“للعام الثاني على التوالي لا أستطيع أنا وأبنائي أداء عمرة رمضان وهي التي كنا نحرص عليها منذ عشر سنوات، ما حال بيننا وبينها حائل مهما كانت شدته، لكن اليوم نحن ممنوعون مما اعتدنا عليه، والبركة في الأشقاء”.. بهذه الكلمات عبرت مريم وهي أم قطرية لأربعة أبناء، عن استيائها جراء القيود المفروضة من السلطات السعودية على المعتمرين القطريين.
مريم أوضحت في حديثها لـ “نون بوست” أنها فكرت أكثر من مرة هي وأبنائها بمساعدة شقيقها في السفر إلى المملكة لأداء مناسك العمرة بداية رمضان الحاليّ لكن الكثيرين حذروها مما يمكن أن تتعرض له هناك في ظل حالة الاحتقان الراهنة، معربة عن أسفها أن يصل الحال إلى أن تمنع من ممارسة شعائرها الدينية، قائلة “لم يدر بخلدي يومًا أن منعي من أداء أفضل وأحب العبادات إلى قلبي سيكون بيد مسلمين فضلاً عن كونهم جيران وأشقاء”.
فصل جديد من فصول الأزمة الخليجية، غير أنه هذه المرة لم يتعلق بمنع طعام أو شراب، أو حصار بري وجوي وبحري، أو حتى التفكير في عزل قطر عن محيطها الجغرافي، فالأمر تجاوز ذلك إلى منع الشعب القطري من أداء مناسك العمرة ومن بعدها الحج، ليترك في حلقهم غصة بات من الصعب محوها.
دومًا كان يحرص الآلاف من القطريين على أداء العمرة في العشر الأواخر من رمضان، لكنهم وللعام الثاني لم يستطيعوا ذلك، وفي الوقت الذي تقول فيه الرياض إنها ترحب بالقطريين لأداء مناسك الفريضة، يؤكد أصحاب الحملات القطرية أن مثل هذه البيانات لا تخرج عن كونها دعاية سياسية مع بقاء الوضع على ما هو عليه من رمضان الماضي دون أي تغيير.
ترحيب سعودي
في بيان لها، الثلاثاء 5 من يونيو/حزيران 2018 قالت وزارة الحج والعمرة السعودية إنها ترحب بالمعتمرين القطريين والقادمين من قطر لأداء مناسك العمرة في الأراضي المقدسة، وتحرص على تسهيل الإجراءات لهم، متهمة الدوحة بالتعنت تجاه عدم تمكين مواطنيها والمقمين بها من أداء مناسك الحج والعمرة.
الوزارة في بيانها أكدت التزامها بالقيود المفروضة سلفًا العام الماضي، لافتة إلى أنه من الممكن على المعتمرين القادمين من قطر أن يسجلوا بياناتهم عبر موقعها الرسمي، واستكمال إجراءات التعاقد إلكترونيًا مع شركات العمرة السعودية المصرح لها بتقديم الخدمات للمعتمرين، واختيار حزم الخدمات التي تتناسب مع رغباتهم كغيرهم من المعتمرين القادمين من مختلف أنحاء العالم.
وأضافت أن قدوم المعتمرين من قطر إلى الأراضي المقدسة، يكون جوًا عبر مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، وعن طريق شركات الطيران، ماعدا الخطوط القطرية، استنادًا إلى الحصار المفروض على قطر منذ أزمة الـ5 من يونيو/حزيران العام الماضي.
وزارة الحج السعودي ترحب في بيانها بالمعتمرين القطريين
استنكار قطري
يبدو أن بيان وزارة الحج السعودية لم يأت ثماره، فبعد ساعات قليلة من إصداره أبدت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية استغرابها الشديد مما ورد فيه بشأن حقوق المواطنين والمقيمين بدولة قطر في ممارسة الشعائر الإسلامية في الأراضي المقدسة.
الأوقاف القطرية أشارت أن بيان وزارة الحج السعودية لم يأت بجديد يدفع الأمور تجاه حلّ العراقيل القائمة منذ الـ5 من يونيو/حزيران 2017، وفق بيان الوزارة القطرية.
كما نفت – في بيان لها – ادعاء عدم تمكين دولة قطر المواطنين والمقيمين فيها من الحج والعمرة، مؤكدة استمرار العراقيل والإجراءات التعسفية التي تفرضها المملكة على قاطني دولة قطر، مؤكدة أن باب العمرة والحج عن طريق البر لا يزال مغلقًا تمامًا، والتوجه من مدينة الدوحة إلى مدينة جدةّ مباشرة أيضًا غير متاح.
وفي الوقت ذاته أشارت إلى أنه تم تسجيل حالات عديدة حاولت التوجه للعمرة في الفترة الماضية وتمّ منعها، مجددة دعوتها الجهات المعنية في السعودية إلى النأي بالشعائر الدينية عن التجاذبات السياسية، لا سيّما في هذه الأيام المباركة من الشهر الفضيل.
اتهمت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بقطر السلطات السعودية بالاستمرار في المراوغة وتضليل الرأي العام وتسييس الشعائر الدينية
دعاية سياسية
فريق آخر يرى أن التحرك السعودي محض محاولة لمكسب سياسي جديد بعد إدانات دولية متكررة لموقفها من منع أداء الشعائر الدينية لسكان قطر، يأتي في إطار السياسة الجديدة التي يتبعها ولي العهد محمد بن سلمان، نحو تصدير صورة تجميلية لبلاده خارجيًا بعد حجم الانتقادات غير المسبوق الذي تواجهه بسبب سياساتها الخارجية.
أدلة عدة ساقها أنصار هذا الفريق تفنيدًا لبيان السعودية الأخير الذي يرونه دعاية سياسية ليس أكثر من ذلك، إذ إن الواقع يقول عكس ذلك تمامًا، كون أن سفر القطريين والمقيمين لأداء العمرة غاية في الصعوبة إن لم يكن شبه مستحيل واصفين من يحاول ذلك بأنها “مغامرة غير محسوبة”.
منظومة الحج والعمرة بقطر تعتمد في ضلعها الأساسي على مكاتب الحج والعمرة العاملة فوق أراضيها، كونها حلقة الوصل بين المواطنين والسلطات السعودية لتييسر أداء المناسك لمن أراد، غير أنه وحين تلغي الرياض تلك المكاتب، فإنها تعرف تبعات ذلك جيدًا، حيث لا حجيج ولا معتمرين، خاصة في ظل حالة الاستقطاب التي تخيم على المشهد الخليجي منذ يونيو/حزيران 2017.
“للعام الثاني على التوالي لا أستطيع أنا وأبنائي أداء عمرة رمضان وهي التي كنا نحرص عليها منذ عشر سنوات، ما حال بيننا وبينها حائل مهما كانت شدته، لكن اليوم نحن ممنوعون مما اعتدنا عليه، والبركة في الأشقاء”
المملكة حين تدعي أن مكاتبها العاملة فوق أراضيها ستقوم بتيسير الإجراءات أمام القطريين فإنها بذلك تسعى إلى تضليل الرأي العام، حسبما كشف بعض أصحاب الحملات القطرية، فالوضع الذي تريده السعودية هو أن يسجل الحاج أو المعتمر عبر الموقع الإلكتروني وأن يتواصل بعد ذلك مع أي من مكاتب المملكة، وهذا الأمر مرهق جدًا بالنسبة للمكاتب في المملكة؛ فهي تتعامل مع كل فرد على حدة، وهذا أمر مستحيل بالنسبة للمكاتب المعتمدة داخل السعودية التي تستقبل ملايين الحجاج والمعتمرين من دول العالم كافة.
مناخ العداء الفج الذي صنعه الإعلام السعودي ضد قطر، جعل من محاولة الذهاب لأداء العمرة أو الحج مخاطرة قد تعرض حياة صاحبها للخطر، خاصة مع ما تروج له وسائل إعلام دول الحصار صباحًا ومساءً من أخبار تشوه صورة الدوحة وتبث الحقد في نفوس مواطنيها ضد القطريين، وهو ما تجسد خلال العام الماضي، حيث تم طرد بعض القطريين، وبلغ الأمر الاعتداء على آخرين، كما نقلت بعض وسائل الإعلام آنذاك.
القطريون يتهمون بيان المملكة بأنه “دعاية سياسية”
تسييس الشعائر الدينية
من ناحية أخرى، اتهمت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بقطر السلطات السعودية بالاستمرار في المراوغة وتضليل الرأي العام وتسييس الشعائر الدينية، لافتة إلى أن العراقيل ما زالت قائمة أمام المواطنين القطريين والمقيمين الراغبين في أداء مناسك الحج والعمرة.
بدوره أكد الدكتور علي بن صميخ المري رئيس اللجنة، أنهم ماضون في “مقاضاة المملكة العربية السعودية بسبب العراقيل التي تضعها أمام الحجاج والمعتمرين القطريين، ولتعويض المتضررين من تسييس المشاعر”، مشيرًا أن المملكة “ما زالت تضع الصعوبات وتصرّ على تسييس الحج والعمرة ونحن سنواصل جهودنا لرفع الغبن والإجراءات العراقيل واللجوء إلى المنظمات الدولية ونستمر في كشف الانتهاكات وتعويض المتضررين”.
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا في بيان لها العام الماضي تعليقًا على القيود التي فرضتها الرياض على الحجاج والمعتمرين القطريين، حذرت من أن منع السعودية القطريين من أداء مناسكهم ستكون له تداعيات خطيرة، وسيفتح نقاشًا موسعًا بشأن أهلية السلطات السعودية لرعاية الأماكن المقدسة وحجاج بيت الله الحرام، معتبرة ذلك تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء منذ أن وضعت الكعبة كأول بيت للناس.
التحرك السعودي محض محاولة لمكسب سياسي جديد بعد إدانات دولية متكررة لموقفها من منع أداء الشعائر الدينية لسكان قطر، يأتي في إطار السياسة الجديدة التي يتبعها ولي العهد محمد بن سلمان، نحو تصدير صورة تجميلية لبلاده خارجيًا
المنظمة حينها أشارت إلى أن السلطات في المملكة رفضت التجاوب مع المطالبات من أجل تسهيل وصول الحجاج والمعتمرين القطريين للأماكن المقدسة، موضحة أنها التفت عليها بسلسلة من التصريحات الإعلامية التي تنم عن أن “الشعائر المقدسة ملك حكومة أو عائلة معينة لها حق التصرف بها كيفما تشاء”.
البيان كشف قيام السعودية منذ إعلان الحصار بطرد المعتمرين القطريين قبل أن يتموا عمرتهم، وهو “مسلك يدل على أن هذه السلطات لا تعظم هذه الشعائر ولا تدرك حقوق هؤلاء المعتمرين المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي”، موضحًا أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات السعودية كانت “معرقلة وهي في حكم المانعة” من أداء مناسك الحج.
في سياق آخر، أعربت المنظمة عن استنكارها الشديد لما أسمته “تسييس الشعائر الدينية” وفق أهواء القائمين على أمور المملكة، إذ إنها في الوقت الذي تغلق الباب أمام القطريين تمنح تسهيلات كبيرة لدولة مثل إيران ليس لها علاقات دبلوماسية قوية مع الرياض كالتي مع الدوحة، منها وجود بعثات قنصلية مؤقتة وخطوط طيران مباشرة لتسهيل حج الإيرانيين.