ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد مر ما يزيد قليلًا على 20 سنة منذ أن نشرت شبكة “سي بي إس نيوز” الصور المؤلمة التي أثبتت أن الجيش الأمريكي كان يرتكب جرائم لا توصف ضد السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، مثل الاغتصاب، والإهانة، والقتل، والتعذيب النفسي والجسدي، والإذلال الجنسي.
وقد قوبل هذا الكشف عن الوحشية الأمريكية بالفزع في جميع أنحاء العالم، ولعب دورًا رئيسياً في قلب الرأي العام ضد حرب العراق.
في الأيام الأخيرة، أصبح من الواضح جداً أن شيئاً مماثلاً لأبو غريب – وربما أسوأ بكثير – كان يحدث في السجون الإسرائيلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر عندما اندلعت الحرب على غزة.
ففي هذا الأسبوع؛ تم تسريب لقطات فيديو مروعة لجنود إسرائيليين وهم يعتدون جنسيًا على معتقل فلسطيني، وتزامن ذلك مع تقرير صادر عن منظمة بتسيلم الإسرائيلية لحقوق الإنسان يسلط الضوء على سياسة الدولة في إساءة معاملة السجناء وتعذيبهم بشكل منهجي منذ بداية الحرب.
إن قراءة هذا التقرير أمر مؤلم للغاية، فهو يستند إلى مقابلات مع 55 فلسطينيًا اعتقلوا منذ الهجوم الذي قادته حماس على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ويقدم أدلة على المعاملة المهينة والضرب التعسفي والحرمان من النوم، فضلاً عن “الاستخدام المتكرر للعنف الجنسي بدرجات متفاوتة من الشدة”
ويقول فادي بكر، 25 سنة، متذكرًا أن القوات الإسرائيلية “أطفأوا السجائر في فمي وعلى جسدي. ووضعوا مشابك كانت موصولة بشيء ثقيل على خصيتيّ. استمر الأمر على هذا النحو لمدة يوم كامل حتى تورمت خصيتاي ونزفت أذني اليسرى”.
وقال إن المحققين سألوه عن قادة حماس وأشخاص لا يعرفهم ثم قاموا بضربه، مضيفًا: “ثم أعادوني مرة أخرى إلى الغرفة المتجمدة مع موسيقى الديسكو الصاخبة، وتركوني هناك مرة أخرى عاريًا لمدة يومين”، فيما عنونت منظمة بتسيلم تقريرها بـ”مرحبًا بك في الجحيم”.
تطبيع الاغتصاب
وفي حين نفت السلطات الإسرائيلية مثل هذه الروايات؛ يأتي هذا التحليل بعد أيام فقط من اعتقال تسعة جنود على خلفية اغتصاب سجين فلسطيني في معتقل “سديه تيمان” سيء السمعة، وأفادت التقارير أن الضحية تعرض لإصابة بالغة في فتحة الشرج، وتمزق في الأمعاء، وتلف في الرئة وكسور في الأضلاع.
بالإضافة إلى ذلك؛ نشر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي تقريرًا كشف عن انتهاكات مروعة في المنشآت العسكرية والسجون الإسرائيلية؛ حيث توفي ما لا يقل عن 53 فلسطينيًا منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
كيف التزم السياسيون الغربيون الصمت على هذه الفظائع؟ أين الغضب الشعبي العارم؟
يبدو أن القادة الإسرائيليين قد نجحوا في حملتهم لتطبيع الاغتصاب والانتهاكات الأخرى ضد الأسرى الفلسطينيين، فبعد اعتقال الجنود التسعة في معتقل “سديه تيمان”؛ انضم عدد من أعضاء الكنيست إلى المتظاهرين اليمينيين المتطرفين الذين اقتحموا المعتقل، وقال وزير العدل ياريف ليفين إنه “صُدم لرؤية الصور القاسية لاعتقال الجنود”، مضيفًا أنه “من المستحيل قبول ذلك”.
وذهب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير إلى أبعد من ذلك قائلًا: “أوصي وزير الدفاع وقائد [الجيش الإسرائيلي] والسلطات العسكرية أن يتعلموا من مصلحة السجون – لقد انتهى التعامل اللطيف مع الإرهابيين. يجب أن يحظى الجنود بدعمنا الكامل”.
وأعلن وزير الطاقة إيلي كوهين عن دعمه القوي “لجنود الاحتياط الذين يقومون بعمل مقدس ويحرسون إرهابيي حماس الحقيرين”، مضيفًا “علينا جميعًا أن نحتضنهم ونحييهم، وبالطبع لا أن نحقق معهم ونهينهم”.
ربما كان الهدف الحقيقي من الاعتقالات هو ببساطة الإيحاء بأن إسرائيل تتخذ إجراءات داخلية ضد هذه الفظائع، في محاولة لتجنب المحاكمات الدولية لجرائم الحرب في لاهاي. فوفقًا لتقرير صدر مؤخرًا عن موقع واي نت، قال مسؤولون قانونيون إسرائيليون كبار “من الأفضل أن نقوم نحن بالتحقيق. التحقيقات الداخلية تجنبنا التحقيقات الخارجية الدولية”
وفي مقال نشرته صحيفة “هآرتس” أواخر الشهر الماضي؛ أشارت أستاذة القانون أوريت كامير إلى تشريع تم تمريره قبل عام للسماح بتشديد العقوبة في حالات الفلسطينيين الذين يعتدون جنسياً على النساء اليهوديات. وكتبت أنه بعد مرور عام، “لم تعد أجزاء من المؤسسة الإسرائيلية ترضى بمضاعفة العقوبة فقط… كان تعديل قانون الدولة قبل عام مجرد مقدمة عندما كانوا لا يزالون مترددين ومقيدين”.
وتابعت قائلة: “أما الآن فقد أصبحت النية واضحة، إنهم يتخلون عن سيادة القانون في البلاد كليًا، ويطالبون بتطبيق قانون الانتقام القديم: العين بالعين والاغتصاب بالاغتصاب. أولئك الذين اعتقلهم [الجيش الإسرائيلي] كمشتبه بهم على خلفية هجمات 7 نشرين الأول/أكتوبر كان من المفترض، حسب رأيهم، أن يتم اغتصابهم أثناء احتجازهم من قبل الجنود الإسرائيليين اليهود”.
وأصبحت هذه الانتهاكات سائدة، هناك أدلة كثيرة، فأين الإدانة العالمية الواسعة؟
التواطؤ الغربي
تتفق الروايات التي أوردتها منظمة بتسيلم مع العديد من التقارير الأخرى التي تم تسريبها من السجون الإسرائيلية خلال الأشهر العشرة الماضية.
فقبل أربعة أسابيع، أجرينا مقابلة مع معتز عبيات في سريره في المستشفى في بيت لحم عقب إطلاق سراحه من السجن بعد تسعة أشهر من الاعتقال الإداري. وأخبرنا عبيات، الذي فقد أكثر من نصف وزنه في السجن، أنه تعرض طوال فترة سجنه للضرب والتنكيل والتعذيب والتجويع والحرمان من الماء.
وقال إن حالته ليست استثنائية، فكل السجناء الفلسطينيين الآخرين يواجهون نفس المعاملة، ولقد نُحتت معاناته التي لا يمكن تصورها على وجهه. وقد وقارن عبيات سجن النقب الذي كان محتجزًا فيه بالمنشآت الأمريكية سيئة السمعة في خليج غوانتانامو وأبو غريب.
لم يتم اتهامه بأي جريمة، وقد بدا مرعوبًا وهو يتحدث، وأخبرنا أنه لا يصدق أن “أناسًا مسالمين لا يملكون أي سلطة يمكن تجويعهم وتعذيبهم وقتلهم” في القرن الحادي والعشرين، دون حماية أو تمثيل قانوني أو غضب دولي.
لا يوجد حتى الآن أي احتجاج دولي، والمثير للاستغراب أنه لم يكن هناك حتى أي تعليق. فرغم سيل الأدلة التي ظهرت في الأيام الأخيرة، لم يصدر أي شيء من القادة الغربيين؛ لا من الرئيس الأمريكي جو بايدن أو نائبته كامالا هاريس. وصمت كير ستارمر، رئيس الوزراء البريطاني الذي ألقى بثقله وراء سياسة العقاب الجماعي الإسرائيلية في غزة.
كما لم نسمع شيئًا من رئيس الوزراء السابق، ريشي سوناك، الذي سبق أن تعهد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدعمه “القاطع”. وقد التزمت وسائل الإعلام البريطانية الصمت إلى حد كبير، باستثناء صحيفة الغارديان المشرفة التي قدمت تغطية كاملة لتقرير بتسيلم.
من الصعب فهم هذا الصمت الجماعي من قبل السياسيين ووسائل الإعلام حول سلوك إسرائيل الوحشي بالنظر إلى أننا نتحدث عن جرائم حرب ممنهجة ارتكبت على نطاق مروع من قبل دولة تخضع بالفعل للتحقيق في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية المحتملة.
إن صمتهم يرقى إلى درجة التواطؤ، أما بالنسبة لـ”إسرائيل”، فيبدو أن غالبية الطبقات السياسية والإعلامية لا ترى أن هناك خطأ كبيرًا في تعذيب السجناء وإساءة معاملتهم، بل إن بعض الوزراء يدافعون عن الجناة بشكل فعال.
وخلال مناقشة تلفزيونية جرت مؤخرًا، اقترح أحد المشاركين أن يكون استخدام الاغتصاب كشكل من أشكال التعذيب قانونيًا. في أي بلد آخر؛ كانت مثل هذه التعليقات الحقيرة ستتصدر الأخبار الرئيسية.
هذه علامات مجتمع مريض جدًا بالفعل؛ مجتمع تخطى حاجزًا غير مرئي إلى العنجهية، فلا توجد خطوط حمراء ولا احترام للقانون الدولي ولا مساءلة، وصمت الغرب يدل على أننا نحن أيضًا دخلنا نفس العالم الكابوسي الذي دخله بن غفير ونتنياهو.
المصدر: ميدل إيست آي