أطلقت الجزيرة أمريكا موقعها التجريبي استعداداً لاطلاق قناتها الجديدة “الجزيرة أمريكا” يوم ٢٠ أغسطس الجاري،
وكانت الجزيرة قد أعلنت بداية العام الجاري عن توصلها مؤخرا لصفقة تتيح لها أن تكون القناة الإخبارية الدولية الأكثر توزيعا في تاريخ الإعلام الأمريكي٬ عبر الوصول إلى أكثر من 40 مليون منزل أمريكي٬ وذلك بعد أن أنجزت صفقة شراء قناة (كرنت تي في). و تسعى شبكة (الجزيرة) ٬ و مقرها الرئيسي في الدوحة ٬من خلال شراء قناة ( كرنت تي في ) الامريكية الوصول الى اكثر من 120 مليون مشاهد امريكي.
الجزيرة كشفت عن فريقها التنفيذي في القناة الوليدة، والذي ضم إيهاب الشهابي مسؤولا تنفيذيا أعلى للجزيرة أمريكا
الشهابي الذي أشرف على مكاتب القناة العالمية وشارك في إطلاق قناتي الجزيرة في البلقان وتركيا فيما عُينت الصحافية المخضرمة في قناة اي بي سي كايت أوبراين رئيسة للقناة.
كانت تلك هي الأخبار التي صدرت في البيان الصحفي للجزيرة، إلا أن هناك بيانا آخر أصدرته القناة، حمل أخبارا أقل ما توصف به أنها “غريبة”، فقد قالت القناة الجديدة في بيان لها عنونته بـ”اعلان هام لمشاهدي الجزيرة الإنجليزية”، أنه مع إطلاق قناة الجزيرة أمريكا في العشرين من أغسطس آب الجاري، فإن قناة الجزيرة الانجليزية لن تصبح متاحة على التلفاز أو عبر البث المباشر على الانترنت داخل الولايات المتحدة.
Attention Al Jazeera fans in the US: Al Jazeera America launches on August 20. Find out how to get it here: https://t.co/9eeiJsXNIi
— Al Jazeera America (@ajam) August 8, 2013
البيان المقتضب يحمل من التساؤلات أكثر بكثير مما يجيب، خاصة مع أخبار تناقلها العاملون بالشبكة تقول بأن وقف البث لن يقتصر فقط على الجزيرة الانجليزية، بل سيمتد ليشمل القناة العربية كذلك، فما الذي يدفع شبكة بحجم الجزيرة لوقف بث أهم قنواتها في الولايات المتحدة، مقابل قناة واحدة؟ وهل تتنازل الجزيرة في قناتها الجديدة عن خطها التحريري الذي تحتفظ به في قناتيها العربية والانجليزية؟
إيقاف بث القناة التي تتمتع بنسب مشاهدة عالية في أمريكا الشمالية يطرح العديد من التساؤلات، فتعليقات المشاهدين على الخبر لم تكن مشجعة إطلاقا، بل حذر بعضهم من أن القناة ستضجر “كل مشاهديها” في الولايات المتحدة اذا قررت غلق البث المباشر على الانترنت للقناة الانجليزية التي حققت نجاحات هائلة مع عمرها القصير.
As @dsearls writes, Al Jazeera is "stiffing their entire online audience in the U.S." by ending its live stream https://t.co/m08SuWXVtz @ajam
— Jay Rosen (@jayrosen_nyu) August 12, 2013
Bad news for Al Jazeera English fans https://t.co/PAb8lIhslf
— HuffPost (@HuffPost) August 3, 2013
@ajam – keep AJE live stream as my cable provider will not carry AJAM.
— Mahmud Noormohamed (@mnoormo1) August 12, 2013
لمخاوف من أن تفقد الجزيرة أهم ميزاتها النوعية كقناة “حرة” تعبر عن أصوات من لا صوت لهم، مخاوف حقيقية يتساءل عنها المشاهد كما يتساءل عنها العديدون من العاملين داخل القناة الذي يدور في أروقتها وداخل بريدها الداخلي حديث قلق عن “صفقة” غير مكتوبة وغير معلنة تتيح للجزيرة العمل في السوق الأمريكية بما يسمح به الفضاء الأمريكي، لا ما تمليه القيم التي جعلت من الجزيرة أحد أهم شبكات الأخبار في العالم إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
فعقب الأنباء عن إطلاق الجزيرة أمريكا، كان أمام الشبكة اختيارين لعملها في الولايات المتحدة، الأول أن تحتفظ الجزيرة بحدتها وحيويتها، وربما مصداقيتها، رغم ما جرته عليها تلك الحدة من سمعة في الولايات المتحدة كقناة رافضة للأمركة أو قناة ضد اسرائيل، بل وفي بعض الأحيان قناة داعمة للإرهاب. أو الاختيار الثاني بأن تصبح الجزيرة نسخة أخرى من شبكات مثل سي ان ان، تحاول استرضاء المشاهد الأمريكي والمعلنين والسياسيين داخل الولايات المتحدة والذين ستحتاجهم الجزيرة بالطبع كي يظهروا على شاشتها بشكل يومي.
وبحسب رسالة داخلية سُربت للغارديان، أرسل مروان بشارة، المحلل السياسي الأبرز لقناة الجزيرة الإنجليزية، ومذيع برنامج “الإمبراطورية” على القناة نفسها، أرسل رسالة لعدد من المسؤولين التنفيذيين في الشبكة عبر فيها عن مخاوفه الشديدة من الاتجاه الذي تسير فيه القناة الجديدة.
تساءل بشارة في رسالته الغاضبة عما إذا كانت “القناة قد وقعت على صفقة تضمن أن تكون برامج القناة الجديدة ومحتواها مخالفة للقناة الانجليزية، وهل يعني الخوف من خرق التعاقدات، أن يفعل البعض ما يريدون بالجزيرة؟ بما فيها منع القناة الانجليزية من البث داخل الولايات المتحدة؟”
وتساءل بشارة عن الاسباب التي تجعل الجزيرة تعد استفتاء داخل الولايات المتحدة يتضمن سؤالا عما إذا كان المشاهد الأمريكي يعتبر أن الجزيرة تعمل “ضد أمريكا” كما تساءل المحلل السياسي الأول للجزيرة عن معنى المصطلح ذاته ” ضد أمريكا Anti America” وعما اذا كان يعتقد معدو الاستفتاء أن انتقاد حكومة الولايات المتحدة وسياساتها يعد عملا “ضد أمريكا”
ووجه بشارة انتقادا حادا لإيهاب الشهابي، الذي درس في جامعة جورج تاون، وله خبرة كبيرة في المجال الاداري، قائلا “طموحك الشخصي يقودك إلى طريق خاطئة”، منتقدا فخر الشهابي بمقابلة رام ايمانويل، أحد أقوى الداعمين لإسرائيل في البيت الأبيض والذي يعمل الأن عمدة لمدينة شيكاغو الأمريكية. كما أنهى بشارة كلامه الموجه للمدير التنفيذي المؤقت للقناة الوليدة قائلا “الصحافة ليست تخصصك. لذلك فليس عليك فعل سوى ما تجيده”
وختم بشارة رسالته قائلا “لو خذلنا أمريكا مع وقت إطلاق القناة، فسيصبح من الصعب للغاية تحسين الصورة التي شُوهت أو المصداقية التي تنازلنا عنها”
وانتقد موظف آخر في الشبكة رفض الإفصاح عن اسمه في تصريحات للغارديان، إدارة القناة قائلا أنهم “قلقون للغاية بشأن اللوبي الإسرائيلي”، محذرا من أن خط القناة الذي تعتزم القناة اتخاذه سيجعل القناة تبدو قناة وسيطة بين سي ان ان، وام اس ان بي سي، وهو ما لن يشاهده أحد، بحسب تعبيره
من ناحية أخرى فمن المؤكد أن المشاهد العربي لن يقبل بسهولة أن تكون هناك قناة أخرى تابعة لشبكة الجزيرة، تخالف السياسة التي دأبت القناة على ترسيخها في عقول مئات الملايين من المشاهدين على مدار السنوات الستة عشر التي عملت فيها القناة.
فالقناة التي اعتقل الأمريكيون طواقمها، وسجنوا بعضهم في غوانتانامو، وقتلوا بعضهم الآخر، وساوموا بوضوح على خروج بعض مذيعيها من أماكن الصراع قبل أي اتفاقيات لوقف إطلاق النار كما حدث في الفلوجة إبان حرب العراق. القناة التي لديها مثل هذا الرصيد في ذهن المشاهد العربي لن يمكنها الحفاظ عليه في حالة أخلت بسياستها الواضحة في قناة أخرى لمجرد أنها تريد الوصول لعدد أكبر من المشاهدين.
تخوفات القناة ربما تكون مبررة، لكن لا شيء يمكنه أن يبرر الحياد الذي طالما انتقدته القناة التي ترفع شعارها “مع الإنسان” .