ترجمة وتحرير: نون بوست
تقول بعض الروايات إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، مكث في خيمة كانت من صنع تركي، وذلك خلال غزوة الخندق سنة 627 ميلادي. ومن غير المعروف كيف وصلت هذه الخيمة من سهول الشرق الأقصى في قارة آسيا إلى المدينة المنورة. لكن، تفيد بعض المعلومات أن الخيمة ربما تكون قد وصلت من خلال تبادل البضائع بين التجار العرب والأتراك، وذلك خلال رحلاتهم التجارية على طريق الحرير. مع ذلك، لم يكن يمتلك العرب معلومات كافية حول الأتراك، بسبب بُعد المسافات بينهما.
عندما جاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة النبوية، أي في سنة 610 ميلادي، كان الأتراك آنذاك مجتمعين تحت حُكم “غوك تورك”، وكانت تمتد حدودهم من بحيرة بايقال إلى القرم، ومن سيبيريا إلى بلاد ما وراء النهر، كما كان الأتراك يخوضون قتالا مستمرا مع الصينيين. وكان “خاقان” الأتراك، أي ملكهم، والأتراك أنفسهم، يؤمنون بإله السماء، وبأنه يعمل على تنظيم أمور أهل الأرض، ويبذل كل ما في وسعه لحمايتهم. وكانوا يعتقدون أنه الإله الوحيد، الذي لا يشبهه شيء، فضلا عن أن هذا الإله خاص بهم فقط. ولذلك، كانوا يعتبرون أن كل من يموت منهم يدخل الجنة مباشرة، التي كانت تمثل بالنسبة لهم المكان المستقر، والذي تتجول فيه أرواح موتاهم.
كانت مهمة الخاقان تتمثل في تنفيذ أوامر إله السماء من أجل حماية الأتراك ومصالحهم، وأن يفعل الخيرات، غير أن ذلك لم يكن ممكنا على الدوام، حيث كان يفشل البعض منهم في إدارة شؤون الأتراك، وهو ما يؤدي إلى استبدال الملك بآخر. وكانوا يطلقون على الملك السابق وصف “لم يكن مثل أبيه”، وذلك بعد إسقاطه عن عرشه.
في الوقت الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم على أبواب مكة ويرغب في دخولها، كان “إليغ خاقان” يحكم الأتراك. وفي تلك الفترة، تعرض هذا الملك لهزيمة نكراء من قبل الصين، أي في سنة 630 ميلادي، وسقطت نصف دولة “غوك تورك” الشرقية بيد الصينيين، في حين صمد القسم الغربي منها 28 سنة، ليتم ضمها كذلك إلى الصين في سنة 658 ميلادي. ونتيجة لذلك، أصبح الأتراك بلا دولة، وبالتالي، يبدو أن إليغ خاقان لم يسر على نهج أبيه وجده أيضا.
قيل إن قائد الدولة الساسانية، يزدجر، هرب نحو الأتراك بعد سيطرة المسلمين على دولته، في حين تشير بعض الروايات إلى أن الأتراك شاركوا أيضا في الحراك الذي حدث في خراسان وباختر بعد وفاة عمر بن الخطاب.
في تلك الفترة، كانت الفتوحات الإسلامية على أشدها، حيث وصلت جيوش الخلافة الإسلامية في الشمال إلى سوريا، وحاصروا مصر وإيران. وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين كانوا يقاتلون بكل إيمان وعقيدة، إذ لم يستطع البيزنطيون ولا الساسانيون إيقافهم. وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تقدم المسلمون نحو العمق الإيراني بعد معركتيْ القادسية ونهاوند، ووصلوا إلى حدود خراسان وباختر.
في الواقع، كان ذلك يعني وصول المسلمين للحدود التركية، حيث بدأ الأتراك نوعا ما في التواصل والالتقاء بالمسلمين آنذاك. في هذا الصدد، قيل إن قائد الدولة الساسانية، يزدجر، هرب نحو الأتراك بعد سيطرة المسلمين على دولته، في حين تشير بعض الروايات إلى أن الأتراك شاركوا أيضا في الحراك الذي حدث في خراسان وباختر بعد وفاة عمر بن الخطاب.
“لم يتبق سوى القليل على وصولنا إلى البحر”
لم يقتصر تقدم المسلمين على هذه المناطق، إذ أنهم وصلوا إلى القوقاز كذلك، بقيادة عبد الرحمن بن ربيعة. مع ذلك، واجه المسلمون صعوبات ومقاومة شديدة هناك، وارتقى عبد الرحمن بن ربيعة في إحدى المعارك في منطقة بيلينجار. ورغم الوهن الذي لحق بالأتراك، إلا أنهم ظلوا يقاتلون بشدة وصلابة.
علاوة على ذلك، وخلال فترة استشهاد الخليفة عثمان بن عفان، ودخول العالم الإسلامي حالة من الفوضى نوعا ما، كان حال الأتراك سيئا أيضا. ويعود السبب في ذلك إلى أنهم كانوا تحت حُكم الصين، ولكنهم لم يستمروا على هذا الوضع طويلا، حيث انطلقوا نحو استعادة دولتهم. ولم تمض سنتان على استشهاد الحسين رضي الله عنه (680 ميلادي)، حتى استطاع الأتراك تأسيس دولتهم من جديد في 682 ميلادي.
في الوقت الذي كان فيه الأتراك يتوسعون في الشرق الأقصى لآسيا نحو الصين، كان المسلمون يتوسعون في أفريقيا وغرب أوروبا، حيث وصلت جيوش طارق بن زياد إلى إسبانيا
في الأثناء، عملت هذه القوة الصاعدة في آسيا على استعادة حدودها، وتوسعت في الشرق والغرب، واستطاع كاباغان خاقان وأبناؤه استعادة كافة الحدود التركية والتوسع على نفس الرقعة الجغرافية السابقة، وذلك خلال سنة 692 ميلادي. وفي ذلك الوقت، قال كاباغان خاقان جملته الشهيرة: “لم يتبق سوى القليل على وصولنا إلى البحر”. ونتيجة لذلك، اقترب الأتراك مجددا من الحدود الإسلامية، ولكن، كان ذلك من الغرب هذه المرة، وعادت دولة “غوك تورك” للسيطرة على المناطق الممتدة من حدود سيبيريا إلى الصين ومما وراء النهر إلى القوقاز.
خلال الفترة ذاتها، بلغت الفتوحات الإسلامية أوجها، حيث وصل المسلمون سنة 710 ميلادي إلى المحيط الأطلسي. وفي الوقت الذي كان فيه الأتراك يتوسعون في الشرق الأقصى لآسيا نحو الصين، كان المسلمون يتوسعون في أفريقيا وغرب أوروبا، حيث وصلت جيوش طارق بن زياد إلى إسبانيا.
قدر بلاد ما وراء النهر
في عهد الولاة الأمويين، كان العرب يسعون لفرض الجزية على الأتراك ويحاولون السيطرة على مناطقهم، وهو ما لم يكن بداعي نشر الإسلام، بل لدواعي قبلية. وقد تغير هذا الأمر تماما مع وصول قتيبة بن مسلم ليصبح واليا على خراسان سنة 705 ميلادي، ولم يكن قد بلغ الأربعين آنذاك. كما كان قتيبة بن مسلم من نفس قبيلة الحجاج بن يوسف.
تمثلت المهمة الأصعب بالنسبة لقتيبة بن مسلم في إخضاع والي باختر لحُكمه، وقد بعث له رسالة يطلب منه الانصياع لحُكمه وأن يطلق سراح الأسرى المعتقلين، وهو ما وافق حاكم باختر عليه. لكن، لم يدم اتفاق السلام هذا طويلا. في الأثناء، كان قتيبة بن مسلم قد انطلق نحو بيكنت، التي كانت تعتبر المركز التجاري الرئيسي في تلك المنطقة، وسيطر عليها فعلا. ومن ثم، توجه نحو بخارى، لكنه واجه مقاومة شديدة من قبل الأتراك، مما اضطره لتأجيل فتح بخارى بعدما تعرض جيشه للإنهاك الشديد.
لال سنة 722 ميلادي، حدثت منازعات بين العرب والأتراك أثناء سقوط خراسان، حيث وقف الأتراك في صف سكان المدينة الأصليين من أجل إعادة السيطرة عليها، وهو ما دفع بالوالي سعيد بن عمر للوقوف بحزم ضد الأتراك، وقتل العديد منهم في 722 ميلادي
الجدير بالذكر أن بخارى كانت إحدى أهم مدن تركستان، وكان يعيش فيها الكثير من الأقوام، إلى جانب الأتراك. وانعكس تنوع أهالي المدينة على معتقداتهم، التي تنوعت من المجوسية وحتى عبادة الأصنام. وكان الحجاج ينتظرون بفارغ الصبر فتح المدينة، كونها منطقة إستراتيجية كذلك. وقد استطاع قتيبة بن مسلم دخول بخارى بين 708 و709 ميلادي، وقام بتحويل المعبد الرئيسي فيها إلى مسجد، وحثّ الناس على أداء صلاة الجمعة، حتى وصل به الأمر إلى تقديم مكافآت مالية لمن يصلي الجمعة. وساهم ذلك في دخول بعض الأهالي الإسلام، دون أن يجبرهم قتيبة بن مسلم على ذلك، حيث استخدم الترغيب بدل الترهيب.
هل دخل الأتراك الإسلام بقوة السيف؟
حاول البعض الوقوف ضد حُكم قتيبة بن مسلم، لكنه سرعان ما قضى على هذا العصيان في 710 ميلادي، وسيطر على مدن مثل سمرقند وغيرها، ليصل إلى حدود الصين. لكن، عاد قتيبة أدراجه بعدما سمع أن الخليفة الوليد قد مات وتم سحب ولاية خراسان منه. وقد قُتل قتيبة بن مسلم مع إخوته في سنة 715 ميلادي، بعدما رفض التخلي عن ولاية خراسان. وبذلك، وقفت جيوش الإسلام على حدود الصين.
خلال سنة 722 ميلادي، حدثت منازعات بين العرب والأتراك أثناء سقوط خراسان، حيث وقف الأتراك في صف سكان المدينة الأصليين من أجل إعادة السيطرة عليها، وهو ما دفع بالوالي سعيد بن عمر للوقوف بحزم ضد الأتراك، وقتل العديد منهم في 722 ميلادي. وقد زاد ذلك من حدة حقد الأتراك على العرب، ومن حدة مقاومة الأتراك.
بعد عدة سنوات، تمكن الأتراك من تطوير أنفسهم وتحقيق نجاح مبهر. وقد دفع هذا الأمر بالخليفة العباسي، هشام بن عبد الملك لتوجيه رسول يدعو الأتراك لدخول الإسلام. ولكن خاقان الأتراك رفض هذه الدعوة بذريعة أنّ هذا الأمر قد يحدث بلبلة في صفوفهم. وقد كان الأتراك في تلك الفترة في مواجهة دائمة مع المسلمين في القوقاز. وقد انتصر جيش المسلمين على الأتراك في الحرب التي دارت مع أتراك الخزر سنة 737 ميلادي. وحينها، أرسل الخليفة بعض الفقهاء إلى الخزر من أجل دعوتهم إلى الإسلام، وقد قبل خاقان الخزر بوجود رجال الدين ضمن دولته. نتيجة لذلك،بات الطريق مفتوحا أمام الأتراك لدخول الإسلام.
لم يدخل الأتراك الإسلام بحد السيف
لكن هذا الأمر لم يغيّر على أرض الواقع شيئا، وبقي التنافس على أشده بين الأتراك والعرب. ففي عهد الأمويين، لم يكن العرب يرغبون حقيقية في نشر الإسلام، وإنما كانت أهدافهم توسعية بحتة فضلا عن أخذ الجزية من غير المسلمين ومعاملتهم مثل العبيد. في ظل هذه الظروف، لم يتأثر الأتراك، ولم يدخل منهم أحد في الإسلام تحت وطأة القتال وحد السيف، خاصة وأن الأتراك بطبعهم مقاتلون محاربون ولا يهابون المواجهة.
دخول الأتراك في الإسلام كان على امتداد 300 سنة
لم يدخل الأتراك الإسلام بحد السيف. وعندما دخل قتيبة بن مسلم إلى بخارى لم يُجبر الأهالي على دخول الإسلام، بل دعاهم إلى الصلاة، وشجعهم على ذلك باستخدام أساليب الترغيب. وحين رفض بعض السكان مشاركة منازلهم مع العرب، قرر بن مسلم ومن معه المكوث في منطقة بعيدة عن السكان وخارج مدينة بخارى. ولم يكن هناك تواصل وتعامل مباشر بين المسلمين والسكان والأهالي من الأتراك سوى في القوقاز وما وراء النهر.
أما في المناطق التي ذكرناها آنفا مثل بخارى وغيرها، فقد كان هناك حكام أتراك يديرون هذه المناطق، التي كانت على شكل دول. ولم يتعرض الأتراك في هذه الدول لهزيمة تامة أمام الجيوش الإسلامية ولم يتم سحقهم، بل في الكثير من الأحيان كان الأتراك يُلحقون الهزائم بجيوش الأمويين كما حدث سنة 723. ويحيل هذا الأمر إلى أن العرب لم يتمكنوا من التفوق بشكل حاسم بقوة السيف.
تطلب اعتناق الأتراك لدين الإسلام فترة طويلة من الزمن. ويعزى هذا الأمر إلى أن التبادل الثقافي بين الأتراك والمسلمين الذي حدث بشكل تدريجي وعلى امتداد وقت طويل. وبالتالي، لم يدخل الأتراك الإسلام رهبة من قوة السيف، وإنما عن طريق التعامل والتبادل الثقافي الذي جمعهم بالعرب. وفي سنة 740 ميلادي، انتهى حُكم الأمويين بوفاة الإمام زيد حفيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وبعد 7 سنوات سقطت خراسان.
تعززت العلاقات التجارية بين الأتراك والعرب، في حين عمد الخليفة العباسي المنصور للاستفادة من الأتراك، كما وظف بعضا منهم ضمن حرسه الشخصي
في سنة 750 ميلادي، استطاع العباسيون تأسيس دولتهم، ونقلوا مركز الحُكم من دمشق إلى بغداد. وفي الفترة ذاتها، خسر الأتراك حُكمهم في آسيا، حيث سيطر الأويغور على مناطقهم، في حين أخذ الصينيون يتقدمون بشكل تدريجي نحو الغرب، واقتربوا من الوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها جيش المسلمين. وفي سنة 747 ميلادي، تواجه الصينيون مع جيش العباسيين. وفي خضم هذه المعركة حدث أمر مفاجئ، حيث قرر الأتراك الوقوف في صف جيش المسلمين ضد الصينيين. ونجح الأتراك في دحر خطر الصينيين عن الحدود الغربية للدولة العباسية، الأمر الذي كان أشبه بمد جسر جديد للتواصل بين الأتراك والعرب.
عقب ذلك، تعززت العلاقات التجارية بين الأتراك والعرب، في حين عمد الخليفة العباسي المنصور للاستفادة من الأتراك، كما وظف بعضا منهم ضمن حرسه الشخصي. وكانت الأولوية لمن دخل من الأتراك في الإسلام. وقد لجأ الخليفة للأتراك لقدراتهم القتالية العالية، وشارك العديد منهم في بعض المناوشات في المناطق التابعة للخلافة العباسية ضد أعدائها.
دخل الكثير من الأتراك من قبائل قارلوق في الإسلام في عهد الخليفة المهدي، الذي زاد بدوره في توظيف العساكر الأتراك لحماية حدود عاصمة الدولة العباسية. كما استخدمهم في بعض المناطق الأخرى في بلاد ما وراء النهر وغيرها. وفي تلك الفترة، تعززت علاقات المصاهرة والنسب بين العباسيين والأتراك. وعلى مدار عدة سنوات، تمكن الأتراك من تولي مناصب رفيعة في عهد الخلافة العباسية.
حلفاء وليس أعداء
تحولت بلاد ما وراء النهر لمركز إسلامي بعدما بقيت تحت سيطرة المسلمين لفترة طويلة. وقد تلاشى التنافس السياسي بين الأتراك والمسلمين هناك، لتندمج الثقافتين فيما بينها. في الأثناء، ساهمت الدولة السامانية في دخول الأتراك للإسلام بشكل كبير، بعد سيطرتها على مناطق خراسان وبخارى وما وراء النهر في سنة 875، حيث أسسوا المساجد والمراكز الدينية.
كانت نقطة التحول المفصلية في عملية دخول الأتراك في الإسلام، عندما أسلم ستوق بغراخان، حاكم الإمبراطورية القراخانية، الذي يرجح أنه قد تأثر بدوره بأحمد بن فضلان
من جهة أخرى، أصبح التجار المسلمون يتمتعون بالقدرة على التجول دون أي عائق في المناطق التي يتمركز فيها الأتراك، ودون أي حساسيات أو التعرض للمضايقات في مختلف مواقع الأتراك. وقد عمد الأتراك إلى استضافة التجار المسلمين في منازلهم، والدخول في مناقشات وحوارت معهم. وعلى الرغم من أن الكثير من الأتراك كانوا متمسكين بمعتقداتهم القديمة، التي تحيل إلى وجود إله واحد خاص بهم، إلا أن هؤلاء التجار ساهموا، على الأغلب، في دخول عدد منهم إلى الإسلام.
كان العالم الإسلامي والرحالة أحمد بن فضلان صاحبا الفضل الأكبر في دخول كثير من الناس للإسلام. وقد نجح بن فضلان في ذلك من خلال رحلاته التي كان يقوم بها والعمل على التعريف بالإسلام بطريقة ملفتة، وذلك بداية من سنة 922 ميلادي. وعندما سافر الرحالة إلى المناطق التي يعيش فيها أتراك الأوغوز، كان يُقابل بمعاملة رائعة، ويُساهم بأسلوبه العذب وحديثه عن الإسلام في تحفيز الأتراك هناك على اعتناق الإسلام. عندما سأل أحد الأوغوز، أحمد بن فضلان، عما إذا كان هناك زوجة للإله أم لا، شرع بن فضلان في الاستغفار، وتبعه الأوغوز بترديد الاستغفار، حيث كانوا متأثرين جدا به وبكلامه.
نقطة التحول الجوهرية
كانت نقطة التحول المفصلية في عملية دخول الأتراك في الإسلام، عندما أسلم ستوق بغراخان، حاكم الإمبراطورية القراخانية، الذي يرجح أنه قد تأثر بدوره بأحمد بن فضلان. وفور تولي بغراخان الحكم، دخل في الإسلام أكثر من 200 ألف عائلة في المنطقة التي كان يسيطر عليها، والتي يبلغ مجمل عدد سكانها مليون نسمة. ولم يكتف بغراخان بذلك، بل ساهم بنشر الإسلام في صفوف الأويغور، ليسلم عدد كبير منهم. كما نقل الإسلام نحو الهند، حتى أنهم نسبوا المسلمين الجدد إلى الأتراك وأطلقوا عليهم اسم “توروشكا”.
أسلم الأتراك على امتداد سنوات طويلة وصلت إلى حدود 300 سنة. وعندما اعتنق الأتراك الإسلام وأدركوا الشرف الذي مني به، أكسبهم ذلك قوة إضافية لا يُمكن وصفها
في القرن الحادي عشر، اعتنقت العائلة السلجوقية الحاكمة الإسلام، مما ساهم بصورة كبيرة في دخول التركمان والأوغوز للإسلام. وسرعان ما تحول الأوغوز إلى فاتحين، حيث دخلوا إلى إيران ثم العراق وسوريا والأناضول، وساهم الأتراك في الكثير من الفتوحات الإسلامية الجديدة. وقد دخل جميع الأوغوز والأويغور الإسلام على مدار القرنين الخامس عشر والسادس عشر وصولا للقرن السابع العشر.
تنفي كل هذه الحقائق الأحاديث التي يتناولها البعض حول فرضية أن الأتراك دخلوا الإسلام بقوة السيف. على النقيض من ذلك، أسلم الأتراك على امتداد سنوات طويلة وصلت إلى حدود 300 سنة. وعندما اعتنق الأتراك الإسلام وأدركوا الشرف الذي مني به، أكسبهم ذلك قوة إضافية لا يُمكن وصفها. وقد مكنهم ذلك من تأسيس دولة كبيرة وعصية، وصلت إلى حدود انبثاق الإمبراطورية العثمانية. في الوقت ذاته، ساهم الأتراك في نشر الإسلام في أقاصي البلاد، يدفعهم على ذلك إيمان ورغبة وحب كبير لهذا الدين، تشربوه على مدار السنين.
المصدر: يني شفق