مع تزايد شكل وحجم الاستثمارات التركية الداخلية ، وتعاظم حجم الاستثمار الوافد من خارج تركيا في قطاعات العمل الاستثماري المختلفة ، كان لزاماً علينا أن نضع نصب أعيننا جملة من محددات الاستثمار الناجع والناجح في البيئة الاستثمارية التركية ليدخل من أراد في هذا الفضاء على نور وبينة .
بكل المميزات التي تتصف بها تركيا من حيث المساحة الجغرافية، والتضاريس والمناخ والتعداد السكاني، والبيئة السياحية الآسرة والقفزات الاقتصادية التي قادت حجم النمو فيها ليعادل حجم النمو في الصين وقد يتجاوزه في بعض المحطات، فإن نظرة فاحصة على الاستثمار العربي فيها تحتاج إلى منطلقات لجعله ناجحاً ومؤثراً وقابلاً للاستمرار والازدهار.
فإن بدأنا بالمهددات التي تراجع رأس المال العربي الوافد بكثافة على تركيا وفق قراءات السوق عام ٢٠١٦و٢٠١٧ والربع الأول من ٢٠١٨م، نتلمس أبرز أوجه المهددات التي تقف حجر عثرة أمام الاستثمار وتحدّ من مستويات تقدمه، ومن أبرز هذه العوامل ، الجهل بالبيئة القانونية، والجهل بقوانين وطبيعة الاستثمار والتعامل مع الجهات غير الموثوقة.
أما العوامل التي تتصل بالتوثق والتوثيق مهمة جداً في أي عمل استثماري، ولذلك وجب الانتباه التام للقوانين الخاصة بالاستثمار في تركيا ومستويات تأثيرها على الاستثمار، فجهل مستثمر بقوانين البيع المتكرر وحق الدولة في البيع الثالث في العام الواحد كمثال لا يعفيه من دفع هذا الحق، ودفع الضرائب دون الاستفادة من قوانين الاستثمار ودعم المستثمرين الأجانب حجة على المستثمر لا حجة له.
عرضت علينا خلال السنوات الخمس الماضية حالات نجاح باهر لمستثمرين تفرسوا في البيئة التركية فدخلوا – وحدهم أو مع شركائهم الأتراك – في نجاحات حقيقية متراكمة
وأما عن قوانين وطبيعة الاستثمار في تركيا، فلا بد من فهم كيفية تحرك الأتراك أنفسهم في ملفات الاستثمار وما يجذبهم وما لا يجذبهم، وآليات الشراكة المطلوبة من طرفهم وحالات التوثيق القانوني للتعاقدات عند كاتب العدل ( النوتر ) وعدم الاكتفاء بالاتفاقيات غير الموثقة من الشركات ونحوها، كل ذلك مدعاة لحفظ الحقوق وصناعة التوجهات المستقبلية على نور وبصيرة، ويؤسس لاستثمار صحيح يحميه القانون وتدعمه طبيعة البيئة الاستثمارية التركية.
وأما العنصر الثالث من التحديات فيكمن في اللغة ، وضعف التواصل بين المستثمر التركي وشريكه العربي ، أو بين المستثمر العربي والشركات والمؤسسات ، نتيجة وجود خلل في الفهم ، أو لَبْس في الترجمة ، أو وجود اتفاقيات غير واضحة البنود والمعالم وهو ما يعني ضياع الحقوق أو التأثر بمستويات الربح ، أو الاضطرار للدخول في المعركة القانونية لحماية الاستثمار التائه بسبب اللغة.
لقد عرضت علينا خلال السنوات الخمس الماضية حالات نجاح باهر لمستثمرين تفرسوا في البيئة التركية فدخلوا – وحدهم أو مع شركائهم الأتراك – في نجاحات حقيقية متراكمة ، وعرضت علينا حالات من ضياع الحقوق وفقدان ممتلكات وفقدان سمات الربح وضياع حقوق شركاء ، سببها الرئيس القبول بالعموميات الإعلانية وعدم التوثق الرسمي في الدولة لكل استثمار مراد.
تركيا جاذبة بكل تأكيد، والاستثمارات فيها لها عوائدها المجزية ، ولكن الفطنة والذكاء في اختيار بيئة وطبيعة وشركاء العمل تختصر أمامك الطريق نحو نجاح بصعوبات أقل
وهنا ، لا بد للسادة المستثمرين الكرام أن يدققوا جيداً في الاستثمار المرغوب من طرفهم ، لا سيما في ظل وجود مئات إن لم نقل آلاف المواقع والحسابات الدعائية والإعلانية والإعلامية لجذب المستثمر العربي للاستثمار في التجارة أو العقارات أو المشروعات الخاصة بتشجيع الاستثمار أو غيرها ، وهي بغالبيتها جهات حديثة غير معلومة أو غير موثوقة بسبب ظروف السياسة والبيئة الإقليمية في المنطقة ، وهو ما انعكس سلباً على واقع بعض المستثمرين الذين وقعوا فريسة هذه المواقع ومن يقف خلفها.
تركيا جاذبة بكل تأكيد، والاستثمارات فيها لها عوائدها المجزية ، ولكن الفطنة والذكاء في اختيار بيئة وطبيعة وشركاء العمل تختصر أمامك الطريق نحو نجاح بصعوبات أقل ، فلا نجاح بلا ثمن ، مع تمنياتي للمستثمر بالتميز والنجاح حيثما حل أو ارتحل.