ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال السنة الماضية، فرض تحالف من الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا على قطر. وقد صُمم هذا الحصار من أجل إجبار الدوحة للامتثال لقائمة من المطالب بعد اتهامها بتقديم الدعم لجماعات متطرفة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك داخل الدول الأربعة؛ البحرين، ومصر، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، التي أصبحت فيما بعد تعرف باسم الرباعية المعادية لقطر.
بعد يوم واحد من بداية الحصار، حظيت اللجنة الرباعية بزخم إضافي من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي نشر تغريدة جاء فيها: “من الجيد أن نرى أن زيارة كل من المملكة العربية السعودية و50 دولة قد أتت أكلها بالفعل، حيث قالوا إنهم سيتخذون موقفا متشددا بشأن تمويل التطرف، مشيرين بذلك إلى قطر. وربما تكون هذه بداية النهاية لرعب الإرهاب!”.
لكن بعد مرور سنة على بداية الحصار، لم تكتف قطر بمواجهة العاصفة فحسب، بل ظهرت بحلة الفائز الرئيسي في الصراع. فقد فشلت اللجنة الرباعية في مهمتها التي تتمحور بالأساس على إجبار قطر على قبول 13 مطلبا على غرار إغلاق قناة الجزيرة فضلا عن وسائل إعلام أخرى تمولها الدوحة، والكف عن دعم مختلف الجماعات الإسلامية الإقليمية السنة والشيعة، علنيا. وقد تم اتهام قطر بدعم الحوثيين، الذين يعدون طرفا في حرب اليمن، حيث وصفه منتقدو الإمارة بالدعم الخائن.
مالت كفة الأزمة لصالح قطر، ولعل أوضح دليل على هذا الواقع الجديد هو سلسلة التصريحات التي أدلى بها ترامب للأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني خلال شهر نيسان/ أبريل
في الواقع، صممت هذه المطالب لتكون مستفزة لقطر ولترفضها في نهاية المطاف. وقد أوضح مسؤولون خليجيون رفيعي المستوى ومتورطين في الأزمة، في وقت سابق، أن المعسكر السعودي كان غير مقتنع بأن دولة قطر، حتى لو وافقت على تطبيق المطالب، ستغير حقا من سلوكها. فقد كان الهدف الحقيقي للرباعية هو جعل قطر دولة تابعة غير قادرة على ممارسة أية سياسة خارجية مستقلة. ولتحقيق هذه الغاية، شن المعسكر السعودي حملة علاقات عامة واسعة النطاق في العواصم الغربية لزيادة الضغط الدبلوماسي على قطر وتأليب الرأي العام الدولي ضدها.
بعد كل التدابير، مالت كفة الأزمة لصالح قطر، ولعل أوضح دليل على هذا الواقع الجديد هو سلسلة التصريحات التي أدلى بها ترامب للأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني خلال شهر نيسان/ أبريل. فقد هاجم ترامب المملكة العربية السعودية، وأقر بالتقدم الذي أحرزته قطر فيما يخص ملف تمويل الإرهاب. وبدلاً من إقناع المعلقين والسياسيين في الغرب بأن قطر تواجه مشاكل خطيرة تحتاج إلى معالجتها، فعلت قطر العكس. ويعود ذلك إلى حد كبير لعدم توقع اللجنة الرباعية أن تنظم قطر حملة علاقات عامة فعالة خاصة بها في الغرب.
ووفقا لتقديرات أحد المصادر، الذي كان على اطلاع بجهود الضغط التي تبذلها الدول الخليجية في الولايات المتحدة، أنفقت قطر حوالي 1.5 مليار دولار على جهود العلاقات العامة التي تبذلها منذ اندلاع الأزمة. ومن المتوقع أن تنفق المملكة العربية السعودية مبالغا مماثلة. وعلى عكس الدول الأخرى التي واصلت الجهود التي كانت تبذلها حتى قبل الأزمة، على غرار الإمارات العربية المتحدة والرياض والدوحة، الذين سرّعوا من وتيرة جهود الضغط في مجال العلاقات العامة قبل الفترة التي سبقت الأزمة وخلالها. فعلى سبيل المثال، تم إلغاء الحملات الإعلانية على قنوات على غرار “سي إن إن” من خلال نشر الإعلانات المضادة على نفس القنوات.
نصّبت قطر، التي “طُردت” من التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية، نفسها كمؤيدة للقضايا العربية والإسلامية، بدلاً من أن تسعى وراء تحقيق مكاسب جيوسياسية مثيرة للجدل
نتيجة لذلك، عانت دول المجموعة الرباعية من نكسات شوهت سمعتها عوضا عن قطر. فقد تم تقويض الجهود، التي بذلتها المملكة العربية السعودية منذ فترة طويلة لانتقاد دعم الدوحة للتطرف في أماكن على غرار سوريا وليبيا، من قبل الحملات التي تلت اندلاع الازمة. وقد تمكنت قطر من تصوير مثل هذه المزاعم على أنها جزء من حملات مدفوعة تشنها المملكة.
إلى حد كبير، ساهم حدوث تطورين سياسيين على الصعيد الإقليمي في تلميع صورة قطر خلال الأزمة. فقد تمثّل التطور الأول في أن قطر، لأسباب غير مرتبطة بالحصار قلّصت من حجم مشاركتها مع الجماعات المتطرفة في سوريا. ومع اكتساب الحكومة السورية زخماً في الحرب الأهلية، قلّصت قطر من حجم الدعم الذي تقدمه لبعض الجماعات المتمردة على غرار حركة أحرار الشام الإسلامية المتمركزة في شمال سوريا. في الأثناء، أصبحت تركيا بدلا من ذلك الراعي الرئيسي لهذه الجماعات. وعلى الرغم من أن هذه التطورات لم تُحدث أي تحول استراتيجي كبير، بيد أنها ساهمت في حصول الدوحة على الثناء من قبل نقادها السابقين في الغرب.
من جهة أخرى، تمثل التطور الثاني في صعود محمد بن سلمان الذي أصبح ولي العهد السعودي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من بداية أزمة قطر. وقد كان لظهور محمد بن سلمان نتائج متضاربة بالنسبة لقطر. فمن جهة، كان بن سلمان قادرا على استخدام النزاع مع قطر بفعالية لحشد الدعم لصالحه على الصعيد المحلي وتوجيهه ضد أعداء البلد الإقليميين. وقد وُصف نقاد الزعيم السعودي الجديد بعملاء قطر؛ وسرعان ما أدرك رجال الدين وغيرهم من المواطنين السعوديين المؤثرين أنهم كانوا مطالبين بإعلان عدائهم لقطر وفي الوقت نفسه ولائهم المطلق وغير المشروط لولي العهد.
لا تزال المملكة العربية السعودية وحلفاؤها يعربون بصفة علنية عن اتباعهم لسياسات خارجية معارضة للحركات الإسلامية والثورية
من جهة أخرى، شوّهت سياسة محمد بن سلمان الخارجية، فضلا عن الإجراءات الصارمة التي اتخذها على الصعيد المحلي، التصورات الدولية للسياسات السعودية. وقد استفادت قطر من هذه الديناميكية بشكل مباشر نظرا لأن النقد الموجه إلى الزعيم السعودي طغى بشكل متزايد على القضايا الإقليمية الأخرى. وبسبب حرب اليمن، وجهت الكثير من البلدان الغربية فضلا عن دول الشرق الأوسط أصابع الاتهام نحوه، نظرا لأنه تم إطلاق هذه الحرب بعد شهرين تقريبًا من تعيينه وزيرًا للدفاع في المملكة خلال كانون الثاني/ يناير سنة 2015.
نصّبت قطر، التي “طُردت” من التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية، نفسها كمؤيدة للقضايا العربية والإسلامية، بدلاً من أن تسعى وراء تحقيق مكاسب جيوسياسية مثيرة للجدل. وفي الحقيقة، حدثت ديناميكية مماثلة بعد تقارب السعودية مع إسرائيل. فقد راجت المعلومات حول تقارب العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل قبل اندلاع الأزمة القطرية، التي كان ينظر إليها على أنها جزء من تحالف إقليمي معاد لإيران. في المقابل، فتح عدوان المملكة العربية السعودية المتنامي في المنطقة المجال أمام قطر لتصويره على أنه تحالف رجعي بالأساس.
علاوة على ذلك، لعبت الديناميكية الأخيرة دورا مهما لإعادة توازن المنطقة على الصعيد الجغرافي والسياسي والاجتماعي في خضم صراع قطر. وفي حين تميل حكومات المجموعة الرباعية المعادية لقطر إلى تصوير إيران ووكلائها باعتبارها التهديد الأعظم في المنطقة، إلا أن العرب في مختلف أنحاء الشرق الأوسط يتجهون نحو رؤية اللجنة الرباعية باعتبارها دول استبدادية متآمرة ضد طموحات التغيير السياسي في المنطقة نظرا لأنهم يعارضونها باستمرار منذ اندلاع الانتفاضات العربية خلال سنة 2011.
اعترف مسؤول عربي كبير، أثناء حوار أجراه مع مجلة فورين بوليسي أنه يظن أن قطر فازت بحرب العلاقات العامة وتمكنت من لعب أوراقها بشكل صحيح
حتى اللحظة، لا تزال المملكة العربية السعودية وحلفاؤها يعربون بصفة علنية عن اتباعهم لسياسات خارجية معارضة للحركات الإسلامية والثورية. وعلى النقيض من ذلك، يُنظر إلى قطر على أنها صديقة للقوى السياسية في جميع أنحاء العالم العربي التي تريد التغيير، ناهيك عن أنها صورت نفسها على أنها ضحية “الغدر” السعودي.
من المرجح أن تفوز قطر بالأزمة في محكمة الرأي العام، إلا أن المعسكر السعودي يرى نفسه فائزا نظرا لأنه تمكن من تغيير الكثير من الحقائق على أرض الواقع. ومن منظور المعسكر السعودي، سمحت له أزمة قطر برسم الخريطة العسكرية والسياسية للمنطقة، بعد أن فرضت حصارا اقتصاديا على قطر استمر حتى اللحظة الراهنة.
بالنسبة إليهم، أضحت الدوحة، في الوقت الحالي، غير قادرة بصفة كبيرة على لعب دور المخرب في دول على غرار ليبيا واليمن والعراق ومصر. ويعزى التقدم العسكري الذي أحرزه قائد المنطقة الشرقية في ليبيا خليفة حفتر بعد شهر من الأزمة إلى تنامي الدعم الذي تلقاه من قبل كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، على خلفية حالة الشلل التي أصابت قطر خلال الأسابيع الأولى من الأزمة.
بالإضافة إلى ذلك، اعترف مسؤولون خليجيون يعارضون الدوحة سرا بأن منافسهم القطري يكتسب جانبا حيويا من الصراع. وقد اعترف مسؤول عربي كبير، أثناء حوار أجراه مع مجلة فورين بوليسي أنه يظن أن قطر فازت بحرب العلاقات العامة وتمكنت من لعب أوراقها بشكل صحيح. كما أضاف هذا المسؤول قائلا: “إذا ما كنت محل قطر، فسأترك الرأي العام الدولي يقرر بدلا عني. فمن جهة، نجد قطر الصغيرة التي تكالبت من أجلها دول كبيرة. ومن جهة أخرى، توجد السعودية المناهضة لها. لذلك، من الطبيعي أن تساند العديد من الأطراف قطر”.
المصدر: فورين بوليسي