التحالف العربي بقيادة السعودية يسعى منذ بدء عملياته العسكرية في اليمن “عاصفة الحزم” في مارس 2015 إلى الحصول على الدعم المعلوماتي الاستخباراتي الأمريكي لتسهيل مهمته، غير أنه فشل في تحقيق ذلك بصورة كبيرة، في ظل تحديد واشنطن أهدافها من وراء التدخل في الشأن اليمني والمتعلق بمحاربة عناصر تنظيمي الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة.
حالة من الانقسام في الرؤى داخل الإدارة الأمريكية أثارها الطلب الإماراتي، بين من يوافق على الدعم العسكري والمساعدة في تحرير الميناء من قبضة الحوثيين، وهناك من يتحفظ على ذلك خشية تكرار ما لم يكن متوقعًا على المستوى الإنساني حال خروج الوضع عن السيطرة.
الداعمون للطلب الإماراتي من المسؤولين الأمريكيين يقولون: “دعونا نفعل ذلك، إنَّنا نفكر في هذا دون جدية منذ وقتٍ طويل، يجب أن يُغيِّر شيءٌ ما الدينامية، وإذا ما ساعدنا الإماراتيين على فعل الأمر بصورة أفضل، فإنَّ ذلك قد يكون جيدًا'”، وفي المقابل هناك من يشعر بالإحباط من تعثر الجهود الدبلوماسية لحل هذه الأزمة ووقف القتال الذي أودى بحياة 4 آلاف مدني على أقل تقدير وفق إحصاءات الأمم المتحدة، مطالبين المشرعين الأمريكيين بضرورة إيجاد طرق قانونية وتشريعية لوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية لكل من السعودية والإمارات والمستخدمة في اليمن.
المساعدات التي تريدها أبو ظبي ومعها الرياض تتمثل في دعم قوات التحالف العربي وتحركاته العسكرية في اليمن عن طريق القيام بعمليات مراقبة باستخدام طائرات أمريكية دون طيار
يذكر أنه في نهاية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تم وقف بيع “القنابل الذكية” إلى السعودية بعد تأكد استخدامها في اليمن ومسؤوليتها عن سقوط مئات القتلى من المدنيين، إلا أنه ومع قدوم الإدارة الجديدة تم رفع الحظر عن هذه الأسلحة، حيث يسعى مسؤولون داخل البيت الأبيض إلى الحصول على دعم الكونغرس لصفقة أسلحة جديدة للسعودية والإمارات في إطار سياسة ترامب الجديدة زيادة دخل بلاده بصرف النظر عن تداعيات ذلك.
قلق أمريكي من التعرض لسيناريو كارثي حال خروج الأوضاع في اليمن عن السيطرة
هل تتورط واشنطن؟
لا شك أن التدخل العسكري في اليمن يثير شهية ترامب بصورة كبيرة، في إطار سياسة تحجيم نفوذ إيران في المنطقة وتقليم أظافرها، سواء كان ذلك دعمًا لحلفائها الخليجيين، الإمارات والسعودية، اللتان لم يبخلا بالمال والنفط على الأمريكان، أم لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي تشاكس بين الحين والآخر نحو مواجهات مسلحة مع الإيرانيين فوق الأراضي السورية.
كما أن القلق الأمريكي من تهديد الحوثيين المتنامي للسفن التي تمر عبر الممرات البحرية الحيوية قبالة الساحل اليمني الذي تعزز أكثر مايو/أيار الماضي، حين أصاب صاروخ حوثي سفينة شحنٍ تركية تنقل مساعدات إنسانية، ما تسبب في أضرار بسيطة، وأصدر البيت الأبيض بيانًا غير معتاد يدين فيه الهجوم ويلقي باللوم على إيران، ربما يكون دافعًا للتعاطي مع الطلب الإماراتي بإيجابية.
لكن وفي المقابل هناك تخوفات كبيرة لدى بعض مسؤولي الولايات المتحدة من دعم الإمارات والسعودية في مخطط السيطرة على الميناء، خشية تضييق الخناق من القوات المدعومة من التحالف على الشريان الوحيد لملايين اليمنيين ما قد يهدد بكارثة في بلد يعيش معظمه على حافة المجاعة.
هناك مخاوف كبيرة من قيام القوات المدعومة من التحالف بالتحرك من تلقاء نفسها وهو ما قد ينجم عنه السيناريو الكارثي الذي تخشاه واشنطن
هذا التخوف كشفه فرانسوا موريون رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن بصورة واضحة حين قال: “الهجوم باتجاه الحديدة سيفاقم على الأرجح الوضع الأمني الكارثي بالفعل في اليمن”، وهو ما يتناغم مع قلق الأمم المتحدة من تفاقم الأوضاع هناك وهي التي أدانت وغيرها من المنظمات الدولية أكثر من مرة طرفي الصراع محملة إياهم مغبة ما وصلت إليه الأمور من سوء وتردٍ.
أصوات عدة داخل الإدارة الأمريكية تسعى إلى تغليب الحل السياسي لإنهاء الأزمة اليمنية محذرة من التورط في عمل عسكري يسيء لصورة أمريكا دوليًا، غير أن سياسة ترامب الجديدة التي لا تراعي أي تداعيات لما يتخذه من قرارات، ربما تقوده – بحسب البعض – إلى الاستجابة للطلب الإماراتي وإن كان بصورة متحفظة نسبيًا، مقابل مزيد من الابتزاز وإنعاش الخزانة الأمريكية بمزيد من المليارات.
يذكر أن المخطط الإماراتي للسيطرة على موانئ اليمن ليس وليد اليوم، إذ تعود إرهاصات هذا المخطط إلى بداية التسعينيات، وتحديدًا عقب الوحدة اليمنية، حين حاولت أبو ظبي السيطرة على ميناء عدن، عندما أقرت الحكومة آنذاك إنشاء منطقة التجارة الحرة في المدينة، وهو القرار الذي أثار مخاوف الإماراتيين من أن ينعكس ذلك على حركة ميناء دبي.
حينها أسهمت الإمارات في تعطيل المفاوضات مع العديد من الشركات العالمية لتطوير الميناء وتشغيل المنطقة الحرة، إلى أن خضعت الحكومة وسلمت الأمر لشركة موانئ دبي التي تعمّدت المماطلة في تطوير الميناء والمنطقة الحرة، ومن هنا بدأ مخطط إحكام السيطرة على المنطقة الجنوبية والساحل الغربي (جزيرة ميون وميناء المخا وقرية “ذو باب” وجزيرة سقطري) بما يحافظ على نفوذها في منطقة الممرات المائية الدولية ذات الأهمية الإستراتيجية.