تم تلافي عشرات الملايين من حالات الزواج المبكر لدى الفتيات تحت سن الـ18 سنة في العقود القليلة الماضية، وذلك بفضل جهود التوعية التي تقوم بها منظمات حقوق الأطفال وحقوق المرأة، إلا أن ذلك كله لم يمنع تحذيرات المنظمات نفسها أنه مع استمرار زواج الفتيات تحت سن الـ18 بالمعدلات الموجودة الحالية سيكون عدد الفتيات المتزوجات تحت هذا السن حوالي 150 مليون فتاة بحلول عام 2030 أو 1.2 مليار فتاة بحلول عام 2050.
قبل عشر سنوات كان هناك فتاة من بين كل أربعة فتيات تُجبر على الزواج وهي طفلة قبل أن تصل إلى عامها الـ18، وصلت النسبة في الجنوب الآسيوي وحده إلى 50٪ من إجمالي عدد الفتيات، وعلى الرغم من أن النسبة الآن وصلت في الأيام الحالية إلى 30٪ مقارنة بالعقد الماضي، وانخفض العدد في الإجمال إلى وجود فتاة واحدة من بين كل خمسة فتيات بدلًا من أربعة فتيات في العالم تُجبر على الزواج وهي طفلة، إلا أن هذا وحده لم يكفي لحل أزمة زواج الأطفال، التي تُنذر منظمات حقوق الطفل والمرأة أنها لم تنته بعد.
ربما يكون الأمر الذي لم تستطع منظمات حقوق المرأة والطفل القضاء عليه من خلال حملات التوعية بمخاطر الزواج المبكر للفتيات هو التربح من وراء عمليات “بيع الفتيات الصغيرات” للزواج من أجل ربح الأموال، لم تكن لحملات التوعية بالمخاطر الجسدية والنفسية التي تتعرض لها الفتاة في حالة الزواج قبل سن البلوغ لتوقف أهل قرروا بيع ابنتهم الصغيرة قسرًا من أجل ربح الأموال مقابل زواجها.
هل يكون الزواج المبكر في اليمن هو القاعدة؟
يكاد يكون الزواج المبكر هو القاعدة لزواج الفتيات تحت سن الـ18 في اليمن، حيث بلغت نسبة الفتيات المتزوجات تحت سن الـ18 في اليمن أكثر من 50٪ من نسبة الفتيات اليمنيات، وذلك في المدن الكبرى، حيث تختلف النسب عن ذلك في القرى والمحافظات الصغيرة حيث من الشائع أن يتواجد فيها فتيات متزوجات وهن في عمر الثامنة، كما تتراوح النسب ما بين 40-40٪ بالنسبة للفتيات المتزوجات قبل بلوغهن سن الخامسة عشر، والسبب وراء كل هذا هو ما يُعرف في اليمن بـ”الزواج بالديون”.
يقرر رب العائلة تزويج بناته قبل البلوغ من أجل مساعدته على دفع ديونه، وهو منتشر بشكل واسع في الريف بشكل خاص، حيث يكون من الشائع أن تتزوج الفتاة وهي في عمر الثامنة وحتى الرابعة عشر بشكل قسري من أهلها دون علمها بالأمر مُسبقًا، حيث سجلت منظمة “هيومان رايتس وواتش” فيلمًا وثائقيًا في الريف اليمني يسجل شهادة إحدى الفتيات التي تزوجت بشكل مفاجئ وهي في عمر الثامنة بعدما هددها والدها بالضرب والقتل إن رفضت الزواج”.
لا يوجد في اليمن حد أدنى للسن القانوني للزواج، ولا يؤمن كثير من الشيوخ بسن الـ18 كسن قانوني للزواج لأنه لم يرد في الشريعة الإسلامية
حازت اليمن باهتمام دولي خاص بتسجيلها حالة فريدة من نوعها لفتاة وُصفت بأصغر مطلقة في العالم، وهي الفتاة اليمنية “نجود الأهدل” التي أجبرها أهلها على الزواج من رجل يكبرها بعشرين عامًا وهي في سن العاشرة قبل أن تصير الفتاة أصغر مطلقة في العالم، التي سجلت شهادتها بأنها تم تزويجها قسريًا دون علمها بالأمر بعدما أخبرها والدها أنهم ذاهبين لزيارة الأقارب ومنحها كثير من الملابس الجديدة والألعاب، لتفاجأ الفتاة بتركها في منزل لا تعرفه و برجل يكبرها بعشرين عامًا جاء ليغتصبها.
شهادة فتاة في الصف الخامس خوفًا من تزويجها قسريًا بسبب ظروف الحرب
نالت قصة الطفلة “نجود” اهتمامًا دوليًا، حيث وثقت قصتها في الكتب والأفلام، في كتاب لصحفية فرنسية تُرجم لأكثر من 16 لغة بعنوان “أنا نجود ابنة العاشرة ومطلقة” كما حولته المخرجة اليمنية “خديجة السالمي” لفيلم وثائقي يحمل عنوان الكتاب نفسه، الفيلم يروي قصة معاناة “نجود” وغيرها من ملايين الفتيات في اليمن والظروف النفسية والجسدية القاسية التي يتعرضون لها بعد الزواج القسري في سن مبكر.
تسبب الفقر والمجاعة التي أصابت اليمن بعد الحرب الأخيرة اتجاه الكثير من العائلات إلى “بيع” بناتهم في سن مبكر للزواج بسبب عدم قدرتهم المادية على إعانتها.
العبودية الجنسية في الهند
تعتبر الهند من أكثر البلاد التي تعاني من مشكلة الزواج المبكر، إلا أنها تأتي بشكل مختلف قليلاً عن اليمن، حيث يتم في صورة “عبودية جنسية” تُباع فيه الفتاة في عمر مبكر لأجل الزواج لمدة قصيرة من أجل أغراض جنسية يأتي من أجلها المشترون ويعرضون سعرًا حينما تُعرض عليهم الفتاة، حيث سجلت إحدى الفتيات الهنديات ذلك في شهادتها للصحيفة البريطانية الغارديان عن حكايتها حينما قررت أختها وزوجها بيعها في العاصمة مقابل 550 يورو لرجل غريب في إحدى الأحياء المعروف بـ “سوق الفتيات القاصرات” الذي يأتي إليه الرجال لشراء زوجة قاصر بمبلغ زهيد بدلًا من الزواج بشكل رسمي.
تندرج تجارة العرائس في الهند تحت توصيف العبودية الجنسية
لقد انتشرت “تجارة العرائس” كما تُعرف في الهند بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، وتعتبرها منظمة حقوق الإنسان نوعًا من أنواع الإتجار بالبشر، ولا يختلف في شيء عن العبودية الجنسية، وعلى الرغم من ذلك سجل مكتب سجلات الجريمة أن أكثر من 30 ألف من حالات الخطف في الهند كانت لغرض بيع الفتيات في الأحياء المخصصة لتجارة “العرائس” من أجل الزواج.
سجل تقرير صحيفة الغارديان أن هناك آلاف من الفتيات ما زلن يعشن مع خاطفهن أو مغتصبهن في الهند منذ زواجه بهن في سن مبكر حتى يومنا هذا دون معرفة الأهل بمكان تواجد الفتاة، لتسجل تقارير الأمم المتحدة أن أغلب تلك الحالات تُحرم من حقوقها الأساسية مثل التعليم والصحة وتُجبر على الأشغال الشاقة التي يجبرها زوجها عليها وينتهي بهن الحال في الشوارع دون مأوى أو العمل كخادمات في المنازل بعد هجر أزواجهن لهن.
تحتل البلاد المتمركزة في وسط وغرب إفريقيا أعلى معدلات عالميًا في الزواج المبكر حيث تحتل النيجر المركز الأول عالميًا، بينما يكون شائعًا في بلاد غير إفريقية وآسيوية مثل البرازيل والمكسيك
أسواق النخاسة المصرية
يُطلق عليه الغرب زواج الأطفال، ويطلق عليه العرب زواج القاصرات، إلا أن الموضوع تطوّر في مصر ليدخل في نطاق أوسع وأشمل وأكثر إجرامًا، زواج القاصرات في مصر قد دخل في نطاق شبكات منظمة وموسّعة للإتجار بالبشر، بعد أن كان يقتصر منذ الثمانينات على مشروعات فردية للوساطة بين الفتاة أو أهلها وبين المُشتري العربي الثريّ، أصبح نطاق العمل الحر في تلك الشبكات أكتر شمولًا وحرية منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير التي شهدتها مصر في عام 2011، لتشتهر قرى بعينها في مصر بإباحة زواج القاصرات، منها مدينة “الحوامدية” التي تقع على بعد 60 كيلومترًا جنوب القاهرة، والتي اشتهرت في مصر والعالم العربي بمباركة الأهل لزواج ابنتهم القاصرة من ثريّ عربي يشتريها بالمال، من الممكن أن يسميها البعض سوق النخاسة المصري، أو سوق بيع “اللحم الرخيص”.
في تقرير للمجلس القومي المصري تقول مديرة وحدة مكافحة الإتجار بالأطفال إن بعض الفتيات عندما يبلغن الـ 18 من العمر يكون عدد زيجاتهن المؤقتة قد وصل إلى 60 زيجة قد تستمر بعض تلك الزيجات إلى بضعة ساعات.
يُسميه الشيوخ في مصر بـ”الزواج بنية الطلاق”، كما يُطلق عليه في سياق آخر زواج المتعة، وهو زواج لمدة قصيرة قد تصل لبضعة أيام مقابل مبلغ من المال يحدده المشتري ويمنحه لأهل الفتاة الذين يباركون زواج ابنتهم القاصرة مقابل فك أزمتهم المادية، وذلك عن طريق بيعها لبضعة أيام لزبون ما ومن ثم يُطلقها الأخير ليتيح بيعها لرجل آخر يستغلها لبضعة أيام أخرى.
تأتي السعودية في المرتبة الأولي للتعاقد مع وسطاء أو مكاتب محاماة مصرية للحصول على فتاة قاصر للزواج العرفي أو لزواج المتعة، تحتل الكويت بعدها المرتبة الثانية وتأتي في المراكز التالية الإمارات والبحرين، يكون موسم الصيف هو الموسم المزدهر لعمل تلك المكاتب، إذ يتوافد الأثرياء العرب على مصر لقضاء العطلات أو للسياحة، تختلف الأسعار طبقًا لمواصفات الفتاة، حيث يُدرج الراغبون في بيع وشراء ابنتهم لرجال الخليج العربي الأثرياء مواصفات الفتاة عند أحد الوسطاء أو مكاتب المحاماة، ليختارها المُشتري ويتمتع بها لفترة من الوقت.
لماذا تسمح الولايات المتحدة بزواج القاصرات؟
في حين كان دبلوماسيو الولايات المتحدة ينشطون بكل حزم من أجل مقاومة هذه الظاهرة في الخارج، فهي ما زالت موجودة في وطنهم، حيث يسمح بزواج الأطفال دون رادع قانوني، وفي أغلب الأحيان يتم ذلك بموافقة الأهل ومباركة القاضي أو رجل دين، حيث أفاد تقريرًا على مجلة الإيكونومست بأن جميع الولايات الأمريكية لم تشرع بعد قانونا واحدا يحظر هذه الممارسة، المنتشرة بين الجماعات الدينية المحافظة وبين الفقراء وسكان الأحياء الشعبية. ولكن قد تمارس أيضًا في مختلف الطبقات الاقتصادية والاجتماعية وبعض العلمانيين، وتفيد الإحصائيات بأن أكثر من 207 آلاف قاصر أمريكي قد وقع تزويجهم في الفترة الفاصلة بين سنة 2000 و2015.
أكثر من140 آلاف من المتزوجين قسرًا في الولايات المتحدة تقل أعمارهم عن 17 سنة، ويوجد من بينهم 985 طفلا أعمارهم دون 14 سنة، و10 منهم تقل أعمارهم عن 12 سنة
على الرغم من أن معدلات الزواج المبكر في انخفاض مستمر، إلا أنها ليست كافية للحد من ظاهرة الإتجار بالفتيات من أجل الزواج لسد الديون أو لتفريج أزمة مالية أو مقابل التجارة البحتة بالبشر في مقابل ربح المال من وراء الخطف والاغتصاب وحرمان الفتيات من أبسط حقوقهن في الحياة، وبهذا المنوال من الممكن أن نجد 150 مليون فتاة حول العالم متزوجة قبل بلوغها سن الـ18 بحلول عام 2030.