كيف باتت دول الشرق الأوسط تطمح لغزو الفضاء؟

lead_960_540

ترجمة وتحرير: نون بوست

قبل أكثر من ألف سنة، استهل العلماء والمفكرون الإسلاميون فترة مثيرة في تاريخ البشرية عكفوا خلالها على إجراء الكثير من الدراسات العلمية. فقد ترجموا أعمالا يونانية وسانسكريتية إلى اللغة العربية تتمحور حول علم الفلك، ووظفوها لتطوير أساليبهم الخاصة لرصد الأجسام السماوية الغامضة المتلألئة في سماء الليل.  كما سعى العلماء العرب إلى توثيق تحركات الشمس والقمر، وحساب قطر الأرض ومختلف الكواكب التي رأوها من الأرض، وتفكروا في مكانهم من الكون.

غالبا ما يشار إلى هذه الفترة المعروفة “بالعصر الذهبي” الإسلامي، التي امتدت من القرن الثامن حتى القرن الرابع عشر، خلال مناقشات علم الفلك التي تُجرى في بلدان الشرق الأوسط. وفي بعض الأحيان، تلقي هذه الإنجازات التاريخية في العالم العربي بظلالها على مساهمات المنطقة الحديثة في هذا المجال، على غرار الدراسة الاستقصائية التي قامت بها قطر للكواكب الواقعة خارج المجموعة الشمسية، التي جعلتها تنضم إلى قائمة الدول العالمية التي تتسابق من أجل إجراء د بحوث علمية عن الكواكب خارج نظامنا الشمسي، خلال سنة 2010.

في الواقع، خلد التاريخ أسماء الكثير من علماء الفلك العظماء من العصور الوسطى، ولكن حتى اللحظة الراهنة لم يسطع نجم سوى القليل منهم، على حد تعبير الأستاذ المساعد في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم، يورغ ماتياس ديترمان. وحيال هذا الشأن، أفاد ديترمان بأن “الوعي بالعلماء في العالم العربي يكاد يكون منعدما، خاصة بالمقارنة مع شخصيات أخرى، حيث يمكن لمعظم الأشخاص استحضار اسم إرهابي عربي، بيد أنهم لا يستطيعون تذكر اسم عالم عربي، ومن المرجح أن ذلك يرجع إلى وجود الكثير من الكتب التي تناولت موضوع الإرهابيين العرب”.

يورغ ماتياس ديترمان: لقد ظهر علم الفلك الحديث وعلوم الفضاء في البداية في العالم العربي، منذ سنة 1800، ليصبح موضوع بحث موسع، مقارنة مع جميع الأبحاث التي أجريناها حول العلوم العربية والإسلامية في العصور الوسطى والحديثة

يحاول ديترمان تغيير هذا التصور في كتابه الجديد بعنوان “علوم الفضاء والعالم العربي: رواد الفضاء والمراصد والقومية في الشرق الأوسط”. ومن خلال هذا الكتاب، تطرق ديترمان إلى أعمال وإنجازات العديد من العلماء والفلكيين في المنطقة من أول مرصد فضائي رسمي أنشئ في أواخر القرن التاسع عشر إلى الخطط التي وضعت لمهمة المريخ لسنة 2020. وقد تحدثت مع ديترمان حول هذه الفترة الجديدة في التاريخ، مع العلم أنه طرأت بعض التعديلات على المحادثة لتكون أكثر وضوحا.

مارينا كورين: ما الذي جعلكم تقررون ترك العصر الذهبي وراءكم وتركزون على الأبحاث الفضائية الحديثة في الشرق الأوسط؟

يورغ ماتياس ديترمان: لقد ظهر علم الفلك الحديث وعلوم الفضاء في البداية في العالم العربي، منذ سنة 1800، ليصبح موضوع بحث موسع، مقارنة مع جميع الأبحاث التي أجريناها حول العلوم العربية والإسلامية في العصور الوسطى والحديثة. ومنذ فترة طويلة، كان الاعتقاد السائد بفيد بأن العلم انتقل عبر التاريخ، وكان للعرب دور كبير في كتابة ذلك التاريخ في فترة معينة.

ظهر العلم منذ آلاف السنين مع البابليين القدماء، وربما الصينيين القدماء، ثم انتقل إلى الرومان واليونانيين، ثم ورثه العرب وحافظوا عليه وعمدوا إلى تطويره، ثم مرر العرب العلم إلى أوروبا خلال عصر النهضة، ثم انتقل إلى الولايات المتحدة التي أضحت، في الوقت الحالي، مركز العلوم العالمي.

مما لا شك فيه، لدينا الكثير من الكتب التي تثمن دور المفكرين العرب والمسلمين في العصور الوسطى في ترجمة وتعديل وتطوير المعرفة اليونانية والفارسية القديمة والمحافظة عليها. وهناك العديد من المراجع التي تتمحور حول كيفية نقل هذه المعرفة إلى أوروبا الحديثة. ووفقا لهذه الروايات، بمجرد بزوغ فجر الثورة العلمية في الغرب وفي أوروبا، التي كان روادها غاليليو وإسحاق نيوتن، غربت شمس العصر الذهبي في العالم العربي والإسلامي. وعموما، تعتبر هذه القصة إشكالية للغاية.

ديترمان: يتساءل العرب عن الخطب الذي أصاب هذه العلوم، معتقدين أن السبيل لاستعادتها هو العودة إلى إتباع تعاليم الدين الإسلامي على النحو الذي كان عليه أسلافهم منذ ألف سنة، وإحياء مقومات المجتمع العربي الإسلامي في ذلك الوقت

كورين: لماذا؟

ديترمان: ينبغي أن أقول إن هذا الأمر أكثر من مجرد قصة سردها الغرب، لأن أطوار القصة ذاتها متداولة داخل العالم العربي نفسه. وإنه لمن الخطر أن نشعر بحنين شديد إلى الاكتشافات العملية التي اتخذت موضعا لها في العالمين العربي والإسلامي قبل ألف سنة من اليوم، حيث يساهم هذا الحنين في إنشاء منظور شديد التراجع. ومن المرجح أن العرب يقولون لأنفسهم باعتزاز إنهم كانوا يعيشون عصرا ذهبيا منذ ألف سنة، بالتزامن مع التفوق الذي أحرزته علومهم آنذاك، فضلا عن تفاخرهم بكون علومهم كانت الأفضل في العالم في ذلك الوقت.

في المقابل، يتساءل العرب عن الخطب الذي أصاب هذه العلوم، معتقدين أن السبيل لاستعادتها هو العودة إلى إتباع تعاليم الدين الإسلامي على النحو الذي كان عليه أسلافهم منذ ألف سنة، وإحياء مقومات المجتمع العربي الإسلامي في ذلك الوقت. ومن شأن الإفراط في التركيز على هذا “العصر الذهبي” أن يساهم في تفشي التطرف والسلفية والعودة إلى النسخ السابقة من الإسلام.

لكنني، أريد رؤية العلماء ورواد الفضاء وعلماء الفلك العرب الذين يزخر بهم العالم في الوقت الحالي. وعلى الرغم من امتلاكنا للعديد من الجامعات والمؤسسات البحثية في كامل أرجاء العالم العربي، إلا أننا نعلم القليل نسبيا عما تختص فيه أو تنتجه. وربما يستطيع بعض المتعلمين، سواء في العالم العربي أو الغربي، أن يستحضر أسماء بعض العلماء العرب من العصور الوسطى، بيد أنني أعتقد أن عددا قليلا من الأشخاص يمكنهم تسمية عالم أو رائد فضاء عربي، وذلك حتى في الدول العربية نفسها. وهذا يعكس قلة الوعي بتاريخ العلماء في العالم العربي، خاصة بالمقارنة مع شخصيات أخرى.

كورين: ما الذي يعتقده علماء الفلك المعاصرون إزاء أسلافهم الذين عاشوا في القرون الوسطى؟

ديترمان: لا تزال هناك العديد من الشوارع التي سميت تيمنا بالكثير من علماء العصور الوسطى، وخير مثال على ذلك الطبيب والكاتب الفارسي العظيم في ذلك الوقت، ابن سينا

ديترمان: تعتبر هذه الفكرة حول العصر الذهبي جزءًا مهما من موروثهم، وكما هو الحال مع أي موروث آخر، يمكن تعبئته وتوظيفه لخدمة أغراض معينة. من هذا المنطلق، يمكن توظيف هذا الإرث لإقناع الحكومة بإنفاق الأموال على علوم الفضاء والفلك، وهو ما يعتبر أمرا مكلفا للغاية، حيث أن وضع رائد فضاء في مدار الأرض وبناء الصواريخ والتلسكوبات الكبيرة يتطلب أموالا طائلة. وفي أي بلد كان، يحتاج العلماء إلى إقناع السياسيين بضرورة إنفاق الحكومة لملايين ومليارات الدولارات لإنشاء تلسكوب فضائي جديد بدلا من مد الطرق وتشييد المستشفيات والمدارس وتطوير العتاد العسكري.

لا تزال هناك العديد من الشوارع التي سميت تيمنا بالكثير من علماء العصور الوسطى، وخير مثال على ذلك الطبيب والكاتب الفارسي العظيم في ذلك الوقت، ابن سينا. وفي الدوحة عاصمة قطر، حيث أقيم، هناك سلسلة من الصيدليات تحمل اسم ابن سينا. ويوجد متنزه علمي وتقني جديد نسبيا في قطر، صُمم اقتداءً بالمتنزهات العلمية في جامعة كامبريدج بإنجلترا أو المراكز التي تتواجد حول الجامعات الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية.

تعتبر هذه الخطوة جديدة نسبيا، خاصة وأن هذه المجمعات شُيدت باستعمال الزجاج والفولاذ، وتشبه إلى حد ما سفينة فضائية، حديثة جدا ومكلفة للغاية، لكنها تحتوي على قاعات اجتماعات تحمل أسماء هؤلاء العلماء العرب والمسلمين من العصور الوسطى. ولاتزال ذكرى العصر الذهبي، وهذا التراث، تحظى بمكانة كبيرة في مشهد العلوم الحديثة.

كورين: بالنسبة لك، أين تبدأ القصة الحديثة لعلوم الفضاء في الشرق الأوسط؟

ديترمان: لقد بدأت منذ القرن التاسع عشر، مع هذه الرؤية الجديدة للكون القائمة على مركزية الشمس، عندما تمت ترجمة العديد من البحوث الغربية إلى العربية، بما في ذلك، بحث حول النظام الشمسي والكواكب المختلفة. وفي تلك الفترة، أنشئت أول مراصد حديثة بالتلسكوبات، مثل مرصد الكلية السورية البروتستانتية، التي تعرف حاليا بالجامعة الأمريكية في بيروت، التي تأسست في سبعينيات القرن التاسع عشر. ويمكن أن نستشف بداية أطوار هذه القصة من خلال المراصد التي بنيت في مصر من قبل الحكومة المصرية والحكومة الاستعمارية البريطانية، التي احتلت مصر خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر.

ديترمان: يعتبر فاروق الباز واحدا من أشهر علماء الفضاء العرب

كورين: بالمرور إلى القرن التالي، كتبت قليلا حول عالم الفضاء المصري فاروق الباز، الذي عمل في السبعينيات مستشارا للرئيس المصري ومديرا في متحف سميثسونيان الوطني للطيران والفضاء في العاصمة واشنطن. كيف تمكن الباز من الجمع بين هذين العالمين؟

ديترمان: يعتبر فاروق الباز واحدا من أشهر علماء الفضاء العرب. لم يكن عالم فلك في البداية، وإنما تلقى تدريبات كجيولوجي سواء في مصر أو الولايات المتحدة، لذلك كان على دراية بأنظمة التعليم في كلا البلدين. وبعد أن تحصل على شهادة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد إجراء بحث ما بعد الدكتوراه في ألمانيا، حاول باز العودة إلى مصر مع زوجته الأمريكية وكان ينوي الاستقرار في بلده.

كان لديه ارتباط وثيق بمصر، لكنه شعر أن بلاده آنذاك لم تقدم له الفرص التي تتوافق مع طموحاته الكبيرة، لذلك هاجر إلى الولايات المتحدة حيث انخرط في برنامج أبولو للفضاء، الذي كان بصدد البحث عن علماء جيولوجيا لمساعدتهم على القيام بدراسة حول السطوح القمرية ومواقع الهبوط المحتملة.

كسائر الكثير من العرب في ذلك الوقت، تعرض الباز إلى قدر كبير من التمييز. ولم يكن الأمر سهلا بالنسبة له، لكنه كان ذكيا جدا وعمل بجد. وقد أصبح لاحقا، عضوا مهما في الدراسة المتعلقة بسطح القمر وفي تدريب رواد فضاء أبولو الذين قاموا برحلة إلى القمر.

كورين: يبدو أن هذه الحالة مماثلة لما حدث مع سلطان بن سلمان، أول رائد فضاء سعودي. بينما كان سلمان يستعد للطيران على متن مكوك الفضاء، قامت ناسا بجلب موظفين تابعين لشركة أرامكو، وهي شركة نفط سعودية لديها مكتب مجاور للناسا في مدينة هيوستن، لإخضاع رواد الفضاء التابعين للناسا دورة مكثفة لمدة يوم واحد حول الثقافة السعودية. لماذا يعتقد مسؤولو وكالة ناسا أن مثل هذه الخطوة ضرورية؟

ديترمان: إن دراسات البيولوجيا الحديثة ونوع الأخلاقيات المتعلقة بالحياة البشرية لاتزال تتطور في العالم العربي.

ديترمان: في ذلك الوقت، كان المواطن الأمريكي العادي وحتى رائد الفضاء الأمريكي لا يعرف سوى القليل عن المملكة العربية السعودية. وكانت معظم معلوماتهم حول الشرق الأوسط عبارة عن تخيلات وأفكار غريبة. وبمجرد أن يسمعوا شيئًا يخص المملكة العربية السعودية، ربما يتبادر إلى أذهانهم فيلم لورنس العرب والجمال والرمل، بالإضافة إلى الحريم والسلاطين والأمراء والشيوخ.

لم يعرف الكثير من الأمريكيين ما الفائدة من وجود رائد فضاء سعودي، وأي نوع من الأشخاص هو، وكيف سيتم إدماجه كأحد أعضاء الطاقم في المكوك الفضائي؟ لذلك ربما كان المسؤولون في إدارة ناسا يشعرون بالقلق من إمكانية حدوث حالات سوء فهم من الناحية الثقافية. وقد اتضح أن هذا الأمير السعودي، كان مثل العديد من النخبة السعودية في ذلك الوقت، أمريكيًا إلى حد كبير. لقد درس في الولايات المتحدة وكان مطلعا على الثقافة الأمريكية أكثر من رواد الفضاء الفرنسيين، وربما يتقن اللغة الإنجليزية أفضل منهم. ومع ذلك، كان المسؤولون في ناسا أقل قلقًا بشأن سوء الفهم الثقافي مع رواد الفضاء الفرنسيين.

كورين: لقد تطرقت إلى ذكر حكم أو فتوى أصدرها علماء الإسلام سنة 2014، التي تحظر الذهاب في مهمة إلى المريخ إذا كانت فرص الوفاة كبيرة. وتقول الفتوى “إن المشاركة في هذه الرحلة هي بمثابة انتحار”. كيف يمكن لبعض القيم الأكثر رسوخا في الإسلام، التي تعتبر قتل النفس خطيئة، أن تتعايش مع استكشاف الإنسان للفضاء، الذي يمكن أن يكون بدوره مميتًا؟

ديترمان: إن دراسات البيولوجيا الحديثة ونوع الأخلاقيات المتعلقة بالحياة البشرية لاتزال تتطور في العالم العربي. وسيكون لدى بعض الشخصيات في العالم الإسلامي، مثل أولئك الذين أصدروا هذه الفتوى، موقف صارم بشأن مسألة الانتحار، أو في الانتحار المحتمل. ولاشك في أن أي جماعة دينية تولي اهتمامًا كبيرًا لقيمة الحياة البشرية، فذلك لا يقتصر فقط على الديانة الإسلامية.

ديترمان:  تخطط الإمارات العربية المتحدة إلى العمل على مشروع آخر في آذار/ مارس من سنة 2117، الذي يتمثل في إنشاء مدينة كاملة على سطح المريخ في ظرف مائة سنة

كورين: ولكن هذا لم يمنع الدول الإسلامية من الذهاب في مهمات إلى المريخ.

ديترمان: في حالة دولة الإمارات العربية المتحدة، نرى أن الطموحات القومية والسياسية والاقتصادية تطغى على المخاوف الإسلامية عندما يتعلق الأمر بالبعثات إلى المريخ. ويبدو أن الإمارات العربية المتحدة تعتبر من أكثر الدول طموحا في المنطقة فيما يتعلق بالتخطيط لإرسال بعثات إلى المريخ. وبالتزامن مع الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ستقوم الإمارات بإرسال بعثة إلى المريخ سنة 2020، حيث سترسل مركبة فضائية لدراسة الغلاف الجوي للمريخ، ومن المفترض أن يصل المسبار إلى المريخ سنة 2021.

كما تخطط الإمارات العربية المتحدة إلى العمل على مشروع آخر في آذار/ مارس من سنة 2117، الذي يتمثل في إنشاء مدينة كاملة على سطح المريخ في ظرف مائة سنة. ومن الواضح أن تنفيذ فكرة هذا المشروع لا تزال بعيدة عن الواقع. وإذا كانت الإمارات ترغب حقًا في إنشاء مدينة على سطح المريخ، فهذا يعني أنها قد تخسر بعض الأرواح خلال هذه العملية، بشكل أو بآخر. وقد يكون هناك اعتراضات من قبل العلماء المسلمين على هذا النوع من المشاريع، إلا أن الإمارات لا زالت تطمح لذلك.

المصدر: الأتلانتيك