منذ الثورة الليبية عام 2011 التي أسقطت نظام معمر القذافي لم يعرف الجنوب الليبي الاستقرار، وكان الاقتتال يشتعل بين الفترة والأخرى بين القبائل في المنطقة الجنوبية، لتتواتر معلومات وأنباء من الجنوب الليبي عن إقامة معسكرات لمجموعات مسلحة قادمة من إفريقيا، ليبرز سؤال داخل المجتمع الليبي: ماذا يحدث في الجنوب الليبي؟
معسكرات إفريقية في الجنوب
وصرّح وزير الخارجية الليبي محمد سيالة، أن حركات المعارضة الإفريقية استغلت الظروف الأمنية التي يواجهها الجنوب الليبي وشرعت في بناء معسكرات للتدريب في المنطقة، الأمر الذي يمثل انتهاكًا صارخًا للسيادة الليبية.
وتعقيبًا على تصريح وزير الخارجية الليبي، يعتبر الكاتب عبد الله الكبير أن حركات المعارضة الإفريقية استغلت حالة الفراغ الأمني في الجنوب وبدأت في محاولة ملء هذا الفراغ، مشيرًا إلى أن المعارضة الإفريقية لم تتحرك في الجنوب إلا بعد أخذ الإذن من المخابرات الأجنبية.
وفي حديثه لـ”نون بوست” أوضح عبد الله الكبير أن أطماع الدول في ليبيا كبيرة من بينها فرنسا التي تعتبر اليوم المتهم الوحيد في عدم استقرار الجنوب وأعطت الضوء الأخضر للمجموعات المسلحة بزعزعة المنطقة.
عزّز الانقسام السياسي في ليبيا ضعف سيطرة الحكومات على المنطقة الجنوبية لينعكس الصراع بين الشرق والغرب على الجنوب الليبي ليكون الانقسام السياسي محركًا رئيسيًا للصراع في الجنوب
ويختتم الكبير حديثه أن الجنوب اليوم يعتبر قنبلة موقوتة باستقرار عدد كبير من المسلحين غير الليبيين الذين دخلوا إلى أراضي ليبيا في أعقاب الثورة الليبية، وأقاموا معسكرات تدريبية في الجنوب وعززوا من نفوذهم، وسيشكل هؤلاء خطرًا على ليبيا ودول الجوار.
ضرب دول الجوار الليبي
عزّز الانقسام السياسي في ليبيا ضعف سيطرة الحكومات على المنطقة الجنوبية لينعكس الصراع بين الشرق والغرب على الجنوب الليبي ليكون الانقسام السياسي محركًا رئيسيًا للصراع في الجنوب.
يقول المحلل السياسي السنوسي إسماعيل إن إحالة الاستقطاب التي شهدها الجنوب واصطفاف القبائل وراء جهات سياسية عززت من حالة التشظي بين القبائل الموجودة، لتحاول المجموعات المسلحة القادمة من خارج ليبيا تعزيز نفوذها في ليبيا.
ويستكمل السنوسي حديثه لـ”نون بوست” قائلاً إن حركة العدل والمساواة السودانية والمعارضة التشادية يحاولان ضرب الاستقرار في الدول المجاورة لليبيا وخاصة دولتي السودان وتشاد انطلاقًا من معسكرات في الجنوب الليبي.
يقول المتحدّث باسم مجلس حكماء سبها حسن الرقيق إن الجنوب الليبي يحتاج اليوم لقوى عسكرية منظمة لتسيطر على المنطقة وتضبط الحدود الليبية الجنوبية، معتبرًا أن هذه القوى يجب أن تحصل على دعم قوي من الدول الكبرى لكي تمارس مهامها
توطين داخل ليبيا
ويرى المحامي الليبي سامي الأطرش أن الخطر الحقيقي هو رحيل عشرات العائلات الليبية من الجنوب إلى الشمال وخاصة إلى طرابلس بعد أن ضيق الخناق عليهم وأصبحت غير قادرة على تأمين نفسها، مشيرًا إلى القبائل الإفريقية بعد سقوط النظام خصوصًا التي لها امتدادات في المنطقة بين عدة دول في منطقة الساحل، من الهجرة إلى الجنوب الليبي، وتمكن الكثير من أبناء تلك القبائل من تزوير الهويات الليبية والانخراط في الصراع الأهلي في ليبيا.
ويعتبر الأطرش في حديثه لـ”نون بوست” أن هناك بعض الحكومات الإفريقية تحاول حل مشاكلها الداخلية عن طريق تصدير هذه المشاكل لليبيا، معتبرًا أن هناك بعض القبائل في تلك الدول كانت تمارس دور المعارضة المسلحة التي كانت لها أدوار سلبية في تعزيز الأمن والاستقرار بالمنطقة، فيما ترى هذه الدول أن توطين تلك القبائل في الجنوب الليبي هو الحل.
وتابع الأطرش لـ”نون بوست” قائلاً: “محاولة توطينهم في الجنوب الليبي بعد سقوط نظام القذافي كان الفرصة التاريخية لتلك الدول لتحقيق نوع من الاستقرار الأمني والسياسي لها، معتبرًا أن ما يحدث في الجنوب يصعب توقع نتائجه هذه الفترة ولكن ستكون عواقبه كارثية على مستقبل وحدة ليبيا”.
ضبط الجنوب الليبي
يقول المتحدّث باسم مجلس حكماء سبها حسن الرقيق إن الجنوب الليبي يحتاج اليوم لقوى عسكرية منظمة لتسيطر على المنطقة وتضبط الحدود الليبية الجنوبية، معتبرًا أن هذه القوى يجب أن تحصل على دعم قوي من الدول الكبرى لكي تمارس مهامها.
يرى مراقبون أن ما يحدث في الجنوب الليبي هو خطر قومي وتغيير ديمغرافي بطئ، قد ينتج عنه تغيير يشمل منطقة الساحل الإفريقي بالكامل
ورأى الرقيق في حديثه لـ”نون بوست” أن ضبط الجنوب الليبي أصبح ضروريًا جدًا في الفترة القريبة، معتبرًا قرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج بتشكيل لواء عسكري لتأمين الجنوب جاء متأخرًا ولكن هو الحل المبدئي لحماية المنطقة الجنوبية في الفترة الحاليّة.
ويرى مراقبون أن ما يحدث في الجنوب الليبي خطر قومي وتغيير ديمغرافي بطئ، قد ينتج عنه تغيير يشمل منطقة الساحل الإفريقي بالكامل، فرغم أن الجنوب الليبي لا يعد ملفًا رئيسيًا ضمن مبادرة باريس الأسبوع الماضي، ولكن الكل أجمع أن لا استقرار في ليبيا إلا باستقرار الجنوب.