في الوقت الذي تبذل فيه شركات التكنولوجيا العملاقة أقصى جهودها لإثبات احترامها لخصوصية المستخدم وإظهار تفهمها لحساسية هذه المسألة التي وقعت في شباكها شركات أخرى مثل فيسبوك، سُرب مقطع فيديو مدته 9 دقائق تقريبًا من داخل معامل التصميم في شركة جوجل، وتكمن فكرة المشروع المسمى بـ”السجل الأناني” في استخدام بيانات المستخدمين للتأثير على سلوكيات وقرارات المستخدم.
وسط الانزعاج العام الذي انصب على جوجل بسبب هذا الفيديو، نجحت الشركة في التنصل من الانتقادات والاتهامات التي تفجرت بوجهها مدعية أن هذا البرنامج مجرد تجربة فكرية، ومع ذلك فقد أكدت تقارير أخرى أن جوجل طالبت عام 2015 بالحصول على براءة اختراع بعنوان “اكتشاف الأخطاء المحتملة في سلوك المستخدم وتصحيحها”، وهو تعريف مشابه جدًا لمشروع “السجل الأناني” الذي صممه نيك فوستر مدير التصميم في قسم “إكس” للتصميم والتطوير.
جدير بالذكر أن معمل “إكس” من أكثر الأقسام أهمية وإثارة للاهتمام في الشركة، فهو المكان الذي تحول فيه الأفكار الخيالية والمستحيلة إلى واقع، مع العلم أن فكرة “السجل الأناني” جاءت بناءً على نظرية “الجين الأناني” التي أسسها عالم الأحياء البريطاني ريتشارد دوكنز، وتحدث فيها عن التطور البشري البيولوجي وانتقال الجينات بين الأجيال المختلفة.
لكن في “السجل الأناني” لن يكون الجين بيولوجيًا بل إلكترونيًا، فاستخدامنا للهواتف الذكية من شأنه أن يكون نوعًا من الحمض النووي الرقمي الذي سيتشكل عند تحليل البيانات المجمعة مسبقًا التي يمكن من خلالها تحديد صفاتنا وأعمالنا وقراراتنا وتفضيلاتنا وحركاتنا وعلاقاتنا، حتى يتشكل “السجل” بصورة دقيقة تمكنه فيما بعد من خدمتنا وعرض اقتراحات أو اتخاذ قرارات تتوافق مع ميولنا ورغباتنا.
هل أنت مستعد للتخلي عن خصوصيتك من أجل هذه الرفاهية والراحة، خاصة أن أهداف مشروع “السجل الأناني” لا تنحصر فقط في تسهيل أحداث يومك، بل ترغب أيضًا في إنقاذ البشرية من مشاكل أكثر إرباكًا وصعوبة؟
ولتحقيق هذه الخدمة سيحتاج هاتفك إلى معرفك تفاصيل يومك وخططك بشكل مستمر ودقيق، وعليه أن يعرف موقعك الحاليّ ونشاطاتك اليومية ليدرك ما إذا كانت سلوكياتك الحاليّة تتوافق مع خططك المعدة مسبقًا، فعلى سبيل المثال إذا كنت متجهًا للمطار الخاطئ، سيتعامل هاتفك في هذه الحالة بذكاء كافٍ ليخبرك بأنك تسلك الطريق الخاطئ ويقترح عليك الوجهة الصحيحة، ولإنجاز هذه المهمة وغيرها عليك مشاركة هاتفك دومًا بجميع مستجداتك.
كما يظهر الفيديو كيف سيطلب هذا البرنامج منك أن تحدد هدفك في الحياة، ليخبرك بنوع الأنشطة التي يجب القيام بها للتقرب من تحقيقه، على سبيل المثال إذا كنت ترغب في خسارة وزنك الزائد فيمكنه تتبع حساباتك ومشترياتك للأطعمة والمنتجات الغذائية، وبإمكانه إرشادك لشراء أفضل المأكولات جودة وأكثرها صحية.
والسؤال المؤرق والمتكرر هنا: هل أنت مستعد للتخلي عن خصوصيتك من أجل هذه الرفاهية والراحة، خاصة أن أهداف مشروع “السجل الأناني” لا تنحصر فقط في تسهيل أحداث يومك، بل ترغب أيضًا في إنقاذ البشرية من مشاكل أكثر إرباكًا وصعوبة؟
حلول للقضايا الاجتماعية المعقدة
يخطط هذا السجل لإنشاء وحدة ضخمة من البيانات التي تحتوي على جميع تجارب المستخدمين، ومن خلال هذه التقنية يمكن الاستفادة من سلوكيات الأجيال السابقة لمناقشة المشاكل الحاليّة والبحث لها عن حل، فمن الأمثلة التي يعرضها الفيديو حل مشكلة الفقر والاكتئاب والبيئة والصحة، بحيث تمتد أهداف المشروع لتكون معنوية واجتماعية أيضًا.
غالبية أهداف هذا المشروع تنصب في قالب “المساعدة” لصالح المستخدم والمجتمعات، ولكن في الجهة الأخرى تواجه هذا البرنامج مجموعة من المخاوف المتعلقة بالخصوصية والتدخلات السياسية والانتهاكات الأخلاقية
ورغم أن غالبية أهداف هذا المشروع تنصب في قالب “المساعدة” لصالح المستخدم والمجتمعات، ولكن في الجهة الأخرى تواجه هذا البرنامج مجموعة من المخاوف المتعلقة بالخصوصية والتدخلات السياسية والانتهاكات الأخلاقية، ونتيجة لرد الفعل هذا يقول المتحدث باسم الشركة: “نتفهم ما إذا كان هذا البرنامج مزعجًا، فقد صُمم ليكون بهذه الصورة، ولكنها ليست أكثر من تجربة فكرية يقوم بها فريق التصميم منذ سنوات مضت لاكتشاف أفكار ومفاهيم غير اعتيادية أو مريحة، بهدف إثارة الجدل والنقاش”، مؤكدًا أنها لا تتعلق بأي منتجات حاليّة أو مستقبلية.
بهذا التعليق حكمت الشركة على مشروعها بالوهم، ورغم ذلك اعتبر البعض هذه الحادثة نذير شؤم بشأن الإمكانات التكنولوجية التي من شأنها توجيه السلوك البشري والتحكم به عبر مجموعة من الخوارزميات غير الخاضعة للقواعد الأخلاقية والفلسفية. إضافة إلى بعض التساؤلات والشكوك التي تجد صعوبة في تصديق أن جوجل أمضت الكثير من وقتها وأموالها على الأبحاث والتجارب لمشروع لا تنوي تحقيقه، وأنها تخلت عن فكرة كانت مجرد عبارة عن مناقشة داخلية بين موظفيها في المختبر.