في خطوة جديدة من شأنها زيادة قلق وريبة مسلمي أوروبا، أعلنت السلطات النمساوية عزمها إغلاق سبعة مساجد وطرد عدد من الأئمة الذين تقول إنهم “ممولون من بلدان أجنبية”، خطوة تجسّد وفقًا لعدد من المتابعين فصلاً جديدًا من فصول معاداة الإسلام والمسلمين في دول القارة الأوروبية.
7 مساجد و60 إمامًا
الحكومة النمساوية التي يقودها متطرفون، قالت إن هذه الحملة التي من المفترض أن تؤدي إلى طرد عشرات الأئمة وإغلاق سبعة مساجد تموّلها تركيا، تستهدف “الإسلام السياسي”، وقال المستشار النمساوي سيباستيان كورتز في مؤتمر صحفي في هذا الشأن: “لا مكان للمجتمعات الموازية والإسلام السياسي والتطرف في بلادنا”.
وأشار وزير الداخلية هربرت كيكل إلى أن بين من ستشملهم هذه التدابير نحو 60 إمامًا، وأوضح أن عائلاتهم معنية أيضًا، مما يعني في المحصلة أن 150 شخصًا قد يفقدون حق الإقامة في النمسا، وأضاف كيكل العضو في حزب اليمين المتطرف العضو في الائتلاف الحكومي مع المحافظين، أن إجراءات الطرد بدأت بحق بعض الأئمة الممولين من تركيا.
هذا القرار اعتبرته تركيا معاديًا للإسلام
هذا القرار يأتي بعد أشهر قليلة من اعتزام الحكومة النمساوية فرض حظر على “الإسلام السياسي” بدعوى تأثيره على الأطفال والشباب واستخدامه لتوجهات سياسية، حيث قال نائب المستشار النمساوي وزعيم حزب الأحرار اليميني كريستيان شتراخه في الـ3 من شهر مارس/آذار الماضي: “نشر مسجد تركي في فيينا فيديو يعرض أطفالاً صغارًا بالزي العسكري في المسجد، يلوحون بالأعلام التركية للاحتفال بنصر الجنود الأتراك في معركة كاناكالي إبان الحرب العالمية الأولى، إساءة لأماكن العبادة وتسخيرها لأغراض سياسية”.
ويدير المسجد المعني، الاتحاد الإسلامي التركي في النمسا المرتبط بشكل مباشر بالهيئة التركية للشؤون الدينية، واعتبر الاتحاد الإسلامي التركي إعادة تمثيل المعركة “أمرًا مؤسفًا للغاية”، مشيرًا في بيان إلى أنه “خاطب المسجد قبل اندلاع الجدل في وسائل الإعلام وطلب استقالة المسؤول”.
وتعتبر معركة غاليبولي التي انتصر فيها العثمانيون على جنود دول الحلفاء (فرنسا، بريطانيا، أستراليا، نيوزيلندا) في المدينة الواقعة على مضيق الدردنيل في 25 من أبريل/نيسان 1915، وقتل فيها قرابة عشرات الآلاف من قوات التحالف، أحد رموز المقاومة التي أدت إلى تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في 1923.
مسؤول تركي: نتيجة الموجة الشعبوية المعادية للإسلام
هذا القرار اعتبرته تركيا معاديًا للإسلام، وفي أول ردّ له قال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على تويتر: “إغلاق النمسا سبعة مساجد وطرد أئمة هو نتيجة الموجة الشعبوية المعادية للإسلام والعنصرية والتمييزية في هذا البلد”.
وتابع “موقف الحكومة النمساوية الإيديولوجي يتعارض مع مبادئ القانون الدولي وسياسيات التماسك الاجتماعي وحقوق الأقليات وأخلاقيات التعايش”، وأضاف “يجب رفض تعميم القبول والاستخفاف بمعاداة الإسلام والعنصرية بشدة”.
1/Austria’s decision to close seven mosques and expel imams is a reflection of the Islamophobic, racist and discriminatory wave in this country. It is an attempt to target Muslim communities for the sake of scoring cheap political points.
— İbrahim Kalın (@ikalin1) June 8, 2018
من جهته قال المتحدث باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ، أمس، إن إغلاق 7 مساجد في النمسا مؤشر ملموس على رفض فيينا القيم الأوروبية، ويعني قتل حرية الدين والمعتقد في أوروبا، ولا يمكن لتركيا القبول بذلك.
بوزداغ الذي يشغل أيضًا منصب نائب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، أشار إلى أن ما وصلت إليه النمسا اليوم يدل على احتضانها بقوة مظاهر العداء ضد الأجانب والمسلمين والعنصرية والتطرف، المتصاعدة بأوروبا.
وبين أن “حرية الدين والمعتقد من القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، ومحمية بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، واعتبر المتحدث باسم الحكومة التركية، أن المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، بدأ يتخذ خطوات من شأنها أن تشجع العنصريين والمتطرفين والمعادين للإسلام والأجانب.
قيود على الحريات الدينية للمسلمين
هذا القرار النمساوي لم يكن قرارًا منعزلاً، فهو يأتي في إطار حملة تقودها الحكومة النمساوية التي تضم اليمين المتطرف للحد مما تصفه بـ”النفوذ والتوجه الإسلامي” داخل المجتمع النمساوي إرضاءً لغالبية الناخبين الذين يعتبرون أن تدفق آلاف المهاجرين إلى النمسا، خاصةً المسلمين منهم، سبب الكثير من المشاكل الاجتماعية إلى جانب الأعباء المالية التي يتحملها دافع الضرائب النمساوي.
على عكس العديد من البلدان الأخرى في أوروبا، تاريخ النمسا مع الإسلام طويل ودون أن نعود إلى الماضي، يكفي فقط أن نذكر أن الإمبراطورية النمساوية المجرية اعترفت بالإسلام كجزء من قانونها العام في العام 1912، فيما تعود جذور الهجرة الاقتصادية للمسلمين إلى البلاد للعام 1960.
عداء الإسلام والمسلمين يسعى من خلاله العديد من السياسيين إلى استغلاله سياسيًا
رغم كفالة دستور النمسا حرية المعتقد واعترافه بالإسلام كأحد أديان المواطنين، يُلاحظ زيادة القيود على الحريات الدينية للمسلمين في البلاد، مع دخول قانون الإسلام الجديد حيز التنفيذ عام 2015، ويتضمن القانون المذكور نقاطًا مثيرة للجدل، منها اعتماد ترجمة ألمانية موحدة للقرآن الكريم، وحظر التمويل الخارجي للمنظمات والمراكز الإسلامية العاملة في النمسا، إضافة إلى عدم السماح بتعليم دين الإسلام إلا من المنظمات الحكومية المعترف بها.
وسبق أن أعلنت الحكومة الائتلافية في النمسا برنامجًا يتسم بمعاداة الأجانب واللاجئين والإسلام وكل ما يمت إليه بصلة، ويسعى لتشديد الرقابة على المساجد والمنظمات الخيرية ومدارس رياض الأطفال والثانويات والمؤسسات التابعة للمسلمين، لتقليل التأثير الخارجي عليها، بالإضافة إلى إغلاق كل الكيانات التي تتعارض مع القوانين.
وفي وقت سابق دعا رئيس حزب الحرية النمساوي المُنتمي إلى تيار اليمين المُتطرّف، إلى تطبيق حظرٍ كلي على “الرموز الإسلامية”، وذلك خوفًا مما وصفه بـ”فناء مفاجئ”، وقال رئيس الحزب هاينز كريستيان شتراخه إنّه يريد حظر الرموز الإسلامية، مثلما يحظر القانون النمساوي استخدام الرموز النازية، محذّرًا من أن “الإسلام يُشكّل خطرًا وجوديًا على أوروبا”.
يوجد في النمسا 200 مسجد
وفي ديسمبر/كانون الأول 2016، اقترحت نقابة عمالية منتمية لتيار اليمين في النمسا حرمان المسلمين من مكافآت عيد الميلاد بزعم أنّهم “معادون لكل التقاليد المسيحية“، ويعاني المسلمون من هذا التوجه المتشدد الذي تتبناه الحكومة التي تقودها أحزاب يمينية متطرّفة.
وتسعى حكومة النمسا إلى حظر الحجاب على معلمات المدارس المسلمات، حيث سبق أن دعا وزير التعليم النمساوي هاينز فسمان في 23 من ديسمبر/ كانون الأول 2017، المدرسات إلى عدم ارتداء الحجاب، قائلاً: “أحمل داخلي تعاطفًا مع الدولة العلمانية، وأعتقد أنه ينبغي على المدرسات ألا يتحجبن، باستثناء المدارس الدينية والخاصة”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حظرت الحكومة النمساوية ارتداء النقاب في الأماكن العامة، ويقضي القانون بفرض غرامة على من يغطون وجوههم قدرها 150 يورو، وعدم السماح لهم بدخول البلاد عند الحدود، علمًا بأن هذا الحظر لم يمس سوى 150 امرأةً منقبةً تقريبًا يعشن في النمسا، غير أنه قد أثار جدلاً كبيرًا في البلاد.
استغلال سياسي لعداء الإسلام
عداء الإسلام والمسلمين يسعى من خلاله عديد من السياسيين إلى استغلاله سياسيًا وتقوية حضورهم في المجتمع النمساوي وتحقيق نتائج سياسية مهمة، على حساب الجالية المسلمة هناك، وأظهرت عدة اعتداءات وقعت ضد المسلمين، المدى الذي وصل إليه التعصب ضدهم.
يعتبر الإسلام في النمسا ثاني أكبر دين من حيث الانتشار بعد المسيحية الكاثوليكية، ويصل عدد سكان المسلمين في هذا البلد إلى أكثر من 700 ألف شخص، يؤدون صلواتهم في 200 مسجد، أربعة منها فقط لها مآذن وتقع في فيينا وتيرول وزالتسبورغ والنمسا السفلى.
وتسببت الاعتداءات العنصرية ضد المؤسسات الإسلامية في النمسا، في إثارة مخاوف الجالية المسلمة من موجة عداء ضدهم بدأوا يشعرون بها في حياتهم اليومية، وتتصاعد المخاوف من زيادة الضغوط ضد المسلمين في النمسا واستغلال الأقلية المسلمة في الشأن السياسي الداخلي.