ترجمة حفصة جودة
عند القيادة إلى مرتفعات الجولان السورية التي تبعد ساعتين فقط عن تل أبيب يتغير المشهد ليشير إلى دخول الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” منذ 1967، تنخفض درجات الحرارة كلما يتجه الطريق نحو الجبال ويتسع المشهد الأخضر ليشمل حقول الكرز والتفاح التي تشتهر بها المنطقة.
في أثناء الحرب المعروفة باسم “حرب الأيام الست” فرّ أكثر من 130 ألف سوري من مرتفعات الجولان إلى داخل سوريا حيث دمرت القوات الإسرائيلية 340 قرية ومزرعة، وفي الـ5 من يونيو كل عام يتحدث السوريون عن نزوحهم من الجولان في يوم النكسة، وهو نفس اليوم الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى تهجيرهم من الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
اليوم لم يبق سوى مدينة و4 قرى مأهولة بنحو 25 ألف نسمة وهم: مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قينية وغجر، في عام 1981 حاولت “إسرائيل” منح سكان الجولان الجنسية الإسرائيلية حيث تحاول الحكومة الإسرائيلية الاستيلاء على المناطق المحتلة لتواجه بذلك القانون الدولي.
المدفعية الإسرائيلية في حالة تأهب في الجولان المحتلة
أضرب العديد من العمال السوريين في “إسرائيل” عن العمل، أما الذين قبلوا الجنسية فقد رفضتهم مجتمعاتهم، ووصل التوتر إلى حد الغليان عام 1983 عندما اقتحم 15 ألف جندي إسرائيلي قرى الجولان وحاصروها لمدة 43 يومًا.
في قرية مسعدة تحكي نسيبة كيش سمارة عن ذكرياتها لمحاولة الجيش إجبار عائلتها على الحصول على الجنسية الإسرائيلية، حيث تقول: “كانت القرية ممتلئة بالشرطة الإسرائيلية المدججة بالبنادق والسلاح حيث طرقوا كل الأبواب وعرفوا من يعيش وراءها ثم رموا جوازات السفر بداخلها وأغلقوا الأبواب، جمعنا هذه الجوازات وذهبنا إلى الميدان الرئيسي في مجدل شمس ورمينا الجوازات في وجه الجنود وعدنا للبيت وهناك من أحرقوها”.
رغم أن عمرها كان 10 سنوات فقط حينها فإنها تتذكر قرارها الواعي برفض الهوية الإسرائيلية، تضيف كيش: “نحن ننتمي لسوريا ولم نكن نخشى الجنود، كنا نشعر أننا سنعود إلى سوريا فهي بلدنا وليس “إسرائيل””.
مجدل شمس؛ أكبر قرية سورية متبقية في الجولان المحتلة
عاشت كيش كامل حياتها وهي تحلم بأن تعود هضبة الجولان إلى سوريا حيث تقول: “لم أتمكن أبدًا من زيارة سوريا، إنه كالحلم بالنسبة لي، لدي العديد من الأقارب الذين أرغب في زيارتهم هناك في منازلهم، أشعر أن جسدي ينتمي إلى هناك”.
قبل وقوع الحرب السورية كان هذا الأمل يراود جميع السوريين في مرتفعات الجولان، فقبل 2011 كان الشباب السوري من المنطقة المحتلة يستطيع الدراسة في جامعات دمشق مما ساعد على تقوية هويتهم وروابطهم مع البلاد.
تجارة التفاح
تسمح “إسرائيل” بفتح الحدود مرتين أو ثلاثة في العام في العطلات الدينية، وفي الوقت نفسه ساعدت العلاقات التجارية على الربط بين الجولان وسوريا، حيث تعد دمشق أكبر مستورد للتفاح الجولاني، لكن هذه العلاقات انقطعت بعد الثورة السورية.
يجلس ناجي أبو صالح بين حقول الكرز والتفاح في الوادي أسفل مجدل شمس أكبر مدن الجولان المحتلة ويقول إن الدراسة في دمشق ساعدته على فهم هويته ويضيف: “كنت أشعر أنني في وطني، لكنه أرض محرمة، فالذهاب إلى سوريا أكبر فرصة قد يحصل عليها أي شخص هنا”.
بعد أن ساء الوضع في سوريا ازداد عدد المتقدمين للحصول على الجنسية الإسرائيلية
يقول وائل طرابيه وهو فنان وناشط يعمل في مركز المرصد العربي لحقوق الإنسان في مرتفعات الجولان إن الكثير من الناس كانوا يأملون أن يتغير الوضع بعد ثورة 2011 فقد كانوا يعتقدون أنهم سيستطيعون العودة إلى سوريا والحياة هناك بشكل طبيعي.
ويضيف طرابيه: “كان الشباب الجولاني متحمسين بشدة للاحتجاجات في بداية الثورة لكن الحماسة انخفضت بعد أن تحولت إلى حرب قبيحة وبدأ الشباب في فقدان الأمل بسوريا وبدأوا يفكرون في كيفية أن تصبح حياتهم أفضل وفكروا في فوائد الحصول على المواطنة الإسرائيلية”.
بعد أن ساء الوضع في سوريا ازداد عدد المتقدمين للحصول على الجنسية الإسرائيلية، فوفقًا لمركز المرصد كان متوسط عدد المتقدمين بين عامي 1982 وحتى 2014 لا يتجاوز 27 طلبًا في العام، لكن في عام 2015 وصل العدد إلى 105 طلبات ثم 181 في العام الذي يليه، ومع ذلك فهناك 5518 سوريًا فقط حاصلين على الجنسية الإسرائيلية مقارنة بـ21.276 سوري لديهم إقامة دائمة.
قاعدة عسكرية تستخدمها “إسرائيل” ضد القوات السورية
تقدم أبو صالح للحصول على الجنسية الإسرائيلية منذ عام ليتمكن من العيش حياة طبيعية مثل أي مواطن إسرائيلي آخر، وقال إن السفر الذي دفعه لذلك حيث يقول: “عندما ترغب في السفر فإنك تتجه إلى الطائرة وتطير ولست بحاجة لأن تنتظر موافقة السفارة أولاً”، لكنه لا يرغب في أن يعلم والده بأنه حصل على الجنسية الإسرائيلية.
ويضيف أبو صالح: “لا يحب والدي الحكومة الإسرائيلية لكنني لا أتناول الأمور بشكل شخصي فالجنسية الإسرائيلية لن تغير من هويتي، فعندما أفكر في موطني فقد جئت من الجولان من مجدل شمس وأتذكر أن والدي وأجدادي سوريون”.
أما فادي فهو معلم في مرتفعات الجولان وقد ورث الجنسية الإسرائيلية عن والدته، ويعتقد فادي أن الهوية ليست قرارًا نتخذه لكنه أمر نشعر به ويقول: “لأ أشعر أني سوري فلم أكبر هناك ولا أعلم عنها سوى بعض القصص، كما أنني لا أشعر أنني إسرائيلي فثقافتهم تختلف عنا كثيرًا، أشعر أنني ضحية للعبة الأمم المختلفة”.
هذه هي الجنة
يتفهم طرابيه موقف شادي ويقول: “هؤلاء الجولانيون ضحايا الصراع بين الدول وضحايا الأوهام”، أما فادي فيقول إنه عندما يسمع أصوات الانفجارات مثل تبادل إطلاق النار الذي حدث مؤخرًا بين سوريا و”إسرائيل” يشعر أنه محظوظ لأنه ليس في الجانب السوري من الحدود، ويضيف: “لقد ولُدت في هذا الوضع ولكي أجد الوطن يجب أن أجد الأمان أولاً، وبالطبع فإنني أكثر أمانًا في “إسرائيل” عن سوريا وهذا لا يعني أننا تنتهج سياسات جيدة لكنها أكثر أمانًا”.
طالما لا توجد أي حكومة ديموقراطية في سوريا فلن تتمكن من استعادة الجولان
يتحدث طرابيه عن مشاعر مماثلة حيث يقول: “عندما يحترق كل شيء حولك فإن “إسرائيل” تتحول إلى جنة”، ومؤخرًا بدأت “إسرائيل” في الضغط على الولايات المتحدة للاعتراف بسيادتها على مرتفعات الجولان، ويعتقد طرابيه أن الأمر مجرد دعايا سياسية، فبعد الحرب والدمار في سوريا تعتقد “إسرائيل” أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوة ويجب عليها أن تستغل اعتراف ترامبها.
أما سوريا فهي بحاجة لعقود طويلة من الإصلاح، وطالما لا توجد أي حكومة ديموقراطية في سوريا فلن تتمكن من استعادة الجولان، وإذا قدمت الولايات المتحدة الدعم لـ”إسرائيل” في الاعتراف بسيادتها على مرتفعات الجولان فلن تحدث أي ضجة بشأن هذه القرى الـ5 السورية.
يقول طرابيه: “عندما نتحدث عن الفضاء العام فقد حدثت تغيرات كبيرة في الـ7 سنوات الماضية، فقبل 10 سنوات كنا نتمكن من حضور احتفالات استقلال سوريا أما اليوم فلا شيء”.
القرى السورية تظهر من خلف السياج الذي يحيط بالجولان المحتلة
“هناك حالة من الارتباك لأن الجميع يفكرون في أنفسهم ومستقبلهم الخاص وليس المجتمع، وهذه هي مشكلة المجتمعات الصغيرة مثلنا التي تعيش دون مجتمع مدني وجامعات وأحزاب سياسية تسمح بحدوث نقاش”.
لكن بالنسبة لكيش ما زال شعورها بالانتماء قويًا، حيث تقول: “معظم الناس هنا يرفضون سيادة “إسرائيل”، فنحن ضدها من داخل أعماقنا”، أما أبو صالح فهو يرى أن الأمر مختلف بالنسبة للأجيال الأصغر سنًا، فهو لا يعتقد أن هناك أي أمل في مواجهة مطالب “إسرائيل” بالسيادة على الجولان.
يقول أبو صالح: “لقد أصبحت الأرض الآن ملكًا للحكومة الإسرائيلية، لكنني آمل يومًا ما حتى لو بقينا في الجانب الإسرائيلي أن أذهب إلى هناك لقضاء عطلة أو للعمل (مشيرًا إلى القرى السورية التي يراها خلف السياج القريب من مجدل شمس)، إنني حقًا أريد السلام”.
المصدر: ميدل إيست آي