نتيجة فشله في كلّ الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها البلاد منذ 14 يناير/كانون الثاني 2011، وعجزه عن اقناع الشعب التونسي بمختلف فئاته ببرنامجه الذي يتبناه من التأسيس، لم يتوانى اليسار التونسي في كلّ فرصة تتاح له عن بثّ خطاب يدعو إلى التفرقة والعنف، والدعوة إلى التمرّد وصولا إلى العصيان المدني لتحقيق أهدافه المنشودة.
دعوة إلى التمرّد على القرارات
مرّة أخرى يطلّ أحد قيادات الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب يسارية) في تونس، من إحدى المنابر التلفزيونية على الشعب التونسي، داعيا إلى الفتنة، ومحرضا النقابات الأمنية للتمرّد على قرار رئيس الوزراء يوسف الشاهد إقالة وزير الداخلية لطفي براهم من مهامه.
النائب عن الجبهة في البرلمان التونسي منجي الرحوي، المعروف بمواقفه الصدامية، دعا لدى حضوره في برنامج تلفزيوني في قناة نسمة الخاصة ليلة أمس الخميس، الأمنيين الى التحرك ضدّ قرارات الشاهد واتخاذ مواقف إزاء ذلك، وقال: “أمن تونس ليس لعبة لدى المتطفلين على السلطة”، على حد تعبيره.
يسعى الرحوي من خلال كلامه إلى اللعب بعقول النقابات الأمنية وحثّها على التمرّد على الدولة
وأضاف القيادي اليساري، موجها كلامه إلى يوسف الشاهد “الذي تقوم به احباط لعزائم الأمنيين، لذلك على الأمنيين والنقابات الأمنية أن تجيبك في أسرع وقت.. أنت لن تلعب اليوم بتضحيات الحرس الوطني (في إشارة إلى السلك الأمني الذي ينتمي إلى لطفي براهم).
الرحوي أكّد في حديثه ضرورة تصدّي النقابات الأمنية لقرارات الشاهد والردّ عليها “بحزم”، دون أن يولي أي اهتمام لمستقبل البلاد في حال استجابة النقابات لهذه الدعوة والالتجاء إلى القوة لرفض قرارات يوسف الشاهد.
وقبل يومين أقال رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد وزير الداخلية في حكومته لطفي براهم، وعيّن وزير العدل غازي الجريبي وزيرا للداخلية بالإنابة، وذلك بعد غرق مركب يحمل مهاجرين قبالة السواحل التونسية راح ضحيته ما لا يقل عن 100 شخص بين قتيل وفقيد.
https://www.youtube.com/watch?v=rNNZbgfwi8E
ويعرف عن وزير الداخلية المقال لطفي براهم القادم من جهاز الحرس الوطني الذي قاده لنحو عامين، عداؤه للصحفيين، حيث ما فتئت قوات الأمن تضيق عليهم ووصل بهم الأمر حد التجسس عليهم بمباركة من براهم، فضلًا عن عدائه للجماهير الرياضية، وفي عهده قتل أحد المشجعين عقب إحدى المباريات الرياضية، إلى جانب عدائه للحريات الفردية.
ويسعى الرحوي من خلال كلامه إلى اللعب بعقول النقابات الأمنية وحثّها على التمرّد على الدولة وقرارات رئيس الوزراء في البلاد، ذلك أنه يعلم أن معظم قيادات هذه النقابات تتبنى العمل السياسي لا الاجتماعي، إلا أنه صودم برفضها الانزلاق إلى دعواه.
استنكار كبير
دعوة القيادي بالجبهة الشعبية منجي الرحوي النقابات الأمنية إلى التمرّد على قرارات رئيس الوزراء يوسف الشاهد أثارت استنكار التونسيين، حيث عبّر العديد منهم عن رفضهم لمثل هذه الدعوات، خاصة أنها صدرت عن سياسي يروّج لنفسه وتياره أنه ضدّ التغوّل الأمني ومع الدولة المدنية.
الناشط السياسي سعيد عطية، قال في تدوينة له على حسابه الخاص بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، “منجي الرحوي يصر على أن يكون خماسا في معركة كسر العظم الدائرة بين أجنحة السيستام (النظام) ويختار قناة نسمة ليحرض على التمرد الأمني ومن باب الصدفة فقط نبيل القروي يفتح منابر قناته لبث الفتنة أيام قليلة بعد صدور تقرير لدائرة المحاسبات حول تهربه الضريبي. منجي الرحوي سياسي مهرج وأحد اللذين يساهمون في تنفير المواطن التونسي من السياسة والسياسيين.
بدوره انتقد “عبد السلام كاكلي” ما جاء على لسان الرحوي، وكتب تدوينة جاء فيها، “منجي الرحوي يدعو الامنيين الى عدم السكوت واجابة رئيس الحكومة عقب اقالة لطفي ابراهم. هل هي دعوة الى التمرد؟ لماذا تسكت الجبهة الشعبية عن طفولية هذا النائب الذي جاوز كل الحدود.. هذا الغبي يدعو الامنيين الى المحظور دستورا وقانونا اي العصيان وهو نائب في برلمان ومسؤول سياسي.
من جهته كتب الخبير التونسي في القانون الدستوري، جوهر بن مبارك، تدوينة في حسابه الخاص على موقع توتير جاء فيها، ” يؤلمني ان أكتب ما أكتب: أَجِد نفسي عاجزا عن تصديق ما أرى بعيني من تهافت بعض قيادات الجبهة الشعبية للمشاركة في هيستيريا قناة نسمة. يؤسفني ان يتهالك منجي الرحوي مرّة تلوى المرّة.
يؤلمني ان أكتب ما أكتب:
أَجِد نفسي عاجزا عن تصديق ما أرى بعيني من تهافت بعض قيادات الجبهة الشعبية للمشاركة في هيستيريا قناة نسمة. يؤسفني ان يتهالك منجي الرحوي مرّة تلوى المرّة.
— Jaouhar Ben Mbarek (@jaouhar) June 7, 2018
فيما طالب ناشط يدعى محسن إبراهمي الحكومة التونسي برفع الحصانة عن منجي الرحوي ومحاكمته، وكتب في هذا الصدد، ” الحكومة مطالبة طبقا للقانون برفع الحصانة ومحاكمة الكائن منجي الرحوي بتهمة الدعوة الى الانقلاب على الشرعية.”
الحكومة مطالبة طبقا للقانون برفع الحصانة و محاكمة الكائن منجي الرحوي بتهمة الدعوة الى الانقلاب على الشرعية
# واجب موش مزية
— محسن إبراهمى (@ibrahmi) June 7, 2018
محاولات متكرّرة
تصريحات الرحوي الداعية للتمرّد على الدولة، لم تكن الأولى فقد سبقتها تصريحات مماثلة، حيث برّر في الـ28 من شهر فبراير/شباط الماضي اقتحام عدد من عناصر الأمن التونسي المحسوبين على النقابات الأمنية مقر المحكمة الابتدائية في محافظة “بن عروس” عروس بالضاحية الجنوبية للعاصمة بأسلحتهم وأزيائهم وسياراتهم المهنية، ومحاصرتهم للمحكمة للمطالبة بالإفراج عن بعض زملائهم المتهمين بتعذيب أحد الموقوفين بتهم تتعلّق بالسرقة.
لم يكن الرحوي استثناء، فقد سبقه زملائه في الجبهة الشعبية الذين عرفوا بانتهاج العنف والفوضى، في الدعوة إلى التمرّد على مؤسسات الحكم، ويرى التونسيين أن هذا الائتلاف اليساري ما فتئ يسعى إلى مزيد من إرباك الوضع في تونس واغتيال التجربة الديمقراطية في البلاد وفرض أسلوب حكمهم بالقوة حتى وإن رفضهم الشعب وبذلك اصطفوا خلف الثورة المضادة حسب العديد من المتابعين.
عدم نجاحها سلميًا في الانتشار الذي تصبو إليه، جعل الجبهة الشعبية تسعى إلى إدخال البلاد في صراعات
يذكر التونسيون، صيف سنة 2013، حين دعت أحزاب الجبهة الشعبية إلى التمرّد على مؤسسات الدولة وحلّ المجلس الوطني التأسيسي وتشكيل هيئة بديلة له تتولى استكمال صياغة الدستور بالإضافة إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني، في مسعى للقيام بانقلاب ناعم على مؤسسات الدولة آنذاك حسب عديد المتابعين للشأن التونسي.
وسبق للأمين العام لحركة النهضة علي العريض في نوفمبر 2012 (وزير الداخلية آنذاك) اتهام قيادي الجبهة بتأجيج الأوضاع في محافظة سليانة الواقعة في الشمال الغربي لتونس العاصمة وتحريض أهالي المحافظة على اقتحام مقر المحافظة والاعتداء على قوات الأمن واستهداف رموز الدولة في محاولة من الجبهة لإرباك عمل المجلس الوطني التأسيسي وعرقلة الانتقال الديمقراطي في البلاد.
تستغلّ الجبهة الشعبية الاحتجاجات لبثّ الفوضى
وذكر علي العريض في خطاب له في 30 يناير 2012 عندما كان يشغل منصب وزير الداخلية على إثر تحركات لبعض النقابات الأمنية التي طالبت برحيله، ذكر فيه “أن هناك أجهزة أمنية تعمل لحساب أحزاب داخلية ولحساب مخابرات دول أجنبية”، وهو بذلك يرد على سعي حركات المعارضة بزعامة نداء تونس والجبهة الشعبية إلى توظيف بعض الشخصيات الأمنية التابعة لها في صراعها مع حركة النهضة.
محاولات زج البلاد في أتون حرب أهلية، كانت أيضًا من خلال استدعاء الجيش للانقلاب على السلطة، حيث دعا النائب في البرلمان مباركة البراهمي عن حركة الشعب (أحد مكونات الجبهة) خلال اجتماع شعبي لها بأنصارها في باريس يوم 24 من أكتوبر/تشرين الأول 2013، قوات الجيش الوطني إلى المساعدة في إسقاط حركة النهضة ومحاكمة قيادتها.
إرباك الديمقراطية الناشئة
محاولة الجبهة الشعبية افتعال العنف واستهداف مؤسسات الدولة، يأتي وفقا لعدد من المتابعين، في إطار عملها لإفشال مسار عملية الانتقال الديمقراطي في تونس وإرباك الديمقراطية الناشئة في البلاد بغية السيطرة على الحكم رغم تشتته حسب ما صرح به محمد الكيلاني رئيس الحزب الاشتراكي اليساري الذي قال في وقت سابق “اليسار التونسي لا يستطيع أن يكون فاعلاً في الساحة السياسية لأنه مشتت ويأبى أن يتوحد“.
عدم نجاحها سلميًا في الانتشار الذي تصبو إليه وعدم تمكنها من توظيف الثورة لصالحها، جعل الجبهة الشعبية تسعى إلى إدخال البلاد في صراعات إيديولوجية خدمة لمصالحها ومصالح بعض القوى الأجنبية التي لا تريد خيرًا لتونس، فرغم مرور عقود طويلة على تأسيس أغلب الأحزاب اليسارية المكونة للجبهة الشعبية، لم تتمكن هذه الأحزاب من الانتشار الشعبي واقتصرت على التغلغل في بعض النقابات أو صلب طلاب الجامعات.