قبل يومين، أعلنت السلطات الجزائرية تعيين مكتب محاماة أمريكي ومستشارين آخرين للمساعدة في وضع قانون جديد للطاقة طال انتظاره، الأمر الذي قوبل باستنكار كبير من شخصيات وأحزاب جزائرية معارضة، معتبرين قرار السلطات تهديدًا للسيادة الوطنية وتخل عن أهم ركائزها الاقتصادية.
امتيازات جديدة للشركات الأجنبية
عبد المؤمن ولد قدور الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الحكومية “سوناطراك” قال أول أمس الإثنين إن الجزائر عينت مكتب المحاماة الأمريكي “كورتيس موليه – بروفوست كولت آند موسلي” ومستشارين آخرين للمساعدة في وضع قانون جديد للطاقة يهدف إلى جذب استثمارات هناك حاجة شديدة لها.
وقال ولد قدور في تصريحات للصحافيين: “الجزائر تعمل على وضع قانون جديد، لكن لم يتضح بعد متى ستكون مستعدة، فهناك عدة أطراف منخرطة في الموضوع، لكن في وقت قريب سيكون لدينا قانون جاذب هو الأفضل”، لكنه لم يكشف عن تاريخ محدد، وأضاف “الشركات الأجنبية تريد أن تعرف المبالغ التي ستجنيها عندما تستثمر”.
تقول السلطات إن الظرف الحاليّ يفرض وضع سياسة جديدة للطاقة
مسودة قانون الطاقة الجديد التي تعمل الوزارة على إعدادها بمساعدة هذا المكتب، من المنتظر أن تتضمن تقديم حوافز ضريبية أوسع للشركات العاملة في هذا القطاع لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، في محاولة لوقف نزيف تراجع عوائد النفط التي أدخلت البلاد في دوامة من الأزمات.
ويعتبر القانون الساري للمحروقات وفقًا للعديد من الخبراء، منفرًا وغير جاذب للمستثمرين الأجانب، ويخضع قطاع المحروقات الجزائري حاليًّا، لقانون يوليو/تموز 2006 الذي جاء عقب تعديل القانون السابق في أبريل/نيسان 2005.
وتطبق الجزائر قاعدة في الشراكة الأجنبية، تقوم على أساس منح 51% للطرف الجزائري و49% للجهة الأجنبية، وينتج هذا البلد العربي العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) 1.2 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، وخفضت حصتها بواقع 50 ألف برميل يوميًا تجاوبًا مع اتفاق التخفيض بفيينا في ديسمبر/كانون الأول 2016، بين أعضاء المنظمة والدول المنتجة من خارجها.
يفتح القانون الجديد الباب أمام المستثمرين الأجانب
ترجع الحكومة الجزائرية، لجوءها إلى تعديل قانون المحروقات إلى ما اعتبرتها “فشل” القانون الحاليّ في جلب المستثمرين الأجانب، وعدم تأقلمه مع المتغيرات الجديدة في مجال الطاقة، ومن المرتقب أن تجهز مسودة القانون الجديد مع نهاية السنة الحاليّة أو السداسي الأول من 2019، بحسب تصريحات سابقة لوزير الطاقة مصطفى قيتوني.
وتقول السلطات إن الظرف الحاليّ يفرض وضع سياسة جديدة للطاقة، ذلك أنها تبحث عن تعزيز الإيرادات المالية للخزينة، لتعويض النقص الحاصل من هبوط أسعار النفط الخام؛ فيما تعد الضرائب أحد حلول زيادة الإيرادات، وفي آخر جولة عطاءات في 2014، لم ترس الجزائر سوى عقود أربع مناطق امتياز من 31 منطقة، بعد عطاء مخيب للآمال في 2011، حيث عارضت الشركات الأجنبية الشروط.
مس بالسيادة الوطنية
مع إعلان السلطات الجزائرية الاستعانة بمكتب محاماة أمريكي لتعديل قانون الطاقة، تعالت أصوات محذّرة من إمكانية التخلّي عن قطاع الطاقة للشركات الأجنبية، والتنازل عن قطاع سيادي لصالح شركات أجنبية متعددة الجنسيات.
وتقول مصادر في المعارضة الجزائرية إن سعي الحكومة لتعديل قانون المحروقات جاء بناء على ملاحظات شركات نفط أمريكية وأخرى فرنسية، طلبت تعديل بعض مواد قانون المحروقات الحاليّ حتى تستفيد من الامتيازات المنتظر أن يتضمنها القانون الجديد.
ترى أوساط في المعارضة أن قانون المحروقات المرتقب من شأنه أن يشرّع استغلال الوقود الصخري
في حال تغيير القانون الحاليّ، من المنتظر أن تعود الشركات النفطية العديدة للاستثمار في البلاد، حيث تأمل الشركات الأجنبية تخفيف القيود والضرائب المفروضة على استثماراتها الجديدة داخل الجزائر، إذ عبرت شركة شتات أويل النرويجية عن رغبتها في الاستثمار مجددًا وفق شروطها في حقل حاسي موينة الذي تخلت عنه في 2008.
وسبق أن أكّدت زعيمة حزب العمال لويزة حنون، أن هذا التعديل يمسّ السيادة الوطنية، غير أن الحكومة نفت ذلك، حيث قالت الوزارة الأولى “إعلان مراجعة القانون المتعلق بالمحروقات فتح السبيل إلى الكثير من المضاربات، وعليه، فإنه من المفيد التوضيح بأن هذه المراجعة لن تشمل أي مسألة سيادية، بما في ذلك قاعدة 51/49 في عمليات الشراكة مع الأجنبي، فانتظروا إذًا خروج مشروع القانون قبل التعليق عليه”.
وأعادت التصريحات المناهضة للتعديلات المرتقبة على قانون المحروقات إلى الأذهان، المعركة التي خاضتها المعارضة الجزائرية قبل عشر سنوات، ضد وزير الطاقة الأسبق شكيب خليل عندما أجرى تعديلات على قانون المحروقات، قبل أن يتراجع عنها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لأنها تمس بالجوهر الوطني للقطاع.
تمهيد لاستغلال الغاز الصخري
إلى جانب تهديد السيادة الوطنية، ترى أوساط في المعارضة أن قانون المحروقات المرتقب من شأنه أن يشرّع استغلال الوقود الصخري رغم المعارضة الشعبية لهذا التوجه، حيث سبق أن حاولت “سوناطراك” نهاية عام 2014 التنقيب عن الغاز الصخري في منطقة عين صالح جنوبي البلاد، لكن احتجاجات شعبية كبيرة عمت مناطق الجنوب رفضًا لعمليات التنقيب، وفي تلك الفترة أنهت شركة سوناطراك إجراء أول عملية تنقيب تجريبي عن الغاز الصخري في هذه المنطقة.
ويعتبر ملف استغلال الغاز الصخري من بين أكبر الملفات الحساسة في الجزائر، حيث شكل قبل ثلاث سنوات سببًا لموجة احتجاجات كبيرة دامت لأكثر من 5 أشهر وشملت مختلف محافظات الجنوب الجزائري، بعد طرحه في عهد الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وإقرار تجميده.
تحذّر المعارضة الجزائرية السلطات من استغلال الغاز الصخري
ويرى سكان الصحراء أنهم المتضرر الأول والأخير من مشروع استخراج الغاز الصخري بسبب الأخطار باهظة الثمن كتلوث المياه الجوفية التي يعتمدون عليها بشكل كلي في الشرب والسقي، بالنظر إلى الطريقة المستخدمة في استخراج الغاز وهي تكسير الصخر بالماء مع إضافات كيميائية، فضلًا عن تأثيره المباشر على صحة المواطنين.
وقبل أيام حذّر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، من مخاطر استغلال الغاز الصخري في الجزائر، ودعاها إلى ضرورة وقف اعتمادها “وعلى وجه السرعة على الوقود الأحفوري بما فيها الغاز الصخري”.
وذكر التقرير بأن “نقص المعرفة عن الجيولوجيا المحلية خاصة ما تعلق منها بطبقات المياه الجوفية وغياب رخصة اجتماعية، وبيئة تنظيمية غير مناسبة قد تشكل عقبات رئيسية تعترض استخدام التكسير الهيدروليكي وطريقة استخراج الغاز الصخري”.
واعتبر التقرير الأممي الأخير أن شركة سوناطراك النفطية الجزائرية “ستحتاج إلى بنى تحتية وتجهيزات حديثة ومعارف ومهارات خاصة في حال استغلالها الغاز الصخري”، وتؤكّد السلطات الجزائرية أن تراجع الجباية النفطية وانكماش مداخيل الخزينة العامة سببان كافيان لاستغلال الغاز الصخري الذي يتطلب سنوات لبدء الاستثمار فيه.