لم تفارق صور وذكريات حرب 1967 ذهن السبعيني حلمي وهبه الذي شارك بها على جبهة غزة ضمن القوات الفلسطينية المصرية المشتركة، ولا تزال عالقة بذهنه مشاهد التدريب والتقدم نحو الأراضي المحتلة ثم الانسحاب المفاجئ.
ويروي وهبه ذكريات الاستعداد والحرب لموقع “نون بوست” قائلاً: “منذ العام 1965 انضممت للقوات الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير تحت قيادة ضباط فلسطينيين ومصريين، وتمت علمية التدريب في اللواء 108 تحت قيادة اللواء المصري حسين البياري”.
“وبعد الانتهاء توزعنا إلى الخدمة العسكرية في مختلف مناطق قطاع غزة وكنت في الخطوط المتقدمة للجيش وكنت أحمل رتبة “أمباشي” وهي تعادل عريف حاليًّا، وخلال عمليات الاستطلاع رصدت أراضي من البلاد المحتلة قبل بدء الحرب بالمنظار واستعدينا للدخول إليها قبل الحرب بأيام قليلة”، يضيف وهبه.
وفي يوم الـ5 من يونيو/حزيران توجهت كتيبة كاملة نحو الأراضي المحتلة ودخلت إليها بالفعل وتمركزت بها، ويشير السبعيني وهبة أنه في تلك اللحظات وطأت قدمه الأراضي التي شاهدها عبر المنظار.
وبقيت الكتيبة متمركزة في الأراضي المحتلة ساعات طويلة ولم يصطدموا بأي جندي إسرائيلي، وكان وهبة محظوظًا حيث لم يفارقه مذياع جيبه الذي كان سببًا في نجاته ونجاة كتيبته بأكملها، فبينما كان يستمع لإذاعة عبرية تنطق بالعربية، قالت تلك الإذاعة إن القوات الإسرائيلية احتلت سيناء والجولان والضفة، فأبلغ وهبة قائد الكتيبة بما حدث فأمر بانسحابهم جميعًا، والعودة إلى بيوتهم.
وهبه أضاف في حديثه لـ”نون بوست”: “بدأنا بالانسحاب تدريجيًا والعودة إلى المدن وغيرنا ملابسنا العسكرية بعد أن قدم لنا المواطنون ملابس مدنية، وأخفينا بنادقنا إما بوضعها وديعة لدى المدنيين أو بالدفن تحت التراب”.
بعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب استدعت “إسرائيل” المواطنين عن طريق جمعهم من سن الـ18 حتى الـ45 واستدعي وهبه معهم ونفتهم “إسرائيل” إلى ما بعد قناة السويس، واستقر الحال به الآن في جمهورية ليبيا
طريق طويل سلكه وهبة ورفاقه للعودة إلى بيوتهم، فهم يقطنون في مناطق تبعد ما لا يقل عن 45 كيلومترًا من منطقة الخدمة العسكرية، ويتابع حديثه اضطررنا أن نسلك طريق البحر الذي يصل بين محافظة رفح التي كنت أقطنها ومحافظة غزة مكان الخدمة العسكرية.
يقول “وصلت إلى ساحل مدينة رفح ومكثت 3 أيام لدى أسرة تعمل بالصيد وأخفيت عندهم بندقيتي وأعطوني ملابس مدنية لأتمكن من الوصول لبيتي بسلام”. وبعد فترة وجيزة من انتهاء الحرب استدعت “إسرائيل” المواطنين عن طريق جمعهم من سن الـ18 حتى الـ45 واستدعي وهبة معهم ونفتهم “إسرائيل” إلى ما بعد قناة السويس، واستقر الحال به الآن في جمهورية ليبيا العربية.
وفي نفس الشهادة على تلك الحرب يقول السبعيني موسى الحمارنة لموقع “نون بوست”: “تدربت في معسكرات فلسطينية مصرية مشتركة على اللياقة البدنية والعسكرية واستخدام السلاح، وقبل الحرب بأيام تم استدعاء الكتيبة 22 إلى محافظة غزة حي اليرموك لحماية المنشآت المدنية تحت قيادة النقيب أحمد عمارة”.
وبقي الحمارنة يحرس في حي اليرموك متسلحًا ببندقية كارلو ستاف وجهاز الإشارة اللاسلكي R105، حتى باغتتهم القوات الإسرائيلية واعتقلتهم جميعًا ورحلتهم إلى سجن مدينة بئر السبع المحتلة”. ومكثوا بها 3 أيام قاسية حيث معتقل تحيط به أسلاك شائكة وكلاب حراسة ضخمة ومعاملة سيئة من السجانين وأكل لا يتجاوز كسرة خبز وخضار، ثم نفت “إسرائيل” المعتقلين الذي لديها إلى مصر عبر شاحنات ترحيل مرهقة ومتعبة.
الباحث في التاريخ الفلسطيني وليد العقاد: “قاومت القوات الفلسطينية المصرية التقدم الإسرائيلي في بعض المناطق وكانت مقاومة شديدة وباسلة حتى استشهد وأسر عدد منهم”
تلقفت القيادة المصرية ومنظمة التحرير الجنود المبعدين إلى مصر؛ ليتم إعادة تكوينهم في الخارج وتشكيل وحدات عسكرية مقاتلة لتقاتل مرة أخرى من الخارج، وفي ذلك يقول الحمارنة: “عملت في هذه الوحدات ضمن لواء عين جالوت في لبنان”، ويضيف “تنقلت مقاتلاً بين عدة دول عربية مثل سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن والجزائر حتى انتهى بي المطاف في بلدي غزة عام 1994 مع مجيء السلطة الفلسطينية إلى غزة والضفة وعملت ضابطًا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية وحصلت على رتبة مقدم”.
من ناحيته قال الباحث في التاريخ الفلسطيني وليد العقاد: “قاومت القوات الفلسطينية المصرية التقدم الإسرائيلي في بعض المناطق وكانت مقاومة شديدة وباسلة حتى استشهد وأسر عدد منهم”.
وليد العقاد
ويقول: “رأيت بعيني عملية بطولية للضابط المصري محمد فتحي فرغلي، حيث تقدم جيب استطلاع إسرائيلي كان بداخله ضابط برتبة كولونيل، وانقض عليه الضابط المصري مع فرقته وقتل الكولونيل وحرسه وعثر على خرائط لمواقع عسكرية فلسطينية ثم أشعل الضابط النيران بالجيب”.
وفي تلك اللحظات رصدت المدفعية الإسرائيلية والدبابات اشتعال النيران بفرقة الاستطلاع وأطلقت النيران بكثافة، فأصيب الضابط فرغلي وتقدم العقاد الذي كان يبلغ آنذاك 17 عامًا برفقة عدد من السكان لإنقاذ فرغلي وتم إجلاؤه إلى ملجأ خاص ومكث به قليلاً حتى استشهد ودُفن في مدافن آل العقاد.
ما زال العقاد يحتفظ بخوذة وملابس الضابط المصري محمد فرغلي، واحتفظ ببطاقته العسكرية فترة طويلة حتى سلمها إلى الصليب الأحمر، ويحتفظ أيضًا ببنادق قديمة ومدفع قديم استخدم في حرب العام 1967 في متحف منزلي خاص به.
يقول لـ”نون بوست”: “بعد سقوط قطاع غزة بالكامل، نزح العديد من السكان إلى المناطق الغربية في محافظات القطاع وانسحبت بعض عناصر الجيش عبر طريق البحر إلى مصر والبعض الآخر تبقى بين المدنيين وعادوا إلى بيوتهم”.
وكانت تجمع القوات الإسرائيلية الشبان من سن 18 عامًا حتى الـ50 في مناطق معينة وتقوم بشكل مزاجي بإعدام أشخاص منهم أمام أهاليهم، وميزت العسكريين عن المدنيين من خلال قبضة اليد ولياقة البدن وطريقة المشي، فالعسكريون تميزوا بمشية منتظمة ولياقة وقبضة يد قوية”.
من ناحيته قال المؤرخ الفلسطيني سليم المبيض: “وجود “إسرائيل” كدولة معتدية قامت على الحروب والدماء وسط دول عربية يدفعها لشن الحروب لأداء دورها العسكري الوظيفي في المنطقة العربية”، وأضاف أن سبب الهزيمة العربية في حرب 1967 هو الدعم الأمريكي الفرنسي لـ”إسرائيل” واعتمادها على الكثير من المرتزقة المقاتلين بجانب قواتها. وتابع: كان أمام العرب الدعم السوفييتي كورقة رابحة لو تم استغلالها بشكل جيد وكان ممكن أن يحدث توازنًا أمام الدعم الأمريكي لـ”إسرائيل”.